شرح الحديث الثاني والثلاثين كتاب "أربعين حديثا في التربية والمنهج"

 

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص: 72):

 

الحديث الثاني والثلاثون:

 

عن عبد الله بن عمر _رضي الله تعالى عنهما_، قال:

قال رسول الله ﷺ: (أيما رجلٍ قال لأخيه: "يا كافر، فقد باء بها أحدهما) (1)

 

فيه: تهذيب الشارع لجارحةِ اللسانِ

وفيه: تعظيمُ جانبِ الأخوةِ الإسلاميّةِ

وفيه: خطورةُ القول بلا علم

وفيه: خطورة القدح في عقائد الناس بلا علم

وفيه: أن الجزاء من جنس العمل

وفيه: كمال عدل الله _عز وجل_.

وفيه: أن العناية بفهم منهج أهل السنة والجماعة في المعتقد بخاصَّةٍ نجاةٌ للعبد - بعد توفيق الله - تعالى - من الوقوع في المهلكات القولية والفعلية

 

(1) أخرجه الشيخان


ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي _رضي الله عنهما_: 


وفي "الأعلام" للزركلي (4/ 108)

عَبْد الله بن عُمَر (10 ق هـ - 73 هـ = 613 - 692 م)

عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن: صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية. كان جريئا جهيرا. 

نشأ في الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أيبه، وشهد فتح مكة.

ومولده ووفاته فيها. أفتى الناس في الإسلام ستين سنة. 

ولما قتل عثمان عرض عليه نفر أن يبايعوه بالخلافة فأبى. 

وغزا إفريقية مرتين: 

* الأولى: مع ابن أَبي سَرْح، 

* والثانية: مع معاوية بن حديج سنة 34 هـ وكف بصره في آخر حياته. وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة.

له في كتب الحديث 2630 حديثا. 

وفي "الإصابة": 

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: (مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل، وكان عمر في زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر في زمان ليس له فيه نظير)." اهـ


وفي رواية لمسلم (1/ 79):

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ "

 

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (2/ 50):

* وَفِي هَذَا الحديث: تحريم دعوى ما ليس لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا.

* وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري (8/ 26) (رقم: 6104)، ومسلم (1/ 79) (رقم: 60)، وأبو داود (4/ 221) (رقم: 4687)، والترمذي – ت. شاكر (5/ 22) (رقم: 2637)، وأحمد – ط. عالم الكتب (2/ 113) (رقم: 5933)

 

والحديث صحيح متفق عليه: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1356) (رقم: 4815)

 

التكفير أمر خطير لا ينبغي لأحد أن يتسرع في ذلك, لا بد أن يكون التكفير راجعا إلى الله تعالى, فالشارع قد وضع الشروط والموانع. فالتكفير لمعيَّنٍ يجب فيه أن تتوفر تلك الشروط, وأن تنتفي تلك الموانع.

 

أهل السنة يذهبون إلى أن المسلم العاصي ما لم  يرتكب قولا أو فعلاً مكفرا فلا يجوز تكفيره. فالمعاصي المرتكبة وإن كثرت فلا يجوز تكفير المسلم بها ما لم يستحلها, وإن استحل شيئاً منها فقد اقترف كفرا يخشى عليه عاقبته.

 

المَبْحَثُ الأوَّلُ: (من قواعد وضوابط التَّكفير عند أهل السُّنَّة : يَحرُمُ تكفيرُ المُسلِمِ بغَيرِ حَقٍّ)

 

1_عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:

(لا يَرمي رجُلٌ رجُلًا بالفُسوقِ، ولا يَرميه بالكُفرِ، إلَّا ارتَدَّتْ عليه، إنْ لم يكنْ صاحِبُه كذلك). خ م

وفي لَفظٍ : (ومَنْ دعا رجُلًا بالكُفرِ -أو قال: عَدُوُّ اللهِ- وليس كذلك، إلَّا  حار عليه)  م

 

قال ابنُ هُبَيرةَ: (فيه شِدَّةُ الحَظرِ على من رمى أخاه المُسْلِمَ بالكُفْرِ، فإنَّه بهذا الحديثِ على يقينٍ من ارتدادِها إليه إن لم يكُنْ أخوه كما ادَّعاه؛ فلْيحذَرْ أن يقولَها أبدًا لِمن هو من أمْرِه في شَكٍّ، وكذلك أن يرميَه بالفِسْقِ فإنَّه على سبيلِه في ارتدادِه عليه إنْ لم يكُنْ كما ذَكَره بيَقينٍ) الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 170)


2_ وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّما امرِئٍ قال لأخيه: يا كافِرُ، فقد باءَ بها أحَدُهما؛ إن كان كما قال، وإلَّا رجَعَت عليه)) م


قال ابنُ عبدِ البَرِّ في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 14 و 22):

(المعنى فيه عند أهلِ الفِقهِ والأثَرِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: النَّهيُ عن أن يُكَفِّرَ المسلِمُ أخاه المسلِمَ بذَنبٍ، أو بتأويلٍ لا يُخرِجُه من الإسلامِ عند الجميعِ؛ فورد النَّهيُ عن تكفيرِ المسلِمِ في هذا الحديثِ وغيرِه بلَفظِ الخَبَرِ دونَ لَفظِ النهيِّ، وهذا موجودٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ، ومعروفٌ في لسانِ العَرَبِ... وهذا غايةٌ في التحذيرِ مِن هذا القَولِ، والنَّهيِ عن أن يقالَ لأحدٍ مِن أهلِ القِبلةِ: يا كافِرُ)


وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 408): («قال لأخيه» أي: في الإسلامِ «كافِرٌ، فقد باء بها أحَدُهما» أي: رجع بها أحَدُهما «فإن كان كما قال» أي: كان في الباطِنِ كافِرًا «وإلا» أي: وإن لم يكُنْ كذلك «رجَعَت عليه» أي: فيَكفُرُ) اهـ


وقال ابنُ عاشور: التحرير والتنوير (3/ 12)

"قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ هُوَ بِهَا»

لِأَنَّهُ إِذَا نَسَبَ أَخَاهُ فِي الدِّينِ إِلَى الْكُفْرِ فَقَدْ أَخَذَ فِي أَسْبَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْلِيدِ سَبَبِ التَّقَاتُلِ، فَرَجَعَ هُوَ بِإِثْمِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِيمَا يَتَسَبَّبُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَرَى بَعْضَ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ كُفْرًا، فَقَدْ صَارَ هُوَ كَافِرًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ كُفْرًا.

التحرير والتنوير (3/ 12)

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» [خ م]،

فَجَعَلَ الْقِتَالَ شِعَارَ التَّكْفِيرِ. وَقَدْ صَمَّ الْمُسْلِمُونَ عَنْ هَذِهِ النَّصِيحَةِ الْجَلِيلَةِ فَاخْتَلَفُوا خِلَافًا بَلَغَ بِهِمْ إِلَى التَّكْفِيرِ وَالْقِتَالِ،

وَأَوَّلُهُ : خِلَافُ الرِّدَّةِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ خِلَافُ الْحَرُورِيَّةِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ وَقَدْ كَفَّرُوا عَلِيًّا فِي قبُوله تحكيم الْحكمِي." اهـ


3_ وعن ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ _رَضِيَ اللهُ عنه_ :

عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : «وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ» خ


 قال ابنُ بطال في شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 104):

"معنى قوله: (من رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله) يعنى فى تحريم ذلك عليه - والله أعلم." اهـ


وقال ابنُ القَيِّم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 308):

"فَمِنْ الْكَبَائِرِ تَكْفِيرُ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ." اهـ

 

المَبْحَثُ الثَّاني: من قواعِدِ وضَوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: عدَمُ التَّكفيرِ بكُلِّ ذَنبٍ

 

من عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة : أنَّهم لا يُكَفِّرون أحدًا من أهلِ القِبلةِ بكُلِّ ذَنبٍ ما لم يستحِلَّه، ويقصِدون الذَّنبَ الذي لا يَكفُرُ صاحِبُه.


قال ابنُ أبي العِزِّ في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 433_434): "امتنع كثيرٌ من الأئمَّةِ عن إطلاقِ القَوْلِ بأنَّا لا نُكَفِّرُ أحدًا بذَنبٍ، بل يقال: لا نكُفِّرُهم بكُلِّ ذَنبٍ، كما تفعَلُه الخوارجُ، وفَرْقٌ بين النَّفيِ العامِّ، ونَفْيِ العُمومِ)


فالنفيُ العامُّ قد يُفهَمُ منه عدمُ تكفيرِ المعَيَّنِ مُطلقًا، مهما عَمِلَ من الذُّنوبِ، ولو عَمِلَ ناقِضًا من نَواقِض الإسلامِ، أمَّا نفيُ العمومِ، فيُفهَمُ منه أنَّهم يُكَفِّرون ببعضِ الذُّنوبِ، ولا يكَفِّرون ببَعْضِها.


قال ابنُ تيميَّةَ عن عقيدةِ السَّلَفِ في "مجموع الفتاوى" (3/ 151):

"وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِمُطْلَقِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارِجُ؛ بَلْ الْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَةِ الْقِصَاصِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]

وَقَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 9، 10]." اهـ

وقال الهرَّاسُ شارحًا كلامَ ابنِ تيميَّةَ في "شرح العقيدة الواسطية" (ص: 234):

"وَمَعَ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ مركَّب مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ؛ فَهِيَ لَيْسَتْ كُلُّهَا بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ بَلِ الْعَقَائِدُ أصلٌ فِي الْإِيمَانِ، فمَن أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي اللَّهِ أَوْ مَلَائِكَتِهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوِ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَوْ مِمَّا هُوَ معلومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ؛ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَحُرْمَةِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ ... إلخ؛ فَهُوَ كافرٌ، قَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا الْإِنْكَارِ." اهـ


وقال العثيمين في شَرْحِه لكلامِ ابنِ تيميَّةَ في "شرح العقيدة الواسطية (2/ 237):

"أهل القبلة هم المسلمون، وإن كانوا عصاة؛ لأنهم يستقبلون قبلة واحدة، وهي الكعبة.

* فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر.

* وتأمل قول المؤلف: "بمطلق المعاصي"، ولم يقل: بالمعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي منها ما يكون كفرًا، وأما مطلق المعصية؛ فلا يكون كفرًا.

والفرق بين الشيء المطلق ومطلق الشيء: أن الشيء المطلق يعني الكمال، ومطلق الشيء؛ يعني؛ أصل الشيء.___

فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإيمان؛ فأصل الإيمان موجود عنده، لكن كماله مفقود.

فكلام المؤلف رحمه الله دقيق جدًّا." اهـ

 

وقال العثيمين في شرح العقيدة الواسطية (2/ 238_239):

"ثم استدل المؤلف لذلك فقال: "كَمَا قالَ سُبْحانَهُ في آيَةِ القِصاصِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] ":

* آية القصاص هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ...} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ...} الآية، والمراد بـ {أَخِيهِ} هو المقتول.

ووجه الدلالة من هذه الآية على أن فاعل الكبيرة لا يكفر أن الله سمى المقتول أخًا للقاتل، مع أن قتل المؤمن كبيرة من كبائر الذنوب.

* "وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ___بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 9، 10] ".

وهذا دليل آخر لقول أهل السنة: إن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان." اهـ

 

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: من قواعِدِ وضَوابِطِ التَّكفيرِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ: مَنْ ثَبَت إسلامُه بيَقينٍ فلا يجوزُ تَكفيرُه إلَّا بيَقينٍ

 

قال ابنُ عبدِ البَرِّ في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 21):

"كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْدُ الْإِسْلَامَ فِي وَقْتٍ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا أَوْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا فَاخْتَلَفُوا بَعْدُ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِهِمْ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ مَعْنًى يُوجِبُ حُجَّةً وَلَا يُخْرِجُ مِنَ الْإِسْلَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ آخَرَ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا." اهـ


وقال ابنُ تيميَّةَ في مجموع الفتاوى (12/ 466):

"وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ." اهـ


وقال ابنُ نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 134)

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يَحْكُمُ بِهَا بِهِ وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِشَكٍّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ أَقُولُ: قَدَّمْت هَذِهِ لِتَصِيرَ مِيزَانًا فِيمَا نَقَلْته فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَفَرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى [ليوسف بن أحمد الخوارزمي (ت 634 هـ)]: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ.

 

وقال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 134):

"وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة[1] [لعالم بن علاء الحنفي (ت 786 هـ)]: لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ اهـ.

 

وفي البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 135):

"وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً." اهـ

وقال مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 112):

"من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض، لا نكفره بالظن، لأن اليقين لا يرفعه الظن. وكذلك لا نكفِّر من لا نعرِفُ مِنْهُ الكُفْرَ، بسببِ ناقضٍ ذكر عنه، ونحن لم نتحققه." اهـ


وقال ابنُ عُثَيمين: (الأصلُ فيمن يَنتَسِبُ للإسلامِ بَقاءُ إسلامِه حتى يُتحَقَّقَ زوالُ ذلك عنه بمُقتضى الدَّليلِ الشَّرعيِّ، ولا يجوزُ التَّساهُلُ في تكفيرِه)

 

وفي مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 133_134):

"فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:

أحدهما: افتراء الكذب على الله - تعالى - في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.

أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله -تعالى - فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه.

وأما الثاني: فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه،

لما ثبت في ___صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - «أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما".»

وفي رواية: «إن كان كما قال وإلا رجعت عليه» . وله من حديث أبي ذر -رضي الله عنه - أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «ومن دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» .

يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر: «إن كان كما قال» يعني في حكم الله - تعالى -. وكذلك قوله في حديث أبي ذر: "وليس كذلك" يعني في حكم الله تعالى.

وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئًا منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به؛ لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجبًا بعمله محتقرًا لغيره فيكون جامعًا بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله تعالى - في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه - «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:

"قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار»." اهـ

 

المَبْحَثُ الرَّابعُ: من قواعِدِ وضَوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: الحُكمُ بالظَّاهِرِ

 

قال النووي في شرح النووي على مسلم (2/ 107):

"الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ : أَنَّ الْأَحْكَامَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ." اهـ


وقال ابنُ تيميَّةَ في مجموع الفتاوى (7/ 416):

"إِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا هُوَ الْإِيمَانُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ فِي الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ." اهـ


وقال أيضًا في مجموع الفتاوى (7/ 210):

"الْإِيمَان الظَّاهِر الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ فِي الْبَاطِنِ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ،

فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } [البقرة: 8]

هُمْ فِي الظَّاهِرِ مُؤْمِنُونَ يُصَلُّونَ مَعَ النَّاسِ. وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَغْزُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يُنَاكِحُونَهُمْ ويوارثونهم كَمَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُنَافِقِينَ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكُفْرِ لَا فِي مُنَاكَحَتِهِمْ وَلَا موارثتهم وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ؛

بَلْ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي ابْنُ سلول - وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ النَّاسِ بِالنِّفَاقِ - وَرِثَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ،

وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ كَانَ يَمُوتُ مِنْهُمْ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُؤْمِنُونَ؛ وَإِذَا مَاتَ لِأَحَدِهِمْ. وَارِثٌ وَرِثُوهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ." اهـ

وقال الشَّاطبي في الموافقات (2/ 467):

"إِنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ خُصُوصًا، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاعْتِقَادِ فِي الْغَيْرِ عُمُومًا أَيْضًا، فَإِنَّ سَيِّدَ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالْوَحْيِ يُجْرِي الْأُمُورَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فِي الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ عَلِمَ بَوَاطِنَ أَحْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُخْرِجِهِ عَنْ جَرَيَانِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ." اهـ


وقال ابنُ حَجَرٍ في فتح الباري (12/ 273):

"وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ : «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟!» [خ م]

وَقَالَ لِلَّذِي سَارَّهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ : «أَلَيْسَ يُصَلِّي؟» قَالَ: "نَعَمْ قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيتُ عَنْ قَتْلِهِمْ." [صحيح: حب]." اهـ


وأدِلَّةُ هذه القاعِدةِ كثيرةٌ؛ منها:
أولًا: قَولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [النساء: 94]

 

قال الشوكاني في فتح القدير للشوكاني (1/ 579):

"أَيْ: لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ التَّسْلِيمَ- فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ-: لَسْتَ مُؤْمِنًا. وَالْمُرَادُ: نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يُهْمِلُوا مَا جَاءَ بِهِ الْكَافِرُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَيَقُولُوا: إِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِذَلِكَ تَعَوُّذًا وَتَقِيَّةً." اهـ

ثانيًا: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه _صلَّى اللهُ عليه وسلَّم_ : «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» خ


قال القَسطَلانيُّ في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (1/ 411):

"فإن قلت: لم خصّ الثلاثة بالذكر من بين الأركان وواجبات الدين؟

أُجيب : بأنها أظهر وأعظم وأسرع علمًا لأن في اليوم تعرف صلاة الشخص وطعامه غالبًا بخلاف الصوم والحج كما لا يخفى." اهـ


وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ في كشف الشبهات (ص: 48):

"من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه، إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك. والدليل على هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال «أقتلته بعدما قال: (لا إله إلا الله) »." اهـ


ثالثًا: عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:

«أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ويقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا مني دماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على  اللهِ» خ م


قال البَغَويُّ في شرح السنة للبغوي (1/ 70):

"وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أُمُورَ النَّاسِ فِي مُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ دُونَ بَاطِنِهَا، وَأَنَّ مَنْ أَظْهَرَ شِعَارَ الدِّينِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَلَمْ يُكْشَفْ عَنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ.

وَلَوْ وُجِدَ مَخْتُونٌ فِيمَا بَيْنَ قَتْلَى غُلْفٍ، عُزِلَ عَنْهُمْ فِي الْمَدْفَنِ، وَلَوْ وُجِدَ لَقِيطٌ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ حُكِمَ بِإِسْلامِهِ." اهـ


وقال ابنُ حَجَر في "فتح الباري" (1/ 77):

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْحُكْمِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ." اهـ


رابعًا: عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال :

"بعَثَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَرِيًّةٍ فصَبَّحْنا الحُرُقاتِ مِن جُهَينةَ  ، فأدركتُ رجلًا فقال : (لا إلهَ إلَّا اللهُ)،

فطعَنْتُه، فوقع في نفسي من ذلك، فذكَرْتُه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم_ : «أقال: لا إله إلَّا اللهُ، وقتَلْتَه؟!

قال: قُلتُ: "يا رَسولَ اللهِ، إنَّما قالها خوفًا من السِّلاحِ."

قال : «أفلا شَقَقْتَ عن قَلْبِه حتى تعلَمَ أقالها أم لا؟!"

فما زال يُكَرِّرُها عليَّ حتى تمنَّيتُ أني أسلَمْتُ يومَئذٍ."

 

قال النووي في شرح النووي على مسلم (2/ 104)

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا» 

الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ (أَقَالَهَا) هُوَ الْقَلْبُ.

وَمَعْنَاهُ: أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ. وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ.

فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ بِاللِّسَانِ وَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ قَالَهَا الْقَلْبُ وَاعْتَقَدَهَا وَكَانَتْ فِيهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ بَلْ جَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ، فَحَسْبُ، يَعْنِي: وَأَنْتَ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هَذَا، فَاقْتَصِرْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ، يَعْنِي: وَلَا تَطْلُبْ غَيْرَهُ." اهـ

 

المَبْحَثُ الخامِسُ: من قواعِدِ وضوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: التَّثَبُّتُ مِنْ خَبَرِ وُقوعِ المُسْلِمِ في الكُفرِ

 

قال اللهُ تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]


قال الشوكاني في فتح القدير للشوكاني (5/ 71):

"قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «فَتَبَيَّنُوا» مِنَ التَّبَيُّنِ،

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «فَتَثَبَّتُوا» مِنَ التَّثَبُّتِ،

وَالْمُرَادُ مِنَ التَّبَيُّنِ : التَّعَرُّفُ وَالتَّفَحُّصُ. وَمِنَ التَّثَبُّتِ: الْأَنَاةُ وَعَدَمُ الْعَجَلَةِ، وَالتَّبَصُّرُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَالْخَبَرِ الْوَارِدِ حَتَّى يَتَّضِحَ وَيَظْهَرَ." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (4/ 146)

قوله عزّ وجلّ: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.

نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِلى بني المصطلق ليِقَبْضِ صدقاتهم، وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهليّة، فلما سمع به القوم تلقّوه تعظيما لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم إنه رجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: إنّ بني المصطلق قد منعوا الصدقة وأرادوا قتلي، فصرف رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم البَعْثَ إِليهم، فنزلت هذه الآية." اهـ


وقال اللهُ _سُبحانَه_ : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [النساء: 94]." اهـ

 

قال ابنُ جرير في تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/ 70):

"يعني جَلَّ ثناؤه بقَولِه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أيُّها الذين صَدَّقوا اللهَ وصَدَّقوا رسولَه، فيما جاءَهم به من عندِ رَبِّهم، 

(إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقولُ: إذا سِرْتُم مسَيرًا لله في جهادِ أعدائِكم (فَتَبَيَّنُوا) يقولُ:

فتأنوَّا في قَتْلِ من أشكَلَ عليكم أمْرُه، فلم تَعلَموا حقيقةَ إسلامِه ولا كُفْرِه، ولا تَعجَلوا فتَقْتُلوا من التَبَسَ عليكم أمرُه، ولا تتقَدَّموا على قَتْلِ أحَدٍ إلَّا على قَتْلِ من عَلِمتُموه يقينًا حَربًا لكم وللهِ ولِرَسولِه.

(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) يقولُ:

ولا تقولوا لِمن استسلم لكم فلم يقاتِلْكم، مُظهِرًا لكم أنَّه من أهلِ مِلَّتِكم ودَعوتِكم لَسْتَ مُؤمِنًا فتَقْتُلوه ابتغاءَ عَرَضِ الحياة الدُّنْيا، يقولُ: طَلَبَ متاعِ الحياةِ الدُّنْيا." اهـ


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عنْهمَا أنَّه قال في قوله تعالى : "وَلَا تَقُولوا لِمَنْ ألْقَى إلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) : كانَ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ له فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ، فَقالَ: السَّلَامُ علَيْكُم، فَقَتَلُوهُ وأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فأنْزَلَ اللَّه في ذلكَ إلى قَوْلِهِعَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا تِلكَ الغُنَيْمَةُ." خ م


وقال مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 112):

"من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض، لا نكفره بالظن، لأن اليقين لا يرفعه الظن. وكذلك لا نكفِّر من لا نعرِفُ مِنْهُ الكُفْرَ، بسببِ ناقضٍ ذكر عنه، ونحن لم نتحققه." اهـ

 

المَبْحَثُ السَّادِسُ: من قواعِدِ وضوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: التَّثبُّتُ مِنْ أنَّ ما صدَرَ مِنَ المُسْلِم هو مِنْ الكُفرِ البَيِّنِ عند العُلَماءِ، وعَدَمُ التَّكفيرِ بالمآلاتِ واللَّوازِمِ إلَّا إذا التُزِمَت

 

قال اللهُ تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]


قال ابنُ كثير في تفسيره (5/ 75):

"قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: لَا تَقُلْ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: لَا تَرْم أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بن الحَنفية: يَعْنِي شَهَادَةَ الزُّورِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ: رَأَيْتُ، وَلَمْ تَرَ، وَسَمِعْتُ، وَلَمْ تُسْمِعْ، وَعَلِمْتُ، وَلَمْ تَعْلَمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنِ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ، بَلْ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ التَّوَهُّمُ وَالْخَيَالُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الْحُجُرَاتِ: 12] ،

وَفِي الْحَدِيثِ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أكذبُ الْحَدِيثِ» [خ م]." اهـ


قال ابنُ عبدِ البَرِّ في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 22):

"فَالْوَاجِبُ فِي النَّظَرِ أَنْ لَا يُكَفَّرَ إلا من اتفق الجميع على تكفيره أو قام عَلَى تَكْفِيرِهِ دَلِيلٌ لَا مِدْفَعَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ أَوَسُنَّةٍ." اهـ


وقال الشيخ العُثيمين في "مجموع فتاوى ورسائل" له (2/ 133_134):

"فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:

الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب.

الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع.

ومن أهم الشروط أن يكون عالمًا بمخالفته التي أوجبت كفره." اهـ


وقال أيضًا في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 125):

"إذا تمت شروط التكفير في حقه، جاز إطلاق الكفر عليه بعينه، ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد،

فيعامل معاملة المرتد في الدنيا. هذا باعتبار أحكام الدنيا، أما أحكام الآخرة، فتذكر على العموم، لا على الخصوص ولهذا قال أهل السنة: لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." اهـ


فلا يجوزُ التَّكفيرُ بأقوالٍ وأعمالٍ مُحتَمِلةِ الدَّلالةِ قبل التَّحقُّقِ من قَصدِ قائِلِها أو فاعِلِها، أو التَّكفيرُ بلازِمِ القَولِ أو بما يَؤُولُ إليه القَوْلُ.


قال ابنُ حزمٍ في الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 139):

"وَأما من كفر النَّاس بِمَا تؤول إِلَيْهِ أَقْوَالهم فخطأ لِأَنَّهُ كذب على الْخصم وتقويل لَهُ مَا لم يقل بِهِ وَإِن لزمَه فَلم يحصل على غير التَّنَاقُض فَقَط والتناقض لَيْسَ كفرا بل قد أحسن إِذْ فر من الْكفْر." اهـ

وقال ابنُ تيميَّةَ في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 517):

"إن التكفير لا يكون بأمر محتمل فإذا كان قد قال: "أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله" فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفرا؟" اهـ


وقال الشَّاطبي في الاعتصام للشاطبي (3/ 135):

"الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُهُ مِنَ الشُّيُوخِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ الْكُفْرَ بِالْمَآلِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فِي الْحَالِ. كَيْفَ وَالْكَافِرُ يُنْكِرُ ذَلِكَ الْمَآلَ أشد الإنكار، ويرمي مخالفه به، فلو تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ لُزُومِ الْكُفْرِ مِنْ مَقَالَتِهِ، لَمْ يَقُلْ بِهَا عَلَى حَالٍ." اهـ


وقال ابنِ حَجَرٍ كما في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (2/ 73) للسخاوي:

"وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ مَنْ كَانَ الْكُفْرُ صَرِيحَ قَوْلِهِ، وَكَذَا مَنْ كَانَ لَازِمَ قَوْلِهِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ فَالْتَزَمَهُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَنَاضَلَ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا، وَلَوْ كَانَ اللَّازِمُ كُفْرًا." اهـ


وقال الشَّوكانيُّ في "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (ص: 978):

"اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر،

لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار،

فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما" هكذا في الصحيح [خ] ،

وفي لفظ آخر في الصحيحين [البخاري "6045"، مسلم "61"]، وغيرهما: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه»، أي: رجع،

وفي لفظ في الصحيح: "فقد كفر أحدهما"،[2]

ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير وقد قال الله عزوجل: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل: 106]." اهـ

 

المَبْحَثُ السَّابِعُ: من قواعِدِ وضوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: لا يُحكَمُ لمعيَّنٍ بجَنَّةٍ ولا نارٍ إلَّا بدَليلٍ خاصٍّ

 

 قال اللهُ تعالى : {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [آل عمران: 109]
 

قال السَّمرقنديُّ في تفسيره = بحر العلوم (1/ 238):

"ثم قال _تعالى_: (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يقول: تصير أمور العباد إلى الله في الآخرة." اهـ


قال أبو بكرٍ الإسماعيليُّ عن أهلِ الحَديثِ في اعتقاد أئمة الحديث (ص: 68):

(لا يَقطَعونَ على أحَدٍ مِن أهلِ المِلَّةِ أنَّه من أهلِ الجَنَّةِ أو من أهل ِالنَّارِ؛ لأنَّ عِلمَ ذلك يَغيبُ عنهم، لا يدرون على ماذا يموتُ: أعلى الإسلامِ أم على الكُفْرِ؟

ولكن يقولون: إنَّ من مات على الإسلامِ مُجتَنِبًا للكبائِرِ والأهواءِ والآثامِ، فهو من أهلِ الجنَّةِ؛ لِقَولِه تعالىإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البينة: 7]،

ولم يذكر عنهم ذنبا {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ - جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [البينة: 7 - 8]

ومن شهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعينه وصح له ذلك عنه، فإنهم يشهدون له بذلك، اتباعا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتصديقا لقوله." اهـ


وقال ابنُ تيميَّةَ في مجموع الفتاوى (35/ 68):

"لا يُشهَدُ لِمُعَيَّنٍ بالجنَّةِ إلَّا بدليلٍ خاصٍّ، ولا يُشهَدُ على مُعَيَّنٍ بالنَّارِ إلَّا بدليلٍ خاصٍّ، ولا يُشهَدُ لهم بمجَرَّدِ الظَّنِّ من اندراجِهم في العُمومِ."

 

وقال أيضًا: مجموع الفتاوى (28/ 501)

الْقَوْلَ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَلَا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي لَا مَعَارِضَ لَهُ. وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي " قَاعِدَةِ التَّكْفِيرِ ".

وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفْرِ الَّذِي قَالَ: (إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ) [خ م] مَعَ شَكِّهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ؛

وَلِهَذَا لَا يُكَفِّرُ الْعُلَمَاءُ مِنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِنَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ؛ فَإِنَّ حُكْمَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ. وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ قَدْ بَلَغَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا يَرَاهُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ بَعَثَ بِذَلِكَ فَيُطْلِقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَيُكَفِّرُ مَتَى قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا؛ دُونَ غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ


وقال ابنُ أبي العِزِّ شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 537):

"قَولُه أي الطَّحاوي: «ولا ننزِلُ أحدًا منهم جنَّةً ولا نارًا»
ش: يريدُ: أنَّا لا نقولُ عن أحدٍ مُعَيَّنٍ من أهل القِبلةِ: إنَّه من أهلِ الجنَّةِ أو من أهلِ النَّارِ، إلَّا من أخبر الصَّادِقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه من أهلِ الجَنَّةِ، كالعَشَرةِ رَضِيَ اللهُ عنهم.

وإن كُنَّا نقولُ: إنَّه لا بُدَّ أن يَدخُلَ النَّارَ مِن أهلِ الكبائِرِ من يشاءُ اللهُ إدخالَه النَّارَ، ثُمَّ يخرجُ منها بشفاعةِ الشَّافعين،

ولكِنَّا نَقِفُ في الشَّخصِ المعَيَّنِ، فلا نشهَدُ له بجنَّةٍ ولا نارٍ إلَّا عن عِلمٍ؛ لأنَّ حقيقتَه باطنةٌ، وما مات عليه لا نحيطُ به، لكِنْ نرجو للمُحسِنِ، ونخافُ على المسيءِ." اهـ


وقال العثيمين في اللقاء الباب المفتوح (رقم: 165):

"أمَّا الشَّهادةُ بالكُفْرِ ففي الدُّنْيا نشهَدُ على أنَّ هذا الرَّجُلَ الكافِرَ الذي يُعلِنُ الكُفْرَ ويعتَزُّ به؛ نشهَدُ أنَّه كافِرٌ، ونشهد أنَّه مات على الكُفْرِ، ما لم يظهَرْ لنا أنَّه تاب، لكِنَّ النَّارَ لا نشهَدُ بها له؛ لأنَّ هذا عَمَلٌ غَيبيٌّ قد يكونُ في آخِرِ لحظةٍ آمَنَ، ما ندري،

ولكِنْ هل إذا لم نشهَدْ له هل ينفَعُه ذلك ويمنَعُه من النَّار؟ لا ينفَعُه، هو إذا كان في النَّارِ فهو في النَّارِ سواءٌ شَهِدْنا أم لم نَشهَدْ، إذا لا فائدةَ من أن نقولَ: هو في النَّارِ أو ليس في النَّار، إنَّما أحكامُ الدُّنْيا نحكُمُ بأنَّه كافِرٌ حتى لو قيل: إنَّه يحسِنُ، وإنَّه يفعَلُ ويفعَلُ، فهذا لا ينفَعُه، لا سِيَّما إذا كان يفعَلُ باسمِ دينٍ غيرِ دينِ الإسلامِ، فتَجِدُه مثلًا: يحسِنُ على النَّاسِ، والصَّليبُ مُعَلَّقٌ في صدره، وما معنى هذا؟ هل هو يحسِنُ من أجلِ أن يدعوَ النَّاسَ إلى النصرانيَّةِ، ويقولُ: هذا فِعلُ النَّصارى، أو يحسِنُ لله؟ ظاهِرُ الحالِ الأوَّلُ، وأنَّه في إحسانِه هذا إنَّما يقصِدُ تأليهَ النَّصارى، فالحمدُ لله نحن إذا قُلْنا: إنَّه مات على الكُفْرِ، لا نترحَّمُ عليه، ولا نسألُ اللهَ له المغفِرةَ، يكفي، أمَّا أن نقولَ: إنَّه في النَّارِ أو في غير النَّار، فلا؛ ولهذا كان من طريقِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: أنَّهم لا يَشهَدونَ لِمُعَيَّن بجنَّةٍ ولا نارٍ، إلَّا من شَهِدَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم." اهـ

 

 

المَبْحَثُ الثَّامِنُ: من قواعِدِ وضوابِطِ التَّكفيرِ عند أهلِ السُّنَّةِ: مُراعاةُ وجودِ الشُّروطِ وانتفاءِ الموانِعِ

 

شروط الحكم على المسلم بالكفر:

الشرط الاول: العقل، وعكسه الجنون وهو مانع

الشرط الثاني: البلوغ، وعكسه الصغر وهو مانع

الشرط الثالث: العلم، وعكسه الجهل وهو مانع، ويحدث إذا كان عالمًا بتحريم هذا الشيء

الشرط الرابع: الإرادة، اي ان يكون متعمد لفعلته، وعكسها الإكراه وهو مانع، اي لا يكون مكره على فعلة ما او قول الامر المكفر، مثال قوله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106]، ولاهل العلم اقوال كثيرة في الاكراه والامور التي تدخل في شروط الاكراه ووقوع الضرر على المسلم ام لا

الشرط الخامس: القصد، وعكسها الخطأ وهو مانع

الشرط السادس: عدم التأويل، وضده وجود التأويل وهو مانع

 

موانع تكفير المسلم عن أهل السنة والجماعة

* الجهل

الجهل يكون بنوعين، إما ان يكون من شخص بغير دين الإسلام، او ليس له دين، وفي الآخره امره إلى الله عز وجل، او يكون شخص يدين بالإسلام، لكن يعيش على الامر المكفر، دون ان يدرك انه يخالف الشريعة، وهذا حكمه إلى الله ايضًا.

قال ابن القيم في مدارج السالكين  بعد ذكره كفر من هجر فريضة من فرائض الإسلام أو أنكر صفة من صفات الله تعالى أو أنكر خبرًا أخبر الله به عمدًا، قال:” وأما جحد ذلك جهلًا أو تأويلًا يُعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به “.

ويدل على ان القيام بفعل الكفر عندما يكون عن جاهل لا يمكن الحكم عليه بالتكفير المعين من خلال: حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق في قصة الرجل الذي لم يعمل خيرًا قط فأمر أولاده إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا رماده في شديد الريح في البحر، وقال: “والله لئن قدر عليّ ليعذبني عذابا ما عذب به أحد ” فغفر له. والحديث متفق عليه.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى بعد ذكره لهذا الحديث: ” فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، ولكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك “.

 

* التأويل

التأويل هو ان يرتكب المسلم امر يخرجه من الملة، بسبب شبهة تأويل لأمر يعتقد انه صحيحًا، فإنه يعذر بهذا الامر، واستدل العلماء على ذلك بما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية في كتاب الاستغاثة أنّ الصحابة رضي الله عنهم لم يكفروا قدامة بن مظعون رضي الله عنه لما شرب الخمر معتقدًا أنها تحل له ولأمثاله، متأولًا قوله تعالى ﴿ ليسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ ﴾ سورة المائدة، كما ان التأويل يمكن ان ينطبق على من ارتكب إثمًا وهو يظن بأنه على حق، وذلك لقوله تعالى ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]

 

* الإكراه:

الإكراه يمكن ان يكون عبارة عن وعد بالاذى او حتى القتل إن لم ينفذ الشخص ما طلب منه، او الوعيد بالضرب، وهو بالمعنى الشامل، طلب من شخص ان يقوم بفعله يمتنع عنها، بتخويف يستطيع ان يقوم المهدد به، ويصير الغير خائفًا فائت الرضا بالمباشرة، فإذا قال المسلم امر مكفر بسبب الإكراه عن اذية او قتل فإنه يعذر بذلك، ويدل على ذلك قول الله عز وجل ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106] ، وهذا الامر مجمع عليه عندما أتى عمار بن ياسر الذي اضطر ان يذكر آلهة المشركين بخير ويسب النبي عليه افضل الصلاة والتسليم فلما أتى رسول الله، قال: (ما وراءك)؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: (كيف تجد قلبك) قال: مطمئنًا بالإيمان، قال: وإن عادوا فعد ” رواه البيهقي والحاكم وصححه.

* الخطأ

وهو أن يريد الشخص أن يقوم بالخير، لكنه يقوم بفعل مخالف.

 

قال ابنُ تيميَّةَ في المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 139_140):

"ثبوتُ حُكمِ التَّكفيرِ في حَقِّه (أي المُعَيَّن) متوقِّفٌ على تحقُّقِ شُروطٍ وانتفاءِ موانِعَ؛ فلا يُحكَمُ بكُفرِ شَخصٍ بعَينِه إلَّا أن يُعلَمَ أنَّه منافِقٌ، بأن قامت عليه الحُجَّةُ النبَويَّةُ التي يَكفُرُ من خالفها ولم يَقبَلْها." اهـ


وقال أيضًا في مجموع الفتاوى (23/ 345_346)

"الشَّخصُ المُعَيَّنُ لا يُشهَدُ عليه بالوَعيدِ، فلا يُشهَدُ لمُعَيَّنٍ مِنْ أهلِ القِبلةِ بالنَّارِ؛ لجوازِ ألَّا يَلحَقَه الوَعيدُ لفَواتِ شَرطٍ، أو ثُبوتِ مانعٍ؛

فقد لا يكونُ التَّحريمُ بَلَغه، وقد يتوبُ مِنْ فِعلِ المُحَرَّم، وقد تكونُ له حَسَناتٌ عَظيمةٌ تمحو عُقوبةَ ذلك المُحَرَّمِ، وقد يُبتَلى بمصائِبَ تُكَفِّرُ عنه، وقد يَشفَعُ فيه شَفيعٌ مُطاعٌ.
وهكذا الأقوالُ التي يَكفُرُ قائلُها، قد يكونُ الرَّجُلُ لم تَبلُغْه النُّصوصُ المُوجِبةُ لمَعرفةِ الحَقِّ، وقد تكونُ عنده ولم تَثبُتْ عندَه، أو لم يتمَكَّنْ مِنْ فَهْمِها، وقد يكونُ قد عَرَضَت له شُبُهاتٌ يَعذِرُه اللهُ بها،

فمَنْ كان من المُؤمِنينَ مُجتَهِدًا في طَلَبِ الحَقِّ وأخطأَ، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ له خَطَأه كائنًا ما كان، سواءٌ كان في المسائِلِ النَّظريَّةِ أو العَمَليَّةِ، هذا الذي عليه أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجماهيرُ أئمَّةِ الإسلامِ." اهـ

 

قال الإمام أبو عثمان الصابوني –رحمه الله- في عقيدته:

(ويعتقد أهل السنة أن المؤمن –وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت أو كبائر- فإنه لا يكفَّر بها.

وإن خرج من الدنيا غير تائب منها, ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله عز وجل : إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانماً غير مبتلىً بالنار, ولا معاقب على ما ارتكبه من الذنوب واكتسبه, ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الأثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار, وإذا عذبه لم يخلده فيها, بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار)[3]

 

قال سفيان الثوري : اتقوا هذه الأهواء المضلة ، قيل له : بيِّنْ لنا رحمك الله؛ قال سفيان :

"أما المرجئة فيقولون : "الإيمان كلام بلا عمل ، من قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فهو مؤمن مستكمل إيمانه على إيمان جبريل والملائكة وإن قتل كذا وكذا مؤمنا وإن ترك الغسل من الجنابة وإن ترك الصلاة ، وهم يرون السيف على أهل القبلة ،

وأما الشيعة فهم أصناف كثيرة : منهم المنصورية ؛ وهم الذين يقولون : من قتل أربعين من أهل القبلة دخل الجنة ، ومنهم الخناقون الذين يخنقون الناس ويستحلون أموالهم ، ومنهم الخرينية الذين يقولون : أخطأ جبريل بالرسالة ، وأفضلهم الزيدية وهم ينتفون من عثمان وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم ، ويرون القتال مع من خرج من أهل البيت حتى يغلب أو يغلب ، ومنهم الرافضة الذين يتبرءون من جميع الصحابة ويكفرون الناس كلهم إلا أربعة : عليا وعمارا والمقداد وسلمان ، وأما المعتزلة فهم يكذبون بعذاب القبر وبالحوض والشفاعة ولا يرون الصلاة خلف أحد من أهل القبلة ؛ إلا من كان على هواهم ، وكلٌ أهل هوى ، فإنهم يرون السيف على أهل القبلة .

وأما أهل السنة فإنهم لا يرون السيف على أحد ، وهم يرون الصلاة والجهاد مع الأئمة تامة قائمة ، ولا يكفرون أحدا بذنب ، ولا يشهدون عليه بشرك ويقولون : الإيمان قول وعمل ، مخافة أن يزكوا أنفسهم ، لا يكون عمل إلا بإيمان ، ولا إيمان إلا بعمل . قال سفيان : فإن قيل لك : من إمامك في هذا ؟ . فقل : سفيان الثوري رحمه الله).[4]



[1]  التتارخانية: هو كتاب الفتاوى التتارخانية، وهو من كتب الفتاوى المعتمدة عند الحنفية واسم الكتاب "زاد المسافر في الفروع" لعالم بن علاء الحنفي، المتوفى سنة 800 هـ، وقد جمع فيه مسائل المحيط البرهاني، والذخيرة والخانية والظهيرية، انظر كشف الظنون 1/ 253، 2/ 4، هدية العارفين 1/ 357، معجم المؤلفين 2/ 26، المذهب عند الحنفية ص 99.

[2]  أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 157) (رقم: 440)، وصححه الألباني

[3] شرح عقيدة السلف (ص 184) للشيخ ريبع بن هادي المدخلي

[4] الشريعة للآجري - (ج 5 / ص 279/رقم: 1991)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة