شرح الحديث 65 (باب نواقض الوضوء) من بلوغ المرام

 

65 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا."

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

 

وفي "الطهور" للقاسم بن سلام (ص: 403):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَيُوَسْوِسُ لَهُ حَتَّى يُخَيَّلَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ لِيَقْطَعَ صَلَاتَهُ، فَلَا يَقْطَعْ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ حَتَّى يَجِدَ رِيحًا أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا»

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 55)

القاعدة الثالثة من القواعد الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك):

من أدلة هذه القاعدة: قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]، وفي الصحيحين: "شكا إليه -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

وفي مسلم: "إذا شكَّ أحدكم في صلاته، فلم يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أو أرْبعًا؟ فَلْيَطْرَح الشكَّ وَلْيَبْنِ على ما استيقَنَ".

أما الدليَل العقلي: فإن اليقين أقوَى من الشك؛ فلا ينهدم اليقين بالشك.

معنى القاعدة في اللغة: اليقين: طمأنينة القلب على حقيقة الشيء، والشك: مطلَقُ التَّرُّدد.

وفي اصطلاح الأصوليين: الشك: هو استواءُ طرفي الشيء بلا ترجيح أحدهما على الآخر.

معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي: أن الأمر المتيقَّن ثبوته لا يرتفع إلاَّ بدليل قاطع، ولا يحكمُ بزواله لمجرَّد الشك، كذلك الأمر المتيقَّن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك؛ لأن الشك أضعف من اليقين.

مكانة القاعدة: هذه القاعدةُ تدخُلُ في جميع أبواب الفقه، قالوا: إن المسائلَ المخرَّجَة عليها تبلغ ثلاثةَ أرباعِ الفقه وأكثر.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 276/ 99) (رقم: 362)، وأبو داود في "سننه" (1/ 45) (رقم: 177)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 109) (رقم: 75)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 330 و 2/ 414) (رقم: 8369 و 9355)، والقاسم بن سلام في "الطهور" (ص: 403_404 و 407) (رقم: 402_403 و 408)، والدارمي في "سننه" (1/ 561) (رقم: 748)، مسند البزار = البحر الزخار (16/ 29) (رقم: 9064)، وأبو يعلى الموصلي في "المعجم" (ص: 51) (رقم: 20)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 16 و 1/ 19) (رقم: 24 و 28)، وأبو عوانة في "المستخرج" (1/ 224) (رقم: 741)، وابن الأعرابي في "المعجم" (1/ 47) (رقم: 45)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 174 و2/ 157 و2/ 308) (رقم: 550 و1565 و 2064)، وابن المقرئ في "المعجم" (ص: 67) (رقم: 118)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 188 و 1/ 249 و 2/ 360) (رقم: 571 و 750 و 3375_3376).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 101) (رقم: 306)، و"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 153) (رقم: 119)، و"صحيح أبي داود" - الأم (1/ 314) (رقم: 170)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 191 و 1/ 203) (رقم: 750_751 و 822).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 379):

"قال الطيبيّ _رحمه الله_: هذا يوهم أن حكم غير المسجد بخلاف المسجد، لكن أشير به إلى أن الأصل أن يصلي المؤمن التقيّ في المسجد؛ لأنه مكان الصلاة ومعدنها، وكأن من هو خارجٌ منه خارج من حكم المصلّي؛ مبالغةً،

فعلى المؤمن ملازمته، والمواظبة على إقامة الصلوات مع الجماعات، والله أعلم. انتهى." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 380):

"وقال البغويّ _رحمه الله_ في "شرح السنّة":

معنى: "حتى يسمع صوتًا ... إلخ": حتى يتيقّن الحدث، لا أن سماع الصوت، أو وجود الريح شرط، فإنه قد يكون أصمّ لا يسمع الصوت، وقد يكون أخشم لا يجد الريح، وينتقض طهره إذا تيقّن الحدث.

وقال المازريّ رحمه الله: في الحديث دليلٌ على أن الريح الخارجة من أحد السبيلين توجب الوضوء،

وقال أصحاب أبي حنيفة: خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء.

وفيه دليلٌ على أن اليقين لا يزول بالشكّ في شيء من أمر الشرع، وهو قول عامّة أهل العلم. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 374):

"في فوائده:

1 - (منها): أن هذا الحديث أصلٌ من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يُحكَم ببقائها على أصولها، حتى يُتَيَقَّن خلاف ذلك، ولا يضرّ الشكّ الطارئ عليها،

والعلماء متفقون على هذه القاعدة، ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها،

مثاله: مسألة الباب التي دلّ عليها___الحديث، وهي أن مَن تيقن الطهارة، وشكّ في الحدث يُحكَم ببقائه على الطهارة، سواء حَصَل الشك في الصلاة أو خارجها، وهذا بالإجماع بين الفقهاء، إلا عن مالك، فله روايتان:

* إحداهما: أنه يلزمه الوضوء، إن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة،

* والأخرى: يلزمه بكل حال،

وحُكِيت الأولى عن الحسن البصريّ، وهو وجه شاذّ عند الشافعية، ذكره الرافعيّ، والنوويّ في "الروضة"، وحُكِيت الثانية أيضًا وجهًا للشافعية، وهو غريب،

وعن مالك:

* رواية ثالثة: رواها ابن قانع عنه، أنه لا وضوء عليه، كما قاله الجمهور، وحكاها ابن بطال عنه.

ونَقَل القاضي، ثم القرطبيّ، عن ابن حبيب المالكيّ: أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث، وكأنه تبع ظاهر الحديث،

واعتَذَر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحلّ منه شيء، بخلاف البول والغائط، ولا يخفى ما فيه،

وعن بعض أصحاب مالك: أنه إن كان الشك في سبب حاضر، كما في الحديث طرح الشك، وإن كان في سبب متقدم فلا.

وأما إذا تيقن الحدث، وشكّ في الطهارة، فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع،

وعلى هذا الأصل من شكّ في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، أو طهارة النجس، أو نجاسة الثوب، أو غيره، أو أنه صلى ثلاثًا أو أربعًا، أو أنه ركع، أو سجد أم لا، أو نَوَى الصوم أو الصلاة، أو الاعتكاف، وهو في أثناء هذه العبادات، وما أشبه هذه الأمثلة، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم الحادث.

وقالت الشافعية: تُسْتَثنَى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألةً:

(منها): من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها، قيل: أو فيها، ومن شك في ترك بعض وضوء، أو صلاة بعد الفراغ، لا أثر له على الأصح.

(ومنها): عَشْرٌ ذَكَرهُنّ ابن القاصّ - بتشديد الصاد المهملة المشدّدة - من الشافعية: الشكّ في مدة خُفّ، وأنّ إمامه مسافر، أو وَصَل وطنه، أو نوى___إقامةً، ومسح مستحاضة شُفِيت، وغسل متحيّرة، وثوبٌ خَفِيَت نجاسته، ومسألة الظبية، وبطلان التيمم بتوهم الماء، وتحريم صيد جَرَحه فغاب، فوجده ميتًا.

قال الققال: لم يَعْمَل بالشك في شيء منها؛ لأن الأصل في الأولى الغسل، وفي الثانية الإتمام، وكذا في الثالثة، والرابعة إن أوجبناه، والخامسة والسادسة اشتراطُ الطهارة، ولو ظنًّا أو استصحابًا، والسابعة بقاء النجاسة، والثامنة لقوة الظنّ، والتاسعة للشك في شرط التيمم، وهو عدم الماء، وفي الصيد تحريمه، إن قلنا به.

قال النوويّ رحمه الله في "تحقيقه" بعد أن لخّص المسألة هكذا، وبسطها في "شرح المهذّب": وقولُ ابن القاصّ أقوى في غير الثامنة، والتاسعة، والعاشرة. انتهى.

2 - (ومنها): ما قالته الشافعية: لا فرق في الشك بين تساوي الاحتمالين في وجوب الحدث وعدمه، وبين ترجيح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه.

فالشك عندهم: خلاف اليقين، وإن كان خلافَ الاصطلاح الأصوليّ، وقولهم موافق لقول أهل اللغة: الشك خلاف اليقين، نعم يُستحب الوضوء احتياطًا، فلو بان حدثه أوّلًا، فوجهان أصحهما لا يجزيه هذا الوضوء؛ لتردده في نيته، بخلاف ما إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة، فتوضأ، ثم بان محدثًا، فإنه يجزيه قطعًا، لأن الأصل بقاء الحدث، فلا يضر التردد معه، ولو تيقن الطهارة والحدث معًا، وشك في السابق منهما فأوجه؛ أصحها أنه يأخذ بضدّ ما قبلهما إن عرفه، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء مطلقًا.

3 - (ومنها): ما قال الخطابيّ رحمه الله: فيه حجة لمن أوجب الحدّ على من وُجِدت منه رائحة المسكر، وإن لم يُشاهَد شربه، ولا شهد عليه الشهود، ولا اعترف به.

وتعقّبه العينيّ، بأن الحدود تدرأ بالشبهة، والشبهة هنا قائمة.

قال الخطابيّ: وفيه دلالة أيضًا على أنه إذا تيقّن النكاح، وشكّ في الطلاق كان على النكاح المتقدّم، إلا إن تيقّن الطلاق.

قال ابن الملقّن: وهذا فرد من أفراد القاعدة التي أسلفناها، ويتعلّق بها ما رويناه بالإسناد إلى عبد الرحمن بن مالك بن مغراء، قال: جاء رجلٌ إلى___أبي حنيفة، فقال: شربت البارحة نبيذًا، فلا أدري أطلّقتُ امرأتي أم لا؟ ، فقال له: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلّقتها، قال: فتركه،

ثم جاء سفيان الثوريّ، فسأله، فقال: اذهب فراجعها، فإن كنت طلّقت، فقد راجعتها، وإلا فلا تضرّك المراجعة، فتركه.

وجاء إلى شريك، فقال له: اذهب فطلّقها ثم راجعها، فتركه، وجاء إلى زفر فسأله، فقال: هل سألت قبلي أحدًا؟ ، قال: نعم، وقص عليه القصّةَ، فقال في جواب أبي حنيفة: الصوابَ قال لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قال، ولما بلغ إلى قول شريك ضَحِك مليًّا،

ثم قال: لأضربنّ لهم مثلًا، رجلٌ مرّ بشِعْب يسيل دمًا، فشكّ في ثوبه هل أصابه نجاسة؟ قال أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله، فإن كان نجسًا، فقد طهّرته، وإلا فقد زدته طهارةً، وقال شريك: بُلْ عليه، ثم اغسله، ذكره ابن الملقّن ["الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 675 - 676]، والله أعلم بصحّة القصّة.

4 - (ومنها): مشروعية سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع، وجواب السائل.

5 - (ومنها): ترك الاستحياء في العلم، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم كل شيء، وأنه يصلي بوضوء واحد صلوات ما لم يحدث.

6 - (ومنها): قبول خبر الواحد.

7 - (ومنها): أن من كان على حال لا ينتقل عنه إلا بوجود خلافه.

8 - (ومنها): أنهم كانوا يَشْكُون إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جميع ما ينزل بهم.

9 - (ومنها): أنه استَدَلَّ به بعضهم على أن رؤية المتيمم الماء في صلاته، لا ينقض طهارته ["عمدة القاري" 2/ 384 - 385]، وفيه نظرٌ؛ لأن الشرع جعل صلاحية طهارة التيمم ملغاةً بوجود الماء،

فقد أخرج أبو داود، وغيره بسند صحيح، عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن الصعيد الطيِّب طَهُور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك".____

فقد جعل وُجود الماء غاية لصلاحية التيمّم، فيدلّ على أنه ينتقض بوجوده، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب.

10 - (ومنها): ما قاله ابن الملقن _رحمه الله_: هذه القاعدة تُعرف في الأصول باستصحاب الحال، وهي من الأدلّة الشرعيّة الثلاثة التي هي: أصلٌ، ومعقول الأصل، واستصحاب حال.

ونعني بالأصل: الكتاب، والسنّة، والإجماع. وبمعقول الأصل: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، والحصر، ومعنى الخطاب، على ما تقرّر في الأصول.

ونعني بـ(استصحاب حال الأصل): البقاء عليه حتى يدلّ دليل على خلافه، وهو على ضربين: استصحاب حال العقل، واستصحاب حال الإجماع. انتهى ["الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 672].

قال الجامع _عفا الله عنه_:

مسألة استصحاب الحال قد استوفيتها في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها" في الأصول، فراجعهما تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث الصحيحينِ" (2/ 190):

"هَذَا نهي عَن الْعَمَل بِمُقْتَضى الوسواس، لِأَن يَقِين الطَّهَارَة، لَا يقاومه الشَّك. وَفِي هَذَا: تَنْبِيهٌ على ترْكِ مُوَافقَةِ الوِسْوَاس فِي كُلِّ حَالٍ." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (4/ 49)

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْبَابِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ هَذَا الشَّكِّ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَحُصُولِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

 

معالم السنن (1/ 64)

وفي الحديث من الفقه أن الشك لا يزحم اليقين.

وفيه دليل على أنه إذا تيقن النكاح وشك في الطلاق كان على النكاح المتقدم إلى أن يتيقن الطلاق.

 

تحفة الأحوذي (1/ 208):

قَالَ الْإِمَامُ:

فِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ،

وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الْقُبُلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ،

وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ." انْتَهَى." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 28):

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا مَا كَانَتْ سَهْوًا أَوْ فِي إِصْلَاحِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الشَّاكَّ فِي صَلَاتِهِ إِذَا أُمِرَ بِالْبِنَاءِ عَلَى يَقِينِهِ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَهُوَ شَكَّ هَلْ صَلَّى وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ فَغَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَقَدْ أَحْكَمَتِ السُّنَّةُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا ذَكَرْنَا بَطُلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ (مِثْلَ) نِصْفِهَا سَاهِيًا أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أيمة الْأَمْصَارِ." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 199)

فالوسوسة ملغاة مطرحة لا حكم لها ما لم تستقر وتثبت

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 181)

وهذا الحديث: أصلٌ من أصول الإسلام، وقاعدةٌ من قواعد الفقه، وهي: أنَّ الأشياءَ يُحكم ببقائها على أصولها، حتى يُتيَقَّنَ خلافُ ذلك، ولا يضرُّ الشكُّ الطارئُ عليها.

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 239)

وفيه دلالة على أن خروج الريح من أحد السبيلين يوجب الوضوء خلافًا لأصحاب الرأي في القُبُل.

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 183)

ومن أحكام الحديث:

شرعيةُ سؤال العلماء عمَّا يحدث من الوقائع، وجوابُ السائل، والله أعلم.

 

التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 488):

"وهذا أصل في البناء على الأصل حتى يحصل يقين خلافه، ومن ألطاف الله أنه لم يمكن الشيطان من التصويت بمثل صوت الخارج من الإنسان أو يحدث من فيه مثلاً مثل ريح الخارج؛ لأنه تعالى جعل الحواس تدرك التكليف فلو مكنه من ذلك لنافى الحكمة." اهـ

 

سبل السلام (1/ 95):

"وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لِمَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ." اهـ

 

نيل الأوطار (1/ 256)

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اطِّرَاحِ الشُّكُوكِ الْعَارِضَةِ لِمَنْ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوَسْوَسَةُ الَّتِي جَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَعَدَمِ الِانْتِقَالِ إلَّا لِقِيَامِ نَاقِلٍ مُتَيَقِّنٍ كَسَمَاعِ الصَّوْتِ وَشَمِّ الرِّيحِ وَمُشَاهَدَةِ الْخَارِجِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا.

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 25)

وفيه دليل على أن الريح الخارجة من قبل المرأة وذكر الرجل توجب الوضوء، وبه قال الشافعي، وإليه ذهب بعض الحنفية، ورجحه الشيخ عبد الحي اللكنوى، لكونه موافقاً للأحاديث، وقال بعض الحنفية: لا توجب. وإليه مال صاحب الهدايا، وعلل بأنها لا تنبعث عن محل النجاسة، وهو مبني على أن عين الريح ليست بنجسة وإنما يتنجس بمرورها على محل النجاسة، وهذا لا يتمشى على قول من قال من مشائخ الحنفية بتنجس عين الريح، وعلل بعضهم، بأنها اختلاج لا ريح، وليس بشيء خارج، لكن هذا أيضاً قاصر، فإنه لا يتمشى فيما إذا وجد النتن، أو سمع الصوت من القبل أو الذكر، فإن هناك لاشك في خروج شيء.

 

وقال البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 293_294):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - هذا الحديث أحد أدَّلة القاعدة الكلية الكبرى، وهي: "اليقين لا يزول بالشك"؛ فاليقين: هو طمأنينةُ القلب على حقيقة الشيء.

فلذا: فإنَّ الأمر المتيقَّن ثبوته لا يرتفع إلاَّ بدليلٍ قاطع، ولا يحكم بزواله بمجرَّد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته، لا يحكم بثبوته بمجرَّد الشك؛ لأنَّ الشكَّ لا يقاوِمُ اليقينَ، فلا يعارضه ثبوتًا ولا عدمًا.

2 - قال النووي: هذا الحديثُ أصلٌ من أصول الإسلام، وقاعدةٌ عظيمةٌ من قواعد الفقه، وهي أنَّ الأشياء يحكم ببقائها على أصولها، حتَّى يُتيقنَ خلاف ذلك، ولا يضر الشكُّ الطارىء عليها.

فمن ذلك: مسألة الباب التي ورد فيها الحديث، وهي أنَّ من تيقنَّ الطهارةَ، وشكَّ في الحدث-: حكم ببقائه على الطهارة، ولا فرق بين___حصول هذا الشك في نفس الصلاة، أو حصوله خارج الصلاة.

3 - العقل السليم يؤيِّد هذه القاعدةَ الشرعية؛ ذلك أنَّ اليقين أقوى من الشك؛ لأنَّ في اليقين حكمًا قطعيًّا جازمًا، فلا ينهدم بالشك.

4 - إذا خُيِّل إلى الإنسان أنَّه خرَجَ منه شيءٌ ناقضٌ للوضوء، وأشكَلَ عليه أخرَجَ منه شيءٌ أم لا؟ فالأصل: بقاء طهارته، فلا يبطل وضوؤه، ولا ينفتل من صلاته حتَّى يتيقنَ أنَّه خرَجَ منه شيء؛ لأنَّ اليقين لا يزول بالشك، وقد بوَّب البخاري -رحمه الله- لهذا الحديث بقوله: "باب لا يتوضأ من الشك حتَّى يستيقن".

5 - أنَّ الرِّيح الخارجة من الدُّبر-بصوت أو بغير صوت- ناقضةٌ للوضوء.

6 - يراد بسماع الصوت ووجدان الرِّيح في الحديث التيقُّنُ من ذلك، فلو كان لا يسمع ولا يشم، وتيقَّن بغير هاتين الطريقتين -انتقض وضؤوه، وإنَّما خصَّهما بالذِّكْر؛ لكونهما الغالب.

7 - تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بيِّن.

8 - قال الخطابي: في الحديث حجَّة لمن أوجب الحدَّ على من وُجِدَتْ رائحةُ المسكر من فيه، وإنْ لم يشاهَدْ يشربه، ولا شَهِدَ عليه الشهود، ولا اعترف به." اهـ

 

وقال البسام _رحمه الله_ في "تيسير العلام شرح عمدة الأحكام" (ص: 55)

ما يؤخذ من الحديث:

1- القاعدة العامة وهي" أن" الأصل بقاء ما كان على ما كان.

2- أن مجرد الشك في الحدث، لا يبطل الوضوء، ولا الصلاة.

3- تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بين.

4- أن الريح الخارجة من الدبر، بصوت أو بغير صوت، ناقضة للوضوء.

5- يراد من سماع الصوت ووجدان الريح في الحديث، التيقن من ذلك.

فلو كان لا يسمع ولا يشتم، وتيقن بغير هذين الطريقين، انتقض وضوءه." اهـ

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 55)

ما يؤخذ من الحديث:

1- القاعدة العامة وهي" أن" الأصل بقاء ما كان على ما كان.

2- أن مجرد الشك في الحدث، لا يبطل الوضوء، ولا الصلاة.

3- تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بين.

4- أن الريح الخارجة من الدبر، بصوت أو بغير صوت، ناقضة للوضوء.

5- يراد من سماع الصوت ووجدان الريح في الحديث، التيقن من ذلك.

فلو كان لا يسمع ولا يشتم، وتيقن بغير هذين الطريقين، انتقض وضوءه.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 256)

ومن فوائد هذا الحديث: أن الدين الإسلامي يريد من أهله أن لا يبقوا في قلق وارتباك وريب؛ لأن الإنسان إذا مشى على هذه القاعدة استراح، لكن إذا صدع للأوهام والوساوس تعب، فنحن نقول: استرح لو شككت وأشكل عليك فالأصل بقاء الطهارة.

ومن فوائد الحديث: أنه لو غلب على ظنه أنه أحدث، فإنه يلزمه الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق وجوب الوضوء بأمر متيقن، وهو سماع الصوت، أو الرائحة،

أما ما سوى ذلك فلا، وعلى هذا فلا يعمل هنا بغلبة الظن، يعني: لو أشكل على الإنسان أخرج منه شيء، سواء ريح أو بلل في رأس ذكره، أو بلل في حلقة الدبر، أو ما أشبه ذلك، وأشكل عليه وغلب على ظنه أنه خارج فلا يلتفت إليه حتى يتيقن.____

ومن فوائد هذا الحديث: أن المساجد ليست محلا للوضوء، وأن العادة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا وضوء في المساجد لقوله: "فلا يخرج من المسجد" يعني: ليتوضأ، لكن إذا أعد مكان للوضوء في المسجد، ولم يحصل به أذية على أهل المسجد، فلا بأس أن يتوضأ فيه،

أما إذا لم يكن هناك مكان معد مثل أن يأتي عند البرادة التي في وسط المسجد مثلا، فيتوضأ، فليس ذلك بجائز؛ لما في ذلك من تلويث المسجد، إما من هذا الرجل، أو من يقتدي بهذا الرجل؛ ولأن الماء الذي في البرادة إذا سحبه الإنسان سوف ينقص التبريد، لاسيما في أيام الصيف، فيكون هذا استعمالا للماء في غير ما وقف له.

إذن إذا شك المتوضئ في انتقاض وضوئه هل يعمل بهذا الشط؟ لا يعمل، وهل هو آثم إذا لم يلتفت إليه؟ لا، يل هذا هو السنة وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يسير عليه.

هذا الحديث بنى عليه العلماء مسائل كثيرة في الطلاق، وغيره، يعني: لا يخلو باب من الفقه إلا ويمكن أن تجد فيه لهذا الحديث فرعا، فمن ذلك لو قال قائل: إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتي طالق وهو لا يرى الطير ولا يدري ما هو أتطلق؟ لا، لماذا؟ لأننا شككنا ما ندري هذا الطائر فإذا شككنا فالأصل عدم الطلاق، ولا يقال إن الورع أن تطلق لأن هذا ليس هو الورع، الورع أن تلتزم بالسنة.

لو قال هذا الذي شك في الحدث اطرد الشط باليقين وسيحدث هل هذا بدعة أو سنة؟ هذه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وجهك إلى شيء غير هذا؛ لأن بعض الناس إذا شك في انتقاض وضوؤه ذهب ينقض وضوءه عمدا زعما منه أنه سوف يستريح، وليس كذلك لن يستريح الشيطان متى غلب عليه حتى فعل مثل هذا الفعل، فلن يستريح وكذلك في الطلاق بعض الناس يكون عليه الوسواس، ثم يشك هل طلق زوجته أو لا، فيقول: أستريح وأطلقها، وهذا غلط بل الراحة اتباع السنة وهو البقاء على الأصل." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة