شرح الحديث 155-156 (الترهيب من الكلام على الخلاء) - من صحيح الترغيب

 

3 - (الترهيب من الكلام على الخلاء)

 

155 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"لا يتناجي (1) اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك".

 

رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"،

ولفظه كلفظ أبي داود قال:

سمعت رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يقول:

"لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك".

 

رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال عن أبي سعيد.

وعياض هذا روى له أصحاب السنن، ولا أعرفه بجرح ولا عدالة، وهو في عداد المجهولين. (2)

قوله: (يضربان الغائط): قال أبو عمر (3) صاحب ثعلب:

"يقال: ضربت الأرض، إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض، إذا سافرت".

 

__________

(1) (التناجي): تكلُّم كل منهما مع صاحبه سرّاً، وهذا نفي بمعنى النهي.

وقوله: (يمقت) أي: يبغض، وبابه: نصر.

(2) قلت: وهو كما قال، لكن له شاهد من غير طريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه خرجته من أجله في "الصحيحة" (3120)،

ولذلك أوردته في هذا "الصحيح"، وهو من مزايا هذه الطبعة على الطبعات السابقة، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة.

(3) وقع في طبعة مصطفى والمعلقين الثلاثة: "أبو عمرو"، وهو خطأ.

واسمه: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المعروف بـ(غلام ثعلب)، لقب به لصحبته إياه مدة طويلة، وهو من شيوخ الحاكم، مات سنة (345)، له ترجمة في "تذكرة الحفاظ" و"لسان الميزان"، وغيرهما.

 

ترجمة أبي سعيد الخدري _رضي الله عنه_

سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر (وهو خدرة) بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصارى ، أبو سعيد الخدرى المتوفى سنة 63 هـ بـ المدينة، من أصحاب الشجر، روى له :  خ م د ت س ق

 

وقال ابن عبد البر _رحمه الله_ في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (2/ 602):

"أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم." اهـ


وفي "الأعلام" للزركلي (3/ 87):

أَبو سَعِيد الخُدْري (10 ق هـ - 74 هـ = 613 - 693 م)

سعد بن مالك بن سنان الخدريّ الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: صحابي، كان من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلّم وروى عنه أحاديث كثيرة. غزا اثنتي عشرة غزوة، وله 1170 حديثا. توفي في المدينة

 

نص الحديث وشرحه:

 

عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"لا يتناجي اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك". رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-،

 

وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال:

سمعت رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يقول:

"لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك".

 

 

تخريج الحديث:

 

1/ اللفظ الأول: أخرجه ابن ماجه في "صحيحه" (1/ 123) (رقم: 342)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 323) (رقم: 257)، وابن حبان في "صحيحه" (4/ 270) (رقم: 1422)، وأبو شجاع الديلميّ الهمذاني في الفردوس بمأثور الخطاب (5/ 118) (رقم: 7667):

عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"لا يتناجي اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك".

 

2/ اللفظ الثاني:

قال المصنف: رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال: سمعت رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يقول:

"لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك".

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 4) (رقم: 15)، والنسائي في "السنن الكبرى" (1/ 86) (رقم: 37)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (3/ 36) (رقم: 11310)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 39) (رقم: 71)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 340) (رقم: 290)، وابن المقرئ في "الأربعين" (ص: 60) (رقم: 10)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 260) (رقم: 560)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (9/ 46)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 162) (رقم: 483)، وفي "السنن الصغير" (1/ 38) (رقم: 67)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 381) (رقم: 190):

عن أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يَقُولُ:

«لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»

والحديث صحيح لغيره: صرح بذلك الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (17/ 412) (رقم: 11310)

 

فقد ورد الحديث بلفظ آخر:

أخرجه الخطيب في  "تاريخ بغداد" – ت. بشار (13/ 614) (رقم: 4066):

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"إِذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلانِ فَلْيَتَوَارَ أَحَدُهُمَا، عَنْ صَاحِبِهِ، وَلا يَتَحَدَّثَانِ عَلَى طَوْفِهِمَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ "

 

وقال أبو الحسن ابن القطان (المتوفى : 628 هـ) _رحمه الله_ في "بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام" (5/ 260) أثناء بيان ضعف حديث أبي سعيد واعتضاده بحديث جابر:

"والآن فقد بلغنَا إِلَى الْغَرَض الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن للْحَدِيث طَرِيقا جيدا غير هَذَا.

قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، حَدثنَا الْحسن ابْن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، حَدثنَا مِسْكين بن بكير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_:

(إِذا تغوط الرّجلَانِ، فليتوار كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَن صَاحبه، وَلَا يتحدثان على طوقهما، فَإِن الله يمقت على ذَلِك). " اهـ

 

وللحديث شاهد آخر عن السائب الجهني _رضي الله عنه_:

أخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء" (1/ 75) (رقم: 168):

خَلَّادٌ بن السائب الجهني أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ:

إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«... وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلَانِ جَمِيعًا فَلْيَتَفَرَّقَا، وَلَا يَجْلِسْ أَحَدُهُمَا قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»

 

قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 933):

"وهو بهذه الزيادة صحيح؛ فإن لها شاهداً قويّاً من حديث جابر- رضي الله عنه-، مضى الكلام عليه برقم (3120)، وإسناده هنا ضعيف؛ من أجل يزيد بن سنان الرهاوي وابنه." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

وقال العثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 294_295):

"في هذا الحديث فوائد:

منها: أن الدين الإسلامي دين الأدب والخلق الرفيع؛ لأن هذه الحالة التي ذكرت في الحديث لا شك أنها مخالفة للأدب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا أراد الرجلان أن يتغوطا فإن السنة أن يبتعد كل واحد منهما عن الآخر حتى لا يراه فضلا عن كونه يرى عورته.___

ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن التحدث على قضاء الحاجة حتى وإن كان أحدهما لا يرى الآخر كما لو كانا في مرحاضين متجاورين بينهما جدار قصير، فصار كل واحد منهما يحدث الآخر.

ومن فوائد هذا الحديث: إثبات المقت لله؛ أي: إثبات وقوع المقت من الله، وهو أشد البغض وقد ثبتت هذه الصفة - أعني: البغض- بوصف المقت وبوصف البغض أيضا، فجاءت في السنة بلفظ البغض، وجاءت في القرآن بلفظ المقت، قال الله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2].

وأخبر الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يبغض من الرجال البذيء". وهذا يدل على ثبوت هذه الصفة لله عز وجل شديدة وخفيفة: خفيفة في البغض، وشديدة في المقت.

- فما معنى البغض المضاف إلى الله عز وجل، أو المقت؟

نقول: أما أهل السنة والجماعة فيقولون: إنه حقيقة أن الله يبغض ويحب حقيقة؛ لأن هذا ما جاءت به النصوص وهذا أمر غيبي، والأمر الغيبي يجب على الإنسان أن يصدق به على ظاهره،

وأما عند أهل التأويل والتعطيل فيقولون: لا، إن الله لا يبغض ولا يمقت، وإنما المراد بالبغض والمقت: العذاب والانتقام، ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ لأن الانتقام والعقوبة غير البغض ولكنها من لازم البغض، فإذا أبغض الله الإنسان عاقبه وليست هي البغض، وما المانع من أن تقول: إن الله يبغض الشيء، أو يمقت على الشيء على وجه الحقيقة؟ لا مانع، فإذا كان لا مانع وجب علينا أن نصدق به، وألا نحرف الكلم عن مواضعه، وهذا يقال في وصف العجب، والرضا والمحبة، والكراهة، السخط، يقال فيها كما نقول في البغض، يجب إثبات هذه الصفة لله عز وجل على وجه الحقيقة.

ولكن هل يكون بغضه كبغض المخلوقين؟ لا، لماذا؟ لأن لدينا قاعدة عامة محكمة وهي قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. فجميع صفاته - تبارك وتعالى- ونعوته لا يمكن أن تماثل صفات المخلوقين ونعوتهم.

ومن فوائد هذا الحديث: تحريم هذه الهيئة، وهي أن يجتمع اثنان يقضيان حاجتيهما ويتحدثان، بل لو شاء لقلنا: إنه من كبائر الذنوب؛ لأنه رتب عليه الوعيد، وإذا رتب عليه الوعيد فقد ذكر العلماء - رحمهم الله- أن كل ذنب ختم بوعيد فهو من كبائر الذنوب." اهـ

 

وقال عبد الله البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 339_340):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - ذكر الرجلين -تغليبًا-، وإِلاَّ فالحكم يشمل الرِّجال والنِّساء، وهو في حقِّهنَّ أشدُّ وأعظم.

2 - وجوبُ التواري عند إرادة قضاء الحاجة، ولا يَحِلُّ أمامَ النَّاس بحيث يَرَوْنَ عورته.

3 - يحرم التحدُّثُ أثناء قضاء الحاجة مع الغير؛ لما فيه من الدناءة، وقلَّة الحياء، وضياع المروءة؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر أنَّ رجلاً مرَّ على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فسلَّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه.

4 - تحريمُ هذه الأمور مأخوذٌ من أنَّ الله يمقُتُ على ذلك، فالمقتُ أشدُّ من البغض، والله تعالى لا يبغض إلاَّ على الأعمال السيئة، والتحريمُ هو الظَّاهر من الحديث، ولكن مذهب الجمهور أنَّه محمولٌ على الكراهة فقط.

5 - إثباتُ صفة البغض لله تعالى إثباتًا حقيقيًّا يليق بجلاله بدون تشبيهٍ بصفة المخلوقين، ولا تحريفٍ بتفسير البغض بالعقاب.

6 - هكذا صفاتُ الله تعالى يُسْلَكُ فيها مسلك أهل السنَّة والجماعة؛ فهو أسلم___من التعدِّي على كلام الله تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم - بالتشبيه، أو بالتحريف والتَّأويل، الذي لا يستندُ إلى دليل.

ومسلكهم أسلَمُ؛ لأنَّ علم كيفيَّة صفات الله تعالى مبنيةٌ على النَّقْل، لا على العقل المتناقض، ومسلكُهُمْ أحكَمُ؛ لأنَّ الأمور السمعية الغيبية الحكمةُ فيها أنْ يتلقَّاها الإنسان على ما وردَتْ بدون تغيير؛ فهذا منتهى علم الإنسان فيها، فطريقة السلف أعلم وأحكم بشرطين:

الأوَّل: أنْ يتجنَّب التمثيل والتشبيه؛ فالله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى].

الثاني: اجتنابُ التكييف؛ فلا يعتقد أنَّ كيفيَّة صفةِ الله كذا.

فمن آمن بصفاتِ الله تعالى على ما وصَفَ به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجَانَبَ التشبيه والتكييف، فقد حصلت له السَّلامةُ والعلمُ والحكمة، ذلِكَ أنَّه لن يصلَ إلى نتيجة، ومآله إمَّا إلى تعطيل الصفة وهو إنكارُها، أو إلى نتيجةِ التشبيه، وكلاهما ضلال.

 

 

وقال الصنعاني في سبل السلام (1/ 111):

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ التَّحَدُّثِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَتَعْلِيلُهُ بِمَقْتِ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَيْ شِدَّةِ بُغْضِهِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي بَيَانِ التَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إجْمَاعًا، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، فَإِنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ": «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» .

 

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 100):

"وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ وَوُجُوبِ اجْتِنَابه؛ لِأَنَّ الْمَقْتَ هُوَ الْبُغْضُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ،

وَقِيلَ: إنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمً فِي هَذِهِ الْحَالَة،

ذَكَره الْإِمَام الْمَهْدِيُّ فِي الْغَيْث، فَإِنْ صَلَحَ الْإِجْمَاعُ صَلَحَ لِلصَّرْفِ عِنْد الْقَائِل بِحُجِّيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ يُبْعِد حَمْل النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَةِ رَبَطَهُ بِتِلْكَ الْعِلَّة." اهـ

 

وقال الساعاتي في "الفتح الرباني" (1/ 264):

"وهذه الاحاديث انما تدل علي تكلم اثنين حال التغوط ينظر كل واحد منهما الي عورة صاحبه ويتحدثان كأنهما في مجلس مسامرة،

فهذا من الفعل الشنيع الموجب لمقت الله عز وجل، إما أن تغوط رجل واحد وتكلم لضرورة كانقاذ أعمى عن التردي في حفرة أو إرشاد ضال أو طلب حاجة للاستنجاء مثلا، فلا مانع من ذلك؛

وقد صح أن النبي صلي الله عليه وسلم كلم ابن مسعود عند ما أتاه بالروثة والاحجار وسيأتي ذلك والله اعلم." اهـ

 

وقال العثيمين في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (1/ 118):

"وأما إذا لم ينظر أحدهما إلى عورة الآخر؛ فأقلُّ أحواله أن يكون مكروهاً." اهـ

 

وقال ابن النحاس _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 324)

ومنها: أن يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كل منهما إلى عورة الآخر: وذلك حرام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

156 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"لا يخرج اثنان إلى الغائط فيجلسان يتحدثان كاشفين عن عوراتهما، فإن الله يمقت على ذلك".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ليّن.

 

تخريج الحديث:

 

صحيح لغيره: أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (1/ 86) (رقم: 35)، المعجم الأوسط (2/ 65) (رقم: 1264) بإسنادهما عن عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

 

ففيه: عكرمة بن عمار العجلي اليمامي. قال عنه الذهبي _رحمه الله_ في "ميزان الاعتدال" (3/ 91):

"وقال البخاري: (لم يكن له كتاب، فاضطرب حديثه عن يحيى). وقال أحمد: (أحاديثه عن يحيى ضعافٌ، ليست بصحاح)." اهـ

 

فكان الشيخ الألباني _رحمه الله_ قد ضعفه في "ضعيف الجامع" (ص/914) (رقم: 6336)، و"تمام المنَّة" (ص/58-59) ، و"ضعيف سنن أبي داود" (رقم: 3).

 

ثم تراجع _رحمه الله_ عن تضعيفه، وصححه لشواهده في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/175) (رقم: 155)، و"الصحيحة" (7/321_324) (رقم: 3120).

 

من فوائد الحديث:

 

1/ تحريم كشف العورة أمام الآخرين دون ضرورة:

يدل هذا الحديث على أن كشْفَ العورةِ أمام الغير – حتى لو كان بين رجلين – أمرٌ محرم إذا لم تدعُ إليه ضرورة، لأن العورة يجب سترها، واحترام خصوصية الجسد من أدب الإسلام.

 

2/ النهي عن التحدث أثناء قضاء الحاجة:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يتحدث اثنان أثناء قضاء الحاجة، لما في ذلك من قلة الأدب وسوء التصرف، وهو يتنافى مع الحياء الذي هو شعبة من الإيمان.

 

3/ أن الحياء مطلوب حتى في الخلوة:

هذا الحديث يدل على أن الحياء لا يقتصر على التعامل مع الناس في العلن فقط، بل يشمل أيضًا الأوقات الخاصة، مثل: قضاء الحاجة. فالحياء من الله يجب أن يكون في كل الأحوال.

 

4/ مقت الله تعالى لمن يتساهل في هذه الأمور:

قوله: "فإن الله يمقت على ذلك" يدل على أن هذا الفعل ممقوت عند الله، وهذا دليل على شدة قبحه، وأنه لا يليق بالمسلم فعله.

 

5/ أهمية الالتزام بآداب الإسلام في كل أحوال الإنسان:

يعلمنا هذا الحديث أن الإسلام جاء لينظم حياة المسلم كلها، حتى أدق تفاصيلها، وأن الالتزام بالأدب والخلق الحسن مطلوب في جميع الحالات، حتى عند قضاء الحاجة.

 

6/ فيه: وعيد وذم لكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَحْدَهُ وَعَنْ التَّحَدُّثِ وَحْدَهُ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (24/ 301):

"وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَحْدَهُ وَعَنْ التَّحَدُّثِ وَحْدَهُ،

وَكَذَلِكَ قَوْله _تَعَالَى_:

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} [الفرقان: 68، 69]،

فَتَوَعَّدَ عَلَى مَجْمُوعِ أَفْعَالٍ، وَكُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا مُحَرَّمٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الذَّمِّ عَلَى الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الذَّمِّ.

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا مُبَاحًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الذَّمِّ. وَالْحَرَامُ لَا يَتَوَكَّدُ بِانْضِمَامِ الْمُبَاحِ الْمُخَصَّصِ إلَيْهِ." اهـ[1]

 

7/ فيه: بيان آداب قضاء الحاجة

قال عصام موسى هادي الفلسطيني _حفظه الله_ في "السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير" (1/ 102):

"باب آداب قضاء الحاجة." اهـ  

 

 



[1]  وانظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (1/ 50)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين