شرح الحديث 110 من رياض الصالحين
[110] السادس عشر: عن أبي
مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري _رضي الله عنه_ قَالَ : "لَمَّا
نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا، فَجَاءَ
رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ، فقالوا: "مُراءٍ." وَجَاءَ
رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فقالُوا: "إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ
صَاعِ هَذَا!" فَنَزَلَتْ:
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التوبة (79) ]. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. |
ترجمة
أبي مسعود البدري _رضي الله عنه_ :
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 287) للمزي:
"أَبُو
مسعود الأَنْصارِيّ البدري: صاحب رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_. اسمه: عقبة بْن عَمْرو." اهـ
معرفة الصحابة
لأبي نعيم (4/ 2147)
عُقْبَةُ بْنُ
عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ الْأَنْصَارِيُّ: وَهُوَ ابْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يُسَيْرَةَ (وَقِيلَ: أَسِيرَةُ)
بْن عَسِيرَةَ بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ___بْنِ الْخَزْرَجِ، يُكَنَّى أَبَا مَسْعُودٍ، يُعْرَفُ بِـ"الْبَدْرِيِّ"،
نَسَبَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى أَنَّهُ بَدْرِيٌّ." اهـ
وفي "تاريخ
الإسلام" – ت. بشار (2/ 375) للذهبي:
"أبو
مَسْعُود البدْريّ [المتوفى: 40 ه]:
ولم يكن
بدريًّا، بل سكن ماءً ببدْر فنسب إليه، بل شهد العقبة، وكان أصغر من السَّبعين حينئذٍ. اسمه: عُقْبَة بْن عَمْرو بْن
ثَعْلَبَة بْن أُسَيرة بْن عُسَيْرة الْأَنْصَارِيّ. نزل
الكوفة، وكان من الفقهاء." اهـ
والصواب:
أنه شهد بدرا.
ففي "الإصابة
في تمييز الصحابة" (4/ 432) لابن حجر:
"عقبة بن
عمرو : بن ثعلبة بن أسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري،
أبو مسعود البدري. مشهور بكنيته.
اتفقوا
على أنه شهد العقبة، واختلفوا في شهوده بدرا، فقال
الأكثر: نزلها فنُسب إليها. وجزم البخاري بأنه شهدها،
واستدل بأحاديث أخرجها في "صحيحه"، في بعضها: التصريح بأنه شهدها، منها:
حديث عروة بن
الزبير، عن بشير بن أبي مسعود، قال:
"أخّر
المغيرةُ العصرَ، فدخل عليه أبو مسعود عقبةُ بْنُ عمْرٍو، جدِّ زيد بن حسن، وكان شهد بدرا." [خ (رقم : 4007)]
وقال أبو عتبة
بن سلّام، ومسلم في الكنى: (شهد بدرا). وقال ابن البرقي: (لم يذكره ابن إسحاق
فيهم، وورد في عدّة أحاديث أنه شهدها)." اهـ
وفي تهذيب
التهذيب (7/ 249) لابن حجر:
"قلت:
فإذا شهد العقبة، فما المانع من شهوده بدرا؟!
وما ذكره
المؤلف عن ابن سعد، لَمْ يَقُلْهُ من عند نفسه، إنما نقله عن شيخه الواقدي. ولو قبِلْنا قوله في "المغازي" مع
ضعفه، فلا يُرَدُّ بِهِ الأحاديْثُ الصحيحةُ، والله الموفق." اهـ
الأعلام
للزركلي (4/ 241):
"ونزل
الكوفة. وكان من أصحاب علي، فاستخلفه عليها لما
سار إلى صفين." اهـ
وفي "معرفة
الصحابة" لأبي نعيم (4/ 2148):
"اسْتَخْلَفَهُ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي مَخْرَجِهِ إِلَى صِفِّينَ عَلَى الْكُوفَةِ."
اهـ
تاريخ الإسلام
ت بشار (2/ 377)
وقال الواقدي:
مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.
وله
مائة حديث وحديثان، اتّفقا منها على تسعة، وانفرد
الْبُخَارِيّ بحديث، ومسلم بسبعة.
وفي "سير
أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (2/ 496)
وَقَالَ
المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ...
قَالَ يَحْيَى
القَطَّانُ: مَاتَ أَبُو مَسْعُوْدٍ أَيَّامَ قُتِلَ عَلِيٌّ بِالكُوْفَةِ.
وَقَالَ
الوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ، فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ
نص
الحديث وشرحه:
السادس عشر :
عن أبي مسعود
عقبة بن عمرو الأنصاري البدري _رضي الله عنه_
قَالَ:
لَمَّا
نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا،
عمدة
القاري شرح صحيح البخاري (8/ 276)
قَوْله:
(لما نزلت آيَة الصَّدَقَة)، وَهِي قَوْله
تَعَالَى {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} الْآيَة." اهـ
وتمام الآية: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [التوبة: 103]
وفي
"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/ 199) لابن الجوزي:
"وَأما
آيَة الصَّدَقَة، فَالظَّاهِر: أَنَّهَا قَوْله:
{من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} [الْبَقَرَة: 245]." اهـ
وتمام الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ
وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]
وقال _تعالى_:
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ
أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد: 11]
وفي
فتح الباري لابن حجر (1/ 108): "(كُنَّا نُحَامِلُ)
أَيْ نَحْمِلُ عَلَى ظُهُورِنَا لغيرنا." اهـ
وفي
فتح الباري لابن حجر (3/ 283): "قَوْلُهُ (كُنَّا
نُحَامِلُ)، أَيْ: نَحْمِلُ عَلَى ظُهُورِنَا بِالْأُجْرَةِ. يُقَالُ:
"حَامَلْتُ"، بِمَعْنَى: حَمَلْتُ، كَسَافَرْتُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:
"يُرِيدُ نَتَكَلَّفُ الْحَمْلَ بِالْأُجْرَةِ لِنَكْتَسِبَ مَا نَتَصَدَّقُ
بِهِ."
وَيُؤَيِّدُهُ
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ حَيْثُ قَالَ: (انْطَلَقَ
أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلَ) أَيْ: يَطْلُبُ الْحَمْلَ بِالْأُجْرَةِ."
اهـ
ففي "صحيح
البخاري" (3/ 92) (رقم: 2273):
عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ
أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ، فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ المُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ
لَمِائَةَ أَلْفٍ» قَالَ: مَا تَرَاهُ إِلَّا نَفْسَهُ
وفي "سنن
النسائي" (5/ 59) (رقم: 2529):
عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَأْمُرُنَا بِالصَّدَقَةِ فَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ
حَتَّى يَنْطَلِقَ إِلَى السُّوقِ، فَيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَجِيءَ
بِالْمُدِّ فَيُعْطِيَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِّي
لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ رَجُلًا لَهُ مِائَةُ أَلْفٍ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
دِرْهَمٌ»
فَجَاءَ
رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ، فقالوا: مُراءٍ،
وفي
"فتح الباري لابن حجر" (3/ 283):
"قَوْلُهُ
(فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ)____هُوَ: عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ. وَالشَّيْءُ
الْمَذْكُورُ : كَانَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ أَوْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ." اهـ
وفي
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (8/ 276) للعيني:
"وَفِي
أَسبَاب النُّزُول لِلْوَاحِدِيِّ:
حث
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الصَّدَقَة، فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم شطر
مَاله يَوْمئِذٍ، وَتصدق يَوْمئِذٍ عَاصِم بن عدي
بن عجلَان بِمِائَة وسق من تمر، وَجَاء أَبُو
عَقيل بِصَاع من تمر فَلَمَزَهُمْ المُنَافِقُونَ فَنزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين
يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين}." اهـ
الوسق:
ستون صاعًا
وللشيخ أحمد
محمد شاكر _رحمه الله_ تفصيل جميل في اسم أبي عقيل _رضي الله عنه_، فانظره في
تعليقه على جامع البيان (14/ 384) للطبري، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420
هـ.
وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فقالُوا: إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا!
وفي
فتح الباري لابن حجر (3/ 284):
"قَوْلُهُ
(وَجَاءَ رَجُلٌ)، هُو: أَبُو عَقِيلٍ _بِفَتْحِ
الْعَيْنِ_ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِير، وَنَذْكُرُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَمَنْ وَقَعَ لَهُ
ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي خَيْثَمَةَ،
وَأَنَّ الصَّاعَ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَبِي عَقِيلٍ لِكَوْنِهِ أَجَّرَ نَفْسَهُ
عَلَى النَّزْحِ مِنَ الْبِئْرِ بِالْحَبْلِ." اهـ
وفي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 276) : "وَقَالَ السُّهيْلي فِي كِتَابه
التَّعْرِيف والإعلام : "أَبُو عقيل : اسْمه حبحاب، أحد بني أنيف. وَقيل:
الملموز رِفَاعَةُ بن سُهَيْل." اهـ
ويؤيد
الأول: رواية لمسلم في صحيحه (2/ 706) (رقم : 1018):
عَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: «أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ» قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ،
قَالَ : فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ،
قَالَ : وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ:
إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا
رِيَاءً، فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}
[التوبة: 79]."
وفي
"زاد المسير في علم التفسير" (2/ 284) لابن الجوزي:
"وفي
اسم أبي عقيل: ثلاثة أقوال:
أحدها:
عبد
الرحمن بن بِيْجَان، رواه أبو صالح عن ابن عباس، ويقال: ابن بِيْحان ويقال:
سِيْحَان. وقال مقاتل: هو أبو عقيل بنُ قيس. والثاني:
أن اسمه الحَبْحَاب، قاله قتادة. والثالث :
الحُبَاب." اهـ
وفي فتح
الباري لابن حجر (3/ 284):
"قَوْلُهُ
(فَقَالُوا)، سُمِّيَ مِنَ اللَّامِزِينَ فِي "مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ":
مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَبْتَلَ _بِنُونٍ وَمُثَنَّاةٍ
مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ_." اهـ
فَنَزَلَتْ:
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التوبة (79) ] . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في صحيحه (2/ 109) (رقم: 1415)، ومسلم في صحيحه (2/ 706/ 72) (رقم: 1018)، والنسائي
في سننه (5/ 59) (رقم : 2530)، وابن ماجه في "الزهد" (رقم: 4155)
من
فوائد الحديث :
شرح النووي
على مسلم - (7 / 105)
ففيه التحريض
على الاعتناء بالصدقة وأنه اذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل
بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة
تطريز رياض
الصالحين - (1 / 98)
قوله : « وجاء
رجل فتصدَّق بصاع » ، وكان تحصيله له بأن أجّر نفسه على النزع من البئر بصاعين من
تمر ، فذهب بصاع لأهله وتصدَّق بالآخر .
وفي
هذا : أنَّ العبد يتقرب إلى الله بجهده وطاقته ، وحسب قدرته واستطاعته .
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري (8/ 276)
لما أنزل آيَة
الصَّدَقَة حث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَصْحَابه
عَلَيْهَا فَمنهمْ من تصدق بِكَثِير وَمِنْهُم من تصدق بِقَلِيل حَتَّى أَن
مِنْهُم من يعْمل بِالْأُجْرَةِ فَيتَصَدَّق مِنْهُ كَمَا فهم ذَلِك من الحَدِيث
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري (8/ 276)
وَفِيه
التحريض على الاعتناء بِالصَّدَقَةِ وَأَنه إِذا لم يكن لَهُ مَال يتَوَصَّل إِلَى
تَحْصِيل مَا يتَصَدَّق بِهِ من حمل بِالْأُجْرَةِ أَو غَيره من الْأَسْبَاب
الْمُبَاحَة." اهـ
شرح صحيح
البخارى لابن بطال (3/ 416) :
"وفى
حديث أبى مسعود ما كان عليه السلف من التواضع، والحرص على الخير واستعمالهم أنفسهم
فى المهن والخدمة رغبةً منهم فى الوقوف عند حدود الله، والاقتداء بكتابه، وكانوا
لا يتعلمون شيئًا من القرآن إلا للعمل به، فكانوا يحملون على ظهورهم للناس
ويتصدقون بالثمن لعدم المال عندهم حينئذ." اهـ
وقال الإثيوبي
في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 445_446)
في فوائده:
1 - (منها):
بيان فضلِ صدقةِ قليلِ المال.
2 - (ومنها):
مشروعيّة حثّ الإمام الناسَ على الصدقة لإزالة فاقة المحتاجين.___
3 - (ومنها):
ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، من المسارعة إلى الخيرات، كل على حسب حاله،
فالغنيّ يجود بالكثير، والفقير بقدر استطاعته.
4 - (ومنها):
بيان أخلاق المنافقين، وسوء طويّتهم، وأنهم لا يَسْلَم من لَمْزهم وغَمْزهم أحدٌ
من المؤمنين في جميع الأحوال، لا الأغنياء، ولا المقلّون، فإن تصدّق أحد منهم بمال
جزيل قالوا: هذا مُرَاءٍ، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغنيّ عن صدقة هذا.
وبالجملة فهم
يتّهمون المؤمنين المخلصين بما هم بريئون منه، بل هو من صفات المنافقين أنفسِهِم،
فإن الرياء والسمعة، وحُبّ المحمدة بما لم يفعلوا، ونحوها من الأخلاق المذمومة هي
بضاعتهم، وفيها تجارتهم، ولقد جازاهم الله تعالى على هذا الخلُق الذميم، كما أخبر
بذلك في قوله: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]،
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
شرح رياض
الصالحين (2/ 111_112) للعثيمين :
"لما
نزلت هذه الآية جعل الصحابة _رضي الله عنهم_ يبادرون ويسارعون في بذل الصدقات إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي عادتهم _رضي الله عنهم_ أنهم إذا نزلت
الآيات بالأوامر بادروها وامتثلوها، وإذا نزلت بالنواهي بادروا بتركها، ولهذا لما
نزلت آية الخمر التي فيها تحريم___الخمر، وبلغت قوماً من الأنصار، وكان الخمر بين
أيديهم يشربون قبل أن يحرم، فمن حين ما سمعوا الخبر أقلعوا عن الخمر، ثم خرجوا بالأواني
يصبونها في الأسواق حتى جرت الأسواق في الخمر.
وهذا هو
الواجب على كل مؤمن؛ إذا بلغه عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شيء أن
يبادر بما يجب عليه؛ من امتثال هذا الأمر، أو اجتناب هذا النهي.
شرح رياض
الصالحين (2/ 112)
وهؤلاء هم
المنافقون، والمنافقون هم الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويظهرون الشماتة بالمؤمنين
دائماً، جعلوا أكبر همهم وأعذب مقال لهم، وألذ مقال على أسماعهم؛ أن يسمعوا
ويقولوا ما فيه سب المسلمين والمؤمنين ـ والعياذ بالله ـ لأنهم منافقون، وهم
العدو، كما قال الله ـ عز وجل ـ فاحذرهم المنافق الذي يظهر لك خلاف ما يبطن.
شرح رياض
الصالحين (2/ 113)
ففي هذا دليل
على حرص الصحابة على استباق الخير، ومجاهدتهم أنفسهم على ذلك، أيضاً على أن الله ـ
عز وجل ـ يدافع عن المؤمنين، وأنظر كيف أنزل الله آية في كتاب الله، مدافعة عن
المؤمنين الذين كان هؤلاء المنافقين يلمزونهم.
وفيه دليل على
شدة العداوة من المنافقين للمؤمنين، وأن المؤمنين لا يسلمون منهم؛ إن عملوا كثيراً
سبوهم، وإن عملوا قليلاً سبوهم، ولكن الأمر ليس إليهم، بل الله ـ عز وجل ـ ولهذا
سخر الله منهم، وتوعدهم بالعذاب الأليم في قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (22/ 353) للشيخ محمد بن علي الأثيوبي :
في فوائده:
(منها): الأمر
بالصدقة، والحثّ عليها بما تيسّر
(ومنها): ما
كان عليه الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من الحرص على فعل الخير، حتى يؤاجرون أنفسهم
(ومنها): جواز
إيجار الحرّ نفسه لحمل شيء على ظهره حتى يتصدّق من أجرته (ومنها): ما كان عليه
الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من قلّة العيش، وصبرهم على ذلك." اهـ
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (22/ 357) :
في فوائده :
(منها) : ما
بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل صدقة قليل المال
(ومنها) :
مشروعيّة حثّ الإمام الناسَ على الصدقة لإزالة فاقة المحتاجين
(ومنها) : ما
كان عليه الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم -، من المسارعة إلى الخيرات، كلٌّ على
حسب حاله، فالغنيّ يجود بالكثير، والفقير بقدر استطاعته
(ومنها) :
بيان أخلاق المنافقين، وسوء طويّتهم، وأنهم لا يَسْلَم منهم أحدٌ من المؤمنين، لا
الأغنياء، ولا المقلّون، فيتّهمون كلًّا منهم بما هم بريؤون منه، بل هو من صفات
المنافقين أنفسِهِم، فإن الرياء والسمعة، وحبّ المحمدة بما لم يفعلوا، ونحوها من
الأخلاق المذمومة هي بضاعتهم، وفيها تجارتهم، ولقد جازاهم اللَّه تعالى على هذا
الخلُق الذميم، كما أخبر بذلك في قوله: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ} [التوبة: 79]. "واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع
والمآب".
"إن أريد
إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
صحيح ابن
خزيمة (4/ 102)
بَابُ
الزَّجْرِ عَنْ عَيْبِ الْمُتَصَدِّقِ الْمُقِلِّ بِالْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ،
وَلَمْزِهِ، وَالزَّجْرِ عَنْ رَمْيِ الْمُتَصَدِّقِ بِالْكَثِيرِ مِنَ
الصَّدَقَةِ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ «إِذِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْعَالِمُ
بِإِرَادَةِ الْمُرَادِ، وَلَا إِرَادَةَ مِمَّا تُكِنُّهُ الْقُلُوبُ، وَلَمْ
يُطْلِعِ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِي ضَمَائِرِ غَيْرِهِمْ مِنَ
الْإِرَادَةِ»
صحيح ابن حبان
(8/ 127) :
"ذِكْرُ
الْإِبَاحَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يُخْرِجَ الْيَسِيرَ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى
حَسْبِ جُهْدِهِ وَطَاقَتِهِ." اهـ
صحيح ابن حبان
(8/ 169) :
"ذِكْرُ
الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ لُزُومِ تَرْكَ اسْتَقْلَالَ
الصَّدَقَةِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِمُخْرِجِهَا." اهـ
السنن الكبرى
للبيهقي (4/ 293) : "بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنْ
قَلَّتْ." اهـ
مجموع الفتاوى
(23/ 174)
وَمَنْ نَهَى
عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ فَنَهْيُهُ
مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ
بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ
يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ وَإِنْ جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً
فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا
كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا}
فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ
يُقِرُّونَهُمْ عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا مُرَائِينَ
وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ___
مجموع الفتاوى
(23/ 175)
الْمَشْرُوعِ
أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً كَمَا أَنَّ فَسَادَ تَرْكِ
إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ
ذَلِكَ رِيَاءً؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي
إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ.
الثَّانِي:
لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنِّي لَمْ أومر أَنْ
أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ؟} وَقَدْ قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَحْبَبْنَاهُ
وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَمَنْ
أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ سَرِيرَتَهُ
صَالِحَةٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنَّ أَهْلَ
الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا
رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا قَالُوا: هَذَا مِرَاءٌ
فَيَتْرُكُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ
حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ وَيَبْقَى لِأَهْلِ
الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.
الرَّابِعُ:
أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ
يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ___سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ}
فَإِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ
عَامَ تَبُوكَ جَاءَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِصُرَّةِ كَادَتْ يَدُهُ تَعْجِزُ مِنْ
حَمْلِهَا فَقَالُوا: هَذَا مِرَاءٌ وَجَاءَ بَعْضُهُمْ بِصَاعِ فَقَالُوا: لَقَدْ
كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ فُلَانٍ فَلَمَزُوا هَذَا وَهَذَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ ذَلِكَ وَصَارَ عِبْرَةً فِيمَنْ يَلْمِزُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
Komentar
Posting Komentar