شرح الحديث 117 ( 13- باب في بيان كثرة طرق الخير) من رياض الصالحين
وأما
الأحاديث فكثيرة جداً، وهي غيرُ منحصرةٍ، فنذكُرُ طرفاً، مِنْهَا: [117]
الأول: عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ _رضي الله عنه_، قَالَ : * قُلْتُ:
يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ:
«الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ» . * قُلْتُ:
أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ:
«أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً» . * قُلْتُ:
فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قَالَ:
«تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ» . * قُلْتُ:
يَا رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَالَ:
«تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ» . مُتَّفَقٌ عليه. (الصانِعُ) بالصَّاد
المهملة، هَذَا هُوَ المشهور. ورُوِى (ضَائعاً) بالمعجمة: أيْ ذَا ضِياع مِنْ
فقْرِ أوْ عِيالٍ، ونْحو ذلكَ. (والأخْرَقُ): الَّذي لا يُتقنُ مَا يُحاوِلُ
فِعْلهُ. |
ترجمة
أبي ذرٍّ : جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه-
( خ م د ت س ق
) : أبو ذر الغفارى : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمه
جندب بن جنادة ،
و المشهور :
جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة ابن حرام بن غفار
،
و قيل : جندب
بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار
بن مليل بن
ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر .
قال
الحافظ في تهذيب التهذيب 12 / 91 :
فى كتاب
" الأدب " من ابن ماجة من طريق نعيم المجمر عن طهفة الغفارى عن أبى ذر
قال :
"مر بى
النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا مضطجع على بطنى ، فركضنى برجله، وقال : يا جُنَيْدِبُ ، إنما هذا الضجعة ضجعة أهل النار .
فإن صح إسناده
فهو صريح فى أن اسمه جندب" . اهـ .
قال
مقيده :
أخرجه ابن
ماجة في سننه (رقم : 3724)، و أحمد في المسند (3/420 & 5/426)، وصححه الألباني
و
أمه : رملة
بنت الوقيعة من بنى غفار بن مليل ، و كان أخا عمرو بن
عبسة لأمه.
روى عنه أنه
قال : أنا رابع الإسلام .
و يقال : كان
خامسا فى الإسلام ، أسلم بمكة ، ثم رجع إلى بلاد قومه ، ثم قدم المدينة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
و كان آدم
جسيما ، كث اللحية فيما قاله مالك بن دينار ، عن الأحنف بن قيس .
سير أعلام
النبلاء ط الرسالة (2/ 46)
قُلْتُ:
أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ
خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ
رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ
يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
سير أعلام
النبلاء ط الرسالة (2/ 47)
وَقِيْلَ:
كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ
رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً
بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ
فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
تاريخ دمشق -
(66 / 188)
عن على : أبو
ذر وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض
سير أعلام
النبلاء ط الرسالة (2/ 63)
عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، قَالَ :
كُنْتُ رِدْفَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ
بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ[1]
و مناقبه و
فضائله كثيرة جدا .
و قال أبو
عبيد الآجرى ، عن أبى داود : لم يشهد بدرا و لكن عمر ألحقه مع القراء ، و كان
يوازى ابن مسعود فى العلم ، و كان رزق أبى ذر أربعة مئة دينار .
قال خليفة بن
خياط ، و يحيى بن عبد الله بن بكير ، و أبو عمر الضرير ، و عمرو ابن على ، و أبو
عبيد القاسم بن سلام ، فى آخرين : مات سنة اثنتين
و ثلاثين (32 هـ).
زاد بعضهم :
بالربذة فى خلافة عثمان .
روى له
الجماعة . اهـ .
نص
الحديث وشرحه:
الأول: عن أبي
ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ - رضي الله عنه – قَالَ :
* قُلْتُ: يَا
رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟
قَالَ:
«الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ» .
* قُلْتُ:
أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟
قَالَ:
«أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً» .
* قُلْتُ:
فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (5/ 149):
"قَوْلُهُ:
(فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ)، أَيْ: مِنَ الصِّنَاعَةِ أَوِ الْإِعَانَة."
قَالَ:
«تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ» .
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (5/ 149):
"قَالَ
أَهْلُ اللُّغَةِ رَجُلٌ أَخْرَقُ لَا صَنْعَةَ لَهُ وَالْجَمْعُ خُرْقٌ بِضَمٍّ
ثُمَّ سُكُونٍ وَامْرَأَةٌ خَرْقَاءُ كَذَلِكَ." اهـ
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (9/ 123):
"خَرْقَاءَ
_بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ_: هِيَ
الَّتِي لَا تَعْمَلُ بِيَدِهَا شَيْئًا، وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَخْرَقِ: وَهُوَ
الْجَاهِلُ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ." اهـ
وفي
"أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (2/ 1266) للخطابي:
"الأخرق:
هو الذي ليس في يده صنعة." اهـ
وفي
"شرح صحيح البخارى" لابن بطال (7/ 35)"
"(أو
تصنع لأخرق)، يعنى:
عاملاً لا يستطيع عمل ما يحاوله، والخرق لا يكون إلا فى اليدين، وهو الذى لا يحسن
الصناعات." اهـ
* قُلْتُ: يَا
رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟
قَالَ:
«تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ» . مُتَّفَقٌ عليه.
قال المؤلف
بعد سرد الحديث:
"(الصانِعُ) بالصَّاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، ورُوِى (ضَائعاً) بالمعجمة: أيْ ذَا ضِياع مِنْ فقْرِ أوْ عِيالٍ،
ونْحوِ ذلكَ. (والأخْرَقُ): الَّذي لا يُتقنُ مَا
يُحاوِلُ فِعْلهُ.
وفي
التوشيح شرح الجامع الصحيح (4/ 1743) للسيوطي :
"(تعين
ضائعًا): بالضاد المعجمة، وبعد الألف تحتية بالاتفاق، وخبط من قال من شراح البخاري
أنَّه روى بالصاد المهملة والنون للاتفاق على أن هشامًا إنما رواه بالمعجمة،
والياء، وقد تنبه الزهري إلى التصحيف، ووافقه
الدارقطني لمقابلته بالأخرق، وهو الَّذي ليس بصانع، ولا يحسن العمل." اهـ
وفي
رواية فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى :
عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
{عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ."
* قِيلَ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَجِدْ؟
قَالَ:
يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ"،
* قَالَ : "أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟"
قَالَ :
"يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفِ."
* قَالَ : قِيلَ لَهُ : "أَرَأَيْت إنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ؟"
قَالَ:
يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الْخَيْرِ."
* قَالَ : أَرَأَيْت؟ إنْ لَمْ يَفْعَلْ
قَالَ:
يُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ}
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (3/ 144) (رقم: 2518)، وفي "الأدب المفرد" (ص: 86
و 88 و 114) (رقم: 220 و 226 و 305)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 89/ 136) (رقم:
84)، والحميدي في "مسنده" (1/ 224) (رقم: 131)، وابن أبي شيبة في
"المصنف" (5/ 336) (رقم: 26648)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم
الكتب (5/ 150 و 5/ 163 و 5/ 171) (رقم: 21331 و 21449 و 21500)، والبزار في "البحر
الزخار" (9/ 428) (رقم: 4038)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر
الصلاة" (2/ 823) (رقم: 822)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة"
(ص: 139) (رقم: 274)، وابن الجارود في "المنتقى" (ص: 244) (رقم: 969)، وابن
حبان في "صحيحه" (10/ 148 و 10/ 456) (رقم: 4310 و 4596)، والبيهقي في "السنن
الكبرى" (6/ 135 و 6/ 446 و 9/ 456 و 10/ 461) (رقم: 11439 و 12595 و19081 و 21314)،
وفي "شعب الإيمان" (6/ 81 و 6/ 184 و10/ 90) (رقم: 3908 و 4034 و 7211)،
وغيرهم.
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
وفوائدها" (7/ 1717) (رقم: 3989)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (2/
1010) (رقم: 3383).
من
فوائد الحديث :
مجموع الفتاوى
(18/ 372) لشيخ الإسلام :
فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَجَعَلَهَا خَمْسَ
مَرَاتِبَ عَلَى الْبَدَلِ:
الْأُولَى: الصَّدَقَةُ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ اكْتَسَبَ
الْمَالَ____فَنَفَعَ وَتَصَدَّقَ.
