شرح الحديث 63 (باب نواقض الوضوء) من بلوغ المرام

 

63 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _رضي الله عنه_، قَالَ:

"كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ _صلى الله عليه وسلم_، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (فِيهِ الْوُضُوءُ)". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ

 

الأعلام للزركلي (4/ 295):

"علي بن أبي طالِب (23 ق هـ - 40 هـ = 600 - 661 م)

علي بن أبي طالب (2) بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشيد، ن وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس

إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة، وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه.

وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي، وولي الخلافة بعد مقتل عثمان ابن عفان (سنة 35 هـ فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم وتوقي عليّ الفتنة، فتريث،

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _رضي الله عنه_، قَالَ:

"كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ _صلى الله عليه وسلم_، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (فِيهِ الْوُضُوءُ)". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ

 

* قال أبو العباس الفيومي (المتوفى: نحو 770هـ) _رحمه الله_ في "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" (2/ 655):

"وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: (الْمَنِيُّ مُشَدَّدٌ). وَالْآخَرَانِ: (مُخَفَّفَانِ)، وَهَذَا أَشْهَرُ." اهـ

 

* وفي "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" (6/ 2491) للجوهري:

"وقال الأموي: (المَذِيُّ، والوَدِيُّ، والمَنيُّ مشدّداتٌ)." اهـ

 

* وفي "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 288) للبسام:

والمَذْيُ: ماءٌ أبيضُ لزجٌ رقيق، يخرُجُ عند الملاعبة ونحوها، وخروجه من مجرى البول من إفراز الغدد المبالية.

 

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/ 213)

فِي الْمَذْيِ لُغَاتٌ: مَذْيٌ بفتح الميم واسكان الذال، ومَذِيٌّ بكسر الذال وتشديد الياء، ومَذِيْ بكسر الذال وتخفيف الياء.

فالأوليان مشهورتان أولاهما أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالثَّالِثَةُ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ عن بن الاعرابي ويقال مذي وأمذي ومدي الثالثة بالتشديد.

والمذي: ماء أبيض دقيق لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يُحَسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

وفي "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" (2/ 655) الفيومي:

"وَالْوَدْيُ: مَاءٌ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ، يُخَفَّفُ وَيُثَقَّلُ." اهـ

 

وقال أبو بكر الأنباري (المتوفى: 328 هـ) _رحمه الله_ في "الزاهر في معاني كلمات الناس" (2/ 145):

"والمَنِيُّ: ما يخرج عند بلوغ غاية الشهوة، وهو الماء الذي يكون منه الولد،...

والوذي: الذي يخرج من ذكر الرجل بعد البول، إذا كان قد جامع قبل ذلك أو نظر." اهـ

 

وفي "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/ 181) لابن الجوزي:

"المذاء: الْكثير الْمَذْي، والمذي: مَاء رَقِيق يظْهر عِنْد اللَّمْس والسر والفكر.

يُقَال: مذيت وأمذيت.

وَحكمه عندنَا: وجوب غسل الذّكر والأنثيين فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَإِنَّمَا ألحقنا الْأُنْثَيَيْنِ لِأَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَفِيه: (فليغسل ذكره وأنثييه).

وَقيل: إِنَّمَا أَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ، لِأَن المَاء الْبَارِد إِذا أصَاب الْأُنْثَيَيْنِ رد الْمَذْي وَكسر حِدته.

وَكَانَ أَبُو بكر الْخلال من أَصْحَابنَا يَقُول:

(اسْتَقر قَول أَحْمد أَنه كالبول. وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء. والمنصور عندنَا أَنه نجس؛ لِأَنَّهُ أَمر فِيهِ بِالْغَسْلِ)." اهـ

 

روايات الحديث:

 

صحيح البخاري (1/ 46):

قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «فِيهِ الوُضُوءُ»

 

صحيح البخاري (1/ 62):

عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ فَقَالَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ»

 

وفي "سنن أبي داود" (1/ 54):

أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ لِلْمِقْدَادِ وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا قَالَ فَسَأَلَهُ الْمِقْدَادُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ»،

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 379_380):

"وَالظَّاهِرُ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ حَاضِرَ السُّؤَالِ، فَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ، وَلَوْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ، لَأَوْرَدُوهُ فِي مُسْنَدِ الْمِقْدَادِ.

وَيُؤَيِّدهُ مَا___فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فَقُلْتُ لِرَجُلٍ جَالِسٍ إِلَى جَنْبِي: (سَلْهُ)، فَسَأَلَهُ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 38 و 1/ 46 و 1/ 62) (رقم: 132 و 178 و269)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 247/ 17_19) (رقم: 303)، وأبو داود في "سننه" (1/ 53_54) (رقم: 206_209)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 193) (رقم: 114)، والنسائي في "سننه" (1/ 96_97 و 1/ 214_215) (رقم: 152_157 و436_440)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 168) (رقم: 504).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 100) (رقم: 302)، و"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 86 و 1/ 145 و1/ 162) (رقم: 47 و108 و 125)، و"صحيح أبي داود" - الأم (1/ 372) (رقم: 201)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (2/ 377 و2/ 378 و2/ 380) (رقم: 1099 و 1101 و 1104).

 

من فوائد الحديث:

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 244)

وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَذْيِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَنُعْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ وَالْجَمَاهِيرِ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 215)

(بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ دَلِيل على أَن الْمَذْي لَا يُوجب الْغسْل بل يُوجب الْوضُوء فَإِنَّهُ نجس وَلِهَذَا يجب مِنْهُ غسل الذّكر وَالْمرَاد مِنْهُ عِنْد الشَّافِعِي غسل مَا أَصَابَهُ مِنْهُ...___

الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الِاسْتِنَابَة فِي الاستفتاء وَأَنه يجوز الِاعْتِمَاد على الْخَبَر المظنون مَعَ الْقُدْرَة على الْمَقْطُوع لِأَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعث من يسْأَل لَهُ مَعَ الْقُدْرَة على المشافهة.

قَالَ بَعضهم لَعَلَّ عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ حَاضرا وَقت السُّؤَال فَلَا دَلِيل عَلَيْهِ لَكِن يضعف هَذَا قَوْله فِي بعض طرقه، فَأَرْسَلنَا الْمِقْدَاد.

وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه لم يحضر مجْلِس السُّؤَال قلت فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون قد حَضَره بعد إرْسَاله الْمِقْدَادَ.

وَقَالَ الْمَازرِيّ:

لم يتَبَيَّن فِي هَذَا الحَدِيث كَيفَ أمره أَن يسْأَل وَلَا كَيْفيَّة سُؤال الْمِقْدَاد هَل سَأَلَهُ سؤالا يخص الْمِقْدَاد أَو يعمه وَغَيره فَإِن كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لم يسْأَل على أَي وَجه وَقع السُّؤَال فَفِيهِ دَلِيل على أَن عليا رَضِي الله عَنهُ كَانَ يرى أَن القضايا تتعدى

وَقد اخْتلف أهل الْأُصُول لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَا يتَعَدَّى لأَمره أَن يُسَمِّيه إِذْ قد يجوز أَن يُبِيح لَهُ مَا لَا يُبِيح لغيره لكنه قد جَاءَ مُبينًا فِي الصَّحِيح فَسَأَلَهُ الْمِقْدَاد عَن الْمَذْي يخرج من الْإِنْسَان كَيفَ يفعل بِهِ فَقَالَ تَوَضَّأ وانضح فرجك قلت قد جَاءَ مُبينًا كِلَاهُمَا أَمر عَليّ وسؤال الْمِقْدَاد أما الأول فَفِي الْمُوَطَّأ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ أَمر الْمِقْدَاد أَن يسْأَل لَهُ رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة والسلامعن الرجل إِذا دنا من أَهله فَخرج مِنْهُ الْمَذْي مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ الْمِقْدَاد فَسَأَلته عَن ذَلِك وَجَاء أَيْضا فِي النَّسَائِيّ مَا يثبت الِاحْتِمَال الْمُتَقَدّم فَقلت لرجل جَالس إِلَى جَنْبي سَله فَقَالَ فِيهِ الْوضُوء

الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبَاب حسن الْعشْرَة مَعَ الأصهار وَأَن الزَّوْج يَنْبَغِي أَن لَا يذكر مَا يتَعَلَّق بِالْجِمَاعِ والاستمتاع بِحَضْرَة أَبَوي الْمَرْأَة وَأُخْتهَا وَغَيرهمَا من أقاربهما لِأَن الْمَعْنى أَن الْمَذْي يكون غَالِبا عِنْد ملاعبة الزَّوْجَة

الرَّابِع: احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ على وجوب الْوضُوء من الْمَذْي مُطلقًا سَوَاء كَانَ عِنْد ملاعبة أَو استنكاح أَو غَيره.

وَقَالَ أَصْحَاب مَالك المُرَاد بِهِ مَا كَانَ عَن ملاعبة وَاسْتدلَّ عِيَاض وَغَيره لذَلِك بِمَا وَقع فِي الْمُوَطَّأ فِي الحَدِيث أَنه قَالَ فِي السُّؤَال عَن الرجل إِذا دنا من أَهله وأمذى مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ فجواب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثله فِي الْمُعْتَاد بِخِلَاف المستنكح وَالَّذِي بِهِ عِلّة فَإِنَّهُ لَا وضوء عَلَيْهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يتَوَضَّأ مِمَّا جرت الْعَادة بِهِ أَن يخرج من لَذَّة وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب مؤيدا لمذهبهم السُّؤَال صدر عَن الْمَذْي الْخَارِج على وَجه اللَّذَّة لقَوْله إِذا دنا من أَهله وَأَيْضًا مِمَّا يدل عَلَيْهِ استحياء عَليّ رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَو كَانَ على مرض أَو سَلس لم يستح من ذَلِك قلت فِيمَا قَالُوهُ نظر لِأَن سُؤال الْمِقْدَاد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَولا مُطلق غير مُقَيّد فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الصَّحِيح فَسَأَلَهُ عَن الْمَذْي يخرج من الْإِنْسَان كَيفَ يفعل بِهِ قَالَ اغسل ذكرك وَتَوَضَّأ فَالْحكم مُتَعَلق بسؤال الْمِقْدَاد الَّذِي وَقع الْجَواب عَنهُ فَصَارَ أَمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَجْنَبِيّا عَن الحكم وَقَول القَاضِي عبد الْوَهَّاب حِكَايَة قَول عَليّ لِلْمِقْدَادِ وَهُوَ حَاضر وَأما سُؤال الْمِقْدَاد فَكَانَ عَاما وَهُوَ من فقه الْمِقْدَاد فَوَقع السُّؤَال من الْمِقْدَاد عَاما وَالْجَوَاب من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مترتب عَلَيْهِ والتمسك بقول الْمِقْدَاد فَسَأَلته عَن ذَلِك لَا يُعَارض النَّص بِصَرِيح سُؤَاله وَالْأول مُحْتَمل للتأويل فِي تعْيين مَا يرجع الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَأما ثَانِيًا فَإِنَّهُ قد جَاءَ فِي سنَن أبي دَاوُد مَا يدل على خِلَافه وَهُوَ من عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت رجلا مذاء فَجعلت أَغْتَسِل حَتَّى تشقق ظَهْري فَهَذَا يدل على كَثْرَة وُقُوعه مِنْهُ ومعاودته وَجَاء فِيهِ أَيْضا أَن عليا أَمر عمارا أَن يسْأَل رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ يغسل مذاكيره وَيتَوَضَّأ وَفِي بَعْضهَا كنت رجلا مذاء فَأمرت عمار بن يَاسر يسْأَل رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من___أجل ابْنَته عِنْدِي

وَفِي بعض طرقه فِي أبي دَاوُد: (فليغسل ذكره وأنثييه)

وروى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَغَيرهَا أَنه يجب غسل أنثييه وَهَذَا خلاف قَول الْجُمْهُور، وَأول الْجُمْهُور هَذِه الرِّوَايَة على الِاسْتِظْهَار، وَفِي بعض أَحْوَال انتشاره وَيُقَال أَن المَاء الْبَارِد إِذا أصَاب الْأُنْثَيَيْنِ رد الْمَذْي وكسره على أَن الحَدِيث الَّذِي فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة قد علل بِالْإِرْسَال وَغَيره.

فَائِدَة:

فَإِن قلت: قد جَاءَ أَنه أَمر مقدادا وَجَاء أَنه أَمر عمارا وَجَاء أَنه سَأَلَ بِنَفسِهِ فَكيف التَّوْفِيق بَينهمَا قلت يحْتَمل على أَنه أرسلهما ثمَّ سَأَلَ بِنَفسِهِ وَالله أعلم." اهـ

 

قال عبد الله بن عبد الرحمن البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 288_289):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّ خروج المذي يوجب الوضوء، ولا يوجب الغُسْل؛ وهو إجماع.

2 - في بعض ألفاظ الحديث عند البخاري (178): "فاستحييت أنْ أسال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "، وفي لفظ مسلم (303) "لمكان فاطمة".___

فالحياء هو الذي منع عليًّا -رضي الله عنه- من أنْ يشافه النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا السؤال.

3 - فيه قبول خبر الواحد، والعمل به في مثل هذه الأمور.

4 - جاء في أحد ألفاظ مسلم لهذا الحديث: "اغسلْ ذكرك وتوضَّأ"، وورد في بعض ألفاظه أيضًا: "واغسل الأُنثيين".

فقد دلَّت هاتان الروايتان على وجوب غسل الذكر والأنثيين، والوضوء بعد ذلك؛ لأنَّ المذي مخرجه مخرج البول، ولما سيأتي من رواية أبي داود في الفقرة السابعة.

5 - الأمر بغسل الذكر والأنثيين دليلٌ على نجاسة المذي، ولكن بعض العلماء قال: يُعْفَى عن يسيره لمشقَّة التحرُّز منه.

6 - أنَّه لا يكفي في الطهارة من المذي الاستجمار، بل لابد من الماء؛ وذلك -والله أعلم- لأَنَّه ليس من الخارج المعتاد؛ كالبول.

7 - ذهب الحنابلة وبعض المالكية: إلى وجوب غسلِ الذكر كله، والأنثيين من خروج المذي؛ مستدلين بهذا الحديث ورواياته الثابتة، فقد صرَّحت بغسل الذكر وهو حقيقة يطلق عليه، ولما جاء في رواية أبي داود (208) فقال: (يغسلُ ذكره وأُنثييه ويتوضَّأ)." اهـ

 

وقال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (7/ 434_437):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان أن خروج المذيّ لا يوجب الغسل كالمنيّ، وقد أجمع العلماء على ذلك.

2 - (ومنها): بيان إيجاب الوضوء بخروج المذيّ، وهو أيضًا مجمع عليه.

3 - (ومنها): بيان كون المذي نجسًا، ولهذا أوجب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غسل الذكر منه، قال في "الفتح: واستُدِلّ به على نجاسة المذي، وهو ظاهر، وخَرَّج ابن عَقِيل الحنبليّ من قول بعضهم: إن المذي من أجزاء المنيّ روايةً بطهارته.

وتُعُقِّب بأنه لو كان منيًّا لوجب الغسل منه. انتهى ["الفتح" 1/ 453].___

4 - (ومنها): جواز الاستنابة في الاستفتاء.

5 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على قبول خبر الواحد، وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون، مع القدرة على المقطوع.___

6 - (ومنها): استحباب استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يُستحيَى منه عرفًا، واستحباب حسن العشرة مع الأصهار، وأن الزوج يُسْتَحبّ له أن لا يَذكُر ما يتعلّق بجماع الزوجة، والاستمتاع بها بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، ولهذا قال عليّ - رضي الله عنه -: فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته.

7 - (ومنها): ما قاله في "الفتح": استَدَلّ به بعضهم على وجوب الوضوء على مَن به سَلَسُ المذي؛ للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة.

وتعقّبه ابنُ دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة، مع صحة الجسد، بخلاف صاحب السلس، فإنه ينشأ عن علّة في الجسد، ويمكن أن يقال: أمر الشارع بالوضوء منه، ولم يَستفصل، فدلّ على عموم الحكم. انتهى.___

8 - (ومنها): أن فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء للعذر، سواء كان المستفتي حاضرًا أو غائبًا، قال ابن الملقّن: وأغرب ابن القطّان المالكيّ المتأخّر، فمنع الاستنابة في ذلك معلّلًا بتطرّق الوهم إلى النائب، بخلاف الصحابة - رضي الله عنهم -، فإنهم ثقاتٌ فصحاء، وهذا القول ضعيف [راجع: "الإعلام" 1/ 655]

9 - (ومنها): أنه قد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله، قاله في "الفتح".

10 - (ومنها): بيان ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من شدّة احترامهم للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتوقيره.

11 - (ومنها): أن المازريّ قال: لم يبيّن في هذه الروايات، هل أمره أن يسأل سؤالًا عامًّا أو خاصًّا؟ ، فإن كان لا يلتفت إلى كيفيّة السؤال، ففيه دلالة على أن قضايا الأعيان تتعدّى، وهي مسألة أصوليّةٌ، مختلف فيها؛ لأنه لو كان يرى أنها لا تتعدّى لأمره أن يسأله سؤلًا يخصه، ويسمّي له السائل، فإنه قد يُفتح له ما لا يُفتح لغيره.

قال الجامع عفا الله عنه: رواية المصنّف الأخيرة بلفظ: "فسأله عن المذي يخرج عن الإنسان"، ظاهرة في كون السؤال عامًّا، وكذا رواية "الموطأ" بلفظ: "أن يسأل عن الرجل إذا دنا من أهله، يخرُج منه المذي"، نبّه عليه ابن الملقّن - رحمه الله – [راجع: "الإعلام" 1/ 658 - 659]، والله تعالى أعلم.

12 - (ومنها): أن الإمام البخاريّ - رحمه الله - ترجم لهذا الحديث في "كتاب العلم" من "صحيحه" بقوله: "باب من استحيى، فأمر غيره بالسؤال". انتهى، أي ففيه الجمع بين المصلحتين: استعمال الحياء، وعدم التفريط في معرفة الحكم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 177_179):

وفي الحديث فوائد:

منها: أنَّ المذيَ لا يوجب الغسل؛ وهو مجمَع عليه.

ومنها: أَنَّه ينقضُ الوضوء؛ وهو مذهبُ أبي حنيفة، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، والجماهير قالوا: ويوجب الوضوء.

ومنها: نجاستهُ؛ لإيجاب الغسل، لَكِنْ قالَ الشَّافعي، والجماهير: يجب غسل ما أصابه المذي، لا غسل جميع الذَّكَر.

وحكي عن مالك، وأحمد -في رواية عنهما-: إيجابُ غسل جميعِ الذكر؛ لكونه حقيقةً في العضو كله، وزاد الإمام أحمد: وجوبَ غسل الأنثيين أيضًا؛ لحديث رواه أبو داود - منقطعًا -: في غسله جميعِ الذكر.

ثم من قال بوجوب غسل الجميع، اختلفوا في معناه: هل هو لتبريد العضو؛ فيضعف المذي، أو هو تعبد؟ وبنوا على ذلك فرعًا، وهو وجوب النية لغسله.

إن جعلناه تعبدًا، وجبت؛ حيث لا نجاسة على ما زاد على محل خروجه، فليس بإزائه نجاسة، وإنما هو عبادة؛ فافتقر إلى النية؛ كالوضوء.

وعدولُ جمهور العلماء عن استعمال الحقيقة في الذَّكَر كلِّه نظرًا إلى المعنى الموجِب للغسل، وهو خروجُ الخارج، فاقتضى الاقتصار عليه.

ومن جعل الحكمة في غسل جميعه التبريد، اقتضى عدم وجوبه -أيضًا- والله أعلم.___

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 178)

ومنها: وجوبُ غسل المذي بالماء، ولا يجوزُ فيه غيرُه، ممَّا لا يجوز الاستجمارُ به، في الغائطِ والبول؛ لكونه نادرًا، فأشبه الدمَ، وهو أصحُّ القولين عند الشَّافعي - رحمه الله -، والقول الآخر: جوازُه؛ قياسًا على المعتاد، ويجعل الحديث بالأمر بالغسل: أنه خرج مخرجَ الغالب المعتاد، فيمن هو في بلد، أو يحمله على الاستحباب.

وقد استدل به من قال: يجب الوضوءُ على من به سلسُ البول؛ لكون المذاء: من كثر منه المذي، وقد أُمر بالوضوء منه، فكذلك من بهِ سلسُ البول.

لكنَّ المذاء الَّذي يكثر مذيه يكون لصحته، وعلته شهوته -غالبًا-؛ وقد تكون لمرضه، واسترساله لا يمكن إزالته، وهو نادر، خلاف سلس البول؛ فإنَّه مرض لا يزول -غالبًا- فافترقا، والله أعلم.

ومنها: جوازُ الاستنابة في الاستفتاء؛ للعذر، سواءٌ كان المستفتي حاضرًا، أو غائبًا.

ومنها: جوازُ الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به؛ لأنَّ عليًّا - رضي الله عنه - اقتصر على قول المقداد مع تمكُّنه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد يعترض على ذلك: بأنَّ عليًّا كان حاضرًا مجلسَ سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستحيا أَنْ يكونَ السؤالُ منه بنفسِه.

وأورد على ذلك: أنَّه يلزمُ من قبول قول المقداد من غير أَنْ يكونَ عليٌّ حاضرًا مجلس السؤال؛ إثبات خبر الواحد بخبر الواحد.

وجوابه: أنَّ المراد ذكرُ صورةٍ من صور خبرِ الآحاد؛ تدلُّ على قبوله، وهي: فردٌ من أفراده غير منحصرة فيه؛ والحجة تقوم بجملتها؛ لأنه منها، وإلَّا لكان ذلك إثبات الشيء بنفسه، وهو محال." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة