شرح الحديث 27 (باب لا يسب والديه) من الأدب المفرد
14_
باب لا يسب والديه 27 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «مِنَ
الْكَبَائِرِ: أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»، فَقَالُوا: "كَيْفَ يَشْتُمُ؟" قَالَ:
«يَشْتُمُ الرَّجُلَ، فَيَشْتُمُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ» [قال الشيخ الألبانيْ: صحيح] |
رواة الحديث :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ (ثقة: ت 223 هـ):
محمد بن كثير العبْدي، أبو عبد الله البصري، روى
له: خ م د ت س ق
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ (ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة: ت 161
هـ) :
سفيان بن سعيد
بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، من كبار أتباع التابعين، روى له : خ م د
ت س ق
قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ثقة فاضل عابد: ت 125 هـ):
سعد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو إسحاق، من صغار التابعين، روى له: خ م د ت
س ق
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ثقة:
ت 105 هـ):
حميد بن عبد
الرحمن بن عوف القرشى الزهرى ، أبو إبراهيم، من كبار التابعين ، روى له : خ م د
ت س ق
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو _رضي الله عنهما_ (ت
بـ الطائف سنة 63 هـ):
عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن
هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى، أبو محمد _رضي الله عنه_، روى له : خ م د
ت س ق
نص الحديث :
قال:
قَالَ النَّبِيُّ
_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «مِنَ
الْكَبَائِرِ: أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»،
فَقَالُوا: "كَيْفَ يَشْتُمُ؟"
قَالَ: «يَشْتُمُ
الرَّجُلَ، فَيَشْتُمُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ»
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 24) (رقم: 27 و 28)، وفي "صحيحه"
(8/ 3) (رقم: 5973)، ومسلم وفي "صحيحه" (1/ 92) (رقم : 90)، وأبو داود
في "سننه" (4/ 336) (رقم: 5141)، والترمذي في "سننه" (4/ 312)
(رقم: 1902).
وأخرجه _أيضا_: ابنُ وَهْبٍ في "الجامع" (ص: 207 و 216) (رقم: 134 و 142)، وأبو
داود الطيالسي في "مسنده" (4/ 26) (رقم: 2383)، وابن الجعد في
"مسنده" (ص: 233) (رقم : 1542)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم
الكتب (2/ 164 و 195 و 214 و 216) (رقم: 6529 و 6840 و 7004 و 7029)، والحسين بن
حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 51_52) (رقم: 100_102)، عبد بن حميد
الكِشِّيُّ في "المنتخب"، ت. صبحي السامرائي (ص: 132) (رقم : 325)،
والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (6/ 445) (رقم: 2483)،
وأبو عوانة في "مسنده" (1/ 58) (رقم : 150)، والطحاوي في "شرح مشكل
الآثار" (2/ 353 و 13/ 339_340) (رقم: 899 و 5312 و 5314)، والخرائطي في "مساوئ
الأخلاق" (ص: 49) (رقم: 72_73)، وابن حبان البستي في "صحيحه" (2/
143 و 144) (رقم: 411 و 412)، وابن منده في "الإيمان" (2/ 574_576)
(رقم: 482_486)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"
(6/ 1106) (رقم: 1909)، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء" (3/ 172)، وأبو إسحاق البغدادي في "الجزء الأول من
أماليه" (ص: 50_51) (رقم: 68_69)، وابن أبي حاتم الرازي في
"تفسيره" (3/ 930) (رقم: 5196)، والبيهقي في "السنن الكبرى"
(10/ 397) (رقم: 21086) وفي "شعب الإيمان" (6/ 491 و 10/ 274) (رقم:
4518 و 7485_7486).
والحديث صحيح: وصححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 663 و3/
59) (رقم: 2514 و 2783)، مشكاة المصابيح (3/ 1377) (رقم: 4916)، صحيح الجامع
الصغير وزيادته (2/ 1027) (رقم: 5908)، غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال
والحرام (ص: 171) (رقم: 280)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 422) (رقم: 413).