وَفِيهِ
دَلِيلُ وُجُوبِ الْكَسْبِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَيُعِينُ الْمُحْتَاجَ
بِبَدَنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ،
فَيَكُفُّ عَنْ الشَّرِّ.
فَالْأُولَيَانِ
تَقَعُ بِمَالِ إمَّا بِمَوْجُودِ أَوْ بِمَكْسُوبِ، وَالْأُخْرَيَانِ تَقَعُ
بِبَدَنِ: إمَّا بِيَدِ، وَإِمَّا بِلِسَانِ." اهـ
مجموع الفتاوى
(29/ 380)
فَإِنَّهُمْ
كَانُوا يَكْتَسِبُونَ الْأَمْوَالَ بِالْوُجُوهِ وَاكْتِسَابُ الْمَالِ مَعَ
إنْفَاقِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَمَلٌ صَالِحٌ
فتح الباري
لابن حجر (5/ 149)
"قَوْلُهُ
(تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ)
فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عَنْ الشَّرِّ دَاخِلٌ فِي فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَكَسْبِهِ
حَتَّى يُؤْجَرَ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبَ غَيْرَ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَحْصُلُ مَعَ
الْكَفِّ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ لَا مَعَ الْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ
قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مُلَخَّصًا[2]."
اهـ
المفهم لما
أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 38_39)
قوله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ وقد سُئِلَ عن أفضلِ الأعمال : (الإْيمَانُ بِاللهِ) يدلُّ على أنَّ الإيمانَ من جملة الأعمالِ، وداخلٌ فيها ، وهو
إطلاقٌ صحيحٌ لغةً وشرعًا ؛ فإنَّه عملُ القلب وكسبه ، وقد بَيَّنَّا أنَّ
الإيمانَ هو التصديقُ بالقلب ، وأنَّهُ منقسمٌ إلى ما يكونُ عن برهان ، وعن غير
برهان.
ولا
يُلْتَفَتُ لخلافِ مَنْ قال : إنَّ الإيمانَ لا يسمَّى عملاً ؛ لجهله بما
ذكرناه.___
ولا يخفَى
أنَّ الإيمانَ بالله تعالى أفضلُ الأعمال كلِّها ؛ لأنَّه متقدِّمٌ عليها ، وشرطٌ
في صحَّتها ، ولأنَّه من الصفات المتعلِّقة ، وشرفُهَا بحسب متعلَّقاتها ،
ومتعلَّقُ الإيمانِ : هو الله تعالى ، وكتبُهُ ، ورسلُهُ ، ولا أشرَفَ من ذلك ؛
فلا أشرَفَ في الأعمال من الإيمان ، ولا أفضَلَ منه." اهـ
فتح الباري
لابن حجر (5/ 149):
وَفِي
الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِهَادَ أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان
فتح الباري
لابن حجر (5/ 149):
وَقِيلَ
قَرَنَ الْجِهَادَ بِالْإِيمَانِ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ أَفْضَلَ
الْأَعْمَالِ،
وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ تَفْضِيلُ الْجِهَادِ فِي حَالِ تَعَيُّنِهِ وَفَضْلُ بِرِّ
الْوَالِدَيْنِ لِمَنْ يَكُونُ لَهُ أَبَوَانِ فَلَا يُجَاهِدُ إِلَّا
بِإِذْنِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَجْوِبَةَ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ
أَحْوَالِ السَّائِلِينَ[3]
فتح الباري
لابن حجر (5/ 149)
وَفِي
الْحَدِيثِ حُسْنُ الْمُرَاجَعَةِ فِي السُّؤَالِ وَصَبْرُ الْمُفْتِي
وَالْمُعَلِّمِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَرِفْقُهُ بِهِ[4].
وَقَدْ روى بن
حِبَّانَ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ
أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا تَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ
مِنْهَا سُؤَالُهُ____عَنْ :
أَيُّ
الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ، وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمُ، وَأَيُّ الْهِجْرَةِ
وَالْجِهَادِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ أَفْضَلُ،
وَفِيهِ
ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَدَدِهِمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ وَآدَابٌ كَثِيرَة
من أوَامِر ونواهي وَغير ذَلِك."
فتح الباري
لابن حجر (5/ 150)
قَالَ بن
الْمُنِيرِ :
"وَفِي
الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِعَانَةَ الصَّانِعِ أَفْضَلُ مِنْ إِعَانَةِ
غَيْرِ الصَّانِعِ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّانِعِ مَظِنَّةُ الْإِعَانَةِ، فَكُلُّ
أَحَدٍ يُعِينُهُ غَالِبًا بِخِلَافِ الصَّانِعِ فَإِنَّهُ لِشُهْرَتِهِ
بِصَنْعَتِهِ يُغْفَلُ عَنْ إِعَانَتِهِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الصَّدَقَةِ عَلَى
المستور."[5]
اهـ
الإفصاح عن
معاني الصحاح (2/ 171_172)
* في هذا
الحديث من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن جواب المسألة فبدأ
بالأس، وقدم الأصل، فقال: حين سأله: أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، وهذا إن
كان قد جاء جوابًا عن أقوال السائل أفضل؟ مع أن العرف ينصرف فيه إلى مفاضلة بين
فاضلين، فإن معناها ها هنا ألزم وأوجب لأنه إنما يبتني باقي المسائل عليه.
* ثم أتبعه
بالجهاد في سبيل الله وهو باب الله الأعظم، فإن الجهاد في سبيل الله على شدته
ومشقته هو مقتضى الإيمان. وقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله
ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا}.
* أما سؤاله
أي الرقاب أفضل؟ فإنه أجابه - صلى الله عليه وسلم - بجواب الحق من أن الرقاب مال،
وإن زيادة هذا المال بزيادة نفاسة الرقبة، فإنه قد يتفاوت في ذل التفاوت البين.
* وقوله: (قلت
فإن لم أفعل؟) وهذا من حسن أدب أبي ذر، فإنه لما ذكر حال يقتضي التقصير من
المؤمنين لم ير أن ينسبها إلى غيره. فقال (فإن لم أفعل؟) أي إن كانت نفسي أنا لا
تسمح بأن تعتق أنفس الرقاب، ولم يقل ذلك عن غيره، فقال له: (تعين ضائعًا) الضائع
قد يكون في ضلالة، وقد يكون من سوء تدبيره وهو شديد الحاجة إلى من يعينه وليس على
معينه كبير خسران، فإنما يعينه بفاضل قوته أو بعزيز رأيه. وقد روي صانعًا
(بالمهملة) وأتى بذلك نكرة ولم يقل تعين الصانع؛ لأنه قد يكون في الصناع من لا
يحسن هذا المعين أن يعينه في صناعته، وإنما قال صانعًا من الصناع يمكنك أن تعينه
(أو تصنع____لأخرق) الأخرق قد يكون في رأيه، ومعنى تصنع له أي ترقع له ما خرقه
بخرقه ومطلع اللفظين أعني قوله: أن تعين صانعًا أو تصنع لأخرق، متقارب في الاحتمال
ويكشفهما التفصيل. (والأخرق) هو المسيء التدبير.
* وقوله:
أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس.
* في هذا من
الفقه إن الإنسان إذا ضعف عن أن يعمل الخير فينبغي أن يكون أقل أحواله الكف عن
الشر، فإنه إذا لم يطق أن يعمل خيرًا فلا أقل من أن لا يعمل شرًا. وهذا من غاية
تنبيهاته - صلى الله عليه وسلم - ولطفه في حسن الموعظة.
* وقوله:
(فإنها صدقة منك على نفسك) في هذا من الفقه أن الإنسان إذا أتى شيئًا من الشر فقد
عرض نفسه لاحتمال العقوبة على ذلك الشر، فإذا كف عنه فقد تصدق على نفسه بإراحتها
من احتمال تلك العقوبة حين لم يمكنه أن يسعى في أن يحصل لنفسه الفوائد والغنائم،
فلا أقل من أن يتصدق عليها بأن لا يعرضها من البلاء لما لا تطيقه." اهـ كلام
ابن هبيرة
كشف المشكل من
حديث الصحيحين (1/ 364) لابن الجوزي :
وَقَوله:
" فَإِنَّهَا صَدَقَة مِنْك على نَفسك " وَذَاكَ أَنه إِذا كف عَن
الشَّرّ. نجى النَّفس من الْإِثْم فَتصدق عَلَيْهَا بالسلامة.
شرح المصابيح
لابن الملك الحنفي (4/ 83) :
"وإنما
جعل - عليه الصلاة والسلام - عدَم إيصال الشرِّ إلى الناس صدقًة على نفسه؛ لأن فيه
حفظَها عما يؤذيها ويعود وبالُه عليها." اهـ
اللامع الصبيح
بشرح الجامع الصحيح (8/ 20) لشمس الدين البِرْماوي :
"فترْك
الشَّرِّ خيرٌ موجِبٌ للثَّواب، والانكِفاف عن الشَّرِّ أقلُّ مراتب المؤمن،
وإعتاق رقبتَين غير نفيسَتين خيرٌ من إعتاق رقبةٍ واحدةٍ نفيسة بخلاف الأُضحية،
فالتَّضحية بشاةٍ سمينة أفضَل من شاتَين دونها؛ لأنَّ المقصود من الأُضحية
اللَّحم، ولحم السَّمين أطيب، ومن العِتْق التَّخليص من الرِّقِّ، وتخليصان
أفضل." اهـ
المفاتيح في
شرح المصابيح (4/ 154) لمحمود الزيداني :
حاصل الحديث:
أفضلُ الأعمال الإيمانُ بالله سبحانه والجهادُ في سبيله، ثم إعتاقُ مملوكٍ أحبَّ
إلى أهله وقيمتُه أرفعُ، ثم معاونةُ ذوي الحاجات والضعفاء، ثم دفعُ شرِّك عن
الناس، فإنك إذا دفعتَ شرَّك عنهم، تصدَّقتَ به على نفسك.
تطريز رياض
الصالحين (ص: 103) للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل متارك :
"في هذا
الحديث: بيان كثرة طرق الخير، وأن الإنسان إذا عجز عن خصلة من خصال الخير قدر على
الأُخرى، فإذا عجز عن ذلك كفَّ شرّه عن الناس. وما لا يُدرك كلّه لا يترك
جُلُّه." اهـ
منار القاري
شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 389) لحمزة محمد قاسم :
"فقه
الحديث:
دل هذا الحديث
على ما يأتي :
أولاً
:
أن أفضل الرقاب في العتق وأكثرها ثواباً أغلاها ثمناً وأحبها إلى نفس سيدها، لأن
المعتق في هذه الحالة يفارق أعز الناس عنده، وذلك من أصعب الأمور وأشقها على النفس
البشرية، وأعظمها جهاداً لها، فإذا تغلب عاد نفسه وهواه، وأعتق من يحبه ويهواه دل
ذلك على قوة دينه وإيمانه ويقينه.
ثانياً
: أن
أفضل الأعمال على الإِطلاق الإِيمان بالله عقيدة وقولاً وعملاً، لأنه أساس كل خير
ومصدر كل سعادة، وشرط في قبول جميع الأعمال الشرعية، وصحتها شرعاً، ويليه الجهاد،
لما فيه من حماية الدين، سواء كان جهاداً للنفس أو جهاداً للعدو.
ثالثاً
:
الترغيب في الأعمال المهنية والدعوة إلى ممارستها ولو على سبيل المشاركة للصانع
والمعاونة له، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " تعين صانعاً ".
رابعاً
:
الحث على حسن المعاملة والمعايشة السلمية مع الناس ما أمكن وكف الشر عنهم، فإن ذلك
حسنة عظيمة يثاب عليها ثواب الصدقة." اهـ
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (23/ 308) محمد بن علي بن آدم بن موسى
الإثيوبي الوَلَّوِي :
"إنما
قدّم الجهاد على الحجّ مع أنه فرض كفاية، والحجّ فرض عين, لأنه كان أول الإسلام،
ومحاربةِ أعدائه، والجدِّ في إظهاره. وقيل: هو محمول على الجهاد في وقت الزحف
الملجىء، والنفير العامّ، فإنه حينئذ يجب الجهاد على الجميع، وإذا كان هكذا
فالجهاد أولى بالتحريض، والتقديم من الحجّ؛ لأنه يكون حينئذ فرض عين، ووقوعه فرضَ
عين إذ ذاك متكرّر، فكان أهمّ منه. وقيل: قُدّم لأن نفع الجهاد متعدّ؛ لما فيه من
المصلحة العامّة للمسلمين، مع بذل النفس فيه بخلاف الحجّ فيهما؛ لأن نفعه قاصر،
ولا يكون فيه بذل النفس
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (23/ 309)
في فوائده:
(منها): ما
بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل الحجّ المبرور، حيث جُعل
تاليًا لدرجة الجهاد في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-
(ومنها): أنه
يدلّ على أن الإيمان من جملة الأعمال، وهو داخل فيها، وهو إطلاق صحيح لغة وشرعًا
(ومنها): أن
الأعمال تتفاوت في الدرجات، فأفضلها على الإطلاق الإيمان باللَّه تعالى
(ومنها): بيان
فضل الجهاد في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه
المرجع والمآب.
صحيح ابن حبان
(10/ 148)
ذِكْرُ
الْبَيَانِ بِأَنَّ خَيْرَ الرِّقَابِ وَأَفْضَلَهَا مَا كان ثمنها أعلا
صحيح ابن حبان
(10/ 456)
ذِكْرُ
الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجِهَادَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا هِيَ مَعَ
الشَّهَادَةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
مستخرج أبي
عوانة (1/ 63)
بَيَانُ
أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ،
وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا
أَعْلَى الْأَعْمَالِ إِذْ تَارِكُهَا يَصِيرُ بِتَرْكِهَا كَافِرًا
مكارم الأخلاق
للخرائطي (ص: 46)
بَابُ مَا
جَاءَ فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْفَضْلِ
الإيمان لابن
منده (1/ 394)
ذِكْرُ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ
الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهِدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:
69]
الأحكام
الصغرى (2/ 727) للإشبيلي :
باب في العتق
وصحبة المماليك
الأحكام
الكبرى (1/ 101)
بَاب
تَسْمِيَة الْإِيمَان عملا وَالْعَمَل إِيمَانًا
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 649)
في فوائده:
1 - (منها):
بيان كون الإيمان أفضل الأعمال على الإطلاق.
2 - (ومنها):
بيان كون الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان، قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى:
الواو في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - هذا بمعنى "ثُمّ"، وهو كذلك في
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أي المتقدم قبل هذا، وقد تقدم الكلام فيه على
طريق الجمع بين ما اختلف من الروايات في أفضل الأعمال هناك، وقيل: قَرَن الجهاد
بالإيمان هنا؛ لأنه كان إذ ذاك أفضل الأعمال، وقال القرطبيّ: تفضيل الجهاد في حال
تعيّنه، وفضل بر الوالدين لمن يكون له أبوان، فلا يجاهد إلا بإذنهما، وحاصله أن
الأجوبة اختَلَفَت باختلاف أحوال السائلين.
3 - (ومنها):
أن فيه حسنَ المراجعة في السؤال، وصبر المفتي والمعلم على التلميذ، ورفقه به، وقد
رَوَى ابن حبان، والطبريّ، وغيرهما من طريق أبي إدريس الخولاني وغيره، عن أبي ذرّ
- رضي الله عنه - حدَّثنا حديثًا طويلًا، فيه أسئلة كثيرة وأجوبتها، تشتمل على
فوائد كثيرة، منها سؤاله عن أيّ المؤمنين أكمل، وأيّ المسلمين أسلم، وأيّ الهجرة
والجهاد والصدقة والصلاة أفضل، وفيه ذكر الأنبياء وعددهم، وما أنزل عليهم، وآداب
كثيرة من أوامر ونواهي وغير ذلك.___
5 - (ومنها):
ما قاله ابن الْمُنَيِّر: وفي الحديث إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير
الصانع؛ لأن غير الصانع مَظِنَّة الإعانة، فكل أحد يُعينه غالبًا، بخلاف الصانع،
فإنه لشهرته بصنعته يَغْفُل عن إعانته، فهي من جنس الصدقة على المستور. انتهى [راجع:
"الفتح" 5/ 178].
والله تعالى
أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ
[1] إسناده صحيح وهو في طبقات ابن سعد 4 / 228، ومسند أحمد 5 / 164.
[2] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 41) :
"وقوله
: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ؛
دليلٌ على أنَّ الكَفَّ فعلٌ للإنسان ، داخلٌ تحت كسبه يؤجَرُ عليه ، ويعاقَبُ على
تركه ؛ خلافًا لبعض الأصوليِّين القائلِ : "إنَّ الترك نَفْيٌ محضٌ لا يدخُلُ
تحتَ التكليف ولا الكَسْب" ؛ وهو قولٌ باطل بما ذكرناه هنا ، وبما بسطناه في
"الأصول" ؛ غيرَ أنَّ الثواب لا يحصُلُ على الكَفِّ إلاَّ مع النيَّاتِ
والقصود ، وأمَّا مع الغفلة والذهول ، فلا ، والله تعالى أعلم.
[3] وفي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 39) :
"وقوله
: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، ظاهرُ هذا الحديثِ : أنَّ الجهاد أفضلُ من
سائر الأعمال بعد الإيمان ، وظاهرُ حديثِ أبي ذَرٍّ ـ رضى الله عنه ـ أنَّ الجهادَ
مساوٍ للإيمان في الفضل ، وظاهرُ حديثِ ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : يخالفهما ؛
لأنَّه أخَّر الجهادَ عن الصلاةِ ، وعن بِرِّ الوالدَيْن ، وليس هذا أحوالِ ؛
لأنَّه إنَّما اختلفَتْ أجوبتُهُ لاختلاف أحوالِ السائلين ، وذلك أنَّه ـ صلى الله
عليه وسلم ـ كان يجيبُ كلَّ سائلٍ بالأفضل في حقِّه ، وبالمتأكِّد في وقته :
فمن
كان متأهِّلاً للجهاد ، وذا غَنَاءٍ فيه ، كان الجهادُ في حقِّه أفضلَ مِنَ
الصلاةِ وغيرها ، وقد يكونُ هذا الصالِحُ للجهاد له أبوانِ يحتاجان إلى قيامِهِ
عليهما ، ولو تركهما لضاعا ؛ فيكونُ بِرُّ الوالدَيْنِ في حقِّه أفضَلَ من الجهاد
، كما قد استأذن رجلٌ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجهادِ ، فقال : أَحَيٌّ
وَالِدَاكَ ؟ ، قال : نعم ، قال : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ، ، ، وهكذا سائرُ
الأعمال.
وقد
يكونُ الجهادُ في بعضِ الأوقاتِ أفضلَ مِنْ سائر الأعمال ، وذلك في وقتِ استيلاءِ
العَدُوِّ ، وغَلَبتِهِ على المسلمين ؛ كحالِ هذا الزمان ، فلا يخفَى على مَنْ له
أدنى بصيرة : أنَّ الجهادَ اليومَ أوكَدُ الواجبات ، وأفضلُ الأعمال ؛ لما أصابَ
المسلمين مِنْ قَهْرِ الأعداء ، وكثرةِ الاستيلاء ، شرقًا وغربًا ، - جَبَرَ اللهُ
صَدْعنا وجدّد نصرنا - .
والحاصل
من هذا البحث : أنَّ تلك الأفضليَّةَ تختلفُ بِحَسَبِ الأشخاصِ والأحوال ، ولا
بُعْدَ في ذلك." اهـ كلام القرطبي
[4] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 81) :
"وَفِيه:
حسن الْمُرَاجَعَة فِي السُّؤَال وصبر الْمُفْتِي والمعلم على المستفتي والتلميذ
والرفق بهم." اهـ
[5] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 80) لبدر الدين العيني :
"وَفِيه
إِشَارَة إِلَى أَن إِعَانَة الصَّانِع أفضل من إِعَانَة غير الصَّانِع، لِأَن غير
الصَّانِع مَظَنَّة الْإِعَانَة، فَكل أحد يُعينهُ غَالِبا بِخِلَاف الصَّانِع،
فَإِنَّهُ لشهرته بصنعته يغْفل عَن إعانته فَهُوَ من جنس الصَّدَقَة على المستور.
انْتهى". اهـ
Komentar
Posting Komentar