شرح صحيح الترغيب (رقم 44)
1 - (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة) 44
- (8) [صحيح] وعن عابس بن ربيعة قال: رأيت
عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه يُقبِّلُ الحجرَ (يعني: الأسودَ)، ويقول: "إني
لأعلمُ أنّك حَجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبِّلك ما قبَّلتك." رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. |
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 149) (رقم: 1597)،
ومسلم في صحيحه (2/ 925) (رقم: 1270)، وأبو داود في سننه (2/ 175) (رقم: 1873)،
والترمذي في سننه (3/ 205) (رقم: 860)، والنسائي في سننه (5/ 227) (رقم: 2937)،
وابن ماجه في سننه (2/ 981) (رقم: 2943)
من فوائد الحديث :
صحيح ابن حبان - مخرجا (9/ 130)
ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ لِلطَّائِفِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[1]
فتح الباري لابن حجر (3/ 462)
"قَالَ الطَّبَرِيُّ: "إِنَّمَا
قَالَ___ذَلِكَ عُمَرُ، لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِعِبَادَةِ
الْأَصْنَامِ، فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَظُنَّ الْجُهَّالُ أَنَّ اسْتِلَامَ
الْحَجَرِ مِنْ بَابِ تَعْظِيمِ بَعْضِ الْأَحْجَارِ، كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ
تَفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّ
اسْتِلَامَهُ اتِّبَاعٌ لِفِعْلِ رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_، لَا لِأَنَّ الْحَجَرَ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِذَاتِهِ، كَمَا كَانَتِ
الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ فِي الْأَوْثَانِ." اهـ[2]
أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (2/ 878)
كان عمر رضي الله عنه طلوبا للآثار، بحوثا عنها وعن
معانيها، لما رأى الحجر يستلم، ولا يعلم فيه سببا يظهر للحس، ولا تتبين له عائدة
في الفعل، ترك فيه الرأي والقياس، وصار إلى الاتباع
معالم السنن (2/ 191)
فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف
لها على علل معلومة وأسباب معقولة وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه
معانيها إلاّ أن معلوماً في الجملة أن تقبيله الحجر إنما هو إكرام له واعظام لحقه
وتبرك به وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والبلدان وكما فضل
بعض الليالي والأيام والشهور وباب هذا كله التسليم وهو أمرسائغ في العقول جائز
فيها غير ممتنع ولا مستنكر.
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار
(2/ 1000)
هذا الحديث أصل أصيل، وقاعدة عظيمة في اتِّباع
النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء آثاره، وترك ما كانت عليه الجاهلية من
تعظيم الأصنام والأحجار، وتبيَّن أنَّ: النَّفع والضُّر بيد الله تعالى، وأنَّه
-سبحانه وتعالى- هو النَّافع والضَّار، وأنَّ الأحجار لا تنفع من حيث هي هي، كما
كانت الجاهلية تعتقده في الأصنام، وأراد عمر - رضي الله عنه - بذلك إزالةَ الوهم
الَّذي يقع في أذهان النَّاس من ذلك جميعه.
وفي هذا الحديث دليل: على استحباب تقبيل الحجر
الأسود.
وفيه دليلٌ: على أنَّه ينبغي للإمام العالم أن
يبيِّن للنَّاس السُّنن بقوله وفعله.
وفيه دليلٌ: على أنَّ المرجع في ذلك إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، دون غيره.
وفيه دليلٌ: على أنَّ الإمام العالم والمقتدى به
إذا خاف على النَّاس فعل محذور أو اعتقاده، أو انجرار المشروع إلى ذلك، أن يبيِّنه
ويوضِّحه للنَّاس في المجامع والمواسم، ويشهره بالإيضاح والبيان؛ ليكون سببًا
لإبلاغه في البلدان
فتح الباري لابن حجر (3/ 463):
"* وَفِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا:
التَّسْلِيمُ لِلشَّارِعِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَحُسْنُ الِاتِّبَاعِ فِيمَا
لَمْ يَكْشِفْ عَنْ مَعَانِيهَا[3]،
وَهُوَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي اتِّبَاعِ
النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِيمَا يَفْعَلُهُ، وَلَوْ لَمْ
يَعْلَمِ الْحِكْمَةَ فِيهِ.
* وَفِيهِ: دَفْعُ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْجُهَّالِ
مِنْ أَنَّ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ خَاصَّةً تَرْجِعُ إِلَى ذَاتِهِ.
* وَفِيهِ: بَيَانُ السُّنَنِ بِالْقَوْلِ
وَالْفِعْلِ،
* وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا خَشِيَ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ فِعْلِهِ فَسَادَ اعْتِقَادٍ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى بَيَانِ الْأَمْرِ وَيُوَضِّحَ
ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى التَّقْبِيلِ وَالِاسْتِلَامِ
بَعْدَ تِسْعَةِ أَبْوَابٍ.
* قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: "فِيهِ:
كَرَاهَةُ تَقْبِيلِ مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَقْبِيلِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَمَهْمَا قَبَّلَ
مِنَ الْبَيْتِ فَحَسَنٌ) فَلَمْ يُرِدْ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ لِأَنَّ الْمُبَاحَ
مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
تَكْمِيلٌ :
اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ عَلَى الْحَدِيثِ
الْمَاضِي[4]
فَقَالَ كَيْفَ سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ تُبَيِّضْهُ طَاعَاتُ
أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَأُجِيبَ بِمَا قَالَ بن قُتَيْبَةَ:
"لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ ذَلِكَ،
وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ السَّوَادَ يَصْبُغُ وَلَا
يَنْصَبِغُ عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْبَيَاضِ."
وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: "فِي
بَقَائِهِ أَسْوَدَ عِبْرَةٌ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ، فَإِنَّ الْخَطَايَا إِذَا
أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ الصَّلْدِ فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقَلْبِ أَشَدُّ."
قَالَ: وَرُوِيَ عَن بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا
غَيَّرَهُ بِالسَّوَادِ لِئَلَّا يَنْظُرَ أَهْلُ الدُّنْيَا إِلَى زِينَةِ
الْجَنَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ قُلْتُ أَخْرَجَهُ
الْحُمَيْدِيُّ فِي فَضَائِلِ مَكَّة بِإِسْنَاد ضَعِيف وَالله أعلم." اهـ
وقال
عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 345)
وقول
عمر حين قبل الحجر: " لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك."
فيه : الاقتداء
وترك الاعتراض على السنن بالعقول، وأن تقبيله الحجر
ليس عبادة له بل لله تعالى؛ بامتثال أمره فيه، كأمره بسجود الملائكة لآدم، وشُرع
مع ذلك التكبير للناس إظهاراً أن ذلك الفعل تذللاً له لا لغيره، أن التحسين والتقبيح إنما هو من قبل الشرع لا من قبل
العقل، وأن كل ما جاء به الشرع فهو الحسن المحمود،
وسر ذلك محض العبودية، وأن العبادات على ضربين:
* منها:
ما فُهم معناه وعلتها ومصلحتها،
* ومنها
ما وضع لمجرد التعبد وامتثال الأمر وإطراح استعمال العقل.
وأكثر أمر الحج من هذا الباب؛ ولهذا جاء فى بعض
التلبية: " لبيك بحجةٍ تعبداً ورقاً." اهـ
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (10/ 110)
وفي هذا الحديث ما يدلُّ على أن تقبيل الحجر من
سُنَن الطواف ، والجمهور على ذلك ؛ لمن قدر عليه ، فإن لم يقدر وَضَع يده عليه ،
ثم رفعها إلى فِيهِ بغير تقبيل على إحدى الرِّوايتين عن مالك ، وبه قال القاسم بن
محمد. والجمهور على أنه يقبل يده ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه عندهم. قال مالك رحمه
الله : والسجود عليه بدعة . والجمهور : على جوازه .
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر _رحمه الله_ في
"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (22/ 257):
"لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ تَقْبِيلَ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى
ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَقْبِيلِهِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ
وَرَفَعَهَا إِلَى فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِلزِّحَامِ
كَبَّرَ إِذَا قَابَلَهُ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ولا ينبغي
لمن قدرعلى ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَهُ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَه." اهـ
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (25/ 229)
في فوائده:
(منها): ما ذكره المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-
في ترجمتي البابين: استحباب استلام الحجر الأسود، واستحباب تقبيله.
(ومنها): أن في قول عمر - رضي اللَّه تعالى عنه -
هذا التسليمَ للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهي
قاعدة عظيمة في اتباع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما يفعله، ولو لم تُعلم
الحكمة فيه.
(ومنها): أن فيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في
الحجر الأسود خاصّة ترجع إلى ذاته.
(ومنها): أن فيه بيان السنن بالقول والفعل.
(ومنها): أن على الإمام إذا خشي على أحد من فعله
فساد اعتقاده أن يبادر إلى بيان الأمر، ويوضّح ذلك.
(ومنها): أن فيه كراهة تقبيل ما لم يَرِد الشرع
بتقبيله، وأما قول الشافعيّ: ومهما قبّل من البيت، فحسن، فلم يُرد به الاستحباب؛
لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين. قاله في "الفتح". واللَّه
تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما
توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
وقال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح
الموطإ" (2/ 287):
"وَقَوْلُهُ (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت
رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُقَبِّلُك، مَا قَبَّلْتُك)،
تَبْيِينٌ بِأَنَّ تَقْبِيلَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَيْسَ لِذَاتِهِ وَلَا لِمَعْنًى
فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شَرَعَ ذَلِكَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى." اهـ
حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 221)
"الْمَقْصُودُ الِاتِّبَاعُ لَا
تَعْظِيمُ الْحَجَرِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَالْمَطْلُوبُ
تَعْظِيمُ أَمْرِهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعُ نَبِيِّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_." اهـ
وقال عبد الله البسام _رحمه الله_ في توضيح الأحكام
من بلوغ المرام (4/ 144_145):
ما يؤخذ من الحديث:
1 - يؤخذ من كلام هذا الإمام الملهم أصلٌ
شرعيٌّ عظيمٌ، هو أنَّ الأصل في العبادات الحظر والمنع، فلا يشرع منها إلاَّ ما
شرعه الله ورسوله، فلا مجال للرأي والاستحسان في ذلك، كما نبَّه على أنَّ القدوة
في ذلك خاصَّة هو النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه المبلغ عن الله تعالى، فهو
القدوة والأسوة في الأمور الشرعية.
2 - قال النووي: وإنما قال: "لا تضر ولا
تنفع" لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين أَلِفُوا عبادة الأحجار
وتعظيمها، رجاء نفعها، وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، فخاف عمر أن يراه بعضُهم
يقبله، ويُعنى به فيشتبه عليه، فبيَّن له أنَّه حجر مخلوق كباقي المخلوقات، التي
لا تضر، ولا تنفع، وأشاع عمر هذا في الموسم ليشهد في البلدان، ويحفظ عنه أهل
الموسم.
3 - ما أشبه الليلة بالبارحة، فإنَّ كثيرًا
من البلاد الإسلامية لديهم من الجهل بشرعهم، وتوحيد الله تعالى الذي هو أصل الدين،
مثلما هو عند أهل الجاهلية، فما أحوج المسلمين إلى من يبصرهم بأمر دينهم، ويلقنهم
إياه على حقيقته، التي أرادها الله تعالى منهم، حينما بعث الله رسوله، وأنزل عليه
كتابه المبين.___
4 - فيه مشروعية تقبيل الحجر الأسود في الطواف،
ولكن هذه الفضيلة تكون بشرط ألا يترتب عليها محرم، من مزاحمة الناس، ومدافعتهم،
وأذيتهم حتى يصل إليه، فإنَّه في هذه الحال يكون ترك الاستلام أفضل، لاسيَّما
للنساء.
5 - قال الخطابي -رحمه الله تعالى-: فيه أنَّ
متابعة السنن واجبة، وإن لم يقف لها على علل معلومةٍ وأسبابٍ معقولةٍ، وقد فضَّل
الله البقاع والبلدان، كما فضل بعض الليالي، والأيام، والشهور.
6 - يعلم من قوله -رضي الله عنه- "إنَّك
حجر" أنهم ينزلون النوع منزلة الجنس، باعتبار اتصافه بصفة مختصة به، فقوله:
"إنَّك حجر" شهادة له بأنَّه من هذا الجنس، ثم أكد هذه الجنسية وقررها
بأنه حجر لا يضر ولا ينفع، وقوله: "لولا أني رأيت ... " فهذا إخراج له
من الجنس باعتبار تقبيله -صلى الله عليه وسلم-." اهـ
وقال عبد الله البسام _رحمه الله_ في "تيسير
العلام شرح عمدة الأحكام" (ص: 394_395):
"ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعيه تقبيل الحجر الأسود للطائفين
عندما يحاذونه، إن أمكن بسهولة.
2- أن تقبيله ليس لنفعه أو ضرره، وإنما هو
عبادة لله تعالى، تلقيناها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن العبادات توقيفية، فلا يشرع منها إلا
ما شرعه الله ورسوله.
ومعنى هذا أن العبادات لا تكون بالرأي والاستحسان،
وإنما تتلقى عن المشرع، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، تؤخذ من كلام المحدَّث الملهم،
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
4- تبيين ما يوهم العامة من مشاكل العلم، حتى
لا يعتقدوا غير الصواب.
5- أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم من سنته
المتبعة، فليس هناك خصوصية إلا بدليل
6- أنه إذا صح عن الشارع عبادة، عمل بها ولو
لم تعلم حكمتها، على أن إذعان الناس وطاعتهم في القيام بها من الحكم المقصودة.
7- قال شيخ الإسلام: ويستحب للطائف أن يذكر
الله تعالى ويدعوه بما يشرع من الأدعية والأذكار، وإن قرأ سراً فلا بأس. وليس
للطواف___ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه
بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية. وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت
الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له. وكان صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين
بـ"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
شرح سنن أبي داود للعباد :
"إن محبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن
تكون في قلب كل مسلم، أعظم من محبته لنفسه وأبيه وأمه وأولاده، كما قال عليه
الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)،
ويقول الله عز وجل مبيناً علامة المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، فعلامة المحبة هي
الاتباع وليس الابتداع، وبعض أهل العلم يسمي هذه الآية: آية الامتحان؛ لأن من ادعى
محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع للنبي صلى الله عليه
وسلم، فهذه هي علامات المحبة الصادقة، وأما التمسح بالجدران والشبابيك فليس من
علامات المحبة، بل هو خلاف السنة وخلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وسلف هذه الأمة، فهو من محدثات الأمور، فمحبة النبي
عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل محبوب من الخلق؛ وذلك
أن النعمة التي ساقها الله للناس على يديه هي أعظم نعمة على المسلم، وهي نعمة
الهداية إلى الصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فهذا هو السبب
في كون محبته يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق عليه الصلاة والسلام.
إذاً: فمحبته عليه الصلاة والسلام لا تكون بالتمسح
بالجدران والشبابيك، وإنما تكون باتباعه والسير على منهاجه، والله تعالى يقول:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]."
اهـ
شرح سنن أبي داود للعباد :
"لاشك أن الأحكام معللة ولها حكمة، لكن
ليست كل حكمة تعلم، ويطلع عليها، والأصل أن المسلم يستسلم وينقاد لكل ما جاء عن
الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، سواءً علم حكمته أو لم يعلمها، ويكون حرص
الإنسان على معرفة الحكم للعمل به، وليس على معرفة الحكمة؛ لأن العمل لا يتوقف على
الحكمة، بل الإنسان يستسلم وينقاد سواء عرف الحكمة أو لم يعرفها، وإن بحث عنها
وعرفها زاده ذلك ثباتاً ويقيناً، وإن لم يعرفها فإن ذلك لا يثنيه عن أن يعمل
بالحق.
ولهذا قبل عمر رضي الله عنه الحجر الأسود، وقال:
(إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك) فالإنسان يتبع السنة ويعمل بما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم
علم الحكمة أو لم يعلمها." اهـ
وقال الشيخ عبد المحسن العباد _حفظه الله_ في
"عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة أسانيدها وشرح متونها" (ص: 122):
"من فقه الحديث، وما يستنبط منه:
1- مشروعية تقبيل الحجر الأسود.
2- المنع من تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله.
3- بيان السنن بالقول والفعل.
4- أن الأصل في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم
التشريع للأمة ما لم يدل دليل على التخصيص به.
5- وجوب التسليم للشارع في أمور الدين
والتعويل على ما يثبت عنه في ذلك.
6- أن التسليم للشارع لا يتوقف على معرفة
حكمة الأمر أو النهى.
7- بيان أن الحجر الأسود ليس مصدرا للنفع أو
الضر لذاته.
8- أن على الإمام أو العالم إذا خشي أن يفهم
من فعل الشيء المشروع فهما خاطئاً أن يبادر إلى بيان الحق وإزالة اللبس.
9- كمال نصح أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
للأمة وشفقته على المسلمين.
10- تأكيد الكلام إذا اقتضى حال المبين لهم
ذلك فإن عمر رضي___الله عنه صدر كلامه بأن المؤكدة في هذا الحديث وفي بعض روايات
الحديث زيادة التأكيد بالقسم واللام.
11- العناية في بيان الحق وخاصة ما يتعلق
بأمر العقيدة.
12- مدى حكمة الفاروق _رضي الله عنه_ في
بيانه لسنة المصطفي _صلى الله عليه وسلم_ وتوفيق الله له وتسديده.
وهذا مصداق قول الرسول الكريم _صلى الله عليه وسلم_
في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: " لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس
محدثون فان يك في أمتي أحد فإنه عمر". اهـ
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة
الإسلامية (3/ 412)
ففيه رد على ما يفعله بعض الناس في الحجر الأسود
والركن اليماني؛ يظنون أن الرسول فعل ذلك للتبرك به، حتى إنك تساهده يمسح الركن
اليمني بيده ثم يمسح بها وجه طفله وبدنه، يظن أن هذا من باب التبرك! ! وليس هذا في
الأصل من باب التبرك في شيء، بل هو من باب التعبد؛ ولهذا قال عمر: "لولا أني
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك". اهـ
وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن
عبد الوهاب آل الشيخ (المتوفى: 1293هـ) في "منهاج التأسيس والتقديس في كشف
شبهات داود بن جرجيس" (ص: 182)
اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله
عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين الصحابة وأهل البيت وغيرهم على ألا
يتمسح به، ولا يقبله، بل ليس في الدين ما شرع تقبيله إلا الحجر الأسود. وقد ثبت في
الصحيحين: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "والله، إنى لأعلم أنك حَجَر
لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت الرّسول يُقَبِّلك ما قَبَّلتك ".
ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم
ركنى البيت اللذين يليان الحجر ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم، ولا صخرة بيت
المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين، حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على
منبر النبي صلى الله عليه وسلم لما كان موجوداً، فكرهه مالك رحمه الله وغيره؛ لأنه
بدعة." اهـ [انظر: مجموع الفتاوى (1/ 334_335)
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (27/
135):
"فَصَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا
يُسَنُّ اسْتِلَامُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ لَيْسَ
لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا وَالدُّعَاءِ خُصُوصِيَّةٌ عَلَى سَائِرَ بِقَاعِ
الْمَسْجِدِ." اهـ
مجموع الفتاوى (27/ 79)
"وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
مَنْ زَارَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْ
قَبْرَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ - الصَّحَابَةُ وَأَهْلُ
الْبَيْتِ وَغَيْرُهُمْ - أَنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ؛ بَلْ
لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْجَمَادَاتِ مَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُهَا إلَّا
الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ." اهـ
نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير
الدين، الآلوسي (المتوفى: 1317هـ) في "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين"
(ص: 544):
"والله _سبحانه_ أمرنا باتباعِ رسوله _عليه
الصلاة والسلام_، وطاعتِهِ ومحبتِهِ، وضَمِنَ لنا بطاعتِه ومحبتِهِ محبةَ اللهِ _تعالى_
وكرامتَهُ، فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران 31]
الآية.
وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]،
وأمثال ذلك في القرآن كثير.
ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا الباب عما مضت به
السنة، ودل عليه الكتاب، وكان عليه سلف الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك
عنه فلا يقف ما ليس به علم، ولا يقول على الله ما لا يعلم، فإن الله _عز وجل_ قد
حرم ذلك كله." اهـ
وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "الإنصاف
في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف" (ص: 111):
"تقبيل القبور والأخشاب التي تنحت عليها
ويقال لها (التوابيت)، هو بعينه التي كانت تفعله عباد الأوثان لأوثانهم وهي من
جملة عبادتها4، إذ كلُّ تعظيم فهو من العبادة، وتعظيم جماد لا يضر ولا ينفع منهي
عنه؛ لأنَّ التعظيم من خاصية المعبود بحق فلا تعظيم إلا له تعالى بالعبادة بكلِّ
جارحة من الجوارح ومن أذن لنا بأنْ نعظِّمه من الأحياء من الأنبياء والمرسلين
والعلماء العاملين ونحو ذلك." اهـ
[1] وفي "إحكام الأحكام
شرح عمدة الأحكام" (2/ 70) لابن دقيق العيد القشيري:
"فِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ. وَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي ابْتِدَاءِ تَقْبِيلِهِ:
لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ اتِّبَاعًا وَلِيُزِيلَ بِذَلِكَ الْوَهْمَ
الَّذِي كَانَ تَرَتَّبَ فِي أَذْهَانِ النَّاسِ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ
وَيُحَقِّقُ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالْأَحْجَارِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، كَمَا
كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُ فِي الْأَصْنَامِ." اهـ
[2] وفي شرح صحيح البخارى لابن
بطال (4/ 278):
"قال الطبرى: إنما قال ذلك عمر والله أعلم؛ لأن الناس كانوا
حديث عهد بعبادة الأصنام، فخشى عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر هو مثل ما كانت
العرب تفعله فى الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله
تعالى والوقوف عند أمر نبيه عليه السلام إذ ذلك من شعائر الحج التى أمر الله
بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل أهل الجاهلية فى عبادتهم الأصنام؛ لأنهم كانوا
يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فنبه عمر على مجانبة هذا الإعتقاد، وأنه لا
ينبغى أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع، وهو الله تعالى." اهـ
[3] وقال الخطابي في
"أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (2/ 875_876): "معنى هذا
الكلام: تسليم الحكم في أمور الدين، وترك البحث عنها وطلب العلل فيها، وحسن
الاتباع فيما لم يكشف لنا عنه من معانيها، وقد توجد أمور الشريعة على ضربين:
أحدهما:
ما كشف لنا عن علته، وبين وجه الحكمة فيه.
الآخر:
ما لم يبين ذلك منه، فما كان من هذا الضرب فليس (فيه) إلا التسليم، وترك المعارضة
له بالقياس والمعقول،
وإنما___فضل
ذلك الحجر على سائر الأحجار، كما فضلت تلك البقعة على سائر بقاع الأرض، وكما فضل
يوم الجمعة على سائر الأيام، وليلة القدر على سائر الليالي، ولذلك يقول القائل في
مكة: (ما أنت يا مكة إلا وادي .... شرفك الله على البلاد)." اهـ
[4] أشار إلى ما أخرجه الترمذي
في سننه (3/ 217) (رقم: 877): عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ،
وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ»
صححه
الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 230) (رقم: 2618)
وما
أخرجه الترمذي في سننه (3/ 217) (رقم: 878): عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ الرُّكْنَ، وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ
اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لَأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ
المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ»
وصححه
الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 336) (رقم: 1633)
وما
أخرجه أحمد في مسنده – ط. عالم الكتب (1/ 266) (رقم: 2398): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ،
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ لِهَذَا
الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ»
وصححه
الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 436) (رقم: 2184)،
وفي
رواية الترمذي – واللفظ له (3/ 285) (رقم: 961)، وابن ماجه (2/ 982) (رقم: 2944):
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الحَجَرِ: «وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ
لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ
اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ»
وصححه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 28) (رقم: 1144).
Komentar
Posting Komentar