من فوائد الحديث:
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(3/ 61):
"(يَا
رَسُولَ الله، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ )،
قال في "المفهم": استفهام إنكار واستبعاد لوقوع ذلك من أحد من
الناس، وهو دليلٌ على ما كانوا عليه من المبالغة في برّ الوالدين، ومن الملازمة
لمكارم الأخلاق والآداب. انتهى ["المفهم" (1/ 285)]."
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(3/ 61):
"قال
النوويّ _رحمه الله تعالى_:
فيه دليلٌ على أن من تسبب في شيء، جاز أن يُنسَب إليه ذلك الشيء، وإنما جُعِل
هذا عقوقًا؛ لكونه يحصل منه ما يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالْهَيّن كما تقدم في
حدّ العقوق، وفيه قطع الذرائع، فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر،
والسلاح ممن يقطع الطريق، ونحو ذلك. انتهى ["شرح مسلم" 2/ 88]."
اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(3/ 62):
"وقال
القرطبيّ _رحمه الله تعالى_:
فيه دليلٌ على أن سبب الشيء قد يُنزّله الشرع منزلة الشيء في المنع، فيكون حجة
لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرًا، ويمنع بيع ثياب الخزّ ممن يلبسها، وهي لا تحلّ
له، وهو أحد القولين للمالكيّة، وفيه حجة لمالك على القول بسدّ الذرائع، وهو من
نحو قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، والذريعة هي
الامتناع مما ليس ممنوعًا في نفسه مخافةَ الوقوع في محظور. انتهى." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"
(3/ 62):
"في
فوائده:
1 - (منها):
تحريم سبّ الوالدين، وكونه من الكبائر.
2 - (ومنها):
بيان عظمة حقّ الوالدين، وأن أيّ فعل يتأذّيان به فإنه حرام، وإن لم يكن مباشرة.
3 - (ومنها): ما
قاله ابن بطال رحمه الله تعالى: هذا الحديث أصلٌ في سدّ الذرائع، ويؤخذ منه أن مَن
آل فعله إلى مُحَرَّم يَحْرُم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يَحْرُم،
والأصل في هذا الحديث قوله _تعالى_: ___ {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] الاية.
4 - (ومنها):
أنه استنبط منه الماورديّ رَحمه الله تحريم بيع ثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه،
والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به الفاحشة، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه
خمرًا.
5 - (ومنها): ما
قاله الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: فيه العمل بالغالب؛ لأن الذي يَسُبّ أبا الرجل
يجوز أن يسب الآخر أباه، ويجوز أن لا يفعل، لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله.
6 - (ومنها): أن
فيه مراجعةَ الطالب لشيخه فيما يقوله، مما يُشْكِل عليه.
7 - (ومنها): أن
فيه إثباتَ الكبائر، وقد سبق قريبًا تمام البحث فيه.
8 - (ومنها): أن
فيه أن الأصل يَفْضُلُ الفرع بأصل الوضع، ولو فضله الفرع ببعض الصفات، قاله في
"الفتح" [راجع : "الفتح" (10/ 418)]، والله تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ
وقال محمد بن
أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية"
(المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 108_110):
"فَصْلٌ:
فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ:
لَمَّا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِأَسْبَابٍ
وَطُرُقٍ تُفْضِي إلَيْهَا كَانَتْ طُرُقُهَا وَأَسْبَابُهَا تَابِعَةً لَهَا
مُعْتَبَرَةً بِهَا، فَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَاتِ
وَالْمَعَاصِي فِي كَرَاهَتِهَا وَالْمَنْعِ مِنْهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا
إلَى غَايَاتِهَا وَارْتِبَاطَاتِهَا بِهَا، وَوَسَائِلُ
الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ فِي مَحَبَّتِهَا وَالْإِذْنِ فِيهَا بِحَسَبِ
إفْضَائِهَا إلَى غَايَتِهَا؛ فَوَسِيلَةُ الْمَقْصُودِ تَابِعَةٌ
لِلْمَقْصُودِ...
ولا بُدَّ من
تحرير هذا الموضع قبل تقريره؛ ليزول الالتباس فيه، فنقول :
الفعل، أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان :
[أحدهما] : أن يكون وضعه للإفضاء إليها، كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة
السكر، وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفِرْيَة، والزنا المفضي إلى اختلاط المياه،
وفساد الفراش، ونحو ذلك،
فهذه أفعال وأقوال،
وُضِعت مفضيةً لهذه المفاسد، وليس لها ظاهرٌ غيرها.
[والثاني] : أن تكون موضوعة للإفضاء إلى أمر
جائز، أو مستحب، فيُتَّخَذ وسيلة إلى المحرم، إما بقصده، أو بغير قصد منه.
فالأول : كمن
يَعقِد النكاح قاصدًا به التحليل، أو يعقد البيع قاصدًا به الربا، أو يخالع قاصدًا
به الحنث، ونحو ذلك.
والثاني : كمن
يُصلي تطوعًا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم، أو يصلي
بين يدي القبر لله، ونحو ذلك،
ثم هذا القسم من
الذرائع نوعان :
[أحدهما]: أن
تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته.
[والثاني]: أن
تكون مفسدته راجحة على مصلحته،
فههنا
أربعة أقسام :
*
الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة.
*
الثاني: وسيلة موضوعة للمباح، قُصِد
بها التوسل إلى المفسدة.
*
الثالث: وسيلة موضوعة للمباح، لم
يُقصد بها التوسل إلى المفسدة، لكنها مفضية إليها غالبًا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها.
*
الرابع: وسيلة موضوعة للمباح، وقد
تفضي إلى المفسدة، ومصلحتها أرجح من مفسدتها.
فمثال القسم
الأول والثاني قد تقدم،
ومثال الثالث: الصلاة في أوقات النهي، ومسبة آلهة المشركين بين
ظهرانيهم، وتزين المتوفَّى عنها في زمن عدتها، وأمثال ذلك.
ومثال الرايع: النظر
إلى المخطوبة، والمستامة، والمشهود عليها، ومن يطؤها ويعاملها، وفعل ذوات الأسباب
في أوقات النهي، وكلمة الحقّ عند ذي سلطان جائر، ونحو ذلك، فالشريعة جاءت بإباحة
هذا القسم، أو استحبابه، أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة، وجاءت بالمنع من القسم
الأول؛ كراهةً أو تحريمًا بحسب درجاته في المفسدة، بقي النظر في القسمين الوسط، هل
هما مما جاءت الشريعة بإباحتهما، أو المنع منهما؟ فنقول:
الدلالة على المنع من وجوه:
(الوجه الأول):
قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا
اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فحَرَّم الله تعالى سب آلهة
المشركين، مع كون السبّ غيظًا وحمية لله، وإهانةً لآلهتهم؛ لكونه ذريعة إلى سبهم
لله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبّنا لآلهتهم، وهذا
كالتنبيه، بل كالتصريح على المنع من الجائز؛ لئلا يكون سببًا في فعل ما لا يجوز.
(الوجه الثاني):
قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ
زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]، فمنعهن من الضرب بالأرجل، وإن كان جائزًا في نفسه؛
لئلا يكون سببًا إلى سمع الرجال صوت الخلخال، فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهنّ.
(الوجه الثالث):
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ} [النور: 58]، أَمَر تعالى مماليك المؤمنين، ومن لم يبلغ منهم الحلم، أن
يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة؛ لئلا يكون دخولهم هَجْمًا بغير استئذان
فيها ذريعةً إلى اطّلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم
واليقظة، ولم يأمرهم بالاستئذان في غيرها، وإن أمكن في تركه هذه المفسدة؛ لندورها،
وقلة الإفضاء إليها، فجعلت كالمقدمة.
(الوجه الرابع):
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا
انْظُرْنَا} [البقرة: 104]، نهاهم سبحانه وتعالى أن يقولوا هذه الكلمة، مع قصدهم
بها الخير؛ لئلا يكون قولهم ذريعةً إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم، فإنهم
كانوا يخاطبون بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويقصدون بها السبّ، يقصدون
فاعلًا من الرُّعُونة، فَنُهِي المسلمون عن قولها سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا
يكون ذلك ذريعةً إلى أن يقولها اليهود للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - تشبهًا
بالمسلمين، يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون." اهـ
وقال محمد بن
أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية"
(المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 126):
"وَبَابُ
سَدِّ الذَّرَائِعِ أَحَدُ أَرْبَاعِ التَّكْلِيفِ؛ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ،
وَالْأَمْرُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا:
مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي: وَسِيلَةٌ
إلَى الْمَقْصُودِ،
وَالنَّهْيُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: مَا
يَكُون الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَفْسَدَةً فِي نَفْسِهِ، وَالثَّانِي:
مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْمَفْسَدَةِ؛ فَصَارَ سَدُّ الذَّرَائِعِ
الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحَرَامِ أَحَدَ أَرْبَاعِ الدِّينِ." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22 / 83):
"وَهَذَا
يَقْتَضِي أَن سبّ الرجل وَالِديهِ كَبِيرَة، وَرِوَايَة البُخَارِيّ تَقْتَضِي
أَنه من أكبر الْكَبَائِر وَبَينهمَا فرق من حَيْثُ إِن الْكَبَائِر مُتَفَاوِتَة
وَبَعضهَا أكبر من بعض، وَهُوَ قَول الْعلمَاء،
وعد أكبر
الْكَبَائِر فِي حَدِيث أبي بكرَة على مَا يَجِيء ثَلَاثَة: الْإِشْرَاك بِاللَّه
وعقوق الْوَالِدين وَقَول الزُّور، وَهُوَ شَهَادَة الزُّور وَاقْتصر فِي أكبر
الْكَبَائِر على هَذِه الثَّلَاثَة،
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2 / 47):
"وقوله:
إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ، يعني: مِنْ أكبرِ
الكبائر؛ لأنَّ شتم المسلمِ الذي ليس بِأَبٍ كبيرةٌ ، فشتمُ الآباءِ أكبَرُ منه."
اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22/84_85):
"قَوْله:
(قيل: يَا رَسُول الله} وَكَيف يلعن الرجل وَالِديهِ؟) هَذَا استبعاد من
السَّائِل، لِأَن الطَّبْع الْمُسْتَقيم يَأْبَى ذَلِك، فَبين فِي الْجَواب أَنه
وَإِن لم يتعاطى ذَلِك بِنَفسِهِ وَلكنه يكون سَببا لذَلِك،
وَفِي هَذَا
الزَّمَان من النَّاس الطَّعَام من يسب وَالِديهِ بل يضربهما، وَلَقَد شَاهد
جمَاعَة ذَلِك من العققة الفجرة، وَرُبمَا____ذبح وَالِده، أَخْبرنِي بذلك
جمَاعَة، وَكَثُرت هَذِه الْمُصِيبَة فِي الديار المصرية، نسْأَل الله الْعَفو
والعافية." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (2 / 88):
"ففيه:
دليل على أن من تسبب فى شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء،
وإنما جعل هذا
عقوقا لكونه يحصل منه ما يتأذى به الوالد تأذيا ليس بالْهَيِّنِ، كما تقدم فى حد
العقوق، والله أعلم.
وفيه: قطع
الذرائع ." اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ) _رحمه الله_ في
"الفتاوى الكبرى" (6 / 172):
"قَدْ
جَعَلَهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنْ أَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ لِكَوْنِهِ شَتْمًا لِوَالِدَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُقُوقِ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ إثْمٌ مِنْ جِهَةِ إيذَاءِ غَيْرِهِ." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (2 / 88):
"فيؤخذ
منه: النهى عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك والله
أعلم." اهـ
أبو
عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (المتوفى: 536هـ)
في "المعلم بفوائد مسلم" (1 / 303):
"يؤخذ من
هذا الحديث الحجة لأحد القولين في منع بيع___ثياب الحرير ممن يلبسها وهي لا تحل له
وبيع العنب ممن يعصره خمراً ويشربها لأنه ذكر أنه من فعل السبب فكأنه الفاعل لذلك
الشيء مباشرة." اهـ
وقال عياض بن
موسى السبتي، المعروف بـ"القاضي عياض" اليحصبي
(المتوفى: 544 هـ) _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1 /
357_358):
"جعل هذا
من الكبائر لأنه سببٌ لشتمهما، وشَتْمُهما من العقوق، وقد____تقدَّم أن عقوقهم من
أكبر الكبائر." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني"
(المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "سبل السلام" (2 / 635):
"وَفِيهِ:
تَحْرِيمُ التَّسَبُّبِ إلَى أَذِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وَشَتْمِهِمَا وَيَأْثَمُ
الْغَيْرُ بِسَبِّهِ لَهُمَا،
قَالَ ابْنُ
بَطَّالٍ:
"هَذَا
الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ آلَ
أَمْرُهُ إلَى مُحَرَّمٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ
الْمُحَرَّمَ، وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}
[الأنعام: 108]
وَاسْتَنْبَطَ
مِنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَحْرِيمَ بَيْعِ الثَّوْبِ الْحَرِيرِ إلَى مَنْ
يَتَحَقَّقُ مِنْهُ لُبْسُهُ وَالْغُلَامِ الْأَمْرَدِ إلَى مَنْ يَتَحَقَّقُ
مِنْهُ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ وَالْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا." اهـ
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى
: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7 / 3083):
"قَالَ
الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا ;
لِأَنَّ سَبَبَ السَّبِّ سَبٌّ، فَكَأَنَّهُ وَاجَهَ أَبَاهُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ
أَحْمَقُ أَوْ جَاهِلٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ،
وَقَدْ قَالَ _تَعَالَى_:
{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]،
وَنَحْوُهُ
فِي قَوْلِهِ _تَعَالَى_: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]." اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2 / 47):
"وقوله:
وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! استفهامُ إنكارٍ واستبعادٍ لوقوع ذلك
مِنْ أحدٍ من الناس، وهو دليلٌ على ما كانوا عليه من المبالغة في بِرِّ الوالدين،
ومِن الملازمةِ لمكارمِ الأخلاق والآداب." اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2 / 47):
"وفيه:
حُجَّةٌ لمالكٍ على القولِ بِسَدِّ الذرائع، وهو مِنْ نحوِ قولِهِ _تعالى_:
{وَلَا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا
بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]،
والذريعةُ: هي
الامتناعُ مما ليس ممنوعًا في نفسه؛ مخافةَ الوقوعِ في محظورٍ؛ على ما بيَّنَّاه
في "الأصول." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني"
(المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "سبل السلام" (2 / 635):
"وَفِي
الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي
يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ قَدْ لَا يُجَازِيهِ بِالسَّبِّ لَكِنَّ الْغَالِبَ هُوَ
الْمُجَازَاةُ." اهـ
الحسين بن
محمد بن سعيد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي"
(المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10
/ 219):
"والحديث
فيه دلالة على رعاية حق الوالدين وأنه يجب الترك لما قد يؤدي إلى سبهما، فإن
المسبوب أبوه قد يجازي بذلك وقد لا يفعله." اهـ
الحسين بن
محمد بن سعيد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي"
(المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10
/ 219):
"ويستفاد
من الحديث: جواز مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله مما أشكل عليه." اهـ
وقال أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188 هـ) _رحمه الله_ في "كشف
اللثام شرح عمدة الأحكام" (3 / 80):
"فعلى الولدِ
طاعةُ والديه، وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأن يدعو لهما، ولا يصدر منه ما
يتأذى به الوالد من قول، أو فعل، إلا في شرك، أو معصية، ما لم يتعنَّت
الوالد." اهـ
وقال محمد بن
أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية"
(المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "إغاثة اللهفان" (1 / 361):
"عَكْسُ
بابِ الْحِيَلِ الموصلةِ إِلَيْهَا، فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد
الذرائع عكس ذلك، فَبَيْنَ الْبَابَيْنِ أعظمُ تناقضٍ، والشارع حرم الذرائع، وإن
لم يقصد بها المحرم لإفضائها إليه،
فكيف إذا قصد
بها المحرم نفسه، فنهى الله _تعالى_ عن سبع آلهة المشركين لكونه ذريعة إلى أن
يسبوا الله _سبحانه وتعالى_ عدوا وكفرا على وجه المقابلة." اهـ
Komentar
Posting Komentar