شرح الحديث 197 (بَابُ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى عَبْدِهِ وَخَادِمِهِ صَدَقَةٌ) من الأدب المفرد
197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ _صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِصَدَقَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: "عِنْدِي
دِينَارٌ." قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى نَفْسِكَ» ، قَالَ: "عِنْدِي آخَرُ." قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى زَوْجَتِكَ» قَالَ: "عِنْدِي آخَرُ." قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى خَادِمِكَ، ثُمَّ أَنْتَ أَبْصَرُ» [قال الشيخ الألباني: حسن] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ (ثقة لم يصب من ضعفه: 223 هـ):
محمد بن كثير العبدي،
أبو عبد الله البصري (أخو سليمان بن كثير، و كان سليمان أكبر منه بخمسين سنة)، كبار
الآخذين عن تبع الأتباع، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ (ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس: 161
هـ):
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي (من ثور بن عبد مناة بن أد
بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد)، من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س
* عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ (صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبى هريرة: 148
هـ بـ المدينة):
محمد بن عجلان القرشي، أبو عبد الله
المدني (مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة)، من صغار التابعين، روى له: خت م د
ت س ق
* عَنِ الْمَقْبُرِيِّ (ثقة،
تغير قبل موته بأربع سنين: ت. 120 هـ):
سعيد بن أبى سعيد كيسان المقبري، أبو سعد المدني، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت
س ق
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (صحابي:
ت 57 هـ):
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي
اليماني (حافظ الصحابة)، روى له: خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
"أَمَرَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِصَدَقَةٍ،
فَقَالَ رَجُلٌ: "عِنْدِي
دِينَارٌ."
قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى نَفْسِكَ» ،
قَالَ: "عِنْدِي آخَرُ."
قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى زَوْجَتِكَ»
قَالَ: "عِنْدِي آخَرُ."
قَالَ: «أَنْفِقْهُ
عَلَى خَادِمِكَ، ثُمَّ أَنْتَ أَبْصَرُ»
وقال الساعاتي _رحمه الله_ في "الفتح
الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" (9/ 191):
"يعنى: أنت أدرى بذوى قرباك فقدم
الأحوج منهم، أو أنتَ أدرى بأنواع البر التى تحيط بك، فَقَدِّمْ الْأَكْثَرَ منفعةً،
أو نحو ذلك، والله أعلم." اهـ
وقال محمود بن خطاب السبكي _رحمه الله_
في "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود" (10/ 8):
"(قوله أنت أبصر) أى أعلم بطريق
صرفه بعد أن بينت لك أصول المصارف، وأن الأقارب أحق بالصدقة من الأباعد بحسب تفاوت
المراتب بينهم." اهـ
مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 251):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «تَصَدَّقُوا»،
قَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي دِينَارٌ.
قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ»
قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ. قَالَ:
«تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ»
قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ. قَالَ:
«تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ»
قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ. قَالَ:
«تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ»
قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ. قَالَ:
«أَنْتَ أَبْصَرُ»
صحيح ابن حبان (8/ 127):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ:
«تَصَدَّقُوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي....
المعجم الأوسط (8/ 237):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ ذَاتَ
يَوْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي دِينَارٌ،
مسند الشاميين للطبراني (3/ 331)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ
دِينَارًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَلَكَ وَالِدَانٌ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
«فَأَنْفِقْهُ عَلَى وَالِدَيْكَ»
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ:
«فَأَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ»
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ:
«أُنْفِقُهُ عَلَى زَوْجِكَ»
قَالَ: وَعِنْدِي آخَرُ، قَالَ:
«أُنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ»
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ حَيْثُ شِئْتَ وَلَيْسَ بِخَيْرِهَا»
مسند أبي يعلى الموصلي (11/ 493)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى
نَفْسِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى
امْرَأَتِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى
وَلَدِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ»،
قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُ»
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 78) (رقم: 197)، سنن أبي داود (2/ 132) (رقم: 1691)، سنن النسائي (5/ 62)
(رقم: 2535)، السنن الكبرى للنسائي (3/ 51 و8/ 270) (رقم: 2327 و 9137)، مسند
الحميدي (2/ 296) (رقم: 1210)، الأموال للقاسم بن سلام (ص: 664) (رقم: 1748)، مسند
أحمد - عالم الكتب (2/ 251 و2/ 471) (رقم: 7419 و 10086)، البر والصلة للحسين بن
حرب (ص: 90) (رقم: 171)، السنن المأثورة للشافعي (ص: 393) (رقم: 549)، النفقة على
العيال لابن أبي الدنيا (1/ 141) (رقم: 8)، مسند أبي يعلى الموصلي (11/ 493) (رقم:
6616)، شرح مشكل الآثار (14/ 102_103) (رقم: 5483_5485)، صحيح ابن حبان (8/ 126 و10/
46 و 10/ 47) (رقم: 3337 و 4233 و 4235)، المعجم
الأوسط (8/ 237) (رقم: 8508)، مسند الشاميين للطبراني (3/ 331) (رقم: 2424)،
والحديث حسن: حسنه
الألباني _رحمه الله_ في صحيح الأدب المفرد (ص: 92) (رقم: 145)، و"إرواء
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (3/ 408) (رقم: 895)، "التعليقات
الحسان على صحيح ابن حبان" (5/ 237 و 5/ 265 و 6/ 299) (رقم: 3326 و 3366 و 4221)،
و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 423) (رقم: 1958).
وحسنه أيضا محدث الشام الشيخ عبد
القادر الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج جامع الأصول" (6/ 463) (رقم: 4669)
من فوائد الحديث:
صحيح ابن حبان - مخرجا (8/ 126)
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ
عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَفْضَلُ مِنْهَا، عَلَى الْأَبْعَدِ
فَالْأَبْعَدِ
شرح مشكل الآثار (14/ 105)
وَكَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ حَضَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ مَنْ حَضَّهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يُحَضُّ
عَلَى الصَّدَقَةِ الْأَغْنِيَاءُ الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الزَّكَوَاتُ،
وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الْفُضُولِ عَنْ أَقْوَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ
يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (22/ 375)
في فوائده:
(منها): ما بوّب له المصنّف -رحمه
اللَّه تعالى-، وهو بيان معنى "الصدقة عن ظهر غنى".
(ومنها): أن الواجب على الشخص في
النفقة أن يقدم نفسه، ثم الأقرب، فالأقرب (ومنها): وجوب نفقة الزوجة، وهو مجمع
عليه
(ومنها): وجوب نفقة الأولاد، وقد تقدّم
قريبًا اختلاف أهل العلم فيه
(ومنها): وجوب نفقة الخادم
(ومنها): أن المتطوّع بالصدقة غير بين
أن يتصدّق، وبين أن يترك، فلا تجب عليه الصدقة، إلا الزكاة، وصدقة الفطر، أو ما
يكون لعارض، كما إذا وجد مضطرًّا، على ما قدّمنا تفصيله. واللَّه تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت،
وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
[تعليق]:
قال القسطلاني _رحمه الله_ في "إرشاد
الساري لشرح صحيح البخاري" (3/ 30):
"(خير الصدقة ما كان عن) ولأبي
ذر: على (ظهر غنى) قال في النهاية: أي ما كان
عفوًا قد فضل عن غنى، وقيل: أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا
إشباعًا للكلام وتمكينًا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال." اهـ
وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في التحبير
لإيضاح معاني التيسير" (6/ 426_427):
قوله: "تصدق به على نفسك"
فيه أنَّ النفقة على النفس صدقة، وأنَّه يبدأ بها، وهذا أمر يقتضي الوجوب، وأنَّ
النفقة على الولد بعد النفقة على النفس، وعلى الزوجة بعد الولد، وعلى___الخادم
بعدهما، وأنَّه لا يتصدق على غير هؤلاء قبلهم، فإن فضل عن نفقتهم شيء تصدق به حيث
شاء." اهـ
وفي "سبل السلام" (1/ 545)
للصنعاني:
"وَفِيهِ: أَنَّ النَّفَقَةَ
عَلَى النَّفْسِ صَدَقَةٌ وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ عَلَى الزَّوْجَةِ ثُمَّ
عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ أَوْ مُطْلَقُ مَنْ يَخْدُمُهُ
ثُمَّ حَيْثُ شَاءَ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ تَحْقِيقُ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ
تَجِبُ لَهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا." اهـ
وقال عبد الكريم بن محمد بن عبد
الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني (المتوفى:
623 هـ) _رحمه الله_ في "شرح مسند الشافعي" (3/ 359)
فبين له أن الإنفاق في هذه الجهات أهم
فإنها واجبة؛ وإنما يندب إلى الصدقة التطوع بعد أداء الواجبات، ثم قال أبو سليمان
الخطابي: إذا تأملت الترتيب المذكور علمت أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم الأولى
فالأولى، فأمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده؛ لأنه بعضه ولو ضيعه لم يجد من ينوب عنه في
الإنفاق، وأخر الزوجة لأنه إذا لم يجد ما ينفقه عليها يفرق بينهما وكان لها من
يمونها من زوج ومحرم ثم ذكر الخادم الذي يباع عند الإعسار فينفق عليه من يبتاعه،
قال: وقياس هذا أن يقدم في صدقة الفطر الولد على الزوجة، والمعنى فيه أن نفقة
الولد تجب بحق النسب، ونفقة الزوجة بحق النكاح، والنكاح قد ينقطع بالطلاق والنسب
لا ينقطع.
نيل الأوطار (6/ 381)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْإِنْفَاقَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَمِنْ الْإِنْفَاقِ فِي الرِّقَابِ وَمِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى
الْمَسَاكِينِ
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/ 400_401)
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - مشروعية صدقة التطوع؛ فقد أمر بها
النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصارف للأمر عن الوجوب ما روى الترمذي (618) وابن
ماجه (1778) عن ابن عباس:
أنَّ النَّبيَّ _صلى الله عليه وسلم_
قَالَ:
"إذا أديت زكاة مالك، فقد قضيت ما
عليك".
وقال [منصور بن يونس البَهُوْتِيُّ] في
"الإقناع وشرحه": وليس في المال حق سوى الزكاة اتفاقًا، وما جاء حمل على
الندب. [انظر: كَشَّافَ القِنَاعِ عن متن الإقناع (2/ 273)]
2 - يبدأ الإنسان بالنفقة الواجبة قبل
صدقة التطوع، فإذا كان ما عنده بقدر نفقة نفسه، بدأ بها على غيره، فإذا زاد ما
عنده على نفقته، أنفق على ولده، ذكره وأنثاه، وتكون
النفقة بقدر حاجة كل منهم، فإذا زاد عن ذلك، أنفق على خادمه، فإذا زاد عن
ذلك، فهو مخير بين من ينفق عليه، لأنَّ النفقات الواجبة قضيت، ولم يبق إلاَّ نفقةُ
التطوعِ.
3 - التمييز هنا ليس تمييز هوى وأثرة،
وإنما هو تمييز مصلحة، فيقدِّم في صدقته الطريق الأفضل والأحسن.
4 - أفضل طرق الخير والإحسان هو أن
ينفق على جهات خيرية: من تعليم علم، أو نشر دعوة الله تعالى، أو إنقاذ متضرري
المسلمين، أو قريب محتاج، أو جار ملاصق، فينظر إلى المصالح أيها أرجح، فيقدمها
لتكون صدقته كبيرة الفائدة، وواقعة في محلها، الذي يحبه الله تعالى ورسوله -صلى
الله عليه وسلم-.
5 - في الحديث لم يذكر إلاَّ النفس،
والولد، والخادم، ومثل ذلك الزوجة، فالنفقة عليها واجبة، ومثل هذا الوالدان،
لاسيَّما في حال كِبرهما وضعفِهمَا، ولعلَّ السائل ليس عنده إلاَّ ابنة وخادمة.
6 - في الحديث دليل على أنَّ النفقة
على النفس، وعلى الولد، وعلى الخادم، وعلى كل من يمونه الإنسان -تكون صدقة، وأنَّ
صاحبها مأجور عليها، إذا كان معها حضور النية الصالحة، إلاَّ أنَّ مثل هذه النفقات
تكون غالبًا بدافع___المودة، والشفقة، والدافع الغريزي.
ولكن الموفَّق الفِطن لا يغفل عن
استحضار النية الصالحة عند الإنفاق، والقيام بالواجب الذي أمر الله به، ونهى عن
إضاعته؛ امتثالًا لأمر الله تعالى ورغبةً فيما عنده، واحتسابًا لثوابه، فإذا أنفق
بهذه النية الصالحة الخالصة نال الفائدتين.
شرح سنن أبي داود للعباد (205/ 19) -
بترقيم الشاملة:
"والإنسان عندما ينفق على نفسه
وعلى أقاربه الذين يجب عليه نفقتهم فإنه مأجور إذا احتسب ذلك." اهـ
وقال محمود السبكي _رحمه الله_ في
"المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود" (10/ 8):
"دل الحديث على الترغيب فى الصدقة من فضل المال بعد كفاية النفس ومن
تلزم المتصدق نفقته. وعلى أن نفقة الولد مقدمة على
نفقة الزوجة وهي على الخادم لأن نفقة الولد إنما تجب لحق النسبية البعضية وهى لا
تنقطع. أما نفقة الزوجة فواجبة بالإمساك والتمتع، وهذا قد ينقطع بالفراق."
اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني
_رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (28/ 367_368):
"وَهَذَا تَأْوِيلُ قَوْله _تَعَالَى_:
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]،
أَيْ: الْفَضْلَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ
نَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ؛ بِخِلَافِ___النَّفَقَةِ
فِي الْغَزْوِ وَالْمَسَاكِينِ؛ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ إمَّا فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصِيرُ مُتَعَيَّنًا إذَا
لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ بِهِ؛ فَإِنَّ إطْعَامَ الْجَائِعِ وَاجِبٌ." اهـ
[تعليق]:
قال الله _تعالى_:
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219]
قال أبو جعفر الطبري _رحمه الله_ في "جامع
البيان" – ت. شاكر (4/ 340):
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال:
معنى"العفو": الفضلُ من مالِ الرجل عن نفسه وأهله في مؤونتهم ما لا بد
لهم منه. وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالإذن في الصدقة، وصَدقته في وجوه البر." اهـ
Komentar
Posting Komentar