شرح الحديث 73-74 (باب نواقض الوضوء) من بلوغ المرام

 

73 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَيَّنَهُ

 

قال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرا" - ط. المكتبة الإسلامية (1/ 275):

الاحجام: إخراج الدم من الجسم بصفة مخصوصة، ولابد فيه من حذف الحاجم وإلا كان على خطر، الصفة المعروفة في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام- وإلى عهد قريب: أن الحاجم يشرط الجلد في موضع معين، ثم يضع عليه قارورة لها أنبوبة صغيرة، ثم يجذب الهواء حتى يفرغ القارورة، ثم يسد فم الماسورة الصغيرة فتبقى القارورة مفرغة من الهواء، وإذا بقيت مفرغة من الهواء لصقت بالمكان، ثم بدأ الدم يخرج، فإذا امتلأت القارورة انتهى التفريغ وسقطت وهي مملوءة من الدم." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الدارقطني في "سننه" (1/ 276 و 1/ 286) (رقم: 554 و 580)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 221) (رقم: 666)، والخطيب في "الْمُتَّفِقِ والْمُفْتَرِقِ" (3/ 1953) (رقم: 1576)، وابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف" (1/ 191) (رقم: 203)

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 316)

الحديث ضعيفٌ.

قال الحافظ في التلخيص: في إسناده صالح بن مقاتل، وهو ضعيف، قال الدَّارقطني عقبه: صالح بن مقاتل ليس بالقوي، وذكره النَّووي في فصل الضعيف.

ويروى ما يؤيِّد معناه عن عدَّه من الصحابة، منهم:

* عبد الله بن عمر: علَّقه البخاري،

* وابن عباس: رواه الشَّافعي،

* وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو هريرة: ذكرهما الشَّافعي ووصلهما البيهقي،

* وجابر: علَّقه البخاري ووصله ابن خزيمة وأبو داود. وفيه عقيل بن جابر لم يوثِّقه إلاَّ ابن حبَّان صحَّح حديثه، وكذا ابن خزيمة والحاكم،

* وعن عائشة، قال الحافظ: لم أقف عليه." اهـ

 

تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 291)

حديث أنس: لا يثبت، وسليمان بن داود: مجهولٌ، وصالح بن مقاتل: ليس بالقويِّ- قاله الدارَقُطَّنِي (3) -، وأبوه: غير معروفٍ.

وقال البيهقي: في إسناد هذا الحديث ضعفٌ

 

وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (2/ 399_400):

"وَقَالَ فِي بَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت من «سنَنه» : صَالح بن مقَاتل بن صَالح، يروي الْمَنَاكِير.

قلت: وَسليمَان بن دَاوُد مَجْهُول، ووالد صَالح لَا يعرف. وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» بعد أَن أخرجه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة: إِسْنَاده حسن. وَأغْربُ من هَذَا قَول ابْن الْعَرَبِيّ فِي «خلافياته» أَن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ بِإِسْنَاد صَحِيح.

وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ، فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب»:

"رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وضعفوه. وَلَعَلَّه أَرَادَ تَضْعِيف الدَّارَقُطْنِيّ فِي غير «سنَنه». (أَو) أَرَادَ كَلَامه فِي صَالح، كَمَا نَقله الْحَاكِم فِيمَا أسلفناه عَنهُ."

وَذكره فِي «خلاصته» فِي فصل (الضَّعِيف) ثمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ فِي نقض___الْوضُوء بالقيء وَالدَّم والضحك فِي الصَّلَاة، وَلَا عدمِ ذَلِك حَدِيثٌ صَحِيح." اهـ


فالحديث ضعيف: ضعفه سمير بن أمين الزهيري _حفظه الله_ في "تخريج بلوغ المرام من أدلة الأحكام" (ص: 27) (رقم: 79)

 

والآثار في المسألة:

 

وفي "صحيح البخاري" (1/ 46):

وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ، وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ»

وَقَالَ الحَسَنُ: «مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ»

وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٌ، وَأَهْلُ الحِجَازِ: (لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ)،

وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ،

وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ "

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالحَسَنُ: " فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ "

 

وفي "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 172) (رقم: 65) لابن المنذر، و"السنن" لأبي بكر الأثرم (ص: 265) (رقم: 114) واللفظ له:

حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ:

(أن ابن عمر عصر بثرة فِي وَجْهِهِ، فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، وَقَيحٍ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وَرَأَى رَجُلا قَدِ احْتَجَمَ فَخَرَجَ مِنْ مَحَاجِمِهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ حصاة فَسَلَتَ الدَّمَ مِنْ قَفَاهُ ثُمَّ دَفَنَهَا)." اهـ

 

وقال المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (2/ 52):

"وفي الباب: أن الدم لا ينقض عن ابن عمر، وعن ابن عباس، وعن ابن أبي أوفى، وعن أبي هريرة موقوفًا، وعن جابر.

وهي كلها مخرجة موصولة إلا حديث جابر فعلقه البخاري ووصله غيره، والكلام تقدم على هذا قريبا." اهـ

 

تنبيه:

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 276):

"وأتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث ليفيد أن إخراج الدم من البدن لا ينقض الوضوء، ومعلوم أن الحجامة يخرج بها دم كثير، لكن هذا الدم وإن كان كثيرا لا ينقض الوضوء، دليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

وقال عبد الله بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 316_317):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّ الحجامة لا تنقُضُ الوضوء، بل تجوزُ الصلاةُ بعدها.

2 - الحديث مقرِّر للأصل، وهو أنَّ خروج الدَّم من البدن غير الفرجين لا ينقف الوضوء، والأصلُ عدمُ النَّقْضِ حتَّى يقوم ما يرفع الأصل.[1]

3 - المشهورُ من مذهب الإمام أحمد: أنَّ النَّجس الخارج من غير السبيلين إذا فَحُشَ أنَّه ينقُضُ الوضوء.

قال [أبو الفرج ابن قدامة المقدسي] في "الشرح الكبير" [(2/13-14) ت. التركي]:

(النجس من غير السبيلين غير البول والغائط ينقض___كثيره، بغير خلافٍ في المذهب...وقال مالك والشَّافعي وأصحابهما: لا وضوء منه)

واختاره الشيخ تقي الدِّين؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، ولا يصحُّ قياسه على الخارج من السبيل، وإِنَّما هو كالبُصاقِ والمُخَاط، والأصلُ بقاءُ الطهارة حتَّى يأتي ما يرفَعُ هذا الأصلَ،

واختاره شيخُنَا عبد الرحمن السعدي، وتقدَّم الخلافُ في ذلك.

4 - حديثُ عائشة السَّابقُ أنَّ الرُّعافَ والقيء والقَلَسَ ونحوها ممَّا يخرج من البدن من غير السبيلين: ناقضٌ للوضوء، ولكنَّ الحديثَ ضعيف، وعند الترجيح لا يعارِضُ هذا الحديث الذي معنا، لاسيَّما وهذا الحديثُ يقرِّر أصلًا هو أنَّ الأصل بقاء الطهارة.

5 - الحجامة دواء؛ وقد جاء في صحيح البخاري (5680)، عن ابن عبَّاس عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشِّفَاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيَّة نار".

قال ابن القيم:

(إذا كان المرض حَارًّا، عالجناه بإخراج الدَّم بالفصد أو بالحجامة؛ لأنَّ في ذلك استفراغًا للمادة، وتبريدًا للمزاج...ففيه استحباب التداوي، واستحباب الحجامة، وأنَّها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال). [زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 47 و 4/ 56)]

6 - استحباب التداوي؛

ففي مسلم (2204) من حديث جابر أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكلِّ داءٍ دواء، فإذا أصيب بدواء الدَّاء، بَرَأَ بإذْنِ الله عزَّ وجل".

وفي مسند الإِمَام أحمد (17987)، عنَ أسامة بن شريك:

أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا عباد الله تداوَوْا، فإنَّ الله لم يضعْ داءً إلاَّ وضع له شفاءً".[2]

قال ابن القيم -لما ذكر أحاديث التداوي-: فقد تضمَّنت هذه الأحاديث الأسبابَ والمسبَّبات، وإبطالَ قول مَنْ أنكرها...ففي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنَّه لا ينافي التوكل...

فكان هديه -صلى الله عليه وسلم- فِعْلَ التداوي في نفسه، والأمْرَ به لمن أصابه مَرَضٌ من أهله، أو أصحابه." اهـ [انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 13 و4/ 14 و 4/ 9)]

 

 

[تعليق]:

قال ابن تيمية _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (20/ 527):

"وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا فِي السُّنَنِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ، فَتَوَضَّأَ} [صحيح: ت][3]

وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْحِجَامَةِ وَلَا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْوُضُوءِ إذَا جُرِحُوا مَعَ كَثْرَةِ الْجِرَاحَاتِ وَالصَّحَابَةُ نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُ الْوُضُوءِ لَا إيجَابُهُ." اهـ

 

والحديث المذكور في كلام شيخ الإسلام: أخرجه، وصححه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 147) (رقم: 111)

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 276)

والحجامة نوع من أنواع الدواء كما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام-: "إن كان الشفاء في شيء ففي ثلاث" وذكر منها "شرطة محجم". يعني: الحجامة.

والحجامة لا شك أنها تخفف البدن، وأن من اعتادها فإنه لا يمكن أن يخف بدنه إلا باستعمالها،

وأما من لم يستعملها أصلا فإنه لا يتأثر بعدمها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم أحيانا في رأسه، وأحيانا على كاهله حسب ما تقتضيه الحاجة.

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 276_277):

"في هذا الحديث فوائد منها: استعمال الحجامة، وهل هو جائز أو مستحب أو حرام؟

نقول: هاذ الحديث يدل على جوازه، فيبقى الأمر دائرا بين أن يكون مستحبا أو أن يكون حائزا على وجه الإباحة؛ يعني: مستوى الطرفين، فنقول: إذا كان الإنسان يحتاج إليه كان مستحبا اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يحتج إليه نظرنا إن كان يضره إخراج الدم كان حراما، وإن كان لا يضره كان مباحا.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الحجامة لا تنقض الوضوء لقوله: "احتجم وصلى ولم يتوضأ"، وهل يقاس عليها ما يخرج من الجروح من الصديد والماء وما أشبه ذلك؟

الجواب: نعم، يقاس عليها وأولى؛ لأن كثيرا من العلماء يقولون: عن دم الآدمي نجس، وإن الصيد الذي يخرج من جروحه ليس بنجس؛ لأنه استحال إلى صديد، وعلى هذا نقول: يلحق بها ما يخرج من الجروح من الصديد والمياه التي تخرج بسبب الاحتراق وما أشبه ذلك.

وهنا سؤال: هل نحتاج على ذكر أن الحجامة لا تنقض الوضوء؟ لا نحتاج؛ لأن الأصل بقاء الطهارة، والذي يقول: إنها تنقض الوضوء هو المطالب بالدليل، ولكن إذا جاء الدليل مؤيدا الأصل كلن هذا نورا على نور.

فيستفاد من هذا الحديث: أن خروج الدم وإن كان كثيرا لا ينقض الوضوء، وهذا القول هو الراجح، وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان كثيرا نقض الوضوء، وإن كان قليلا لم ينقض وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة - رحمهم الله-، ولكن هذا القول مرجوح،

والصواب: أن___جميع ما يخرج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين أو ما كان قائما مقامه مثل أن يعالج الرجل بعملية يجعل في مثانته أنبوب يخرج منه البول، فهنا نقول: البول الخارج من المثانة عن طريق هذا الأنبوب يكون ناقضا للوضوء، وأما ما خرج - يعني: من غير البول، والغائط- فإنه لا ينقض الوضوء ولو كثر." اهـ

 

[]:

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (11/ 198) (رقم: 138):

"وسُئل فضيلة الشيخ: هل ما يخرج من غير السبيلين ينقض الوضوء؟

فأجاب بقوله: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء قلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط، وذلك أن الأصل عدم النقض، فمن ادَّعى خلاف الأصل فعليه الدليل،

وقد ثبتت طهارة الإنسان بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي، فإنه لا يمكن رفعه، إلا بدليل شرعي، ونحن لا نَخْرُج عما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا، فلا يسوغ لنا أن نُلْزِمَ عباد الله بطهارة لم تجب لا أن نرفع عنهم طهارة واجبة.

فإنْ قال قائل: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ.

قلنا: هذا الحديث قد ضعَّفه أكثر أهل العلم، ثم نقول: إن هذا مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، لأنه خالٍ من الأمر، ثم أنه معارضٌ بحديث - وإن كان ضعيفاً: - أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ. وهذا يدل على أن وضوءه من القيء، ليس للوجوب.

وهذا هو القول الراجح، أن الخارج من بقية البدن لا ينقض الوضوء وأن كَثُر، سواءً كان قيئاً أو لعاباً أو دماً أو ماء جروح أو أي شيء آخر، إلا أن يكون بولاً أو غائطا، مثل أن يُفْتَحَ لخروجهما مكانٌ من البدن، فإن الوضوء ينقتض بخروجهما منه." اهـ

 

وقال الشيخ عطية صقر المصري _رحمه الله_ في "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (8/ 417) بترقيم الشاملة:

وسند هؤلاء فى عدم النقض للوضوء بالرعاف والحجامة والجرح أن الأصل عدم النقض للمتوضئ إلا بما يدل عليه دليل مقبول، ولا يوجد هذا الدليل.

يقول الشوكانى: لا يصار إلى القول بأن الدم أو القئ ناقض إلا بدليل ناهض، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل، والكل من التقول على الله بما لم يقل [يشير بهذا إلى قوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} النحل: 116،ويؤيد قول هؤلاء الحديث عباد بن بشر، فإنه يبعد ألا يطلع النبى صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن وضوءه بطل كما يؤيد هذا القول حديث احتجام النبى صلى الله عليه وسلم وعدم وضوئه وإن كان ضعيفا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

74 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ _رضي الله عنه_، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ، اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ." رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ.

وَزَادَ: "وَمَنْ نَامَ، فَلْيَتَوَضَّأْ"،

 

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ عَلِيٍّ، دُونَ قَوْلِهِ: "اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ"، وَفِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ

 

وَلِأَبِي دَاوُدَ -أَيْضًا- عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَرْفُوعًا: "إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا". وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

 

ترجمة معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنهما_:

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 176) (رقم: 6054):

ع: معاوية بن أَبي سفيان، واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف، أَبُو عَبْد الرحمن___القرشي الأُمَوِي وأمه هند بنت عتبة بْن ربيعة بْن عبد شمس، وهو وأبوه من مسلمة الفتح، وقيل: أنه أسلم زمن الحديبية.

وروي عنه أنه كَانَ يقول: لقد أسلمت فِي عُمَرة القضية ولكن كنت أخاف أن أخرج، وكانت أمي تقول: إن خرجت قطعنا عنك القوت.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 178)

ولاه عُمَر بْن الخطاب الشام بعد أخيه يزيد بْن أَبي سفيان

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 179)

ثم أقره عثمان، وولي الخلافة عشرين سنة.

وَقَال محمد بن إسحاق: كَانَ معاوية أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة.

قال يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْن سعد: توفي فِي رجب لأربع ليال بقين منه سنة ستين.

وَقَال الوليد بْن مسلم: مات فِي رجب سنة ستين، وكانت خلافته تسع عشرة سنة ونصفا....روى له الجماعة.

 

الأعلام للزركلي (7/ 261)

معاوية بن أبي سُفْيَان

(20 ق هـ - 60 هـ = 603 - 680 م)

معاوية بن (أبي سفيان) صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي: مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب المتميزين الكبار. كان فصيحا حليما وقورا.

ولد بمكة، وأسلم يوم فتحها (سنة 8 هـ وتعلم الكتابة والحساب، فجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتَّابه.

ولما ولي (أبو بكر) ولاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدمته في فتح مدينة صيداء وعرقة وجبيل وبيروت.

ولما ولي (عمر) جعله واليا على الأردن، ورأى فيه حزما وعلما، فولاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) وجاء (عثمان) فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. وقتل عثمان، فولي (علي بن أبي طالب)."

 

وفي "الأعلام للزركلي" (7/ 261_262):

ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام وإمامة علي في العراق.

ثم قتل علي وبويع بعد ابنه الحسن، فسلم الخلافة إلى معاوية سنة 41 هـ

ودامت لمعاوية الخلافة الى أن بلغ سن الشيخوخة، فعهد بها إلى___ابنه يزيد ومات في دمشق.

له 130 حديثا، اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.

وهو أحد عظماء الفاتحين في الإسلام، بلغت فتوحاته المحيط الأتلانطيقي، وافتتح عاملُه بمصر بلاد السودان (سنة 43) .

وهو أول مسلم ركب بحر الروم للغزو. وفي أيامه فتح كثير من جزائر يونان والدردنيل. وحاصر القسطنطينية برا وبحرا (سنة 48)

وهو أول من جعل دمشق مقر خلافة،

وأول من اتخذ المقاصير (الدور الواسعة المحصنة والمقصورة كذلك كنّ في المسجد يقصر للخليفة لوقايته)

وأول من اتخذ الحرس والحجاب في الإسلام." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ _رضي الله عنه_، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ، اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ." رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ.

وَزَادَ: "وَمَنْ نَامَ، فَلْيَتَوَضَّأْ"،

 

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ عَلِيٍّ، دُونَ قَوْلِهِ: "اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ"، وَفِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ

 

وَلِأَبِي دَاوُدَ -أَيْضًا- عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَرْفُوعًا: "إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا". وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.


قال علي بن سلطان _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 364):

"(اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ)، أَيِ: انْحَلَّ 

قَالَ الطِّيبِيُّ: 

الْعَيْنَانِ كَالْوِكَاءِ لِلسَّهِ، شَبَّهَ عَيْنَ الْإِنْسَانِ وَجَوْفَهُ وَدُبُرَهُ بِقِرْبَةٍ لَهَا فَمٌ مَشْدُودٌ بِالْخَيْطِ، وَشَبَّهَ مَا يُطْلِقُهُ بِالْغَفْلَةِ عِنْدَ النَّوْمِ بِحَلِّ ذَلِكَ الْخَيْطِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ، 

وَفِيهِ تَصْوِيرٌ لِقُبْحِ صُدُورِ هَذِهِ الْغَفْلَةِ. 

قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَيَقَّظَ، أَمْسَكَ مَا فِي بَطْنِهِ فَإِذَا نَامَ زَالَ اخْتِيَارُهُ وَاسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ، فَلَعَلَّ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَنْقُضُ طُهْرَهُ. وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالنَّوْمِ، وَسَائِرِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ لَيْسَ لِأَنْفُسِهَا، بَلْ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ خُرُوجِ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الطُّهْرُ، وَلِذَا خُصَّ نَوْمُ مُمَكَّنِ الْمَقْعَدِ مِنَ الْأَرْضِ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (4/ 96) (رقم: 16879)، الدارمي في "سننه" (1/ 562) (رقم: 749)، وأبي يعلى الموصلي في "المسند" (13/ 362) (رقم: 7372)، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/ 372) (رقم: 875)، وفي "مسند الشاميين" (2/ 358) (رقم: 1494)، والدارقطني في "سننه" (1/ 293) (رقم: 597)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (5/ 154 و 9/ 304)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 191) (رقم: 579)، وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 366) (رقم: 931). وفيه: بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ (مدلس)، وأَبو بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيمَ (ضعيف)، إلأ أنه تقوى بحديث علي بن أبي طالب.

فالحديث حسن لغيره: حسنه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 103) (رقم: 315)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 761) (رقم: 4148)، من رواية مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_.

 

 

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ عَلِيٍّ، دُونَ قَوْلِهِ: "اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ":

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 52) (رقم: 203):

حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ»

وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 161) (رقم: 477)، وأحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (1/ 111) (رقم: 887)، وأبو يعلى الموصلي في "المعجم" (ص: 215) (رقم: 260)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (9/ 55) (رقم: 3432)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/ 329)، والدارقطني في "سننه" (1/ 295) (رقم: 600)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 190) (رقم: 578)، و"معرفة السنن والآثار" (1/ 367) (رقم: 935).

حسنه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 148) (رقم: 113)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 761) (رقم: 4149)

 

والزيادة الثانية: وهي قَوْلِهِ: "اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ" من حديث علي:

«إِنَّمَا الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ اسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ»

أخرجها أبو يعلى الموصلي في "معجمه" (ص: 215) (رقم: 260)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/ 329).

 

وأما حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_:

فقد أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 52) (رقم: 202):

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا»،

زَادَ عُثْمَانُ، وَهَنَّادٌ: فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ.

وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ[4]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظًا[5]." اهـ

 

وفي رواية للبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 195)

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَنَامُ عَيْنَايَ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي "

 

ثم قال أبو داود عقبه (1/ 52):

"قَوْلُهُ: «الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَمْ يَرْوِهِ، إِلَّا يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ." اهـ

وأخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 111) (رقم: 77)

 

قلت: وفيه يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، صدوق يخطىء كثيرا و كان يدلس

 

والحديث ضعيف: ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" - الأم (1/ 61) (رقم: 26)، وقال:

"وهذا إسناد ضعيف؛ وله أربع علل: ضعف أبي خالد الدالاني، والانقطاع بينه وبين قتادة، والانقطاع بين قتادة وأبي العالية، والوقف.

ولذلك ضعف الحديث البخاريُ وأحمد- كما يأتي- والترمذيُ وإبراهيم الحربي وابن

حزم وغيرهم. ونقل النووي اتفاق أهل الحديث على ضعفه. وممن ضعفه المصنف _رحمه الله_." اهـ

 

من فوائد حديث معاوية _رضي الله عنه_:

 

قل محمود السبكي في "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود" (2/ 247):

"(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من رأى شيئا يظنه مخالفا يطلب منه أن يقف على حقيقته ممن وقع منه وإن كان عظيما، وعلى أنه ينبغى لمن وقع منه أن يجيب عما وجه إليه، وعلى أن النوم حال وضع الجنب على الأرض ناقض للوضوء بخلافه على غير هذه الحالة وهو حجة لأبى حنيفة." اهـ

 

وقال البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 319):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - نقض الوضوء من الرِّيح الخارجة من الدبر بصوتٍ أو بدونه.

2 - الحديثُ يدُلُّ على أنَّ النَّوْمَ ليس بناقضٍ بنفسه، وإنَّما هو مظنَّةُ النَّقض، فلا ينقُضُ إلاَّ النُّوْمُ المستغرقُ الذي هو مظنَّة الحدث، وأَمَّا الخفيف فلا ينقض.[6]

3 - مثل النوم كلُّ ما أزال العقل؛ من جنون، أو إغماء، أو سُكْر، أو غيره، فكله من نواقض الوضوء، بجامع زوالِ الإحساسِ في الكل.

4 - قال علماءُ وظائفِ الأعضاء: إنَّ النَّوْمَ فترةٌ من الخمود مصحوبةٌ بنفي الإدراكِ والشعور، وأكثَرُ أجهزة الجسم توقُّفًا عن العمل أثناءَ النوم، هي المراكزُ العليا للمخ، التي تختصُّ بالإدراك والتمييز والتفكير، والرَّدِّ على المؤثِّرات الخارجية بما يناسبها، ومن أهم مميِّزات النوم: ارتخاء العضلات الإرادية، وعدَمُ القدرة على ضبط النفس." اهـ

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 235)

قال بن رَسْلَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنَ النَّوْمِ كَانَ مَعْلُومًا مُشْتَهِرًا عِنْدَهُمْ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 535):

"قال الجامع _عفا الله عنه_:

أرجح المذاهب عندي: مذهب الإمام الشافعيّ _رحمه الله - لأن به تجتمع الأدلّة، وحاصله أن نوم الممكّن مقعدته من الأرض لا ينتقض، وإلا انتقض مطلقًا، قلّ نومه أو كثُر، في الصلاة أو خارجها.

وأدلّة هذا المذهب كثيرة، منها:

* حديث أنس - رضي الله عنه - المذكور في الباب:

"كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون، ثم يُصلّون، ولا يتوضّئون".

وفي رواية أبي داود:

"كان أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تَخْفِقَ رؤوسهم، ثم يصلّون، ولا يتوضّئون"، وإسناده صحيح.

وفي رواية لأبي داود، والبيهقيّ، وغيرهما:

"كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون، ثم يُصلّون، ولا يتوضّئون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".

وفي رواية للبيهقيّ:

"لقد رأيتُ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقظون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يقومون فيُصلّون ولا يتوضّئون".

* وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شُغل ليلةً عن العشاء، فأخّرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم خرج علينا".

وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "أَعْتَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى رقد الناس، واستيقظوا، ورَقَدوا، واستيقظوا"، رواهما البخاريّ في "صحيحه"، وظاهره أنهم صلَّوا بذلك الوضوء.

وروى مالك، والشافعيّ بإسناد صحيح:

أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان ينام وهو___جالسٌ، ثم يُصلّي ولا يتوضّأ"،

وروى البيهقيّ وغيره معناه عن ابن عبّاس، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وأبي أُمامة - رضي الله عنهم -.

والحاصل: أن أرجح المذاهب مذهب من قال: إن نوم الجالس الممكّن مقعدته لا ينقض الوضوء؛ للأدلّة المذكورة،

وبهذا تجتمع الأدلّة في هذا الباب، وقد أشبعت البحث في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ



[1]  قال الشوكاني _رحمه الله_ في "نيل الأوطار" (1/ 239):

"وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ." اهـ

وقال الصنعاني _رحمه الله_ في "سبل السلام" (1/ 103_104):

"وَالْحَدِيثُ مُقَرِّرٌ لِلْأَصْلِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ تُفِيدُ عَدَمَ نَقْضِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ...لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ، حَتَّى يَقُومَ مَا يَرْفَعُ الْأَصْلَ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ." اهـ

[2]  أخرجه أحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (4/ 278) (رقم: 18454). صححه الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (30/ 394) (رقم: 18454)، والألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1281) (رقم: 4532)

[3]  وفي "تحفة الأحوذي" (1/ 242) للمباركفوري:

"قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": (الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى الْقَيْءِ وَبِسَبَبِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَتَكُونُ هِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّقْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بَعْدَ الْقَيْءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ)، انْتَهَى.

قُلْتُ: قَوْلُهُ (قَاءَ فَتَوَضَّأَ) لَيْسَ نَصًّا صَرِيحًا فِي أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، مِنْ دُونِ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ": (وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ بِلَفْظِ قَاءَ فَأَفْطَرَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ كَانَ مُفْطِرًا لَهُ إِنَّمَا فيه قَاءَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ)، انْتَهَى." اهـ

[4]  وفي "عون المعبود" (1/ 236) لشرف الحق العظيم آبادي_رحمه الله_:

"(وَرَوَى أَوَّلَهُ) أَيْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ (لَمْ يَذْكُرُوا شيئا من هذا) أي سؤال بن عباس عن النبي بِقَوْلِهِ صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ وَجَوَابِهِ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا." اهـ

[5]  وفي "عون المعبود" (1/ 237):

(مَحْفُوظًا) أَيْ عَنْ نَوْمِ الْقَلْبِ (وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) لِيَعِيَ الْوَحْيَ الَّذِي يَأْتِيهِ وَلِذَا كَانَتْ رُؤْيَاهُ وَحْيًا وَلَا تُنْقَضُ طَهَارَتُهُ بِالنَّوْمِ وَكَذَا الْأَنْبِيَاءُ لِقَوْلِهِ إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قلوبنا رواه بن سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ إيراد قول بن عَبَّاسٍ أَوْ عِكْرِمَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ تَضْعِيفُ آخِرِ الحديث

أي سؤال بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ وجوابه بِقَوْلِهِ إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نومه مُضْطَجِعًا نَاقِضٌ لِوُضُوئِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي أَخْرَجَهُ الشيخان ولقول بن عباس أو عكرمة كان النبي مَحْفُوظًا

وَالْحَاصِلُ أَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مُخَالِفٌ فِي الْمَعْنَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عليه

فإن قلت حديث نومه فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَيْثُ كَانُوا قَافِلِينَ مِنْ سَفَرٍ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ إِذْ مُقْتَضَى عَدَمِ نَوْمِ الْقَلْبِ إِدْرَاكُهُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلَا يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ فَكَيْفَ نَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَمِيَتْ وَأَيْقَظَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قُلْتُ إِنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ وَالْقَلْبُ يَقْظَانُ

قَالَهُ النَّوَوِيُّ." اهـ

[6]  وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 43) لأبي الوليد ابن رشد القرطبي:

"وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ المسْتَثْنَى مِنْ هَيْئَاتِ النَّائِمِ الْجُلُوسَ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ (أَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ جُلُوسًا وَلَا يَتَوَضَّؤُونَ وَيُصَلُّونَ)،

وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ عِنْدَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ حَيْثُ كَانَ غَالِبًا سَبَبًا لِلْحَدَثِ، رَاعَى فِيهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الِاسْتِثْقَالَ أَوِ الطُّولَ أَوِ الْهَيْئَةَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْهَيْئَةِ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ غَالِبًا، لَا الطُّولَ وَلَا الِاسْتِثْقَالَ، وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا يَكُونُ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهَا غَالِبًا." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين