شرح الحديث 115 (باب الحث عَلَى الازدياد من الخير في أواخر العمر) من رياض الصالحين
[115] الرابع: عن أنس _رضي الله عنه_،
قَالَ: إنَّ اللهَ _عز
وجل_ تَابَعَ الوَحيَ عَلَى رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ قَبلَ وَفَاتهِ
حَتَّى تُوُفِّيَ أكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيَ عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ
عَلَيهِ. |
ترجمة
أنس بن مالك –رضي الله تعالى عنه- :
( خ م د ت س ق ) : أنس بن
مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار (تَيْمُ اللَّهِ) بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث
بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشْجُبَ بْنِ
يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ : الأنصارى ، النجاري[1]، أبو حمزة المدنى ، نزيل البصرة ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وخادمه .
و أمه : أم سليم بنت ملحان بن
خالد بن زيد بن حرام .
خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، مدة مقامه بالمدينة . اهـ
.
وفي "معجم الصحابة"
للبغوي (1/ 43):
"وأمه: أم سليم بنت
ملحان وقال علي بن المديني: إنها مليكة بنت ملحان ولقبها الرميصاء.
و قال جابر الجعفي، عن
خيثمة البصري، عن أنس بن مالك: "كنانى رسول الله
_صلى الله عليه وسلم_،
ببقلة كنت أجتنيها."
وقال الزهري، عن أنس بن
مالك: "قدم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ المدينة، وأنا ابن عشر سنين، وتوفى وأنا ابن عشرين سنة، وكُنَّ أمهاتِي يحثثنني على خِدْمَتِهِ.
وفي "صحيح البخاري"
(8/ 73):
عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ،
وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» خ م
وقال علي بن زيد بن جدعان[2]، عن سعيد بن المسيب: قال أنس:
قدم رسول الله _صلى الله
عليه وسلم_ المدينة، وأنا ابن ثماني سنين، فذهبتْ بِيْ أُمِّيْ إليه، فقالت: "يا رسول الله، إن رجال
الأنصار، و نساءهم قد أَتْحَفُوْكَ غيرِي، وإنيْ لَمْ أَجِدْ ما أُتْحِفُكَ بِهِ،
إلا ابنيْ هذا، فاقبله مني، يخدمك ما بدا لك ، قال : فخدمت رسول الله _صلى الله
عليه وسلم_ عشر سنين، لم يضربني ضربة، ولم يسبني، ولم يعبس فى وجهي."
عن أنس بن مالك:
"جاءت بي أم سليم إلى
رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، قد أزرتني بنصف خمارها، ورَدَّتْنِىْ بِبِعْضِهِ.
فقالت: "يا رسول الله، هذا أُنَيْسٌ ابنيْ، أتيتك به يَخْدُمُكَ، فادعُ اللهَ
له، فقال: " اللهم أكثر ماله وولده." قال أنس: "فوالله، إنَّ مالِيْ
لَكثيرٌ، وإنَّ ولدِيْ، وولد ولدى يتعادون على نحو
من مئة اليوم."
عن أنس: "دعا لى رسول
الله _صلى الله عليه وسلم_، فقال : (اللهم أَكْثِرْ مالَهُ ووَلَدَهُ، وأَطِلْ حَيَاتَهُ)،
فأكثر الله مالي، حتى إن ليْ كَرَمًا يُحْمَلُ فى
السَّنَةِ مرَّتَيْنِ، ووَلَدٌ لصلْبِيْ مِئَةٌ
وسِتَّةٌ أولاد."
قال : و ذكر أن ابنته
الكبرى أمينة . أخبرته : أنه دفه من صلبه إلى مقدم الحجاج نيف على عشرين و مئة .
عن أنس ، قال : لما قدم
رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة ، أخذت أم سليم بيدى ، فقالت:
"يا رسول الله، هذا
أنس، غلام لبيب، كاتب، يخدمك، قال: فقبلنى
رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
عن أنس، قال:
شهدت مع رسول الله _صلى الله
عليه وسلم_ الحديبية، وعمرته، والحج، والفتح، وحنينا والطائف، وخيبر.
و قال أبو داود الطيالسى :
حدثنا شعبة ، عن أنس بن سيرين ، قال :
كان أنس أحسن الناس صلاة، فى السفر و الحضر .
و قال أبو نعيم الحلبى :
حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : سمعت أنس ابن مالك يقول :
ما بقي أحد ممن صلى القبلتين
غيرى . قال أبو نعيم : والقبلتين بالمدينة ، بطرف الحرة ، قبلة إلى بيت المقدس ، و
قبلة إلى الكعبة .
عن موسى بن أنس:
أن أبا بكر لما استخلف،
بعث إلى أنس بن مالك، ليوجهه إلى البحرين على السعاية، قال: فدخل عليه عمر، فقال له أبو بكر: "إنى أردت أن أبعث هذا
إلى البحرين، وهو فتى شابٌّ."
قال: فقال له عمر : "ابعثه،
فإنه لبيب كاتب." قال : "فبعثه."
و قال ثابت ، عن أنس : صحبت جرير بن عبد الله ، فكان يخدمنى
، و كان أسن من أنس و قال : إنى رأيت الأنصار ، يصنعون برسول الله ، شيئا ، لا أرى
أحد منهم إلا أكرمته .
و قال خليفة بن خياط : قال
أبو اليقظان : مات لأنس بن مالك فى الجارف[3]
ثمانون ابنا ، و يقال : سبعون ، ـ يعنى سنة تسع و
ستين ـ .
و قال عمران بن حدير ، عن
أيوب : ضعف أنس بن مالك عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم .
و قال على ابن المدينى:
"آخِرُ من بَقِيَ
بالبصرة من أصحاب النبى _صلى الله عليه وسلم_ أنس بن مالك."
و قال محمد بن عبد الله
الأنصاري: "مات أنس، وهو ابن مئة وسبع سنين (107)
عن عبد الله بن يزيد الهذلي:
"مات سنة اثنتين وتسعين (92 هـ)." اهـ
وقال البخارى فى
"التاريخ الكبير":
عن قتادة :
لما مات أنس بن مالك، قال مورق: ذهب اليوم نصف العلم . قيل : كيف ذاك يا أبا المعتمر؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء،
إذا خالفنا فى الحديث، قلنا: تعال إلى من سمعه من النبى _صلى الله عليه وسلم_.
روى له الجماعة . اهـ .
نص
الحديث وشرحه:
في "صحيح
البخاري" (6/ 182):
قال أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ، ثُمَّ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ»
وفي "صحيح
مسلم" (4/ 2312):
قال أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ:
«أَنَّ اللهَ _عَزَّ
وَجَلَّ_ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (6/ 182) (رقم: 4982)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2312/
2) (3016)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7/ 244) (رقم: 7929)، وابن سعد
في "الطبقات الكبرى" – ط. دار صادر (2/ 193)، وأحمد في
"المسند" – ط. عالم الكتب (3/ 236) (رقم: 13479)، والبزار في
"المسند" = "البحر الزخار" (13/ 32) (رقم: 6338)، وأبو يعلى
الموصلي في "المعجم" (ص: 258) (رقم: 321)، مسند الشاميين للطبراني (4/
155) (رقم: 2987)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 133)
من
فوائد الحديث :
قال
فيصل بن عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص:
101):
"الحِكمة
في كثرة الوحي عند وفاته - صلى الله عليه وسلم -، لتكمل الشريعة فلا يبقى مما يوحى
إليه بشيء. قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة (3) ] .
وكان خلقه -
صلى الله عليه وسلم - القرآن يعمل بما فيه." اهـ
وقال الإثيوبي
في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (45/ 372_375):
1 - (منها): بيان فضل يوم عرفة، حيث إنه نزلت فيه هذه الآية
الكريمة.
2 - (ومنها): بيان وقت، ومكان نزول هذه الآية.
3 - (ومنها): بيان ما كان عليه عمر - رضي الله عنه - من
العناية بمكان نزول الآية،
وزمانها.
4 - (ومنها): أن هذه الآية فيها بيان ما منّ الله تعالى به
على هذه الأمة،
حيث أكمل
دينها، وأتمّ نعمه عليها، بحيث لا تحتاج إلى زيادة في أمر الدين،
فكلّ ما حدث
بعد أن أكمله الله تعالى، مما لا دليل له منه يُعتبر بدعة ضلالة،
كما ثبت ذلك
من حديث عائشة - رضي الله عنها -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من
أحدث في أمرنا
هذا ما ليس
منه، فهو ردّ"، متّفق عليه، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملًا
ليس عليه
أمرنا فهو ردّ".
5 - (ومنها): أنه استُدل بهذا الحديث على مزية الوقوف بعرفة
يوم الجمعة على غيره من الأيام، لأن الله تعالى إنما يختار لرسوله - صلى الله عليه
وسلم - الأفضل، وأن الأعمال تَشْرُف بشرف الأزمنة كالأمكنة، ويوم الجمعة أفضل أيام
الأسبوع، وقد
ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "خير
يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة. . ." الحديث؛
ولأن في يوم
الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء، ولا سيما على قول من قال: إنها بعد العصر.
قال الحافظ
رحمه الله: وأما ما ذكره رزين في "جامعه" مرفوعًا: "خير يوم
طلعت فيه
الشمس يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة
في
غيرها" فهو حديث لا أعرف حاله، لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه،
بل أدرجه في
حديث "الموطأ" الذي ذكره مرسلًا عن طلحة بن عبيد الله بن___كريز، وليست
الزيادة المذكورة في شيء من الموطآت، فإن كان له أصل
احتَمَل أن
يراد بالسبعين التحديد، أو المبالغة، وعلى كل منهما فثبتت المزية
بذلك، والله
أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (1).
6 - (ومنها):
ما كتبه الحافظ ابن رجب من بحث ممتع، قد أجاد فيه،
وأفادا، قال
رحمه الله ما حاصله:
هذا الحديث قد
يؤخذ منه أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما
يفعله أهل
الكتابين من قبلنا؛ إنما تكون بالشرع والاتباع، فهذه الآية لمّا
تضمنت إكمال
الدين وإتمام النعمة أنزلها الله في يوم شرعه عيدًا لهذه الأمة من
وجهين:
أحدهما: أنه
يوم عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة.
والثاني: أنه
يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر وموقفهم
الأعظم، وقد
قيل: إنه يوم الحج الأكبر.
وقد جاء
تسميته عيدًا من حديث مرفوع خرّجه أهل السنن من حديث
عقبة بن عامر،
عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق
عيدنا
أهل الإسلام،
وهي أيام أكل وشرب".
وقد أشكل وجهه
على كثير من العلماء؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم
عيد لا يصام،
كما روي ذلك عن بعض المتقدمين، وحمله بعضهم على أهل
الموقف، وهو
الأصح لأنه اليوم الذي فيه أعظم مجامعهم ومواقفهم، بخلاف
أهل الأمصار
فإن اجتماعهم يوم النحر، وأما أيام التشريق فيشارك أهل
الأمصار أهل
الموسم فيها؛ لأنها أيام ضحاياهم وأكْلهم من نُسُكهم. هذا قول
جمهور
العلماء.
وقال عطاء:
إنما هي أعياد لأهل الموسم، فلا ينهى أهل الأمصار عن
صيامها. وقول
الجمهور أصح. ولكن الأيام التي يحدث فيها حوادث من
نِعَم الله
على عباده، لو صامها بعض الناس شكرًا من غير اتخاذها عيدًا، كان
حسنًا
استدلالًا بصيام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء لمّا أخبره اليهود بصيام
موسى عليه السلام له___شكرًا، وبقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا سئل عن صيام
يوم الاثنين، قال: "ذلك يوم وُلدت
فيه، وأُنزل
علي فيه".
فأما الأعياد
التي يجتمع عليه الناس فلا يُتجاوز بها ما شرعه الله
لرسوله -صلى
الله عليه وسلم- وشرعه الرسول لأمته. والأعياد: هي مواسم الفرح والسرور؛ وإنما
شرع الله لهذه
الأمة الفرح والسرور بتمام نعمته وكمال رحمته، كما قال تعالى:
{قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] فشرع لهم
عيدين في سنة
وعيدًا في كل
أسبوع، فأما عيدا السنة:
فأحدهما: تمام
صيامهم الذي افترضه عليهم كل عام، فإذا أتموا صيامهم
أعتقهم من
النار، فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمال صيامهم، وجعله يوم الجوائز
يرجعون فيه من
خروجهم إلى صلاتهم وصدقتهم بالمغفرة، وتكون صدقة الفطر
وصلاة العيد
شكرًا لذلك.
والعيد
الثاني: أكبر العيدين عند تمام حجهم بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة
وهو يوم العتق
من النار، ولا يحصل العتق من النار والمغفرة للذنوب والأوزار
في يوم من
أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيدًا، بل هو العيد
الأكبر، فيكمل
أهل الموسم فيه مناسكهم ويقضوا فيه تفثهم، ويوفون نذورهم
ويطوفون
بالبيت العتيق ويشاركهم أهل الأمصار في هذا العيد؛ فإنهم يشاركونهم
في يوم عرفة
في العتق والمغفرة وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة؛ لأن الحج
فريضة العمر
لا فريضة كل عام، بخلاف الصيام ويكون الشكر عند أهل
الأمصار:
الصلاة والنحر، والنحر أفضل من الصدقة التي في يوم الفطر؛ ولهذا
أمر الله
نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يشكر نعمته عليه بإعطائه الكوثر بالصلاة له والنحر
كما شرع
ذلك لإبراهيم
خليله؛ عند أمْره بذبح ولده وافتدائه بذبح عظيم.
وأما عيد
الأسبوع: فهو يوم الجمعة، وهو متعلق بإكمال فريضة الصلاة؛
فإن الله قرض
على عباده المسلمين الصلاة كل يوم وليلة خمس مرات، فإذا كملت
أيام الأسبوع
التي تدور الدنيا عليها وأكملوا صلاتهم فيها شرع لهم يوم إكمالها
- وهو اليوم
الذي انتهى فيه الخلق، وفيه خُلق آدم وأدخل الجنة- عيدًا يجتمعون فيه
على صلاة
الجمعة، وشرع لهم الخطبة تذكيرًا بنِعَم الله عليهم وحثًا لهم على
شكرها، وجعل
شهود الجمعة بأدائها كفارة لذنوب الجمعة كلها وزيادة ثلاثة أيام.___
وقد روي أن
يوم الجمعة أفضل من يوم الفطر ويوم النحر. خرّجه الإمام
أحمد في
"مسنده"، وقال مجاهد وغيره. وروي أنه حج المساكين، وروي عن
علي أنه يوم
نُسك المسلمين. وقال ابن المسيب: الجمعة أحب إليّ من حج
التطوع. وجعل
الله التبكير إلى الجمعة كالهدي؛ فالمبكر في أول ساعة
كالمُهدي
بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي كبشًا، ثم كالمهدي دجاجة،
ثم كالمهدي
بيضة. ويوم الجمعة يوم المزيد في الجنة الذي يزور أهل الجنة فيه
ربهم ويتجلى
لهم في قدر صلاة الجمعة. وكذلك روي في يوم العيدين أن أهل
الجنة لا
يزورون ربهم فيهما، وأنه يتجلى فيهم لأهل الجنة عمومًا يشارك الرجال
فيها النساء.
فهذه الأيام أعياد للمؤمنين في الدنيا والآخرة عمومًا.
وأما خواص
المؤمنين: فكل يوم لهم عيد كما قال بعض العارفين.
وروي عن
بعضهم: كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد. ولهذا روي أن خواص
أهل الجنة
يزورون ربهم وينظرون إليه كل يوم مرتين بكرة وعشيًا. وقد خرّجه
الترمذي من
حديث ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا.
ولهذا المعنى
-والله أعلم- لمّا ذكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرؤية في حديث جرير بن
عبد الله
البجلي أمر عقب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل
غروبها؛ فإن
هذين الوقتين وقت رؤية خواص أهل الجنة ربهم، فمن حافظ
على هاتين
الصلاتين على مواقيتها وأدائهما وخشوعهما وحضور القلب فيهما
رجي له أن
يكون ممن ينظر إلى الله في الجنة في وقتهما.
فتبيَّن بهذا:
أن الأعياد تتعلق بإكمال أركان الإسلام؛ فالأعياد الثلاثة
المجتمَع
عليها تتعلق بإكمال الصلاة والصيام والحج؛ فأما الزكاة: فليس لها
زمان معين
تكمل فيه، وأما الشهادتان: فإكمالهما هو الاجتهاد في الصدق
فيهما،
وتحقيقهما والقيام بحقوقهما. وخواص المؤمنين يجتهدون على ذلك كل
يوم ووقت؛
فلهذا كانت أيامهم كلها أعياد، ولذلك كانت أعيادهم في الجنة
مستمرة. انتهى
ما كتبه الحافظ ابن رجب رحمه الله ["فتح الباري لابن رجب" 1/ 88 - 89]،
وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالي أعلم.
الإفصاح عن
معاني الصحاح (5/ 41)
* في هذا
الحديث من الفقه أن تتابع الوحي عليه كان منذرا له بالتأهب لأنه لم يكن ليقبض -
صلى الله عليه وسلم - إلا بعد إنزال الوحي كله.
* وفيه أيضا
ما يدلك على أن الوحي هو هذا الذي نزل؛ وذلك أنه لما بقي من مدة (135/ أ) رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقت قبضه الزمن اليسير توبع الوحي وولى إنزاله
ليكمل قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
وقال محمد
الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري _رحمه الله_ في "الكوكب
الوهاج شرح صحيح مسلم" (26/ 504):
"أكثر
إنزاله قرب وفاته صلى الله عليه وسلم والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا
وكثر سؤالهم عن الأحكام فكثر النزول بسبب ذلك." اهـ
Komentar
Posting Komentar