شرح الحديث 118 (باب بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين

 

[118] الثاني: عن أبي ذر أيضاً _رضي الله عنه_:

أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

«يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ، وَيُجزئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى»

رواه مسلم.

«السُّلامَى» بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.

 


ترجمة أبي ذرٍّ : جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه-

 

( خ م د ت س ق ) : أبو ذر الغفارى : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

اسمه جندب بن جنادة ،

و المشهور : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة ابن حرام بن غفار ،

و قيل : جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار

بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر .

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 12 / 91 :

فى كتاب " الأدب " من ابن ماجة من طريق نعيم المجمر عن طهفة الغفارى عن أبى ذر قال :

"مر بى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا مضطجع على بطنى ، فركضنى برجله، وقال : يا جُنَيْدِبُ ، إنما هذا الضجعة ضجعة أهل النار .

فإن صح إسناده فهو صريح فى أن اسمه جندب" . اهـ .

 

قال مقيده :

أخرجه ابن ماجة في سننه (رقم : 3724)، و أحمد في المسند (3/420 & 5/426)، وصححه الألباني

 

 

و أمه : رملة بنت الوقيعة من بنى غفار بن مليل ، و كان أخا عمرو بن عبسة لأمه.

 

روى عنه أنه قال : أنا رابع الإسلام .

و يقال : كان خامسا فى الإسلام ، أسلم بمكة ، ثم رجع إلى بلاد قومه ، ثم قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

و كان آدم جسيما ، كث اللحية فيما قاله مالك بن دينار ، عن الأحنف بن قيس .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 46)

قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.

ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.

وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 47)

وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.

وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.

وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.

 

تاريخ دمشق - (66 / 188)

عن على : أبو ذر وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 63)

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ :

كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ[1]

 

و مناقبه و فضائله كثيرة جدا .

 

و قال أبو عبيد الآجرى ، عن أبى داود : لم يشهد بدرا و لكن عمر ألحقه مع القراء ، و كان يوازى ابن مسعود فى العلم ، و كان رزق أبى ذر أربعة مئة دينار .

 

قال خليفة بن خياط ، و يحيى بن عبد الله بن بكير ، و أبو عمر الضرير ، و عمرو ابن على ، و أبو عبيد القاسم بن سلام ، فى آخرين : مات سنة اثنتين و ثلاثين (32 هـ).

 

زاد بعضهم : بالربذة فى خلافة عثمان .

 

روى له الجماعة . اهـ .

 

نص الحديث وشرحه:


عن أبي ذر أيضاً _رضي الله عنه_:

أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

«يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ، وَيُجزئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى»

رواه مسلم.

 

مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 178):

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، قَالَ:

«يُصْبِحُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنَ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ»

ثُمَّ قَالَ: «إِمَاطَتُكَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى النَّاسِ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَمُبَاضَعَتُكَ أَهْلَكَ صَدَقَةٌ»

قَالَ: قُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَقْضِي الرَّجُلُ شَهْوَتَهُ، وَتَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ؟"

قَالَ: «نَعَمْ، أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلَ تِلْكَ الشَّهْوَةَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟» قُلْنَا: "بَلَى."

قَالَ: «فَإِنَّهُ إِذَا جَعَلَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ»

قَالَ: وَذَكَرَ أَشْيَاءَ صَدَقَةً صَدَقَةً، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «وَيُجْزِئُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكْعَتَا الضُّحَى»

 

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 69)

قَوْلُهُ «قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ» كَأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَبَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْحَسَنَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مِنْهَا نَفْعٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ» .

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 498/ 84) (رقم: 720)، أبو داود في "سننه" (2/ 26_27) (رقم: 1285_1286)، وأحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (5/ 167 و 5/ 178) (رقم: 21475 و 21548)، وابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص: 127) (رقم: 102)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 151) (رقم: 294)، وابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 228) (رقم: 1225)، وأبو عَوانة في "المستخرج" (2/ 9) (رقم: 2121)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 237) (رقم: 2774)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 67 و 10/ 162) (رقم: 4898 و 20208)

 

من فوائد الحديث:

 

النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 234):

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ." اهـ

 

وقال شرف الحق العظيم آبادي _رحمه الله_ في "عون المعبود" عون المعبود وحاشية ابن القيم (4/ 116)

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ وَالْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 651)

وفي الحديث: كمال شرف هذه الصلاة؛ لأنها تكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء، فإن الصلاة عملٌ لجميع أعضاء الجسد.

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 103):

"قال في القاموس:

"المفاصل: مفاصل الأعضاء، الواحد منها كَمَنْزِلٍ. والمِفْصَلُ: كمِنْبَرٍ. اللسان.

وفي هذا الحديث: فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنَّ الصدقة تكون بغير المال من جميع أنواع فعل المعروف والإِحسان.

وفيه: فضل صلاة الضحى، وأنها تكفي من صدقات الأعضاء؛ لأنَّ الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد، وتنهى عن الفحشاء والمنكر." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 155):

"قالوا: والبدن فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً، ما بين صغير وكبير، فيصبح على كل إنسان كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة.

ولكن هذا الصدقات ليست صدقات مالية، بل هي عامة. كل أبواب الخير صدقة، كل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنك إذا أعنت الرجل في دابته وحملته عليها أو رفعت له___عليها متعة فهو صدقة).

كل شيء صدقة، قراءة القرآن صدقة، طلب العلم صدقة، وحينئذ تكثر الصدقات، ويمكن أن يأتي الإنسان بما عليه من الصدقات، وهي ثلاثمائة وستون صدقة.

 

ورد ذلك في "صحيح مسلم" (2/ 698/ 54) (رقم: 1007):

عن عَائِشَةَ، تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ،

فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ»

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 156):

"وفي الحديث: دليل على أن الصدقة تطلق على ما ليس بمال.

وفيه أيضاً: دليل على أن ركعتي الضحى سنة، سنة كل يوم، لأنه إذا كان كل يوم عليك صدقة على كل عضو من أعضائك، وكانت الركعتان تجزي، فهذا يقضي أن صلاة الضحى سنة كل يوم، من أجل أن تقضي الصدقات التي عليك." اهـ

 

وقال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (15/ 340_342):

"عندي أن القول الراجح هو القول بأن صلاة الضحى مستحبّة، وتُستحبّ المداومة عليها؛ لصحّة الأحاديث بذلك:

(فمنها): ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أوصاني خليلي بثلاث، لا أَدَعُهُنّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر.

ولفظ ابن خزيمة: "أوصاني خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاث، لستُ بتاركهنّ: أن لا أنام إلا على وتر، وأن لا أدع ركعتي الضحى، فإنها صلاة الأوابين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر".

(ومنها): ما أخرجه مسلم عن أبي ذَرّ -رضي اللَّه عنه-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "يُصبح على كل سُلامَى من أحدكم صدقةٌ، فكلُّ تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقةٌ، وكل تكبيرة صدقةٌ، وأمر بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".

وأخرج أحمد، واللفظ له، وأبو داود، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان، عن بُريدة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "في الإنسان ستون وثلاثمائة مَفْصِل، فعليه أن يتصدق عن كل مَفْصِل منها صدقةً"، قالوا: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "النخاعة في المسجد تَدْفِنها، أو الشيء تُنَحِّيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى، تجزئ عنك".

(ومنها): ما أخرجه مسلم والنسائيّ عن أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- قال: "أوصاني حبيبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاثٍ، لن أدعهن ما عِشْتُ: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر".

