آداب المزاح

 

للمُزاح الشرعي آداب: وهي :

1/ لا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين، فإن ذلك من نواقض الإسلام.

 

قال تعالى:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]

 

وقال ابن قدامة _رحمه الله_ في "الْمُغْنِيْ" (9/ 28):

"وَمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، كَفَرَ، سَوَاءٌ كَانَ مَازِحًا أَوْ جَادًّا. وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَهْزَأَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِآيَاتِهِ أَوْ بِرُسُلِهِ، أَوْ كُتُبِهِ." اهـ

 

قال ابن تيمية _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (7/ 273):

(بَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ، يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ إيمَانِهِ)." اهـ

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 56):

"وَالْهَزْلُ: لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عُذْرًا صَارِفًا، بَلْ صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِالْعُقُوبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَرَ الْمُكْرَهَ فِي تَكَلُّمِهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ،

وَلَمْ يَعْذِرْ الْهَازِلَ، بَلْ قَالَ:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]،

وَكَذَلِكَ رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي." اهـ

 

قال السعدي _رحمه الله_ في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 342_343):

"فإن الاستهزاءَ باللهِ وآياته ورسولِهِ كُفْرٌ مُخْرِجٌ عنِ الدِّيْنِ، لأن أصل الدين مبنيٌّ على تعظيمِ الله وتعظيمِ___دينِه ورُسُلِهِ. والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصلِ، ومناقِضٌ لَه أشد المناقضة." اهـ

 

وقال الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "مجموع فتاوى ورسائل" (2/ 157):

"فجانب الربوبية، والرسالة، والوحي، والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية.

فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله - عز وجل - ورسلِه وكتبِه وشرعِه.

وعلى من فعل هذا: أن يتوب إلى الله - عز وجل - مما صنع؛ لأن هذا من النفاق. فعليه: أن يتوبَ إلى الله ويستغفرَ، ويُصْلِحَ عَمَلَهُ، ويجعل في قلبه خشيةَ الله - عز وجل - وتعظيمَه وخوْفَه ومحبتَهُ. والله ولي التوفيق." اهـ

 

2/ لا يكون المزاح إلا صدقاً:

 

* وقال القاضي عياض _رحمه الله_ في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (1/ 247_248):

"وَكَانَ يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ، وَيُخَالِطُهُمْ، وَيُحَادِثُهُمْ، وَيُدَاعِبُ___صِبْيَانَهُمْ، وَيُجْلِسُهُمْ فِي حِجْرِهِ."

 

* ومن مزاح رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ما ورد في "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 357) (رقم: 1991):

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ؟»

صحيح: "تخريج المشكاة" (4886) للألباني.

 

وفي "الشمائل المحمدية" للترمذي – ط. المكتبة التجارية (ص: 194) (رقم: 237):

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» [خ م]

قَالَ أَبُو عِيسَى:

"وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ يُمَازِحُ.

وَفِيهِ: أَنَّهُ كَنَّى غُلَامًا صَغِيرًا، فَقَالَ لَهُ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ).

وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الصَّبِيُّ الطَّيْرَ لِيَلْعَبَ بِهِ.

وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ نُغَيْرٌ يَلْعَبُ بِهِ، فَمَاتَ، فَحَزِنَ الْغُلَامُ عَلَيْهِ، فَمَازَحَهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟»." اهـ

 

مسند أحمد - عالم الكتب (3/ 161) (رقم: 12648):

عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا ، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، 

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا ، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ ، وَكَانَ رَجُلاً دَمِيمًا ، 

فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا ، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلَ لاَ يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حِينَ عَرَفَهُ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟)

فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا."

فَقَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ)، أَوْ قَالَ: (لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ)." صحيح: "مختصر الشمائل" (ص: 127) (رقم: 204)

 

الشمائل المحمدية للترمذي ط المكتبة التجارية (ص: 197) (رقم: 241) - حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارِكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ [ص:199]: أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي فَقَالَ: «أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ» إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 36]

 

* جاء الوعيد لمن كذب في مزاحه:

وفي "سنن الترمذي" – ت.شاكر (4/ 357) (رقم: 1990):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ، إِلَّا حَقًّا» صحيح: الصحيحة (4/ 304) (رقم: 1726)

 

وفي "سنن أبي داود" (4/ 297) (رقم: 4990):

«وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ»

 

سنن الترمذي ت شاكر (4/ 557) (رقم: 2314):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ»

صحيح: صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 334) (رقم: 1618)

 

3/ عدم الترويع:

 

سنن أبي داود (4/ 301) (رقم: 5004): عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ،

فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»

صحيح: صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1268) (رقم: 7658)

 

سنن الترمذي ت شاكر (4/ 462) (رقم: 2160): السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ»

 

 

4/ الاستهزاء والغمز واللمز:

 

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]

 

قال ابن كثير في تفسيره : (المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم ، وهذا حرام ، ويعد من صفات المنافقين)

 

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:

(المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات –. بحسب امرئٍ من الشر: أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه) رواه مسلم .

 

5-أن لا يكون المزاح كثيراً :

 

قال الإمام النووي رحمه الله : "المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار،

فأما من سلم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ." اهـ

 

وفي "الْمُراح في الْمُزاح (ص: 37) لأبي البركات الغزي:

"وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: (اتَّقوا المزاح فَإِنَّهَا حمقة تورث ضغينة).

وَقَالَ: (إِنَّمَا المزاح سباب إِلَّا أَن صَاحبه يضْحك).

وَقيل: "إِنَّمَا سمي مُزاحا، لِأَنَّهُ مزيح عَن الْحق).

وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: (الْمُزاح من سُخْفٍ أَو بَطَرٍ).

وَقيل فِي منثور الحكم: (المزاح يَأْكُل الهيبة، كَمَا تَأْكُل النَّارُ الْحَطَبَ).

وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: (من كثر مُزَاحُهُ زَالَت هيبته، وَمن كثر خِلَافه طابت غيبته)." اهـ

 

6- أن يُراعيَ الشَّخصَ الذي يمزَحُ معه:

فما كُلُّ أحدٍ يُمزَحُ معه، ولا بُدَّ من إنزالِ النَّاسِ منازِلَهم في المُزاحِ؛ فقد قيل:

(لا تمازِحِ الشَّريفَ فيَحقِدَ عليك، ولا الدَّنيءَ فيجترئَ عليك)  ((التمثيل والمحاضرة)) للثعالبي (ص: 448).

فلا يكونُ مع من لا يليقُ بهم المَزحُ ممَّن يحرِجُهم لمكانتِهم، ولا يكونُ مع السُّفَهاءِ؛ حتَّى لا يجتَرِئوا على المازِحِ.

 

 

فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار ، فللعالم حق ، وللكبير تقديره ، وللشيخ توقيره ، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يُعرف .

 

وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز : ( اتقوا المزاح ، فإنه يذهب المروءة ) .

 

وقال سعيدُ بنُ العاصِ لابنِه: (اقتَصِدْ في مُزاحِك؛ فإنَّ الإفراطَ فيه يُذهِبُ البهاءَ، ويُجَرِّئُ عليك السُّفَهاءَ، وإنَّ التَّقصيرَ فيه يَفُضُّ عنك المؤانِسين، ويُوحِشُ منك المصاحِبين) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 310، 311)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 346).

 

7- ألَّا يتَّخِذَ المرءُ المُزاحَ دَيدَنَه وعادتَه:

وإنَّما يكونُ كالمِلْحِ في الطَّعامِ، وكان يقالُ: (المَزْحُ في الكلامِ كالمِلْحِ في الطَّعامِ)  . وذلك لأنَّ الإكثارَ من المُزاحِ مُذهِبٌ للمُروءةِ، ويُفقِدُ الشَّخصَ الهَيبةَ، وقد يؤدِّي إلى أن يجعَلَ الشَّخصَ عُرضةً لسُخريَّةِ الآخَرين منه، كما ينبغي عليه ألَّا يبالِغَ في المُزاحِ، ولا يُطيلَ فيه.

 

وفي "اللطائف والظرائف" (ص: 151) لأبي منصور الثعالبي (المتوفى: 429 هـ):

"وقيل لسفيان بن عيينة: (المزاح هُجْنَةٌ). فقال: (بل سنّةٌ، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه).

وكان علي _رضي الله عنه_ فيه دعابة. وكان يقال: (المزح في الكلام كالملح في الطعام)." اهـ

 

سنن الترمذي - ت شاكر (4/ 551) (رقم: 2305): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «...وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» حسن: صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 82) (رقم: 100)

 

الحلم لابن أبي الدنيا (ص: 77) (رقم: 126):

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ، وَمَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقْطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ قَلَّ خَيْرُهُ»

 

8/ ألاَّ يكونَ فيه غيبةٌ

 

وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض أنه يحكي، ويقال بطريقة المزاح ، ولا يشعر أنه داخل في قول الله _تعالى_:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } [الحجرات: 12]

 

وفي "زاد المسير في علم التفسير" (4/ 152) لابن الجوزي:

"قال الزجاج: (وبيانه أن ذِكرك بسوءٍ مَنْ لم يَحْضُر، بمنزلة أكل لحمه، وهو ميت، لا يُحِسُّ بذلك).

قال القاضي أبو يعلى:

(وهذا تأكيد لتحريم الغيبة، لأن أكل لحم المسلم محظورٌ، ولأن النُّفوس تَعافُه من طريق الطَّبع، فينبغي أن تكون الغِيبة بمنزلته في الكراهة)." اهـ

 

وفي "صحيح مسلم" (4/ 2001/ 70) (رقم: 2589):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»

قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»

 

9- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح :

 

وهذا من الضَّوابطِ المُهِمَّةِ للمَزْحِ؛ فليس كُلُّ وقتٍ يَصلُحُ للمُزاحِ، ولا كُلُّ زمانٍ تليقُ فيه الدُّعابةُ.

كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها .

 

والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها ، إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها ، فتضيع الأوقات ، وتفنى الأعمار ، وتمتلئ الصحف بالهزل واللعب .

 

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:

(لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)

 

قال الحافظ _رحمه الله_ في "فتح الباري":

(المراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة)

 

وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله عز وجل بجد وثبات ، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين ،

 

قال بلال بن سعد:

(أدركتهم يشتدون بين الأغراض ، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهباناً)

 

وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما : "هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟" قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال .

 

فعليك بأمثال هؤلاء فرسان النهار، رهبان الليل.

جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر ، ممن ينادون في ذلك اليوم العظيم : ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة