شرح الحديث 150-151 (الترهيب من التخلّي على طرقِ الناس أو ظلُّهم أو مواردهم، والترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها) من صحيح الترغيب
150
- (6) [حسن لغيره] وعن مكحول قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يُبال بأبواب
المساجد. رواه أبو داود في "مراسيله". |
ترجمة مَكْحُول الشَّامي _رحمه الله_:
وفي "الأعلام" (7/ 284) لخير الدين الزِّرِكْلِيِّ:
"مَكْحُول
الشَّامي (000 - 112 هـ = 000 - 730 م)
مكحول بن أبي مُسْلِم شهراب بن شاذل، أبو عبد الله، الهذلي بالولاء: فقيه الشام في عصره، من حُفَّاظ الحديث.
أصله من فارس، ومولده
بكابل. ترعرع بها وسبي، وصار مولًى لامرأةٍ بمصر، من هذيل، فنسب إليها.
وأعتق وتفقه، ورحل في طلب الحديث إلى العراق، فالمدينة، وطاف كثيرا من
البلدان، واستقر في دمشق. وتوفي بها.
قال الزهري: لم يكن في زمنه أبصر منه بالفتيا.
وكان في لسانه عجمة: يجعل القاف كافا، والحاء هاء.
ومن أخباره: قال ابن جابر: أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مكحول، في أصحابه،
فهممنا بالتوسعة له، فقال مكحول: (مكانكم، دعوه يجلس حيث أدرك)." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه ابن شَبَّةَ في "تاريخ المدينة" (1/ 36)، وأبو داود في "المراسيل"
(ص: 73) (رقم: 3).
والحديث حسن: حسنه
الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"
(6/ 495) (رقم: 2723)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1152) (رقم: 6813)
من فوائد الحديث:
1/ فيه النهي التبول بأبواب المساجد، لأنه استهانة به وأذية للناس والمارِّين
به.
وقال الأمير الصنعاني التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 607):
"(نهى
أن يبال بأبواب المساجد) لأنها من طرق المسلمين، بل أشرفِ طُرُقِهِمْ، وفيه: أذية
لهم بالغة وتعريض لدخول النجاسة المسجد."
2/ كل ما يكون سبباً في إيذاء الناس، فهو حرام
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير _حفظه الله_ في "شرح بلوغ المرام" (10/
18) - بترقيم الشاملة:
"كل
ما يكون سبباً في إيذاء الناس، فهو حرام، ولو لم يرد به نصٌّ خاصٌّ: {وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [(58) سورة الأحزاب]،
على كل حال كل ما يكون سبب في إيذاء الناس، فهو محرم، ولو لم يرد به نصٌّ."
اهـ
3/ من المنكرات: تلويث أبواب المساجد بروث الحيوانات
وقال ابن النحاس الدمشقي _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال
الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 440):
"ومنها:
ما أحدثوه من وقوف الدواب على أبواب المساجد، سِيَّما في الجمعة والأعياد. وهو
بدعة ينبغي إنكارها؛ لأنهم يضيقون طريق المسلمين، ويروثون، ويبولون على باب
المسجد." اهـ
ومن فوائد الحديث:
4/ تحريم البول بالقرب من المساجد:
الحديث يدل على تحريم البول بالقرب من أبواب المساجد، لأن ذلك يعد من الأذى
الذي يُؤذي المسلمين في أماكن عبادتهم. هذه المسألة تتعلق بالآداب العامة في
الإسلام، ويشمل هذا النهي عدم إلحاق الأذى بالمصلين أو أي شخص آخر يتردد على
المساجد.
5/ وفيه:
إرشادٌ إلى احترام المساجد:
هذا النهي يعكس أهمية احترام الأماكن المقدسة في الإسلام، وخاصة المساجد التي
هي بيوت الله. يجب على المسلمين أن يراعوا حرمة هذه الأماكن بعدم إلحاق الأذى بها
أو بالقرب منها.
6.
الاهتمام بنظافة البيئة العامة:
فيه: بيان أن في الإسلام اهتماما كبيرا بالنظافة والطهارة، فلا يجوز للإنسان
أن يُسبب أي إزعاج أو أذى للآخرين سواء داخل المسجد أو في محيطه.
151 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن
لم يَستقبِلِ القِبلةَ، ولم يَستَدْبِرْها في الغائِط (1)؛ كُتِبَ له حسنةً،
ومُحِيَ عنه سيئةً". رواه الطبراني،
ورواته رواة "الصحيح" (2). قال الحافظ: "وقد
جاء النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء (3) في غير ما حديث صحيح
مشهور، تغني شهرته عن ذكره، لكونه نهياً مجرداً. والله سبحانه وتعالى
أعلم". __________ (1)
أصل الغائط اسم للمطمئن الواسع من الأرض، ثم أطلق على الخارج المستقذر من
الإنسان. (2)
كذا قال، وأما الهيثمي فإنه استثنى (1/ 204) من ذلك شيخ الطبراني، وشيخ شيخه،
وقال: "وهما ثقتان". وهذا هو الصواب؛ كما بينته في
"الصحيحة" رقم (1098)، وشيخ الطبراني فيه تَبيَّن لي بعد طبع كتابه
وهو "المعجم الأوسط" -خلافاً لإطلاق المؤلف- أنه (أحمد بن محمد ابن
صدقة) أبو بكر البغدادي[1]، خلافاً لما كنت
استظهرته في "الصحيحة"، وهو مترجم في كتاب صاحبنا الشيخ الفاضل حماد
الأنصاري (ص 74/ 141) نفع الله به وعافاه الله من مرضه. (3)
قوله: "في الخلاء" لا ذِكْر له في الأحاديث التي أشار إليها، وإنما هو
تقييد من المؤلف لها بفهمه اتباعاً منه لمذهبه، وهذا أَمْرٌ غيْرُ جيِّدٍ.
فتنبّه. |
تخريج الحديث:
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/ 82) (رقم: 1321)، الفردوس
بمأثور الخطاب (3/ 627) (رقم: 5959)
1/ كيفية الجلوس للحاجة وأن المسلم لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها عند قضاء
الحاجة.
قال الهيثمي _رحمه الله_ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1/ 206):
"بَابُ
كَيْفَ الْجُلُوسُ لِلْحَاجَةِ."
2/ فيه النهي عن عن استقبال القبلة في الخلاء
كنز العمال (9/ 360)
"النهي
عن استقبال القبلة في الخلاء"
3/ وجوب الالتزام بآداب قضاء الحاجة:
يُعلمنا هذا الحديث ضرورة اتباع آداب خاصة في قضاء الحاجة، وهي عدم استقبال
القبلة ولا استدبارها. ويُظهر ذلك التزام المسلم بتوجيهات الشرع في كافة الأمور،
بما في ذلك الأمور اليومية الصغيرة مثل قضاء الحاجة.
الحديث النبوي الشريف يوضح أن المسلم يجب أن يكون حريصًا على عدم انتهاك هذه
الآداب، مما يعكس درجة الاهتمام التي يوليه الإسلام للطهارة والآداب العامة.
4/ حصول
الثواب عند اجتناب الخطأ، فإن
من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط (مكان قضاء الحاجة)، فإن له حسنةً
وتُمحى عنه سيئة.
هذا يبين أن الله _تعالى_ يثيب المؤمن على اجتنابه للمعصية في أمور قد تبدو
صغيرة، ولكن لها تقدير كبير عند ربنا _تبارك وتعالى_.
5/ الحث
على اتباع السنة في تفاصيل الحياة:
بيَّن الحديثُ أهمية اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أفعالنا
اليومية البسيطة. وهذا يعزز من فكرة أن السنة لا تقتصر فقط على العبادات الكبرى،
بل تشمل حتى الأمور الروتينية اليومية.
6/ فيه:
تعليم المسلم كيفية التفاعل مع البيئات التي قد يمر بها، من خلال توجيهاته لحسن التعامل مع أمور
الحياة بما يتوافق مع شرع الله.
7/ فيه إشارة إلى أن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة من الأمور
المحرمة، فإن المسلم إذا اجتنب ذلك، يثاب عليه. وعكس ذلك: إذا فعل ذلك، فإنه يأثم،
والله أعلم.
[1] قال أبو الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري في "إرشاد
القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني" (ص: 169) (رقم: 195): أحمد بن محمد
بن عبد الله بن صدقة أبو بكر الحافظ البغدادي.
قال الدارقطني: ثقة ثقة. وقال ابن المنادي: كان من الحذق والضبط على نهاية تُرضى بين أهل الحديث، كأبي القاسم بن الجبلي، ونظائره. وقال الخطيب: ثقة. وقال الذهبي: الإمام الحافظ المتقن الفقيه، كان موصوفًا بالإتقان والتثبت. وقال أيضًا: كان موصوفًا بالضبط والإتقان، وقال الألباني: حافظ ثقة. وقال أيضًا: حافظ متقن. مات يوم الثلاثاء لثمان عشرة خلت من المحرم سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وغلط من قال ثمان وتسعين." اهـ
Komentar
Posting Komentar