(ومنها): حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيّةً، فغَنِمُوا، وأسرعوا الرَّجْعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم، وكثرة غنيمتهم، وسرعة رَجعتهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أدلكم على أقرب منه مَغْزًى، وأكثر غنيمةً، وأوشك رَجْعةً، مَن توضأ، ثم غدا إلى المسجد___لسبحة الضحى، فهو أقرب مَغْزًى، وأكثر غنيمةً، وأوشك رجعةً". قال المنذريّ: رواه أحمد، من رواية ابن لَهِيعة، والطبرانيّ بإسناد جيّد. انتهى. وابن لَهِيعة متكلّم فيه، لكن تابعه ابن وهب عند الطبرانيّ، راجع: ما كتبه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيح الترغيب"

(ومنها): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: بَعَث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْثًا، فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكرَّة، فقال رجل: يا رسول اللَّه، ما رأينا بعثًا قط أسرع كرةً، ولا أعظم منه غنيمةً من هذا البعث، فقال: "ألا أخبركم بأسرع كَرّةً منه، وأعظم غنيمةً، رجلٌ توضأ في بيته، فأحسن وضوءه، ثم تَحَمَّل إلى المسجد، فصلى فيه الغداة، ثم عَقَّب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرّة، وأعظم الغنيمة"، رواه أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح، والبزّار، وابن حبّان في "صحيحه"، وبيَّن البزّار في روايته أن الرجل أبو بكر -رضي اللَّه عنه-.

(ومنها): حديث عقبة بن عامر الجهنيّ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه عزَّ وجلَّ يقول: يا ابن آدم اكفني أول النهار بأربع ركعات، أكفك بهنّ آخر يومك"، رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

(ومنها): حديث أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه تعالى يقول: يا ابن آدم، لا تُعجزن من الأربع ركعات، من أول نهارك، أكفك آخره"، رواه أحمد بإسناد صحيح.

وأخرجه أبو داود من حديث نعيم بن هَمّار -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يقول اللَّه عزَّ وجلَّ: يا ابن آدم، لا تُعجِزني من أربع ركعات في أول نهارك، أكفك آخره"، ورجاله رجال الصحيح.

(ومنها): حديث أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاجّ المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى، لا يَنصِبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إِثْرِ صلاة، لا لغوَ بينهما كتاب في عِلِّيِّين"، حديث حسنٌ، رواه أبو داود.

(ومنها): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُحافظ___على صلاة الضُّحى إلا أوّاب، قال: وهي صلاة الأوّابين"، رواه الطبرانيّ، وابن خزيمة في "صحيحه"

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من هذه الأحاديث الصحيحة، واتّضح تمام الاتّضاح سنيّة صلاة الضحى، واستحباب المداومة عليها، ومن الغريب بعد هذا كلّه ميل بعض المحقّقين كابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلى القول بأنها إنما تُفعل بسبب من الأسباب، كالقدوم من السفر، ونحو ذلك، مؤوّلًا الأحاديث المذكورة تأويلًا بعيدًا [راجع: "زاد المعاد" 1/ 357]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 157):

"فالحاصل أن الإنسان قد فتح الله له أبواب طرق الخير كثيرة، وكل شيء يفعله الإنسان من هذه الطرق، فإن الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. والله الموفق." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 153_154):

"ينبغي للإنسان أن يغتنم عمره بصالح الأعمال، لأنه سوف يندم إذا جاءه الموت أن أمضى___ساعة من دهره لا يتقرب بها إلى الله عز وجل كل ساعة تمر عليك، وأنت لا تتقرب إلى الله بها، فهي خسارة لأنها راحت عليك لم تنتفع بها.

فانتهز الفرصة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والتعلق بالله _عز وجل_، اجعل قلبك دائما مع الله _سبحانه وتعالى_ ربك في السماء وأنت في الأرض لا تغفل عن ذكر الله بلسانك وفي فعالك وبجنانك بالقلب، فإن الدنيا زائلة لن تبقى لأحد.

انظر الأولين من سبقك من الأمم السابقة والماضية البعيدة المدى وانظر من سبقك من أصحابك بالأمس كانوا معك يتمتعون، ويأكلون كما تأكل، ويشربون كما تشرب والآن هم في أعمالهم مرتهنون وأنت سيأتي عليك هذا طالت الدنيا أم قصرت.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]،

فانتهز الفرصة يا أخي انتهز الفرصة لا ينفعك يوم القيامة لا مال ولا بنون ولا أهل لا ينفعك إلا أن تأتي الله بقلب سليم أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يأتي ربه بقلب سليم وأن يتوفانا على الإيمان والتوحيد إنه على كل شيء قدير." اهـ

 

وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/ 367):

"وَإِنَّمَا قَامَت الركعتان مقَام ذَلِك لِأَن جَمِيع الْأَعْضَاء تتحرك فِيهَا بِالْقيامِ وَالْقعُود فَيكون ذَلِك شكرها." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 62):

"يكفى من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء، إذ الصلاة عملٌ لجميع أعضاء الجسد، ففيه: بيان عظيم فى فضل صلاة الضحى، وجسيم أجرها

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (15/ 359):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل ركعتي الضحى، حيث إنها قامت مقام ثلاثمائة وستين صدقةً يصّدّق بها العبد شكرًا لما أولاه اللَّه تعالى من نعم السُّلامى.

2 - (ومنها): بيان أن أدنى عدد صلاة الضحى ركعتان، وقد تمَّ البحث فيه مستوفى قريبًا.

3 - (ومنها): بيان عظيم فضل اللَّه تعالى على الإنسان، حيث خفّف عنه شكر ما أولاه من نعمه، بإجزاء ركعتي الضحى عن جميع ما عليه من أنواع الصدقات والبرّ، سبحانك ما أجزل فضلك، واللَّه ذو الفضل العظيم، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

وقال شرف الحق العظيم آبادي _رحمه الله_ في "عون المعبود" (4/ 116_117):

"وَحَاصِلُهَا أَنَّ الضُّحَى سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ كِلَاهُمَا أَكْمَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدُونَ ثَمَانٍ

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ فِي نَفْيِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَإِثْبَاتِهَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِفَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا فِي بِعْضِهَا خَشْيَةَ ___أَنْ تُفْرَضَ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي موضع آخر وإذا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْتُهُ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 179)

في هذا الحديث من الفقه أن الإنسان قد أعطاه الله عز وجل خلقه، قال الله تعالى: {الذي أعطى كل شيء خلقه} وفي معنى الآية وجهان: أحدهما: أعطى خلقه كل شيء. والثاني: أنه أعطى كل شيء خلقه أي وهب للآدمي خلقه، فجملة عظام الآدمي هبة من الله تعالى له.

*وتفصيل ذلك: أن كل سلامى هبة من الله عز وجل للآدمي -قال أبو عبيدة: (معنى الحديث على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة) فإذا نظر الآدمي في خلق نفسه، ورأى أنه لو قد أعوزه من عظامه عظم واحد لأدخل عليه حياته___

الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 180)

كما لو زاد، ورأى أن ذلك كله لم يكن له هو فيه صنع، وأن عظام الآدمي ما بين طوال وقصار، ودقاق وغلاظ، فلو قد قصر الطويل منها أو طال القصير أو دق الغليظ، وغلظ الدقيق لاختل بذلك نفعه. فإذا صح المؤمن، وقد أعطي الآن الحركة لما أتقن فيه من تركيب العظام وجعلها جسما صلبًا لا يضعف منه انبوب ساقه عن حمل بدنه نفسه، وعن حمل ما يحمله بدنه أيضًا ولا عظم زنده عن إقلال حمل ما يرفعه بيده، ولا عظام أضلاعه عن وقاية حشاه، ولا عظم نافوخه عن صيانة دماغه، تعين عليه أن يشكر فاعل هذا به شكرًا محتمًا، فنبه الشرع على أن يقابل هذه النعمة بما ذكره، إلا أنه لطف به في تسمية ذلك صدقة مخرجًا لها مخرج ما يثاب عليه ويؤجر فيه، ثم احتسب له بقول (سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وأمر بمعروف ونهي عن منكر)، ثم لطف به حتى جمع ذلك كله بأن يصلي ركعتين من الضحى على معنى أنه إذا قام فدعمته عظامه، وإذا ركع استوت له عظامه في ركوعه، وإذا سجد وجلس فحينئذ يذكر بهاتين الركعتين مطاوعة الأعضاء له في جميع أشغاله فيكون بهاتين الركعتين جامعًا لشكر هذه العظام عن جميع أشغاله من غير الصلاة كالنعمة بها عليه في الصلاة.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين