شرح الحديث 206 - من الأدب المفرد

 

104- باب العبد راع

 

206 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 81 و 83) (رقم: 206 و 212)، صحيح البخاري (3/ 150) (رقم: 2554)، صحيح مسلم (3/ 1459/ 20) (رقم: 1829)، سنن أبي داود (3/ 130) (رقم: 2928)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 208) (رقم: 1705)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 5 و 2/ 54 و 2/ 111) (رقم: 4495 و 5167 و 5901)، مسند البزار = البحر الزخار (12/ 126) (رقم: 5676)

 

والحديث صحيح: "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1090) (رقم: 3685)

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 475)

الرَّاعِي هَاهُنَا الْحَافِظ المؤتمن. وَهَذَا لِأَن الْولَايَة على الْمولى عَلَيْهِ أَمَانَة، لِأَنَّهُ مَأْمُور بِحِفْظ مَا استرعى، فالسؤال عَن حفظ الْأَمَانَة يَقع.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (31/ 728)

قال في "العمدة": الرعيّة كلُّ من شَمِله حِفظ الراعي، ونَظَره، وأصل الرعاية: حِفظ الشيء، وحُسن التعهد فيه، لكن تختلف، فرعاية الإمام هي ولاية أمور الرعية، وإقامة حقوقهم، ورعاية المرأة حُسن التعهّد في أمر بيت زوجها، ورعاية الخادم هو حِفظ ما في يده، والقيام بالخدمة، ونحوها، ومن لَمْ يكن إمامًا، ولا له أهل، ولا سيد، ولا أبٌ، وأمثال ذلك فرعايته على أصدقائه، وأصحاب معاشرته. انتهى." اهـ ["عمدة القاري" 24/ 221]

 

قال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ – في "الأعلام" (1/ 579):

اشتركوا؛ أي: الإمام، والرجل، ومن ذُكِر في التسمية؛ أي: في الوصف بالراعي. ومعانيهم مختلفة، فرعاية الإمام الأعظم: حياطة الشريعة، بإقامة الحدود، والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله: سياسته لأمرهم، وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة: تدبير أمر البيت، والأولاد، والخدم، والنصيحة للزوج في كلّ ذلك، ورعاية الخادم: حِفْظ ما تحت يده، والقيام بما يجب عليه من خدمته." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

قال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (31/ 730_732):

"في فوائده:____

1 - (منها): بيان وجوب حفظ الإمام حقوق الرعيّة، وعدم تساهله في ذلك؛ لأنه مسئول عنهم، وكذا الذين ذُكروا بعده يجب عليهم القيام بما استرعاهم الله تعالى، وجَعَله تحت تصرّفهم، فإنهم مسئولون عنهم أيضًا.

2 - (ومنها): ما قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوبًا لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي أن لا يتصرف إلَّا بما أَذِن الشارع فيه، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه الله تعالى، فعلى السلطان حِفظ الرعيّة فيما يتعيّن عليه، من حِفظ شريعتهم، والذبّ عنها لكل متصدّ لإدخال داخلة فيها، أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، وتَرْك حماية من جار عليهم، ومجاهدة عدوّهم، أو تَرْك سيرة العدل فيهم، فينبغي أن لا يتصرف في الرعيّة إلَّا بما أَذِن الله تعالى، ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، ولا يطلب أجره إلَّا من الله؛ كالراعي. انتهى ["الكاشف عن حقائق السنن" 8/ 2569].

3 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أنَّ المكلَّف يؤاخذ بالتقصير في أمر مَن هو في حكمه.

4 - (ومنها): بيان أن للعبد أن يتصرف في مال سيده بإذنه، وكذا المرأة، والولد.

5 - (ومنها): ما قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كلُّ من ذُكِر في هذا الحديث قد كُلِّف ضبطَ ما أُسند إليه من رعيته، واؤتُمِنَ عليه، فيَجبُ عليه أن يجتهد في ذلك، وينصح، ولا يفرِّط في شيء من ذلك، فإن وفَّى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر، والأجر أكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كلُّ واحدٍ من رعيّته بحقِّه، فكَثُر مُطالبوه، وناقشه محاسبوه؛ ولذلك قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ أميرِ عشرة، فما فوقهم، إلَّا ويُؤتى به يوم القيامة مغلولًا، فإما أن يفكّه العدلُ، أو يُوبقُه الجوْر" [حديث صحيح، أخرجه أحمد 2/ 431]،

وعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، فلم يُحطها بنصحه، إلَّا لَمْ يجد رائحة الجَنَّة"، متَّفقٌ عليه، لفظ البخاريّ،

ولفظ مسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم____يموت، وهو غاشّ لرعيته، إلَّا حرّم الله عليه الجَنَّة"، وفي رواية: "ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح، إلَّا لَمْ يدخل معهم الجَنَّة"، وكلها تأتي في الباب - إن شاء الله تعالى -.

6 - (ومنها): ما قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه حجة أنه لا قَطْع على العبد في مال سيّده، ولا على المرأة في مال زوجها، إلَّا ما حجبه عنها، ولم يجعل لها فيه تصرّفًا، خلافًا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعيّ أنه لا قطع على أحد الزوجين فيما سرق من مال الآخر كيف كان.

7 - (ومنها): أن فيه بيانَ كذب الخبر الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية، قال الحافظ: قرأت في "كتاب القضاء" لأبي عليّ الكرابيسيّ: أنبأنا الشافعيّ، عن عمه - هو محمد بن عليّ - قال: دخل ابن شهاب على الوليد بن عبد الملك، فسأله عن حديث: "إن الله إذا استرعى عبدًا الخلافة، كتب له الحسنات، ولم يكتب له السيئات"، فقال له: هذا كذبٌ، ثم تلا: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}، إلى قوله: {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]،

فقال الوليد: إن الناس ليغرّوننا عن ديننا. انتهى ["الفتح" 16/ 611، كتاب "الأحكام" رقم (7138)]، والله تعالى أعلم." اهـ

 

وتمام الآية:

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ص: 26]

 

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين