شرح الحديث 70-71 من بلوغ المرام
70 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا، فَلْيَغْتَسِلْ،
وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ." أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَقَالَ
أَحْمَدُ: (لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ). |
تخريج الحديث:
أخرجه أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب
(2/ 454) (رقم: 9862)، وأبو داود في "سننه" (3/ 201) (رقم: 3161)، والترمذي
في "سننه" – ت. شاكر (3/ 309) (رقم: 993).
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" – مع عون
المعبود (8/ 304):
"وَهَذَا الْحَدِيث لَهُ عِدَّة طُرُق
أَحَدهَا: سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
الثَّانِي: سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاق
مَوْلَى زَائِدَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
الثَّالِث: عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ
إِسْحَاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
الرَّابِع: عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ
أَبِي هُرَيْرَة
الْخَامِس: عَنْ يَحْيَى عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي
لَيْث عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
السَّادِس: عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ
أَبِيهِ عَنْ حُذَيْفَة
السَّابِع: عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد
الثَّامِن: عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي
سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ _رَحِمَهُ اللَّه_:
وَالْمَوْقُوف أَصَحّ
التَّاسِع: زُهَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ الْعَلَاء
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا
الْعَاشِر: عَمْرو بْن عُمَيْر عَنْ أَبِي
هُرَيْرَة مَرْفُوعًا___
الْحَادِي عَشَر: صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة عَنْ
أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا.
ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إِنَّمَا
يَصِحّ هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَوْقُوفًا
وَهَذِهِ الطرق تدل عَلَى أَنَّ
الْحَدِيث مَحْفُوظ
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي
طَالِب:
أَنَّهُ اِغْتَسَلَ مِنْ تَجْهِيزه أَبَاهُ
وَمُوَارَاته
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
(وروينا ترك إيجاب الغسل منه عن بن عباس في أصح
الروايتين عنه وعن بن عُمَر وَعَائِشَة وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سَعْد بْن
أَبِي وَقَّاص وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَأَنَس بْن مَالِك)، هَذَا آخِر
كَلَامه." اهـ
والحديث صحيح: صححه
الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 169) (رقم: 541)، و"إرواء
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 173) (رقم: 144)
وللحديث شواهد تقويه:
1/ (الْغُسْلُ مِنَ الْغُسْلِ، وَالْوضُوءُ مِنَ
الحَمْلِ)
(الضياء) عن أبي سعيد، أحكام الجنائز ص 53:
الطيالسي، حم، د، ت، حب - أبي هريرة. صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير
وزيادته" (2/ 769) (رقم: 4176)
قال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (4/ 412):
"وجرى على ذلك بعض الأئمة فأوجب الغُسْلَ على غاسل الميتِ، والوضوءَ
على حامله. والأكثر على أن ذلك مندوبٌ، لا واجبٌ، فيأول الخبر بمعنى ما سبق."
اهـ
2/ وفي "المستدرك على الصحيحين" للحاكم
(1/ 543) (رقم: 1426):
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غَسْلِ مَيِّتِكُمْ
غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ، فَإِنَّ مَيِّتَكُمْ لَيْسَ بِنَجَسٍ فَحَسْبُكُمْ
أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ»
صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الجامع
الصغير وزيادته" (2/ 952) (رقم: 5408)
وفي
"فيض القدير" (5/ 372) للمناوي:
قال
الحاكم: فيه رد لحديث من غسل ميتا فليغتسل
ورده الذهبي، فقال: بل يعمل بها، فيُنْدَبُ الغُسْلُ.
ويدل له خبرُ الدارقطني عن ابن عمر بإسناد صحيح: (كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل،
ومنا من لا يغتسل)." اهـ
وفي
"التنوير شرح الجامع الصغير" (9/ 254) للصنعاني:
"وقد جمع بين الأحاديث يحمل الأمر على
الندب، وإليه ذهب البيهقي،
ويدل
له خبر الدارقطني عن ابن عمر بإسناد صحيح: "كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل
ومنا من لم يغتسل"، أو المراد غسل
الأيدي، قال ابن حجر: هذا أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث.
3/ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ
يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ»
أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/ 434)
(رقم: 1820)، والبيهقي في " السنن الكبرى" (1/ 457) (رقم: 1466)
وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 54)،
و"تمام المنة" (ص: 121)، وقال شعيب الأرنؤوط في (حم) تحت حديث (رقم: 7675):
"إسناده صحيح."
من فوائد الحديث:
معالم السنن (1/ 110)
وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق أكثر العلماء
على أنه على غير الوجوب.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 389_390):
لقد أجاد الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في تحقيق
الكلام على هذا الحديث، وأفاد، وخلاصته أن حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -،
مرفوعًا: "من غسل ميتا، فليغتسل .... " حسنه الترمذيّ، وصححه ابن حبّان،
وابن القطان، واحتجّ به ابن حزم، فالراجح أنه صحيح، لكنه محمول على الاستحباب
لحديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، مرفوعًا: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل
... " الحديث، وأثر ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -: "كنا نغسل الميت،
فمنا من يغتسل ... " الحديث، وكلاهما ثابتان، فالعمل بكلها متعيّن.
والحاصل أن المذهب الصحيح هو القول باستحباب الغسل
من غسل الميت، والوضوء من حمله عملا بكلّ الأحاديث. ثم إن الراجح أن الأمر فيه تعبّديّ، والقول___بكون الميت نجسا باطل، لما
تقدّم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
تفسير الموطأ للقنازعي (1/ 131)
تَرْكُ ابنِ عُمَرَ حينَ غَسَّلَ ابنَ سَعِيدِ بنِ
زَيْدٍ، وتَرْكُه الوُضُوءَ والغُسْلَ دَلِيلٌ على أنْ لَا وُضُوءَ ولا غُسْلٌ على
مَنْ غَسَّلَ مَيِّتَاً.
الاستذكار (1/ 174)
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَكُنْ عَلَى
وُضُوءٍ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَدْ حَمَلَهُ وَشَيَّعَهُ لَا
أَنَّ حَمْلَهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَهَذَا تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 351)
وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ
رَجُلًا لَوْ مَسَّ جِيفَةً، أَوْ دَمًا، أَوْ خِنْزِيرًا مَيِّتًا، أَنَّ
الْوُضُوءَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَالْمُسْلِمُ الْمَيِّتُ أَحْرَى أَنْ لَا
يَكُونَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ طَهَارَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ
قال البسام في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/
309_310):
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديث:
1 - ظاهر الحديث وجوبُ الغُسْل على من غسَّل
ميتًا كله أو بعضه.
2 - عمومُ الحديث يفيدُ عمومَ الأموات، من
كبيرٍ أو صغيرٍ، ذكرًا كان أو أُنثى، مسلمًا كان أو كافرًا، بحائلٍ أَوْ بِدون
حائل.
3 - قال الفقهاء: الغاسل: هو من يقلِّبه
ويباشره ولو مرَّةً، لا من يَصُبُّ الماء ونحوه، ولا من ييمِّمه؛ فليسوا بغاسلين.
4 - عارض هَذا الحديثَ ما رواه البيهقي (1/
306) عن ابن عبَّاس؛ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس عليكم في
غُسْلِ ميتكم غُسْلٌ إذا غسَّلتموه، إنَّ ميتكم يموت طاهرًا وليس بنجس، فحسبكم أنْ
تغسلوا أيديكم"، قال الحافظ ابن حجر: حديثٌ حسن.
والجمع بين الحديثين: أَنَّ الأمر في حديث أبي
هريرة للنَّدب،
ويؤيد هذا
الجمع: ما روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن ابن
عمر قال: "كُنَّا نغسِّل الميت، فمنَّا من يغتسل، ومنَّا من لا يغتسل"،
قَال الحافظ: إسناده صحيح، وهو أحسن ما جمع به بين هذين الحديثين.___
5 - يؤيد هذا الجمع قاعدةُ ذكرها ابن مفلح في
"الفروع" هي أَنَّ الحديث الضعيف إِذا كان دالاًّ على الوجوب بصيغته، أو
دالاًّ على التحريم بصيغته، فإنَّه يُحْمَلُ على الاستحباب في الأمر، وعلى الكراهة
في النَّهْي؛ احتياطًا، ولا يُلْزَمُ المسلمون بحكمه وجوبًا أو تحريمًا.
6 - أَمَّا قوله: "ومن حمله
فليتوضَّأ" فقال الصنعاني: "لا أَعلَمُ قائلاً بالوضوء من حَمْلِ الميت،
والوضوءُ يُفَسَّر بغسل اليدين فقطْ، فيكونُ غسلُ اليدين مندوبًا من حَمْلِ الميت،
وهو يناسبُ نظافةَ الإسلام؛ ويدل على ندب غسل اليدين ما تقدَّم من حديث ابن
عبَّاس: "حسبكم أنْ تغسلوا أيديكم".
ولولا وجودُ هذا الحديثِ، وعدَمُ وجود قائلٍ
بالوضوء مِنْ حمله، وضعفٌ ظاهرٌ في حديث الأصل أيضًا -لحملنا الحديث على الحقيقة
الشرعية، وهي الوضوءُ الشرعيُّ بغَسْلِ الأعضاء الأربعة من حمل الميت؛ لأنَّ الأصل
في ألفاظ الشرِع أنْ تُحْمَلَ على الحقائق الشرعية.
7 - الحمل هنا مطلقٌ سواء باشرَ الحملَ بيده،
أوْ حمله بنعشه.
وقال العثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام
بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 270_271):
ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية تغسيل الأموات
لقوله: "من غسل ميتا فليغتسل"، وجه المشروعية: أنه رتب على هذا الاغتسال
حكما وشرعيا، ولو كان الاغتسال غير مشروع لم يترتب عليه شيء.
ولكن من يباشر تغسيل الميت؟ الرجل يباشر تغسيل
الرجال، والمرأة تباشر تغسيل النساء، إلا الزوجين فإنهما لا بأس أن يغسل أحدهما
الأخر، وكذلك الرجل مع سيرته لعموم قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حفظون إلا على
أزوجهم أو ما ملكت أيمنهم} [المؤمنون: 5، 6].___
وذكر العلماء أن من دون السبع لا حكم لعورته فيغسله
الرجال والنساء سواء كان ذكرا أو أنثى.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان الاستعداد
لفعل العبادة، قبل أن يباشرها على تقدير الذي ذكرنا في قوله: "ومن حمله
فليتوضأ".
ومن فوائده: وجوب الوضوء للصلاة على الميت على
التقدير الذي ذكرنا أن من حمله - أي: أراد حمله ليصلي عليه فليتوضأ- ولا شك أن
الصلاة على الميت لا تصح إلا بوضوء لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل
الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، وعموم قوله: "لا صلاة بغير
طهور".
71
- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَنَّ
فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ"
رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ
مَعْلُولٌ. |
أخرجه مالك في "الموطأ" – ت. الأعظمي (2/
278) (رقم: 680)، مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/ 341) (رقم: 1328)، الأوسط في السنن
والإجماع والاختلاف (2/ 103) (رقم: 630)، المراسيل لأبي داود (ص: 122) (رقم: 93)، الإبانة
الكبرى لابن بطة (5/ 276) (رقم: 43)، المصاحف لابن أبي داود (ص: 427)
عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
الأنصارى ، أبو محمد ، و يقال أبو بكر ، المدنى ، القاضى (ثقة)، المولد : 65 هـ، من صغار التابعين، ت. 135 هـ، روى له: خ
م د ت س ق
أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى الخزرجى
ثم النجارى المدنى القاضى ، اسمه كنيته ، و قيل كنيته أبو محمد
الطبقة :
5 : من صغار التابعين
الوفاة :
120 هـ و قيل غير ذلك
روى له : خ
م د ت س ق ( البخاري - مسلم - أبو داود -
الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
رتبته عند ابن حجر : ثقة عابد
صحيح: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
(1/ 158) (رقم: 122)
من فوائد الحديث:
وقال البسام في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام"
(1/ 312_314):
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - عمرو بن حزم الأنصاريُّ حينما بعثه
النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلى نَجْرَانَ، ليفقَّههم في الدِّين كتب له هذا
الكتاب العظيم، الذي جمع كثيرًا من السنن، وتلقَّته الأمَّة بالقبول.___
قال الحاكم: حديث عمرو بن حزم من قواعد الإسلام.
2 - في هذا الكتاب "أنَّه لا يمس القرآن
إلاَّ طاهر"، والمؤلِّف ساقه لبيان منع المُحْدِث حدثًا أصغر من مسَّه، وكذلك
صاحبُ الحَدَثِ الأكبر مِنْ باب أولى.
3 - ظاهر الحديث تحريمُ مَسِّ المصحف بدون
حائل لغير المتوضِّىء.
4 - قال الوزير ابن هبيرة: أجمعوا أَنَّه لا
يجوزُ للمُحْدِثِ مَسُّ المصحف بلا حائل.
وقال شيخ الإسلام: مذهب الأئمة الأربعة: أنَّه لا
يمس المصحف إلاَّ طاهر، والَّذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة هو أنَّ مسَّ المصحف لا
يجوز للمُحْدِثِ، وهو قولُ الجمهور، والمعروفُ عن الصحابة.
5 - للصغير في مَسِّ المصحف وجهان:
أحدهما: المنعُ؛ اعتبارًا بالكبار.
الثاني: الجواز للضرورة؛ فلو لم يُمَكَّنْ منه، لم
يحفظه.
قال في الإنصاف: فيه روايتان في المذهب.
قال الشيخ عبد الله أبابطين: المشهورُ من المذهب:
أنَّه لا يجوز، وفيه روايةٌ عن أحمد بالجواز.
6 - قوله: "إلاَّ طاهر" هذا اللفظ
مشتَرَكٌ بين أربعة أمور:
(أ) المراد بالطاهر المسلم؛ كما قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، فالمراد بها: طهارةٌ معنويَّهٌ
اعتقادية.
(ب) المراد به الطاهرُ من النجاسة؛ كقوله
-صلى الله عليه وسلم- في الهرَّة: "إنَّها ليست بنجس".
(ج) المراد به الطَّاهرُ من الجنابة؛ لما روى
أحمد (640)، وأبو داود (229)، والترمذي (146)، والنسائي (265)، وابن ماجه (594) عن
عليٍّ___-رضي الله عنه-: "أنَّ النبَّي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجزه شيءٌ
عن القرآن ليس الجنابة".
(د) أنَّ المراد بالطَّاهر المتوضِّىءُ؛ لما
روى البخاري (6954)، ومسلم (255) أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ أحَدِكُمْ إذا أَحْدَثَ حَتَّى
يَتَؤَضَّأ".
كل هذه المعاني للطهارة في الشَّرع محتملَةٌ في
المراد من هذا الحديث، وليس لدينا مرجِّح لأحدها على الآخر، فالأولى حَمْلُهَا على
أدنى محاملها، وهو المُحْدِثُ حدثًا أصغر؛ فإنَّه المتيقن، وهو موافق لما ذهب إليه
الجمهور، ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم.
وهذا لا يعطي المسألة دليلاً قاطعًا على تحريم
مَسِّ المصحف للمحدث؛ لأنَّ الشك في صِحَّته موجود، ولكن الاحتياط والأولى هو ذاك.
قال ابن رشد: السبَبُ في اختلافهم تردُّد مفهوم
قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة]، بين أنْ يكون
{الْمُطَهَّرُونَ} هم بنو آدم، وبين أنْ يكونوا هم الملائكة، وبين أنْ يكون هذا
الخبر مفهومه النَّهْي، وبين أنْ يكون خبرًا لا نهيًا.
فمن فهم من {المطهرون} بني آدم، وفهم من الخبر
النَّهي، قال: لا يجوز أنْ يَمَسَّ المصحفَ إلاَّ طاهر.
ومن فهم منه الخبَرَ فقطْ، وفهم من لفظ {المطهرون}
الملائكة، فال: إنَّه ليس في الآية دليلٌ على اشتراط هذه الطهارة لِمَسِّ المصحف،
وإذًا فلا دليلَ من كتابٍ ولا سنَّةٍ ثابتةٍ على قولِ مَنْ لا يرى قبولَ الحديث.
7 - في الحديث تعظيمُ القرآن، وأنَّه يجبُ
احترامه، فلا يجوزُ مَسُّ المصحف بنجاسة، ولا يُجْعَلُ في مكانٍ لا يليق؛ إمَّا
لنجاستِهِ، وإمَّا بجانب صور، أو تعلق آياته بجانب صورٍ، أو يُتْلَى في مكانِ لهوٍ
أو عند الأغاني، أو عند أحدٍ يشرب الدخان، أو في مكان لغطٍ وأصواتٍ، ونحو ذلك
ممَّا يعرِّض كتاب الله تعالى للإهانة.
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة
الإسلامية (1/ 272_273):
ومن فوائده: عظمة القرآن، وأنه يجب أن ينزه عن
النجس سواء قلنا: إنه من كان محدثا، أو قلنا: إنه من كان كافرا.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء لمس المصحف؛
لقوله: "لا يمس القرآن إلا طاهر" هذا ما رجحناه أخيرا، وإن كنا بالأول
نميل أن المراد بالطاهر: المؤمن، لكن بعد التأمل تبين لي أن المراد بالطاهر: الطاهر
من الحدث الأصغر والأكبر.
وهل المراد "ألا يمس القرآن" يعني:
القرآن الذي في الأوراق؛ بمعنى: لا يضع يده عليه، أي: على المكتوب دون ما كان من
حواشيه وجوانبه؟
الجواب: لا، المراد ألا يمس الذي كتب فيه القرآن
كله، وعليه فإذا كتب القرآن بوسط الصفحة فجوانبها تمس؛ أي: لا يمسها المحدث، وإذا
كان على المصحف جلدة مقواة فإنه يمسها إن كانت لاصقة به، أما إذا كانت وعاء ينفصل
فإنه لا بأس أن يمسها من ليس بمتوضئ.___
ومن فوائد هذا الحديث: أن المصحف لا يمسه إلا طاهر
سواء كان صغيرا أو كبيرا؛ يعني: فالصغير الذي بلغ ست التمييز لا يمس القرآن إلا
إذا تطهر، وقال بعض العلماء: إنه يرخص للصغار في مسه عند الحاجة، فإن الصغار يعطون
شيئا من القرآن، إما في اللوح، وإما بأوراق خاصة كأجزاء جزء "عم"، جزء
"تبارك"، ويشق أن نلزمهم بالوضوء، ولا شك أنه إذا كان هناك مشقة فإنه لا
ينبغي إلزامه؛ لأن من دون البلوغ قد رفع عنه القلم، لكن يؤمرون ولا يلزمون.
فإن قال قائل: ما تقولون فيمن استدل لهذا بقوله
تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79].
قلنا: لا دليل في الآية، يتبين هذا بتلاوتها {إنه
لقرءان كريم في كتب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} فالضمير هنا يعود إلى أقرب مذكور
وهو "الكتاب المكنون"، وإن كان القول بأنه يعود إلى القرآن من حيث إن
السياق في القرآن والحكم على القرآن، لكن يضعفه قوله: {إلا المطهرون} وهي اسم
مفعول، ولو كان المراد: إلا من تطهر؛ لقال: (إلا المطهرون) أي: المتطهرون، فالآية
ليس فيها دليل على ذلك، لكن بعض العلماء استنبط وقال: إنه إذا كان لا يمس الكتاب
المكنون إلا الملائكة المطهرون، فكذلك أيضا المصحف الذي فيه القرآن الكريم، ولكننا
لسنا بحاجة إلى هذا الاستنباط الذي قد يبدو بعيدا؛ إذ إن لدينا لفظ الحديث.
تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 107)
"فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر والطاهر من الحدث الأصغر ويطلق على المؤمن وعلى من ليس على بدنه نجاسة ولا بد لحمله على معين من قرينة فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف".
قلت: هذا الكلام اختصره المؤلف من كلام الشوكاني على الحديث في "نيل الأوطار" 1 / 180 - 181 وهو كلام مستقيم لا غبار عليه إلا قوله في آخره: "فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف" فإنه من كلام المؤلف ومفهومه أن الحديث نص في منع المحدث حدثا أكبر من مس المصحف وهو على هذا غير منسجم مع سياق كلامه لأنه قال فيه: "ولا بد لحمله على معين من قرينة" فها هو قد حمله على المحدث حدثا أكبر فأين القرينة؟!
فالأقرب - والله أعلم - أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس" وهو متفق على صحته والمراد عدم تمكين المشرك من مسه فهو كحديث: "نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو" متفق عليه أيضا وقد بسط القول في هذه المسالة الشوكاني قي كتابه السابق فراجعه إن شئت زيادة التحقيق.
ثم إن الحديث قد خرجته من طرق في "إرواء الغليل" 122 فليراجعه من شاء.
Komentar
Posting Komentar