شرح الحديث 108 من رياض الصالحين
[108] الرابع عشر: عن أَبي صَفوان عبد الله
بنِ بُسْرٍ الأسلمي _رضي الله عنه_، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه
وسلم -: «خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» . رواه
الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن» . «بُسْر» بضم
الباء وبالسين المهملة. |
ترجمة عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرِ أَبُي صَفْوَانَ المَازِنِيِّ _رضي الله
عنه_:
قال
الذهبي في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (3/ 430):
"عَبْدُ
اللهِ بنُ بُسْرِ بنِ أَبِي بُسْرٍ أَبُو صَفْوَانَ المَازِنِيُّ * (ع)
الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، بَرَكَةُ الشَّامِ،
أَبُو صَفْوَانَ المَازِنِيُّ، نَزِيْلُ حِمْصَ." اهـ
وفي
"إكمال تهذيب الكمال" (7/ 259):
"وفي
كتاب "الصحابة" لأبي القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي: (هو أخو عطية،
وأخته الصماء، اسمها بهية)." اهـ
وفي
"مشاهير علماء الأمصار" (ص: 92) لابن حبان:
"عبد
الله بن بسر السلمي من بنى مازن بن النجار، كنيته:
أبو صفوان. قدم هو وأبوه الشام، ولهما صحبة، ومات عبد الله، وهو يتوضأ فجأة سنة ثمان وثمانين، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_
بالشام."
و"في
إكمال تهذيب الكمال" (7/ 260) لمغلطاي الحنفي:
"وقال
الواقدي وغيره : "توفي سنة اثنتين وثمانين، وقال أبو زرعة: قبل سنة مائة،
وقيل: توفي سنة تسع وثمانين.
وفي
"كتاب الطبري"، وذكره في فصل من مات سنة سبع وثمانين، وذكره أبو زكريا
بن منده في كتاب الصحابة فقال: هو آخر الصحابة موتا بحمص."
اهـ
وقال
الزِّرِكْلِيُّ في "الأعلام" (4/ 74):
"عَبْد
الله بن بُسْر (000 - 88 هـ = 000 - 707 م):
عبد
الله بن بسر المازني، أبو صفوان، ويقال: أبو بسر، من بني مازن بن منصور: صحابيّ. كان ممن صلى إلى القبلتين. توفي بحمص، عن 95 عاما. وهو آخر الصحابة موتا بالشام. له 50 حديثا." اهـ
وفي
الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 21) :
"وقال
البخاريّ: أبو صفوان السلمي المازني، من مازن بن منصور أخو بني سليم. وقيل :
"من مازن الأنصار، وهو قول ابن حبان، وهو مقتضى صنيع ابن مندة، فإنه قال فيه:
السّلمي المازني." اهـ
وفي "اللباب
في تهذيب الأنساب" (2/ 129) لابن أثير:
"السَّلِمِيّ
_بِفَتْح السِّين وَاللَّام وَفِي آخرهَا مِيم_:
هَذِه
النِّسْبَة إِلَى سَلِمَة _بِكَسْر اللَّام_ : بطن من الْأَنْصَار وَهُوَ سَلِمَة
بن سعد بن عَليّ بن أَسد بن ساردة ابْن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج.
كَذَلِك ينْسب
النحويون بِفَتْح اللَّام والمحدثون يكسرونها. يُنْسب إِلَيْهَا كثير من
الصَّحَابَة، فَمَنْ بعدهمْ، مِنْهُم: عبد الله بن عَمْرو بن حرَام السَّلِمِيّ،
وَابْنه جَابر بن عبد الله، وَأَبُو قَتَادَة السّلمِيّ، وَكَعب بن مَالك
الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
الرابع عشر:
عن أَبي صَفوان عبد الله بنِ بُسْرٍ الأسلمي _رضي الله عنه_، قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صلى الله عليه وسلم -: «خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ، وَحَسُنَ
عَمَلُهُ» . رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن» .
«بُسْر» بضم
الباء وبالسين المهملة.
تخريج
الحديث:
أخرجه الترمذي
في "سننه" (4/ 565) (رقم : 2329)، وابن الجعد في "مسنده" (ص:
492) (رقم : 3431)، وأحمد في "مسنده" (رقم : 17680 و 17698)، وعبد بن
حميد في "المنتخب" – ت. صبحي السامرائي (ص: 182) (رقم : 509)، والطبراني
في "المعجم الأوسط" (2/ 118) (رقم : 1441)، وغيرهم.
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 702) (رقم :
2270)، وفي "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 313) (رقم : 3364)
من
فوائد الحديث :
1/ فيه:
فضلُ طول العمر إذا أُحسن فيه العمل
وقال فيصل بن
عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 94):
"في هذا
الحديث: فضلُ طول العمر إذا أُحسن فيه العمل.
وفي بعض
الروايات: «وشركم: من طال عمره وساء عمله».
وفي
الذريعة الى مكارم الشريعة (ص: 258) للراغب الأصفهاني :
"من حببه اللَّه إلى الناس
فقد أنعم عليه نعمة وسيعة كما أن من بغَّضه إليهم فقد جعل له نقمة فظيعة، والسبب
فيمن يكون محببًا أن من رعاه اللَّه تعالى فصفى جوهره، وأطاب روحه، وحسن عمله حصل
له نور يسري في مشاعر من يراه فيحبه، وإياه قصد تعالى بقوله لموسى - صلى الله عليه
وسلم -: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)." اهـ
ففي سنن الترمذي (4/ 566) (رقم
: 2330):
عن أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ
رَجُلًا قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟" قَالَ:
«مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: "فَأَيُّ
النَّاسِ شَرٌّ؟" قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ»
والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني _رحمه
الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 313) (رقم: 3363)، وحسنه الأرنؤوط
_رحمه الله_ في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (34/ 58) (رقم: 20415).
2/ من
كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة
يقول ابن
القيم - رحمه الله – في "الفوائد" (ص: 164):
"السَّنَةُ
شجرة، والشُّهورُ فروعُها، والأيامُ أغصانُها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن
كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة،
ومن كانت في
معصية، فثمرته حَنْظَلٌ، وإنما يكون الجدادُ يوم المعاد، فعند الجداد يتبين حلو
الثمار من مرها،
والإخلاص
والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم
المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد
والإخلاص في الدنيا كذلك." اهـ
3/ الأعمال
مقتضى الإيمان
وقال محمد بن
علي بن عطية الحارثي، أبو طالب المكي (المتوفى: 386 هـ) في "قوت القلوب"
(2/ 73):
"الأعمال
مقتضى الإيمان، إذ حقيقة الإيمان إنما هو قول وعمل، وليس بعد هؤلاء مقامٌ يفرح به،
ولا يُغْبَطُ صاحِبُه عليه، ولا يُوْصَفُ بمدح، إنما هو حب البقاء لمتعة النفس
وموافقة الهوى." اهـ
4/ مثل
الإنسان كالتاجر
وقال الطيبي _رحمه
الله_ في "الكاشف عن حقائق السنن" (5/ 1734):
"وإنما
كان خير الناس من طال عمره، وحسن عمله؛ لأن مثل الإنسان في الدار الدنيا مع عمله
الصالح، كمثل تَاجِرٌ سَافَرَ من مقره إلي فُرْضَةٍ[1]
ليتجر فيها ويربح، فيرجع إلي وطنه سالما غانما، فيصيب خيرا،
فرأس مال
الإنسان عُمْرُهُ، ونقْده أنفاسه ومزاولة جوارحه، وربحه الأعمال الصالحة،
فكلما زاد رأس
المال، زاد الربح، ومقره ومستقره الدار الآخرة،
فمتى استقر
فيها، وجد ثواب ما ربح مُوَفًّى:
{إِنَّ
الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 29، 30]
ومن لم ينتبه
لذلك، وأضاع رأس ماله، فلم يوفق للعمل، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
} [البقرة: 16]." اهـ
5/ إن
الْأَوْقَاتَ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ
وقال الطيبي في
"شرح المشكاة" = "الكاشف عن حقائق السنن" (10/ 3328):
"إن
الْأَوْقَاتَ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَتْجُرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ، وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ
الرِّبْحُ أَكْثَرَ، فَمَنْ مَضَى لِطَيِّبِهِ فَازَ وَأَفْلَحَ، وَمَنْ أَضَاعَ
رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا." اهـ
وقال المباركفوري _رحمه الله_ في "تحفة
الأحوذي" (6/ 512) :
"إِنَّ
الْأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ
يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ. وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا، كَانَ
الرِّبْحُ أَكْثَرَ. فَمَنِ انْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ،
فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ. وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ، لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ
خُسْرَانًا مُبِينًا." اهـ
وقال البيضاوي
_رحمه الله_ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 18):
"لما كان
السؤال عما هو غيب لا يعلمه، إلا الله _تعالى_ عدَل عن الجواب إلى كلام مُبْتدأ يُشْعِرُ
بأمارات تدل على المسؤول عنه، وهو: طول العمر مع حسن العمل، فإنه يدل على سعادة
الدارين والفوز بالحسنين." اهـ
5/ شأن
الإنسان في الدنيا
وقال القسطلاني
في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (8/ 356):
"من شأنه:
الازدياد والترقي من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام
القرب." اهـ
وفي
"الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" (7/ 50)
للساعاتي:
" كلما
طال عمره، كلما ازداد من أعمال الخير والبر فتكثر حسناته، وكثرة الحسنات تمحو
السيئات فيكون مقبولا عند الله _عز وجل_، وبعكس ذلك: من طال عمره وساء عمله، نعوذ
بالله من ذلك." اهـ
6/ الاغتنام
بالعمر في الطاعة الْمُوجبَة للسعادة الأبدية
التيسير بشرح
الجامع الصغير (1/ 524) للمناوي:
"كلما
طَال عمره وَحسن عمله يغتنم من الطَّاعَة الْمُوجبَة للسعادة الأبدية." اهـ
وفي فيض
القدير (3/ 467) للمناوي: "المرء كلما طال عمره وحسن عمله يغتنم من الطاعات
ويراعي الأوقات، فيتزود منها للآخرة، ويكثر من الأعمال الموجبة للسعادة
الأبدية." اهـ
7/ من
كثر خيره كلما امتد عمره كثر أجره وضوعفت درجاته
فيض القدير
(3/ 480) للمناوي :
"من كثر
خيره كلما امتد عمره كثر أجره وضوعفت درجاته ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة
الأعمال ولو لم يكن إلا الاستمرار على الإيمان فأي شيء أعظم منه وليس لك أن تقول
قد يسلب الإيمان لأنا نقول إن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوع ذلك
طال عمره أم قصر فزيادة عمره زيادة في حسناته ورفع في درجاته كثرت أو قلتْ."
اهـ
8/
أقسام الإسان في الدنيا
التنوير شرح
الجامع الصغير (5/ 564)
"قال
المناوي : هذان قسمان من أربعة : طرفان بينهما واسطة بينته إما طويل العمر أو
قصيره ثم هو حسن العمل أو سيئه.
* فطويل العمر
حسن العمل
* وطويل العمر
سيء العمل،
طرفان شرهما
الثاني،
* وقصير العمر
حسن العمل،
* وقصير العمر
سيء العمل،
واسطتان
خيرهما الأول." اهـ
9/ أن
موت الإنسان بعد أن كبر وعرف ربه خيرٌ من موته طفلاً بلا حساب في الآخرة
وقال الأمير
الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (7/ 159):
لا تمر به
ساعة إلا في طاعة، وكل طاعة إصابة خير وفوز بكل حظ ديني ودنيوي،
ومنه
يؤخذ:
أن موت الإنسان بعد أن كبر وعرف ربه خيرٌ من موته طفلاً بلا حساب في الآخرة[2]
10/
الممدوح ليس هو طول العمر
وقال
الكشميري في "العرف الشذي شرح سنن الترمذي" (4/
29):
"الممدوح
ليس هو طول العمر بل الممدوح ذهاب الإنسان من الدنيا وهو خال من الأوزار الهالكة
له مع طول عمره[3]."
اهـ
وقال العثيمين
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 107_108) :
"وفي هذا:
دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا أحسن عمله؛ لأنه أحياناً
يكون طول العمر شراً للإنسان وضرراً عليه، كما قال الله _تبارك وتعالى_:
{وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]،
فهؤلاء الكفار
يملى الله لهم، أيْ: يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات، لا لخير
لهم ولكنه شر لهم _والعياذ بالله_، لأنهم سوف يزدادون بذلك إثماً.___
ومن ثم كره
بعض العلماء أن يدعى للإنسان بطول البقاء، قال:
"لا تقل:
(أطال الله بقاءك)، إلا مقيداً؛ قل: (أطال الله بقاءَك على طاعته)؛ لأن طول البقاء
قد يكون شراً للإنسان. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله، وحسنت
خاتمته وعافيته، إنه جواد كريم." اهـ
11/
طول العمر في الطاعة زيادة القرب من الله _تعالى_.
وقال العثيمين
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 106):
"الإنسان
كلما طال عمره في طاعة الله، زاد قرباً إلى الله وزاد رفعة في الآخرة؛ لأن كل عمل
يعمله فيما زاد فيه عمره،
فهو يقربه إلى ربه
_عز وجل_. فخير الناس مَنْ وُفِّقَ لهذين الأمرين." اهـ
وقال العثيمين
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 107):
"فإذا
كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن
يجعله ممن طال عمره وحسن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس." اهـ
وقال ابن
القيم _رحمه الله_ في "الفوائد" (ص: 189):
"فَمن لم
يورثه التَّعْمِيرُ وَطولُ الْبَقَاء إصْلَاحَ معائبِهِ وتداركَ فَارِطِهِ،
واغتنامَ بقيّة أنفاسه، فَيعْمل على حَيَاة قلبه وَحُصُول النَّعيم الْمُقِيم، وَإِلَّا فَلَا خير لَهُ فِي حَيَاته.
فَإِن العَبْد
على جنَاح سفر: إِمَّا إِلَى الْجنَّة، وَإِمَّا إِلَى النَّار.
فَإِذا طَال
عمره وَحسن عمله كَانَ طول سَفَره زِيَادَةً لَهُ فِي حُصُول النَّعيم واللذة،
فَإِنَّهُ كلما طَال السّفر أَيهَا كَانَت الصبابة أجلّ وَأفضل،
وَإِذا طَال
عمره وساء عمله كَانَ طول سَفَره زِيَادَة فِي ألمه وعذابه ونزولا لَهُ إِلَى
أَسْفَل فالمسافر إِمَّا صاعد وَإِمَّا نَازل." اهـ
12/
الصحة والقوة وطول العمر ونحوها نِعَمٌ
وقال ابن
قدامة المقدسي _رحمه الله_ في "مختصر منهاج القاصدين" (ص: 283):
"وأما
الصحة والقوة وطول العمر ونحوها، فهي نِعَمٌ، إذ لا يَتِمُّ عِلْمٌ، ولا عَمَلٌ
إلا بذلك." اهـ
وقال ابن
قدامة المقدسي _رحمه الله_ في "مختصر منهاج القاصدين" (ص: 344):
المعرفة إنما
تكمل وتكثر وتتسع في العمر الطويل بمداومة الفكر والذكر، والمواظبة على المجاهدة،
والانقطاع عن علائق الدنيا، والتجرد للطلب." اهـ
وقال ابن رجب _رحمه
الله_ في "لطائف المعارف" (ص: 300):
"فالمؤمن
القائم بشروط الإيمان لا يزداد بطول عمره إلا خيرا ومن كان كذلك فالحياة خير له من
الموت."
وقال عبدُ
العزيزِ بنُ محمدٍ السلمانُ _رحمه الله_ في "مفتاح الأفكار للتأهب لدار
القرار" (1/ 81_82):
"اعلم أن
طول العمر محبوب ومطلوب إذا كان في طاعة الله، وكلما كان العمر أطول في طاعة الله،
كانت الحسناتُ أكثرَ والدرجاتُ أرفعَ.
وأما طوله في
غير طاعة، أو في المعاصي، فهو شر وبلاء، تكثر السيئات، وتضاعف الخطيئات.
ومن زعم أنه
يحب طول البقاء في الدنيا ليستكثر من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله _تعالى_،
فإن كان مع ذلك حريصًا عليها ومشمرًا فيها ومجانبًا لما يشغل عنها من أمور الدنيا،
فهو بالصادقين أشبه.___
وإن كان
متكاسلاً عنها ومسوفًا فيها - أي الأعمال الصالحة -، فهو من الكاذبين المتعللين
بما لا يغني عنه.
لأن من أحب أن
يبقى لأجل شيء، وجدْتَهُ في غاية الحرص عليه مخافة أن يفوته وَيُحَالَ بينه وبينه.
ولا سيما
والعمل الصالح محله الدنيا، ولا يمكن في غيرها، لأن الآخرة دار جزاء وليست بدار
عمل.
فتفكر - يا
أخي - في ذلك عسى الله أن ينفعنا وإياك، واستعن بالله واصبر، واجتهد وشمر، وبادر
بالأعمال الصالحة قبل أن يحال بينك وبينها، فلا تجد إليها سبيلا.
وكُنْ حَذِرًا
من مفاجأةِ الأجَلِ، فإنك غَرَضٌ للآفات، وهَدَفٌ منصوبٌ لسهام المنايا.
وإنما رأس
مالك (الذي يمكنك إن وفقك الله أن تشتري به سعادة الأبد) هذا العُمْرُ." اهـ
[1] وقال الجوهري في "الصحاح تاج اللغة وصحاح
العربية (3/ 1097): "وفُرْضَةُ البحر: محطُّ السفن." اهـ
[2] وفي فيض القدير (4/ 281) : "قال علي : "موت الإنسان بعد
أن كبر وعرف ربه خير من موته طفلا بلا حساب في الآخرة." اهـ
[3] لو قال: (مع طول عمره وحسن عمله) كما هو ظاهر الحديث، لاستقام
كلامه. فإنه لو مات أحدٌ خاليا من الذنوب
قليل الزاد، فلا يكون خير الناس. فلا بد للعبد من العمل الصالح وخلوه من الآثام.
Komentar
Posting Komentar