شرح الحديث 71-72 (باب نواقض الوضوء) من بلوغ المرام
71 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رَحِمَهُ
اللَّهُ-: "أَنَّ
فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ
إِلَّا طَاهِرٌ" رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا،
وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ. |
تخريج الحديث:
أخرجه مالك في "الموطأ" – ت. الأعظمي (2/
278) (رقم: 680)، وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (1/ 341) (رقم: 1328)،
وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (2/ 103) (رقم: 630)،
وأبو داود في "المراسيل" (ص: 122) (رقم: 93)، وابن بطة في "الإبانة
الكبرى" (5/ 276) (رقم: 43)، وابن أبي داود في "المصاحف" (ص: 427)
عبد الله بن أبى بكر الراوي:
هو عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، أبو محمد، ويقال: أبو بكر، المدني، القاضي (ثقة)،
المولود: سنة 65 هـ، من صغار التابعين، ت.
135 هـ، روى له: خ م د ت س ق
أبو بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم الأنصارى الخزرجى ثم النجارى المدنى القاضي، اسمه كنيته، و قيل كنيته
أبو محمد، من صغار التابعين، المتوفى: 120 هـ، وقيل: غير ذلك. روى له: خ م د ت
س ق، وهو ثقة عابد
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"
(1/ 158) (رقم: 122)، وقال:
"روى من حديث عمرو بن حزم وحكيم بن حزام، وابن
عمر وعثمان بن أبى العاص." اهـ
من فوائد الحديث:
وقال البسام في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام"
(1/ 312_314):
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - عمرو بن حزم الأنصاريُّ حينما بعثه
النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلى نَجْرَانَ، ليفقَّههم في الدِّين كتب له هذا
الكتاب العظيم، الذي جمع كثيرًا من السنن، وتلقَّته الأمَّة بالقبول.___
قال الحاكم: حديث عمرو بن حزم من قواعد الإسلام.
2 - في هذا الكتاب "أنَّه لا يمس القرآن
إلاَّ طاهر"، والمؤلِّف ساقه لبيان منع المُحْدِث حدثًا أصغر من مسَّه، وكذلك
صاحبُ الحَدَثِ الأكبر مِنْ باب أولى.
3 - ظاهر الحديث تحريمُ مَسِّ المصحف بدون
حائل لغير المتوضِّىء.
4 - قال الوزير ابن هبيرة: أجمعوا أَنَّه لا
يجوزُ للمُحْدِثِ مَسُّ المصحف بلا حائل.
وقال شيخ الإسلام: مذهب الأئمة الأربعة: أنَّه لا
يمس المصحف إلاَّ طاهر، والَّذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة هو أنَّ مسَّ المصحف لا
يجوز للمُحْدِثِ، وهو قولُ الجمهور، والمعروفُ عن الصحابة.
5 - للصغير في مَسِّ المصحف وجهان:
أحدهما: المنعُ؛ اعتبارًا بالكبار.
الثاني: الجواز للضرورة؛ فلو لم يُمَكَّنْ منه، لم
يحفظه.
قال في الإنصاف: فيه روايتان في المذهب.
قال الشيخ عبد الله أبابطين: المشهورُ من المذهب:
أنَّه لا يجوز، وفيه روايةٌ عن أحمد بالجواز.
6 - قوله: "إلاَّ طاهر" هذا اللفظ
مشتَرَكٌ بين أربعة أمور:
(أ) المراد بالطاهر المسلم؛ كما قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، فالمراد بها: طهارةٌ معنويَّهٌ
اعتقادية.
(ب) المراد به الطاهرُ من النجاسة؛ كقوله
-صلى الله عليه وسلم- في الهرَّة: "إنَّها ليست بنجس".
(ج) المراد به الطَّاهرُ من الجنابة؛ لما روى
أحمد (640)، وأبو داود (229)، والترمذي (146)، والنسائي (265)، وابن ماجه (594) عن
عليٍّ___-رضي الله عنه-: "أنَّ النبَّي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجزه شيءٌ
عن القرآن ليس الجنابة".
(د) أنَّ المراد بالطَّاهر المتوضِّىءُ؛ لما
روى البخاري (6954)، ومسلم (255) أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ أحَدِكُمْ إذا أَحْدَثَ حَتَّى
يَتَؤَضَّأ".
كل هذه المعاني للطهارة في الشَّرع محتملَةٌ في
المراد من هذا الحديث، وليس لدينا مرجِّح لأحدها على الآخر، فالأولى حَمْلُهَا على
أدنى محاملها، وهو المُحْدِثُ حدثًا أصغر؛ فإنَّه المتيقن، وهو موافق لما ذهب إليه
الجمهور، ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم.
وهذا لا يعطي المسألة دليلاً قاطعًا على تحريم
مَسِّ المصحف للمحدث؛ لأنَّ الشك في صِحَّته موجود، ولكن الاحتياط والأولى هو ذاك.
قال ابن رشد: السبَبُ في اختلافهم تردُّد مفهوم
قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة]، بين أنْ يكون
{الْمُطَهَّرُونَ} هم بنو آدم، وبين أنْ يكونوا هم الملائكة، وبين أنْ يكون هذا
الخبر مفهومه النَّهْي، وبين أنْ يكون خبرًا لا نهيًا.
فمن فهم من {المطهرون} بني آدم، وفهم من الخبر
النَّهي، قال: لا يجوز أنْ يَمَسَّ المصحفَ إلاَّ طاهر.
ومن فهم منه الخبَرَ فقطْ، وفهم من لفظ {المطهرون}
الملائكة، فال: إنَّه ليس في الآية دليلٌ على اشتراط هذه الطهارة لِمَسِّ المصحف،
وإذًا فلا دليلَ من كتابٍ ولا سنَّةٍ ثابتةٍ على قولِ مَنْ لا يرى قبولَ الحديث.
7 - في الحديث تعظيمُ القرآن، وأنَّه يجبُ
احترامه، فلا يجوزُ مَسُّ المصحف بنجاسة، ولا يُجْعَلُ في مكانٍ لا يليق؛ إمَّا
لنجاستِهِ، وإمَّا بجانب صور، أو تعلق آياته بجانب صورٍ، أو يُتْلَى في مكانِ لهوٍ
أو عند الأغاني، أو عند أحدٍ يشرب الدخان، أو في مكان لغطٍ وأصواتٍ، ونحو ذلك
ممَّا يعرِّض كتاب الله تعالى للإهانة."اهـ
وقال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال
والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 272_273):
"ومن فوائده: عظمة القرآن، وأنه يجب أن
ينزه عن النجس سواء قلنا: إنه من كان محدثا، أو قلنا: إنه من كان كافرا.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب
الوضوء لمس المصحف؛ لقوله: "لا يمس القرآن إلا طاهر" هذا ما رجحناه
أخيرا، وإن كنا بالأول نميل أن المراد بالطاهر: المؤمن،
لكن بعد التأمل تبين لي أن المراد بالطاهر: الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر.
وهل المراد "ألا يمس القرآن" يعني:
القرآن الذي في الأوراق؛ بمعنى: لا يضع يده عليه، أي: على المكتوب دون ما كان من
حواشيه وجوانبه؟
الجواب: لا، المراد ألا يمس الذي كتب فيه القرآن
كله،
وعليه فإذا كتب القرآن بوسط الصفحة فجوانبها تمس؛
أي: لا يمسها المحدث، وإذا كان على المصحف جلدة مقواة فإنه يمسها إن كانت لاصقة
به، أما إذا كانت وعاء ينفصل فإنه لا بأس أن يمسها من ليس بمتوضئ.___
ومن فوائد هذا الحديث: أن
المصحف لا يمسه إلا طاهر سواء كان صغيرا أو كبيرا؛ يعني: فالصغير الذي بلغ ست
التمييز لا يمس القرآن إلا إذا تطهر، وقال بعض العلماء: إنه يرخص للصغار في مسه
عند الحاجة، فإن الصغار يعطون شيئا من القرآن، إما في اللوح، وإما بأوراق خاصة
كأجزاء جزء "عم"، جزء "تبارك"، ويشق أن نلزمهم بالوضوء، ولا
شك أنه إذا كان هناك مشقة فإنه لا ينبغي إلزامه؛ لأن من دون البلوغ قد رفع عنه
القلم، لكن يؤمرون ولا يلزمون.
فإن قال قائل: ما تقولون فيمن استدل لهذا بقوله
تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79].
قلنا: لا دليل في الآية، يتبين هذا بتلاوتها {إنه
لقرءان كريم في كتب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} فالضمير هنا يعود إلى أقرب مذكور
وهو "الكتاب المكنون"، وإن كان القول بأنه يعود إلى القرآن من حيث إن
السياق في القرآن والحكم على القرآن، لكن يضعفه قوله: {إلا المطهرون} وهي اسم
مفعول، ولو كان المراد: إلا من تطهر؛ لقال: (إلا المطهرون) أي: المتطهرون، فالآية
ليس فيها دليل على ذلك، لكن بعض العلماء استنبط وقال: إنه إذا كان لا يمس الكتاب
المكنون إلا الملائكة المطهرون، فكذلك أيضا المصحف الذي فيه القرآن الكريم، ولكننا
لسنا بحاجة إلى هذا الاستنباط الذي قد يبدو بعيدا؛ إذ إن لدينا لفظ الحديث."
اهـ
تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 107):
"فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف،
إلا لمن كان طاهرا، ولكن الطاهر لفظ مشترك يطلق
على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة.
ولا بد لحمله على معين من قرينة، فلا يكون الحديث
نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف.
قلت: هذا الكلام اختصره المؤلف من كلام الشوكاني
على الحديث في "نيل الأوطار" 1 / 180 - 181 وهو كلام مستقيم لا غبار
عليه إلا قوله في آخره: "فلا يكون الحديث نصا في منع
المحدث حدثا أصغر من مس المصحف" فإنه من كلام المؤلف.
ومفهومه: أن الحديث نص في منع المحدث حدثا أكبر من
مس المصحف وهو على هذا غير منسجم مع سياق كلامه لأنه قال فيه: "ولا بد لحمله
على معين من قرينة" فها هو قد حمله على المحدث حدثا أكبر فأين القرينة؟!
فالأقرب
- والله أعلم -: أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو
المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة،
لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس" وهو
متفق على صحته.
والمراد:
عدم تمكين المشرك من مسه فهو كحديث: "نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض
العدو" متفق عليه أيضا،
وقد بسَط القول في هذه المسالة الشوكاني قي كتابه
السابق فراجعه إن شئت زيادة التحقيق.
ثم إن الحديث قد خرجته من طرق في "إرواء
الغليل" 122 فليراجعه من شاء.
72
- وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ |
نص الحديث وشرحه:
وقال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 102):
"وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ مَانِعَةٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ _تَعَالَى_."
اهـ
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة
الإسلامية (1/ 274)
هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله في باب نواقض
الوضوء ليفيد أنه لا يشترط لذكر الله أن يكون الإنسان على طهارة؛ لأن الرسول صلى
الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحواله، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل
الذي سلم عليه ولم يرد عليه السلام حتى تيمم، ثم رد عليه السلام، وقال: "إني
أحببت ألا أذكر الله إلا على طهر".[1]
فهذا من باب الاستحباب، وليس من باب الواجب؛ بمعنى:
أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذكر الله أن يكون على طهر، ولكن لو ذكر الله على
طهر فلا إثم عليه ولا حرج علي.
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج (8/ 510)
(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - أنها
(قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ) أي كلّ أوقاته، فـ"على" بمعنى "في"،
و"الأحيان" بالفتح جمع حين، وهو الوقت." اهـ
وقال ابن رجب _رحمه الله_ في "جامع العلوم
والحكم" – ت. الأرنؤوط (2/ 516):
"وَالْمَعْنَى: فِي حَالِ قِيَامِهِ
وَمَشْيِهِ وَقُعُودِهِ وَاضْطِجَاعِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى___طَهَارَةٍ أَوْ
عَلَى حَدَثٍ." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 68 و 1/ 129)،
وأوصله مسلم في "صحيحه" (1/ 282/ 117) (رقم: 373)، وأبو داود في "سننه"
(1/ 5) (رقم: 18)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 463) (رقم: 3384)،
وفي "العلل الكبير" = "ترتيب علل الترمذي الكبير" (ص: 359)
(رقم: 669)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 110) (رقم: 302)، وأحمد في "مسنده"
- عالم الكتب (6/ 70 و 6/ 153 و 6/ 278) (رقم: 24410 و 25200 و 26376)، مسند أبي
يعلى الموصلي (8/ 152 و 8/ 355) (رقم: 4699 و 4937)، صحيح ابن خزيمة (1/ 104)
(رقم: 207)، مسند السراج (ص: 41) (رقم: 22)، مستخرج أبي عوانة (1/ 184) (رقم: 578)،
والطحاوي شرح معاني الآثار (1/ 88) (رقم: 567)، الأوسط في السنن والإجماع
والاختلاف (2/ 100) (رقم: 627)، صحيح ابن حبان - مخرجا (3/ 80_81) (رقم: 801_802)،
التوحيد لابن منده (2/ 35) (رقم: 171)، المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم
(1/ 406) (رقم: 819)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 146) (رقم: 425)، معرفة
السنن والآثار (1/ 329) (رقم: 798)، شرح السنة للبغوي (2/ 44) (رقم: 274)
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"
(1/ 762) (رقم: 406)
من فوائد الحديث:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن المنذر _رحمه الله_ في
"الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (2/ 100):
"فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الذِّكْرُ قَدْ
يَكُونُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ،
فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ ذِكْرِ اللهِ،
فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَا يُثْبَتُ إِسْنَادُهُ، لِأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَلمَةَ تَفَرَّدَ بِهِ،
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ
سَلَمَةَ، وَإِنَّا لَنَعْرِفُ وَنُنْكِرُ.
فَإِذَا كَانَ هُوَ النَّاقِلُ بِخَبَرِهِ، فَجَرَّحَهُ،
بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَلَوْ ثَبَتَ خَبَرُ عَلِيٍّ، لَمْ يَجِبِ
الِامْتِنَاعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَجْلِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنِ
الْقِرَاءَةِ، فَيَكُونُ الْجُنُبُ مَمْنُوعًا مِنْهُ." اهـ
قال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال
والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 274)
"يستفاد من هذا الحديث فوائد:
منها: معرفة عائشة رضي الله عنها بأحوال النبي صلى
الله عليه وسلم، ويتفرع على هذه الفائدة: أن ما روته عن الرسول - عليه الصلاة
والسلام- وعارض ما رواه غيرها فإن روايتها تقدم؛ يعني: أن روايتها مرجحة؛ لأنها من
أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: فضيلة إدامة ذكر الله والاستمرار فيه؛
لقولها:
"يذكر الله على كل أحيانه"،
ولا شك أن ذكر الله حياة للقلب بمنزلة الماء تسقى
به الثمار، لكن بشرط أن يكون الذاكر ذاكر لله تعالى بلسانه وقلبه.
ومنها: أنه
لا يشترط للذكر أن يكون الإنسان على طهارة لقولها: "يذكر الله على كل
أحيانه".
فإن قال قائل: هل يشمل ذلك ما إذا كان الإنسان على
جنابة؟
فالجواب: نعم، يشمل هذا؛ فيجوز للجنب أن يذكر الله
بالتسبيح، والتكبير، والتهليل، وقراءة الأحاديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى من الأقوال إلا ذكرا واحدا وهو القرآن،
فالصحيح أنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن، وإن كانت___المسألة فيها خلاف،
لكن الصحيح أنه لا
يجوز له قراءة القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم_:
"كان لا يحجزه عن القرآن شيء إلا
الجنابة". كلمة "لا يحجزه" يعني: لا يمنعه، ولأنه كان يقرئ أصحابه
القرآن ما لم يكن جنبا. [2]
وهذا يدل على أنه ممنوع أن يقرأ القرآن وهو على
جنابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه البلاغ، ومن البلاغ أن يعلم القرآن،
فإذا كان يمتنع من ذلك إذا كان على جنابة، دل هذا على أنه لا يجوز للجنب أن يقرأ
القرآن؛ لأنه لا يعارض واجب إلا بشيء واجب تركه، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي عليه
جماهير أهل العلم، أن الذي عليه جنابة لا يقرأ القرآن حتى وإن توضأ، بخلاف المكث
في المسجد فيجوز للجنب أن يتوضأ، وأما قراءة القرآن فلا يجوز حتى يغتسل.
وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 510_511):
قال النوويّ - رحمه الله -: هذا الحديث أصلٌ في
جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار، وهذا
جائز بإجماع المسلمين.
وإنما اختلف العلماء في جواز قراءة القرآن للجنب
والحائض، فالجمهور على___تحريم القراءة عليهما جميعًا، ولا فرق عندنا بين آية وبعض
آية، فإن الجميع يَحْرُم،
ولو قال الجنب: "بسم الله"، أو
"الحمد لله"، ونحو ذلك، إن قَصَد به القرآن، حَرُم عليه. وإن قَصَد به
الذكر، أو لم يَقصِد شيئًا، لم يحرُم.
ويجوز للجنب والحائض أن يُجريا القرآن على قلوبهما،
وأن ينظرا في المصحف. ويستحب لهما إذا أرادا الاغتسال أن يقولا: "بسم
الله" على قصد الذكر.
قال الجامع _عفا
الله عنه_:
مسألة قراءة القرآن للجنب والحائض قد حقّقته في
"شرح النسائيّ"، ورجّحت الجواز، وهو مذهب ابن عبّاس، وعكرمة، وسعيد بن
المسيّب، والبخاريّ، والطبريّ، وابن المنذر.
وحجتهم حديث عائشة - رضي الله عنها – هذا.
وحجة من منع _وهم الجمهور_ أحاديثُ كلُّها ضعيفةٌ،
وقد استوفيت بيانها هناك، فراجعه تستفد علمًا جمًّا
[راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى"
4/ 391 - 393]، والله تعالى أعلم.
شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 423_424):
"وأخبر عائشة أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يذكر الله على كل
أحيانه، فإن قراءته القرآن طاهرًا كان اختيارًا منه لأفضل الحالتين[3]،
والحال التى كان يذكر الله فيها ويقرأ القرآن غير
طاهر، فإن ذلك كان تعليمًا منه أن ذلك جائز لهم وغير محظور عليهم ذكر الله وتلاوة
القرآن، إذ بعثه الله إلى خلقه معلمًا وهاديًا،
غير أنى أستحب له أن يقرأ القرآن على أتم أحوال
الطهارة،___وليس ذلك وإن أحببته بواجب، لأن الله لم يوجب فرض الطهارة على عبادة
المؤمنين إلا إذا قاموا إلى الصلاة.
قال المهلب:
فى شهود الحائض المناسك كلها وتكبيرها فى العيدين دليل على جواز قراءتها للقرآن، لأنه من السنة ذكر الله
فى المناسك،
وفى كتابه إلى هرقل بآية من القرآن دليل على ذلك،
وعلى جواز حمل الحائض والجنب القرآن، لأنه لو كان حرامًا لم يكتب النبى إليهم بآى
من القرآن، وهو يعلم أنه يمسونه بأيديهم وهم أنجاس،
لكن القرآن وإن كان لا يلحقه أذى، ولا تناله نجاسة،
فالواجب تنزيهه وترفيعه عمن لم يكن على أكمل أحوال الطهارة، لقوله تعالى: (فى صحف
مكرمة مرفوعة مطهرة) [عبس: 13، 14] ،
فلم يكن إطهاره تكريمه وترفيعه ما ظهر ملك مكرم
الصحف التى وصفها الله تعالى بالطهارة، كما أراك فى رواية القاسم أن قوله تعالى:
(لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 79]
ليس بمعنى الإلزام والحتم، بل بمعنى الأدب
والتوقير،
وأباح للحائض قراءة القرآن لطول أمرها، وكرهه للجنب
إلا الشىء اليسير، لقرب أمره." اهـ
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 315):
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - الحديث مقرِّرٌ للأصْلِ، وهو ذِكْرُ الله
تعالى على كل حالٍ من الأحوال، ولو كان محدثًا أو جنبًا، والذِّكْرُ بالتسبيح
والتهليل والتكبير والتحميد، وشبهها من الأذكار جائزٌ كلَّ حين بإجماع المسلمين.
2 - يدخُلُ في الذكر تلاوةُ القرآن، إلاَّ
أنَّ التلاوة مخصَّصة بحديث عليٍّ -رضي الله عنه- قال: "كان النَّبي -صلى
الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً" [رواه الإمام أحمد (628)،
وأبو داود (229)، والترمذي (146)، والنسائي (265)، وابن ماجه (594)، وصححه
الترمذي].
3 - يخصَّص كذلك بحالة البول والغائط
والجماع. هذا إذا كان الذّكْرُ باللسان، أمَّا الذكْرُ في القلب: فلا مانع منه في
هذه الأحوال، والرَّاجحُ أنَّ مراد عائشة باللسان.
4 - هذا الحديثُ في معنى الآية الكريمة:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191].
تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 109)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل
أحيانه.
رواه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" فهو
بعمومه يشمل حالة الجنابة وغيرها كما أن الذكر يشمل القرآن وغيره." اهـ
تحفة الأحوذي (1/ 348_349):
"قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح قال بن
بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ إِنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ
قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا
الطَّوَافَ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً وَأَعْمَالُ
الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعِ
الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا
أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ وَمَنْعُ الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرَ
اللَّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا
فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي
الْبُخَارِيَّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ
مَجْمُوعُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ
لَكِنَّ أَكْثَرَهَا قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ
وَلِهَذَا تَمَسَّكَ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بالجواز غيره كالطبري وبن
الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ بِعُمُومِ حَدِيثِ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقُرْآنِ
وَبِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ بِالْعُرْفِ
وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ
الْحَافِظُ وَفِي جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ نِزَاعٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ لَكِنَّ
الظَّاهِرَ مِنْ تَصَرُّفِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ
بِحَدِيثِ عَلِيٍّ:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ)، رَوَاهُ
أَصْحَابُ السنن وصححه الترمذي وبن حِبَّانَ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ
رُوَاتِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ
يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ[4]،
لَكِنْ قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ
لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ.
وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ جَمْعًا بين
الأدلة.
وأما حديث بن عمر ___مَرْفُوعًا لَا تَقْرَأُ
الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ
طُرُقِهِ." انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [انظر: "فتح الباري" لابن
حجر (1/ 408_409)]." اهـ
فتح الباري لابن رجب (2/ 45)
وفيه: دليل على أن الذكر لا يمنع منهُ حدث ولا
جنابة، وليس فيهِ دليل على جواز قراءة القرآن للجنب؛ لأن ذكر الله إذا أطلق لا
يراد بهِ القرآن.
واستدلاله بقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا
لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} فَهوَ دليل على جواز التسمية للحائض والجنب؛
فإنهما غير ممنوعين مِن التذكية.
قالَ ابن المنذر: لا أعلم أحداً منع مِن ذَلِكَ.
قالَ: وأجمع أهل العلم على أن لهما أن يذكرا الله ويسبحانه.
فلم يبق مما ذكره البخاري في هَذا الباب سوى قراءة
القرآن، وظاهر كلامه أن الحائض لا تمنع مِن القراءة.
واستدل بكتابة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - البسملة معَ آية مِن القرآن إلى هرقل.
وذكر عن النخعي، أن الحائض تقرأ الآية، وعن ابن
عباس أنه لم ير بالقرآن للجنب بأساً.
أما ابن عباس، فقد حكى عنه جواز القرآن للجنب غير
واحد.
شرح المصابيح لابن الملك (1/ 298):
"وفيه إشارة: إلى أن العبد ينبغي له أن
لا يخلو عن ذِكْرِ؛ تعالى ساعة." اهـ
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 489)
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِكُلِّ أَحَدٍ
أَنْ يُدِيمَ الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَانِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي حَالِ
ذِكْرِهِ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَتَمِّهَا، مُتَطَهِّرًا مِنْ
الْحَدَثَيْنِ، خَاشِعًا حَاضِرَ الْقَلْبِ، كَأَنَّك تَرَى مَذْكُورَك
وَتُخَاطِبُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] .
[1] أخرجه أبو داود في
"سننه" (1/ 5) (رقم: 17): عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ
فَقَالَ " إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى
طُهْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ "
وأخرجه النسائي في "سننه" (1/ 37) (رقم:
38)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 126) (رقم: 350). صححه الألباني في
"سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (2/ 487) (رقم: 834)،
و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 485) (رقم: 2472).
[2] وحديث
علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_ لا يصلح للاحتجاج به لضعفه. فالحديث أخرجه أبو
داود في "سننه" (1/ 59) (رقم: 229): حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَا وَرَجُلَانِ، رَجُلٌ مِنَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحْسَبُ،
فَبَعَثَهُمَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجْهًا، وَقَالَ:
"إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ
دِينِكُمَا، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ، فَدَعَا بِمَاءٍ،
فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،
فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ،
وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ - أَوْ قَالَ: يَحْجِزُهُ
- عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ "
وقال الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل
في تخريج أحاديث منار السبيل" (2/ 241_243) (رقم: 485) مبينا وجه ضعف حديث
علي _رضي الله عنه_:
"وهو
عند الترمذى مختصر بلفظ: " كان يقرئنا القرآن على كل حال مالم يكن جنباً
" وهو رواية ابن أبى شيبة وغيره. وزاد ابن الجارود: " وكان شعبة يقول فى هذا الحديث: نعرف وننكر , يعنى أن عبد
الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو ".
ففى هذا النص إشارة إلى أن ابن سلمة كان تغير حفظه
فى آخر عمره , وأن عمرو بن مرة إنما روى عنه فى هذه الحالة , فهذا مما يوهن الحديث
ويضعفه وقد صرح بذلك جماعة من الأئمة , فقال المنذرى فى " مختصر السنن "
(1/156) : " ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن على إلا من حديث عمرو بن مرة
عن___عبد الله ابن سلمة.
وحكى البخارى عن عمرو بن مرة: كان عبد الله ـ يعنى
ابن سلمة ـ يحدثنا فنعرف وننكر , وكان قد كبر , لا يتابع على حديثه , وذكر الإمام
الشافعى رضى الله عنه هذا الحديث وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه.
قال البيهقى: " وإنما توقف الشافعى فى ثبوت
هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفى , وكان قد كبر وأنكر من حديثه
وعقله بعض النكرة , وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر قاله شعبة ".
وذكر الخطابى أن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
كان يوهن حديث على هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة ".
وخالف هؤلاء الأئمة آخرون , فقال الترمذى: "
حديث حسن صحيح ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه
الذهبى.
وصححه أيضاً ابن السكن وعبد الحق والبغوى فى "
شرح السنة " كما فى " التلخيص " للحافظ ابن حجر.
وتوسط فى " الفتح " فقال (1/348) :
" رواه أصحاب السنن , وصححه الترمذى وابن حبان , وضعف بعضهم [أحد] رواته ,
والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة ".
هذا رأى الحافظ فى الحديث , ولا نوافقه عليه , فإن
الراوى المشار إليه وهو عبد الله بن سلمة قد قال الحافظ نفسه فى ترجمته من "
التقريب ": " صدوق تغير حفظه ".
وقد سبق أنه حدث بهذا الحديث فى حالة التغير
فالظاهر هو أن الحافظ لم يستحضر ذلك حين حكم بحسن الحديث , والله أعلم.
ولذلك لما حكى النووى فى " المجموع "
(2/159) عن الترمذى تصحيحه للحديث تعقبه بقوله: " وقال غيره من الحفاظ
المحققين: هو حديث ضعيف ".
ثم نقل عن الشافعى والبيهقى ما ذكره المنذرى عنهما.
وما قاله هؤلاء المحققون هو الراجح عندنا لتفرد عبد
الله بن سلمة به___ وروايته إياه فى حالة تغيره." اهـ
وقال الألباني _رحمه الله_ في "تمام
المنة في التعليق على فقه السنة" (ص: 109)
مؤكدا ضعف الحديث:
"فهذا
الإمام الشافعي وأحمد والبيهقي والخطابي قد ضعفوا الحديث فقولهم مقدم لوجوه:
الأول: أنهم أعلم وأكثر.
الثاني: أنهم قد بينوا علة الحديث وهي كون راويه قد
تغير عقله وحدث به في حالة التغير فهذا جرح مفسر لا يجوز أن يصرف عنه النظر.
الثالث: أنه قد عارضه حديث عائشة رضي الله عنها
قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) [م]." اهـ
[3] قال شيخنا علامة المدينة
النبوية عبد المحسن العباد _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود" (7/ 3)
بترقيم الشاملة:
"ولكن
الذي حصل في هذا: هو الإشارة إلى ما هو أكمل وإلى ما هو أفضل، والحديث الذي سيأتي
يدل على أن ذلك سائغ وجائز، ولا تنافي بين هذا الحديث والحديث الذي سيأتي والذي
فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه) [م]." اهـ
[4] بل لا يصلح للاحتجاج به
لضعفه. فالحديث أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 59) (رقم: 229):
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَا وَرَجُلَانِ، رَجُلٌ مِنَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحْسَبُ،
فَبَعَثَهُمَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجْهًا، وَقَالَ:
"إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ
دِينِكُمَا، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ، فَدَعَا بِمَاءٍ،
فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،
فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ،
وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ - أَوْ قَالَ: يَحْجِزُهُ
- عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ "
وقال الألباني _رحمه الله_ في إرواء الغليل في
تخريج أحاديث منار السبيل (2/ 241_243) (رقم: 485) مبينا وجه ضعف الحديث:
"وهو
عند الترمذى مختصر بلفظ: " كان يقرئنا القرآن على كل حال مالم يكن جنباً
" وهو رواية ابن أبى شيبة وغيره. وزاد ابن الجارود: " وكان شعبة يقول فى هذا الحديث: نعرف وننكر , يعنى أن عبد
الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو ".
ففى هذا النص إشارة إلى أن ابن سلمة كان تغير حفظه
فى آخر عمره , وأن عمرو بن مرة إنما روى عنه فى هذه الحالة , فهذا مما يوهن الحديث
ويضعفه وقد صرح بذلك جماعة من الأئمة , فقال المنذرى فى " مختصر السنن "
(1/156) : " ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن على إلا من حديث عمرو بن مرة
عن___عبد الله ابن سلمة.
وحكى البخارى عن عمرو بن مرة: كان عبد الله ـ يعنى
ابن سلمة ـ يحدثنا فنعرف وننكر , وكان قد كبر , لا يتابع على حديثه , وذكر الإمام
الشافعى رضى الله عنه هذا الحديث وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه.
قال البيهقى: " وإنما توقف الشافعى فى ثبوت
هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفى , وكان قد كبر وأنكر من حديثه
وعقله بعض النكرة , وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر قاله شعبة ".
وذكر الخطابى أن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
كان يوهن حديث على هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة ".
وخالف هؤلاء الأئمة آخرون , فقال الترمذى: "
حديث حسن صحيح ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه
الذهبى.
وصححه أيضاً ابن السكن وعبد الحق والبغوى فى "
شرح السنة " كما فى " التلخيص " للحافظ ابن حجر.
وتوسط فى " الفتح " فقال (1/348) :
" رواه أصحاب السنن , وصححه الترمذى وابن حبان , وضعف بعضهم [أحد] رواته ,
والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة ".
هذا رأى الحافظ فى الحديث , ولا نوافقه عليه , فإن
الراوى المشار إليه وهو عبد الله بن سلمة قد قال الحافظ نفسه فى ترجمته من "
التقريب ": " صدوق تغير حفظه ".
وقد سبق أنه حدث بهذا الحديث فى حالة التغير
فالظاهر هو أن الحافظ لم يستحضر ذلك حين حكم بحسن الحديث , والله أعلم.
ولذلك لما حكى النووى فى " المجموع "
(2/159) عن الترمذى تصحيحه للحديث تعقبه بقوله: " وقال غيره من الحفاظ
المحققين: هو حديث ضعيف ".
ثم نقل عن الشافعى والبيهقى ما ذكره المنذرى عنهما.
وما قاله هؤلاء المحققون هو الراجح عندنا لتفرد عبد
الله بن سلمة به___ وروايته إياه فى حالة تغيره." اهـ
وقال الألباني _رحمه الله_ في "تمام
المنة في التعليق على فقه السنة" (ص: 109)
مؤكدا ضعف الحديث:
"فهذا
الإمام الشافعي وأحمد والبيهقي والخطابي قد ضعفوا الحديث فقولهم مقدم لوجوه:
الأول: أنهم أعلم وأكثر.
الثاني: أنهم قد بينوا علة الحديث وهي كون راويه قد
تغير عقله وحدث به في حالة التغير فهذا جرح مفسر لا يجوز أن يصرف عنه النظر.
الثالث: أنه قد عارضه حديث عائشة رضي الله عنها
قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) [م]." اهـ
Komentar
Posting Komentar