شرح الحديث 109 من رياض الصالحين

 

[109] الخامس عشر: عن أنس _رضي الله عنه_ قَالَ: "

"غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ _رضي الله عنه_ عن قِتالِ بدرٍ،

فَقَالَ: "يَا رسولَ الله، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ، لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ."

فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ، فَقَالَ:

"اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ (يعني: أصْحَابهُ)، وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ (يَعني: المُشركِينَ)."

ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقَالَ:

"يَا سعدَ بنَ معاذٍ، الجَنَّةُ _وربِّ الكعْبَةِ_ إنِّي أجِدُ ريحَهَا منْ دُونِ أُحُدٍ."

قَالَ سعدٌ : "فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ!"

قَالَ أنسٌ: "فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ."

قَالَ أنس: كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب (23) ] إِلَى آخِرها. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

قوله: «لَيُرِيَنَّ اللهُ» روي بضم الياء وكسر الراء: أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر، والله أعلم.

 

ترجمة أنس بن مالك الأنصاري  الخزرجي النجاري _رضي الله عنه_ :

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 395) :

"أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) : ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ : الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 361)

عن أنس قال شهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحديبية وعمرته والحج والفتح وحنينا وخيبر

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 231) :

"تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: تِسْعِينَ، آخِرُ مِنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكَانَتْ نَخْلَاتُهُ تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَمَانُونَ وَلَدًا، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الخامس عشر: عن أنس _رضي الله عنه_ قَالَ : "

"غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ _رضي الله عنه_ عن قِتالِ بدرٍ،

فَقَالَ: "يَا رسولَ الله، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ،

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 22):

"قَوْلُهُ (أَوَّلُ قِتَالٍ) أَيْ : لِأَنَّ بَدْرًا أَوَّلُ غَزْوَةٍ خَرَجَ فِيهَا النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِنَفْسِهِ مُقَاتِلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَهَا غَيْرُهَا، لَكِنْ مَا خَرَجَ فِيهَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِنَفْسِهِ مُقَاتِلًا." اهـ

 

لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ، لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ."

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 22) : "قَوْلُهُ (لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي)، أَيْ : أَحْضَرَنِي." اهـ

 

وفي "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 327) لابن علان:

"قال القرطبي في «المفهم» :

هذا الكلام يتضمن أنه ألزم نفسه إلزاماً مؤكداً هو الإبلاغ في الجهاد والانتهاض فيه والإبلاغ في بذل ما يقدر عليه، ولم يصرح بذلك مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك وتبرياً من حوله وقوته، ولذا قال في رواية: «فهاب أن يقول غيرها» ومع ذلك نوى بقلبه وصمم على ذلك بصحيح قصده ولذا سماه الله عهداً، فقال: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (الأحزاب: 23)." اهـ

 

فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ،

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 22):

"قَوْلُهُ (وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ)، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ : (وَانْهَزَمَ النَّاسُ)، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ." اهـ

 

وفي اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (8/ 403) لشمس الدين البِرْماوي:

"(انكشف)؛ أي: انهزم، وفيه حسن العبارة حيث لم يعبر في المسلمين بالانهزام." اهـ

 

فَقَالَ : "اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ (يعني: أصْحَابهُ)، وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ (يَعني: المُشركِينَ)."

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 22): "قَوْلُهُ (أَعْتَذِرُ)، أَيْ: مِنْ فِرَارِ الْمُسْلِمِينَ. (وَأَبْرَأُ)، أَيْ: مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ." اهـ

 

ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقَالَ: "يَا سعدُ بنَ معاذٍ، الجَنَّةُ _وربِّ الكعْبَةِ_ إنِّي أجِدُ ريحَهَا منْ دُونِ أُحُدٍ."

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 22_23): "وَقَوله (الْجنَّةَ)___بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلِ نَصْبٍ، أَيْ: أُرِيدُ الْجَنَّةَ أَوْ نَحْوُهُ. وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، أَيْ: هِيَ مَطْلُوبِي." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 23):

قَوْلُهُ (إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا) أَيْ : رِيحَ الْجَنَّةِ مِنْ دُونِ أُحُدٍ، وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: "وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ".

قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ:

يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ وَجَدَ رِيحَ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً أَوْ وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ذَكَّرَهُ طِيبُهَا بِطِيبِ رِيحِ الْجَنَّةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ اسْتَحْضَرَ الْجَنَّةَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلشَّهِيدِ فَتَصَوَّرَ أَنَّهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَاتِلُ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: (إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ تُكْتَسَبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَأشْتَاقُ لَهَا)." اهـ

 

وفي "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (8/ 403) للبرماوي: "(دون)؛ أي: عند". اهـ

 

قَالَ سعدٌ: "فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ!"

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 23):

"قَوْلُهُ (قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ أنس)

قَالَ بن بَطَّالٍ: "يُرِيدُ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَصِفَ مَا صَنَعَ أَنَسٌ مِنْ كَثْرَةِ مَا أَغْنَى وَأَبْلَى فِي الْمُشْرِكِينَ."

قُلْتُ: وَقَعَ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ:

(فَقُلْتُ : "أَنَا مَعَكَ، فَلَمْ أسْتَطِعْ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ.")

وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ نَفَى اسْتِطَاعَةَ إِقْدَامِهِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ حَتَّى وَقَعَ لَهُ مَا وَقَعَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تِلْكَ الْأَهْوَالِ بِحَيْثُ وَجَدَ فِي جَسَدِهِ مَا يَزِيدُ عَلَى الثَّمَانِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ.

فَاعْتَرَفَ سَعْدُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقْدِمَ إِقْدَامَهُ وَلَا يَصْنَعَ صَنِيعَهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا تَأَوَّلَه ابن بَطَّالٍ." اهـ

 

قَالَ أنسٌ:

"فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ."

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 23):

"وَهُوَ مِنَ الْمُثْلَةِ (بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ)، وَهُوَ: قَطْعُ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَنَحْوِهَا." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 23):

"قَوْلُهُ (فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ)، فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: (فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ أُخْتُهُ: "فَمَا عَرَفْتُ أَخِي، إِلَّا بِبَنَانِهِ.") [م ت]." اهـ

 

قَالَ أنس: كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب (23)] إِلَى آخِرها. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

قال الله _تعالى_:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]

 

قوله: «لَيُرِيَنَّ اللهُ» روي بضم الياء وكسر الراء: أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر، والله أعلم.

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 22):

"قَوْلُهُ (لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ): بِتَشْدِيدِ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ، وَاللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (لَيَرَانِي اللَّهُ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (4/ 19 و 5/ 95) (رقم: 2805 و 4048)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1512) (رقم: 1903)، والترمذي في "سننه" (رقم: 3200 و 3201)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10/ 218) (رقم: 11339)، وابن المبارك في "الجهاد" (ص: 67) (رقم: 76)، وأبو إسحاق الفزاري في "السير" (ص: 218) (رقم: 336)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (3/ 194 و 3/ 201 و 3/ 253) (رقم: 13015 و 13085 و 13658)، وأبو داود الطيالسي في "المسند" (3/ 526) (رقم: 2157)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 212) (رقم: 19400)، وعبد بن حميد في "المنتخب" – ت. صبحي السامرائي (ص: 410) (رقم: 1396)، وابن أبي عاصم في "الجهاد" (2/ 563) (رقم: 226)، وابن حبان في "صحيحه" (11/ 92 و 15/ 491) (رقم: 4772 و 7023)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (4/ 325 و 4/ 460) (رقم: 6850 و 7336)، وأبو نعيم الأصبهاني في "تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة" (ص: 248) (رقم: 39)، وفي "معرفة الصحابة" (1/ 230) (رقم: 784_786)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/ 244).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 132) (رقم: 1358)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (10/ 135) (رقم: 6984).

 

من فوائد الحديث :

 

قال فيصل آل مبارك الحريملي في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 95):

"في هذا الحديث: جواز الأخذ بالشدة في الجهاد وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة، والوفاء بالعهد." اهـ

 

وفي "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (5/ 23):

"قال المهلب:

"وفيه: الأخذ بالشدة واستهلاك الإنسان نفسه فى طاعة الله.

وفيه: الوفاء بالعهد لله بإهلاك النفس،

ولا يعارض قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) [البقرة: 195]؛

لأن هؤلاء عاهدوا الله، فَوَفَوْا بما عاهدوه من العناء فى المشركين وأخذوا فى الشدة بأن باعوا نفوسهم من الله بالجنة كما قال تعالى." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 23_24) :

"وَفِي قِصَّةِ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ مِنَ الْفَوَائِدِ :

* جَوَازُ بَذْلِ النَّفْسِ فِي الْجِهَادِ،

* وَفَضْلُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَلَوْ شَقَّ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى إِهْلَاكِهَا،

* وَأَنَّ طَلَبَ الشَّهَادَةِ فِي الْجِهَادِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ عَنِ الْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ،

* وَفِيهِ: فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَكَثْرَةِ التَّوَقِّي وَالتَّوَرُّعِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ.

* قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ:

"مِنْ أَبْلَغِ الْكَلَامِ وَأَفْصَحِهِ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ : "أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ"، وَفِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ : "أَبْرَأُ إِلَيْكَ". فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مَعَ تغايرهما فِي الْمَعْنَى، وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنَ___الْمَغَازِي بَيَانُ مَا وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ هُنَا مِنَ انْهِزَامِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرُجُوعِهِمْ وَعَفْوِ اللَّهِ عَنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ." اهـ

 

وفي "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (14/ 103) للعيني:

"وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد: جَوَاز بذل النَّفس فِي الْجِهَاد وَفضل الْوَفَاء بالعهد وَلَو شقّ على النَّفس حَتَّى يصل إِلَى إهلاكها، وَإِن طلب الشَّهَادَة لَا يتَنَاوَلهُ النَّهْي عَن الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة.

وَفِيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لأنس بن النَّضر، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من صِحَة الْإِيمَان وَكَثْرَة التوقي والتورع، وَقُوَّة الْيَقِين." اهـ

 

وقال ابن هبيرة الشيباني الحنبلي _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/ 256):

* في هذا الحديث: من ذكر بلاء أنس بن النضر وعلو مقامه في جهاد الأعداء ما تبين ما ذكرناه في الحديث الذي قبله من استيهاله إبرار قسمه، وأنه لما غاب عن بدر، وهي أول المشاهد استدرك أي استدراك بفعلته هذه حتى قال سعد بن معاذ -الذي اهتز العرض عند موته-الذي قال: إني ما استطعت ما صنع، وحتى توجد فيه بضع وثمانون بين رمية وضربة وطعنة.

* وفيه أيضًا: أن الله _سبحانه وتعالى_ قد يبلغ من لطفه بعبده المؤمن إلى أن يرزقه الله زيادةَ الحرصِ على الخير بأن يفوته من شيء من الخير قد كان أدركه غيرهُ، فإن أنس بن النضر حين فاتته بدرٌ أزاد حرصه حتى بات الناس في يوم أحد، فاستدرك ما فاته، وجعل حسن بلائه مقتدى لكل من أراد أن يستدرك فائتًا من أمره أن يفعل كفعله.

* وفيه أيضًا: مما يدل على إيمانه أنه قال: "ليرين الله"، ولم يقل ليرين غيره، فدل قوله هذا على لباب إخلاصه، وأنه لم يرد أن يرى ما فعله غير الله عز وجل ولا جرم أن الله سبحانه وتعالى أظهر بركة إخلاصه عليه.

* وفيه أيضًا: أنه لما انكشف من المسلمين من انكشف انحيازًا إلى فيئهم لم يقنع بأن يأخذ بالرخصة بل رجع عن صف المنكشفين من المسلمين مستقبلًا صف المشركين بمفرده فقاتل حتى قتل في موطن وأي موطن." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 110):

"ففي هذا الحديث: دليلٌ شاهدٌ للبابِ، وهو مجاهدةُ الإنسانِ نفسَه على طاعة الله، فإن أنس بن النضر جاهد نفسه هذا الجهاد العظيم، حتى تقدم يقاتل أعداء الله بعد أن انكشف المسلمون وصارت الهزيمة حتى قتل شهيدً _رضي الله عنه_، والله الموفق." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 371):

"هذه الأحاديث في فضل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، وأن لهم الجنة، كما قال الله _سبحانه وتعالى_ : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: 111]." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 372):

"وذكر المؤلف أحاديث كثيرة تدل على صدقِ الصحابة _رضي الله عنهم_ وصدقِ إيمانهم يخبرهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ بما للشهداء، فيدعون ما بأيديهم من الطعام، ويتركونه، ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله، ثم يقتلون، فيلقون الله _عز وجل_ راضين عنه، وهو راض عنهم _جل وعلا_، وهذا لا شك من فضائل الصحابة _رضي الله عنهم_ التي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 372)

وكذلك أنس بن المضر _رضي الله عنه_ لقي سعد بن معاذ في غزوة أحد، وأخبره بأنه (يجد ريح الجنة دون أحد)،

قال ابن القيم:

"فهذه من الكرامات التي يكرم بها الله من يشاء من عباده أن يجد ريح الجنة وهو في الأرض، والجنةُ في السماءِ،

لكن من أجل أن الله يثبت يقينه حتى يتيقنها وكأنها أمر محسوس عنده، فقاتل حتى قتل، لأنه _رضي الله عنه_ تأخر عن غزوة بدر.

وسبب ذلك: أن كثيرا من الصحابة لم يخرجوا في بدر، لأنهم إنما خرجوا من أجل عير أبي سفيان التي جاء بها مِنَ الشامِ يريد بها مكةَ، ولم يخرجوا لقتال،___

ولكن الله جمع بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهِمْ مِنْ غَيْرِ مَعَادٍ، فتخَلَّف _رضي الله عنه_، لأنهم لم يؤمروا بالخروج إلى الغزو.

وإنما قال الرسول _صلى الله عليه وسلم_: (من شاء أن يخرج معنا، فليخرج) فخرج من خرج، وتخلف من تخلف." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 373):

"فهذه القصص وأمثالها تدل دلالة واضحة على أن الله اختار لنبيه _صلى الله عليه وسلم_ أفضلَ الخلْقِ، وأنه مصداق قوله _صلى الله عليه وسلم_:

"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". [م]

نسأل الله أن يبلغنا وإياكم منازل الشهداء وأن يجمع بيننا وبينهم في جنات النعيم." اهـ

 

وقال المنذري _رحمه الله_ في "الترغيب والترهيب" للمنذري – ت. عمارة (2/ 310):

"(الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء)" اهـ

 

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 48):

"قَوْلُهُ (أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ) مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ _تَعَالَى_ أَوْجَدَهُ رِيحَهَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ،

وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ من مسيرة خمسمائة عام." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (7/ 355):

"وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى شَجَاعَةٍ مُفْرِطَةٍ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ بِحَيْثُ إِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَعَ ثَبَاتِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَمَالِ شَجَاعَتِهِ مَا جَسَرَ عَلَى مَا صَنَعَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ." اهـ

 

وقال ابن علان في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (7/ 119):

"(قال سعد: فما استطعت يا رسول الله أن أصنع ما صنع)

وفيه: الشهادة بحسن العمل عند الأكابر والأشراف." اهـ

 

وقال حمزة بن محمد بن قاسم المغربي _رحمه الله_ في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (4/ 341):

"فقه الحديث:

دل هذا الحديث على وفاء أنس بن النضر بالعهد الذي قطعه على نفسه بالاستبسال في القتال، عند أول غزوة إسلامية وما أظهره في غزوة أحد من شدة النضال، وصدق الجهاد، حتى استشهد في سبيل الله."

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 161):

"وريح الجنة نوعان :

* ريح: يوجد في الدنيا تشمه الأرواح أحيانا لا تدركه العباد،

* وريح: يدرك بحاسة الشم للابدان كما يشم روائح الأزهار وغيرها.

وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قُرْبٍ وَبُعْدٍ،

وأما في الدنيا، فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله،

وهذا الذي وَجَدَهُ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، يجوز أن يكون من هذا القِسْمِ، وأن يكونَ مِنَ الْأَوَّلِ، والله أعلم." اهـ

 

وقال ابن حبان البستي _رحمه الله_ (11/ 92):

"ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ التَّصَبُّرِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ." اهـ

 

وقال البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 75) :

"بَابُ: مَنْ تَبَرَّعَ بِالتَّعَرُّضِ لِلْقَتْلِ رَجَاءَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ." اهـ

 

وقال أبو عوانة في "مستخرجه" (4/ 322):

"بَيَانُ الشِّدَّةِ الَّتِي أَصَابَتِ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَأَصْحَابَهُ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَيَوْمَ أُحُدٍ وَمُحَارَبَتِهِ أَعْدَاءَهُ." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (32/ 557)

في فوائده:

1 - (منها): بيان جواز بذل النفس في الجهاد.

2 - (ومنها): بيان فضل الوفاء بالعهد، ولو شقّ على النفس حتى يَصِل إلى إهلاكها.

3 - (ومنها): أن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن إلقاء النفس إلى التهلكة.

4 - (ومنها): بيان فضيلةٍ ظاهرةٍ لأنس بن النضر - رضي الله عنه -، وبيان ما كان عليه من صحة الإيمان، وكثرة التوقي، والتورّع، وقوّة اليقين.

5 - (ومنها): ما قاله الزين ابن الْمُنَيِّر - رحمه الله -: من أبلغ الكلام، وأفصحه قول أنس بن النضر - رضي الله عنه - في حقّ المسلمين: "أعتذر إليك"، وفي حقّ المشركين: "أبرأ إليك"، فأشار إلى أنه لم يرض الأمرين جميعًا مع تغايرهما في المعنى. انتهى ["الفتح" 7/ 68، كتاب "الجهاد" رقم (2805)]، والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة