شرح الحديث 114 (باب الازدياد من الخير في أواخر العمر) من رياض الصالحين
[114] الثالث: عن عائشةَ _رضي اللَّه عنها_
قَالَتْ: "مَا
صَلَّى رسولُ اللَّه _صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم_ صلاةً بعْد أَنْ نزَلَت
علَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلاَّ يقول فِيهَا:
"سُبْحانك ربَّنَا وبِحمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي" متفقٌ عَلَيهِ. |
أخرجه البخاري
(6/ 178) (رقم: 4967)، ومسلم (1/ 351/
219) (رقم: 484)
وفي
رواية الصحيحين عنها: كَانَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِر أنْ يَقُول فِي ركُوعِه وسُجُودِهِ: "سُبْحانَكَ
اللَّهُمَّ ربَّنَا وَبحمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي" يتأوَّل الْقُرْآن. معنى:"يتأوَّل
الْقُرُآنَ"، أيْ: يعْمل مَا أُمِرَ بِهِ
في الْقُرآنِ في قولِهِ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}
. |
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (1/ 163 و 6/ 178) (رقم: 817 و 4968)، ومسلم (1/ 350/ 217)
(484)، وأبو داود (1/ 232) (رقم: 877)،
والنسائي (2/ 219_220) (رقم: 1122_1123)، وابن ماجه (1/ 287) (رقم: 889)، وأحمد – ط.
عالم الكتب (6/ 43 و 6/ 49 و 6/ 190) (رقم: 24163 و 24223 و 25567)
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (11/ 190)
وقولها:
(يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) أي يَعْمَل ما أُمر به في قول اللَّه عزَّ وجلَّ:
{فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 3]،
وكان -صلى
اللَّه عليه وسلم- يقول هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفِيَ ما أُمر به في
الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان
يختارها لأداء هذا الواجب الذي أُمر به؛ ليكون أكمل، قاله النوويّ -رَحِمَهُ
اللَّهُ- ["شرح النوويّ" 4/ 201]
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (11/ 191)
وقال الحافظ
ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-:
والمراد أنه
يمتثل ما أمره اللَّه تعالى به بقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} الآية،
فتأويل القرآن
تارةً يُراد به تفسير معناه بالقول، وتارةً يراد به امتثال أوامره بالفعل، ولهذا
يقال لمن ارتكب شيئًا من الرُّخَص بتأويل سائغ، أو غيره: إنه فعله متأوّلًا. انتهى
["فتح الباري" لابن رجب 7/ 272]
وفي
رواية لمسلم: كَانَ رسولُ
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقولَ قبْلَ أَنْ يَمُوتَ:
"سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحْمدِكَ، أسْتَغْفِركَ وأتُوبُ إلَيْكَ". قَالَتْ
عائشةُ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه مَا هذِهِ الكلِمَاتُ الَّتي أرَاكَ
أحْدثْتَها تَقولها؟ قَالَ: "جُعِلَتْ لِي علامةٌ في أمَّتي إِذَا رَأيتُها
قُلتُها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [إِلَى آخِرِ السورة". |
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (1/ 351/ 218) (رقم: 484)، وأبو نعيم في "المسند المستخرج
على صحيح مسلم" (2/ 98) (رقم: 1076)، والبيهقي في "الدعوات الكبير"
(1/ 241) (رقم: 165)
وفي
رواية لَهُ: "كَانَ
رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: (سُبْحانَ
اللَّهِ وبحَمْدِهِ. أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأَتُوبُ إلَيْه). قَالَتْ:
قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْل: (سُبْحَانَ اللَّهِ
وبحمْدِهِ، أسْتغْفِر اللَّه وأتُوبُ إليْهِ)؟ فَقَالَ:
"أخْبرني ربِّي أنِّي سَأرَى علاَمَةً فِي أُمَّتي فَإِذَا رأيْتُها
أكْثَرْتُ مِن قَوْلِ: (سُبْحانَ
اللَّهِ وبحَمْدِهِ، أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأتُوبُ إلَيْهِ)، فَقَدْ
رَأَيْتُها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ،
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} |
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (1/ 351/ 220) (رقم: 484)، والسَّرَّاج في "المسند" (ص:
124) (رقم: 311)، وابن حبان في
"صحيحه" (14/ 323) (رقم: 6411)، والبيهقي في "شعب الإيمان"
(4/ 137) (رقم: 2299).
صححه الألباني
في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 446) (رقم: 3157)
ترجمة
عائشة بنت أبي بكر الصديق _رضي الله عنهما_:
وفي سير أعلام
النبلاء ط الرسالة (2/ 135) للذهبي:
"عَائِشَةُ
بِنْتُ الصِّدِّيْقِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ* (ع)
بِنْتُ
الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ
عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ
لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ،
المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.
وَأُمُّهَا:
هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ
عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ.
هَاجَرَ
بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ
وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ
خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ:
بِعَامَيْنِ.
وَدَخَلَ
بِهَا
فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ.
فَرَوَتْ
عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ." اهـ
وفي "معرفة
الصحابة" لابن منده (ص: 939):
"وبقيت
إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان، وقيل: سبع
وخمسين،
وقد قاربت السبعين، وأوصت أن تدفن بالبقيع، وكان وصيها: عبد الله
بن الزبير بن العوام." اهـ
وفي الأعلام
للزركلي (3/ 240):
"عائِشَة
أم المُؤْمِنِين (9 ق هـ - 58 هـ = 613 - 678 م):
عائشة بنت أبي
بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قريش: أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين
والأدب.
كانت تكنى بأم عبد الله. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في
السنة الثانية بعد الهجرة،
فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه.
ولها خطب
ومواقف. وما كان يحدث لها أمر إلا أنشدت فيه شعرا. وكان أكابر الصحابة يسألونها عن
الفرائض فتجيبهم.
وكان (مسروق)
إذا روى عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق.
وكانت ممن نقم
على (عثمان) عمله في حياته، ثم غضبت له بعد مقتله، فكان لها في هودجها، بوقعة
الجمل، موقفها المعروف.
وتوفيت في
المدينة. روي عنها 2210 أحاديث.
ولبدر الدين
الزركشي كتاب (الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة - ط)." اهـ
من
فوائد الحديث :
قال الشيخ
فيصل بن عبد العزيز الحريملي في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 101):
"في هذا
الحديث: مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على التسبيح والتحمد والاستغفار في ركوعه
وسجوده، وأشرف أوقاته وأحواله.
وفيه:
خضوعه - صلى الله عليه وسلم - لربه وانطراحه بين يديه، ورؤية التقصير في أداء مقام
العبودية، وحق الربوبية.
وفيه:
الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر." اهـ
رياض الأفهام
في شرح عمدة الأحكام (2/ 527):
"وفيه:
مبادرةُ الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى امتثال ما أمره اللَّه به، وملازمته
لذلك." اهـ
البدر التمام
شرح بلوغ المرام (3/ 95)
فيه دلالة على
قول ذلك في الركوع والسجود، وهو لا ينافي الحديث الذي قد مر وهو: "أما الركوع
فَعَظِّموا فيهِ الرَّبَّ"؛ لأن ذلك يدل على أنَّه محل للتعظيم، وهذه الزيادة
مفهومة من هذا الحديث فيجمع بين الروايتين جميعًا بالجمع بين مدلوليهما مع أن في
قوله: "فاجتهدوا فيه بالدعاء" يدل بمفهومه أن غيره لا يجتهد فيه، وأما
اليسير من الدعاء فلا يضر، إذ معنى الاجتهاد هو الإكثار منه
وقال محمد بن علي
بن آدم الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام
مسلم بن الحجاج" (11/ 192_193):
في فوائده:
1 - (منها):
بيان مشروعيّة الدعاء في الركوع والسجود بالدعاء المذكور.
2 - (ومنها):
بيان جواز الدعاء في الركوع، ونُقل عن مالك: كراهته، وقد ترجم الإمام البخاريّ في
"صحيحه": "باب الدعاء في الركوع"، ثم أورد حديث عائشة -رضي
اللَّه عنها- المذكور في الباب، فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون
التسبيح، مع أن الحديث واحد، أنه قَصَدَ الإشارة إلى الردّ على من كَرِهَ الدعاء في
الركوع، كمالك، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتَمّ هنا بذكر الدعاء لذلك، وحجة
المخالف حديثُ ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- الذي تقدّم في الباب الماضي، وفيه:
"فأما الركوع فعَظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ
أن يستجاب لكم"، لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع، كما لا يمتنع
التعظيم في السجود، وظاهر حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أنه -صلى اللَّه عليه
وسلم- كان يقول هذا الذكر كله في الركوع، وكذا في السجود، قاله في
"الفتح" ["الفتح" 2/ 329].
وقال ابن دقيق
العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-:
(يؤخذ من هذا
الحديث إباحة الدعاء في الركوع، وإباحة التسبيح في السجود، ولا يعارضه قولُه -صلى
اللَّه عليه وسلم-: "أما الركوع فعَظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا
فيه من الدعاء". [م د س]
قال: ويمكن أن
يُحْمَل حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية.
ويَحْتَمِل أن
يكون أَمَر في السجود بتكثير الدعاء؛ لإشارة قوله: "فاجتهدوا"، والذي
وقع في الركوع من قوله: "اللهم اغفر لي" ليس كثيرًا، فلا يعارض ما أَمَر
به في السجود). انتهى.
واعترضه
الفاكهانيّ بأن قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان يكثر أن يقول" صريح
في كون ذلك وقع منه كثيرًا، فلا يعارض ما أَمَر به في السجود.
قال الحافظ:
هكذا نقله عنه شيخنا ابن الْمُلَقِّن في "شرح العمدة"، وقال:
فليُتَأَمَّل، وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم الزيادة___على
قوله: "اللهم اغفر لي" في الركوع الواحد، فهو قليل بالنسبة إلى السجود
المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء الْمُشْعِر بتكثير الدعاء، ولم يُرِد أنه كان
يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض، حتى يَعْتَرِض عليه بقول عائشة -رضي اللَّه
عنها-: "كان يكثر. . . إلخ" انتهى ["الفتح" 2/ 349 - 350].
قال
الجامع عفا اللَّه عنه:
خلاصة القول:
أن الأمر بتعظيم الربّ عزَّ وجلَّ في الركوع لا ينافي جواز الدعاء فيه بدليل هذا
الحديث، وإنما غاية ما يدلّ عليه قوله: "فعظّموا فيه الربّ" أن يكون
معظم الذكر المشروع فيه هو التعظيمَ بالتسبيح والتحميد، والتقديس، كما أن الغالب
في السجود الاجتهاد في الدعاء، ولا ينافي التسبيح فيه أيضًا، بدليل قوله -صلى
اللَّه عليه وسلم- لَمّا نزل {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]:
"اجعلوها في سجودكم"، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
3 - (ومنها):
بيان ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الإكثار من الاستغفار، مع أنه
غُفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، كما قال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] الآية،
وسبب ذلك أن
يكون عبدًا شكورًا، فقد أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-
قال: قام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تَوَرَّمت قدماه، فقيل له: غفر اللَّه
لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا".
4 - (ومنها):
شدّة حرصه على مبادرته أمر اللَّه عزَّ وجلَّ له في القرآن، حيث قال له:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} الآية [النصر: 3]،
وهو معنى
قوله: "يتأول القرآن"، أي: يُطبّق على
نفسه ما أُمر به في القرآن، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو
حسبنا ونعم الوكيل."
وقال الإثيوبي
في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (13/ 155_156):
في فوائده:
(منها):
مشروعية الدعاء في الركوع، ونقل عن مالك -رحمه الله- كراهته، كما تقدم لحديث ابن
عباس - رضي الله عنها - المتقدم: "فأما الركوع فعظموا فيه الرب"، لكن
تقدم أنه لا ينافي جواز الدعاء القليل مثل هذا، وإنما يدل على أن معظم الذكر
المشروع فيه هو التعظيم، كما أن الغالب في السجود الدعاء، ولا ينافي التسبيح أيضا
(ومنها): ما
كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإكثار من الاستغفار، مع أنه غفر له ما
تقدم من ذنبه، وما تأخر، ليكون عبدا شكورا
(ومنها):
مبادرته لامتثال ما أمره الله تعالى به في القرآن، وهو معنى___قوله في الحديث:
"يتأول القرآن"، أي يطبق على نفسه ما أمر به في القرآن. والله تعالى
أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
تيسير العلام
شرح عمدة الأحكام (ص: 215)
الأحكام
المستنبطة من الحديث:
1- استحباب
الإكثار من هذا الدعاء، في الركوع والسجود.
2- أن تختم
العبادات- وخصوصاً الصلاة- بالاستغفار، ليتدارك ما حصل فيها من النقص.
3- أن أحسن ما
يتوسل به إلى الله في قبول الدعاء، هو ذكر محامده وتنزيهه عن النقائص والعيوب.
4- أن المتعبد
بهما، حرص على حفظ عباداته، فلا ينبغي أن يأمن من الزلل والنقص فيها.
5- فضيلة
الاستغفار، وطلبه في كل حال.
6- ذكر شيخ
الإسلام ابن تيمية أن المشهور عن الإمام أحمد أنه لايدعو في الصلاة إلا بالأدعية
المأثورة، وصرف التخير في قوله " ثم ليختر من الدعاء ما شاء" إن أن
يختار من الأدعية التي وردت في الخبر، حينئذ فالدعاء المستحب هو الدعاء المشروع،
أما إذا دعا بدعاء لا يعلم أنه مستحب، أو على أنه جائز غير مستحب فإنه لا تبطل
صلاته بذاك وقد حصل مثل هذا من بعض الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فلم
ينكر عليه، وإنما نفى ماله فيه من الأجر.
فائدة:
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقب الصلاة، فلم ينقل هذا
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفعله في أعقاب الصلوات___
تيسير العلام
شرح عمدة الأحكام (ص: 216)
المكتوبات،
كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه. ومن استحبه من العلماء المتأخرين في أدبار
الصلوات فليس معهم في ذلك سنة، إلا مجرد كون الدعاء مشروعاً، وهو عقب الصلوات يكون
أقرب إلى الإجابة، وهذا الذي ذكروه قد اعتبره الشارع في صلب الصلاة، فالدعاء في
آخرها قبل الخروج منها مشروع منون بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين، والمصلي
يناجي ربه فالدعاء حينئذ
مناسب لحاله،
أما إذا انصرف إلى الناس فليس موطن مناجاة له ودعاء، وإنما هو موطن ذكر له وثناء عليه.
أهـ ملخصاً.
فائدة أخرى:
بناء على ما
رجح من عدم مشروعية الدعاء بعد السلام من الصلاة، يظهر عدم مشروعية رفع اليدين في
هذا الموطن. أما رفع اليدين في الدعاء في مواطن أخرى فهو مما جاءت به الأخبار
والأحاديث الصحيحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم
يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وقد ذكر البخاري طائفة من أحاديث
رفع اليدين عند الدعاء في كتابه "الأدب المفرد" وقال الصنعاني: ورد عن
النبي صلى الله عليه وسلم فعلا منه رفع اليدين في الاستسقاء وفي الحج وفي غير ذلك،
وحديث " إن الله يستحي أن يرفع العبد يديه إليه فيردهما خائبتين"
فمشروعية رفع اليدين عند الدعاء ثابتة بلا شك.
Komentar
Posting Komentar