شرح الحديث 62 (باب نواقض الوضوء) من بلوغ المرام

 

62 - وَعَنْ عَائِشَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_، قَالَتْ:

"جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟"

قَالَ: (لاَ، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ، فَدَعِي الصَّلاَةِ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَلِلْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ تَوَضَّئِيْ لِكُلِّ صَلَاةٍ).

وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا

 


 

مفردات الحديث:

* أُستحاض: من الاستحاضة، وهي سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة، من مرضٍ وفساد، فيخرج الدم من عِرْقٍ فَمُهُ في أدنى الرحم، يسمَّى "العرق العاذل" وسيأتي بيانه بأتمَّ من هذا في باب الحيض، إنْ شاء اللهُ تعالى.

* أفأدع الصلاة: الهمزة للاستفهام الاستخباري، والفاء للتعقيب، وبعدها فعل مضارع للمتكلِّم.

* أفأدع: وَدَعْتُهُ أدَعُهُ وَدْعًا، أي: تركته، وأصل المضارع الكسر، ومن ثمَّ حذفت الواو، ثُمَّ فُتِحَ لأجل حرف الحلق.

قال النحاة: إنَّ العرب أماتَتْ ماضي "يَدَع"، ومصدره واسم فاعله، فلا توجد.

لا: تأتي على ثلاثة أوجه، أحدها: أنْ تكون جوابًا مناقضًا لـ"نعم"، وهي___المرادة هنا.

* ذلِكِ: بكسر الكاف: خطابٌ للمرأة السَّائلة، و"ذا": إشارةٌ إلى الدمِ الخارج منها.

* عِرْق: بكسر العين المهملة، وسكون الرَّاء، آخره قاف.

قال في الفتح: إنَّ هذا العرق يسمَّى العاذل، وقال في القاموس: يُسمَّى العاذر، أي: أنَّ دمك بسبب انفجار من عرق.

* فاذا أَقْبلَتْ حَيْضَتكِ: بفتح الحاء، ويجوز كسرها، المراد بالإقبال: حصول وقتها، وابتداء خروج دَم الحيض أيام عادتها.

* وإذا أدبرت: هو وقتُ انقطاعِ الدمِ عنها عند انتهاء أيام عادتها." اهـ من توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 284_285)

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ عَائِشَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_، قَالَتْ:

"جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟"

 

(امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ) بضمّ الهمزة، مبنيًّا للمفعول،

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح":

يقال: استُحيضت المرأة: إذا استمرّ بها الدم بعد أيامها المعتادة، فهي مستحاضة، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. انتهى ["الفتح" (1/ 396)].

 

وقال الأزهريّ والهرويّ وغيرهما:

"(الحيض): جريان دم المرأة في أوقات معلومة، يُرخيه قعر رحمها بعد بلوغها، و"الاستحاضة": جريانه في غير أوانه يسيل من عِرْقٍ في أدنى الرحم دون قعره، يقال: استُحيضت المرأة بالبناء للمفعول، فهي مستحاضة،

وأصل الكلمة من الحيض، والزوائد التي لَحِقتها للمبالغة، كما يقال: قَرّ بالمكان، ثم يُزاد للمبالغة، فيقال: استقرّ، وأعشب المكان، ثم يُزاد للمبالغة، فيقال: اعشوشب، وكثيرًا ما تجيء الزوائد لهذا المعنى، نبّه عليه ابن دقيق العيد رحمه الله. انتهى [راجع: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (2/ 180)، شرح الزرقاني على الموطّأ" 1/ 121].

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 242)

تقول: "إني امرأة أستحاض فلا أطهر" أي: يأتيها الحيض بكثرة لأن "أستحاض" فيها حروف زائدة، وقد قيل: إن زيادة المبنى زيادة في المعنى، وهذا ليس بدائم فمثلا: رجل رجال، رجال زائدة في المبنى وهي زائدة في المعنى هذه قاعدة أغلبية، وإلا فقد يكون النقص في المبنى زيادة في المعنى كما لو قلت: شجرة وشجر، شجرة، حروفها أربعة، شجر حروفه ثلاثة، وأيهما أكثر شجرة لكن الغالب أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، إذن: أستحاض" معناها: تأتيها حيضة كثيرة تستمر معها؛ ولذلك قالت مفسرة هذه الاستحاضة: "فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ " يعني: أتركها،

 

وقال العلامة العينيّ رحمه الله: "الاستحاضة": اسم لما نَقَصَ من أقل الحيض، أو زاد على أكثره. [راجع: "عمدة القاري" ببعض إصلاح 3/ 212]

 

وفي "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 118):

"هذه المرأة هي إحدى الصحابيّات اللاتي كنّ يستحضن في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهنّ عشر: بنات جحش الثلاثة: زينب، وحمنة، وأم حبيبة، أو أم حبيب، وفاطمة بنت أبي حُبيش المذكورة في هذا الحديث، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة، وأسماء بنت عُميس، وسهلة بنت سُهيل، وأسماء بنت مَرْثد، وبادية بنت غَيلان، فهنّ عشرٌ.

ويقال: إن زينب بنت أم سلمة أيضًا استُحيضت، ولكن هذا لا يصحّ؛ لأنها في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كانت صغيرة، وقد نظمهنّ في "شرح الزرقانيّ على الموطأ"، حيث قال [من الرجز]:

قَدِ اسْتُحِيضَتْ فِي زَمَان الْمُصْطَفَى ... بَنَاتُ جَحْشٍ سَهْلَةٌ وَبَادِيَهْ

وَهِنْدُ أَسْمَا سَوْدَةٌ وَفَاطِمَهْ ... وَبِنْتُ مَرْثَدٍ رَوَاهَا الرَّاوِيَهْ." اهـ

 

قَالَ: (لاَ، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ، فَدَعِي الصَّلاَةِ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (8/ 119_120):

"(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَا)، أي لا تتركي الصلاة؛ لأن الاستحاضة لا تمنع منها، ثمّ علَّل كونها غير مانعة عنها بقوله: (إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمرأة، أي إنما ذلك الدم الزائد على العادة السابقة، وذلك لأن الدم الذي اشتكته (عِرْقٌ) - بكسر العين المهملة، وسكون الراء -: أي دم عِرق؛ لأن الخارج هو الدم، لا العِرْق.

ويُسمّى ذلك العِرْق بـ(العاذل) - بالعين المهملة، والذال المعجمة، واللام، أو الراء -.

قال ابن الأثير _رحمه الله_:

(العاذل): اسم العِرْق الذي يَسيل منه دم الاستحاضة،

وذكر بعضهم (العاذر) بالراء، وقال: (العاذرة): المرأة المستحاضة، فاعلةٌ بمعنى مفعولة، من إقامة العذر،

ولو قال: إن العاذر هو الْعِرْق نفسه؛ لأنه يقوم بعذر المرأة لكان وجهًا، والمحفوظ "العاذل" باللام. انتهى ["النهاية" 3/ 200]

قال ابن الملقّن رحمه الله: هذا العرق في أدنى الرحم يعتنق الرحم، قال: ويحتمل أن يكون من مجازي التشبيه، إن كان سبب الاستحاضة كثرة مادّة الدم، وخروجه من مجاري الحيض المعتادة. انتهى باختصار." اهـ

 

وفي "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 243)

وبماذا تعرف إقبال الحيضة؟ تُعْرَفُ بِإقبال الحيضة إذا كانتْ معتادةً، يعني: لها عادة سابقة قبل الاستحاضة، فإقبال الحيضة إقبال المدة.

* وإن لم يكن لها عادةُ، فإقبال الحيضة تغير الدم،

فمثلا امرأة كانت من عادتها أن تحيض في أول يوم من الشهر ستة أيام، ثم ابتليت بالاستحاضة وصار الدم معها دائما، هذا الحيض تجلس في الشهر الثاني من أول يوم إلى ستة أيام والباقي استحاضة، تصلي وتصوم وتعمل كل ما تعمل الطاهرات.

إذنْ: إقبال الحيضة نقول في المعتادة إقبال أيام عادتها، وفي غير المعتاد: إقبال التمييز، كيف التمييز؟ الفقهاء - رحمهم الله- يقولون: التمييز من ثلاثة وجوه:

أولا: دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر.

ثانيا: دم الحيض ثخين، ودم الاستحاضة رقيق.

ثالثا: دم الحيض له رائحة منتنة، ودم الاستحاضة ليس له ذلك.

 

وَلِلْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ تَوَضَّئِيْ لِكُلِّ صَلَاةٍ).

وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا

 

سبل السلام (1/ 92)

وَلِلْبُخَارِيِّ: أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ " هَذَا زِيَادَةٌ [ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ] وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ: وَفِي حَدِيثِ حَمَّادٍ حَرْفٌ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ قَوْلُهُ: [تَوَضَّئِي] ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ، وَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ مِنْ طُرُقٍ يَنْتَفِي مَعَهَا تَفَرُّدُ مَنْ قَالَهُ مُسْلِمٌ.

 

سنن أبي داود (1/ 79) (رقم: 294):

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

«اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَأَنْ تُؤُخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا».

 

سنن النسائي (1/ 123)

عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 219)

فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ الدَّمُ يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ فِي أَيَّامٍ قَانِئًا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ لَهُ رَائِحَةٌ فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ نَفْسُهَا فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الدَّمُ وَجَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ الرَّقِيقُ الْمَشْرِقُ فَهُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَهُوَ الطُّهُورُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ: وَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى فَاطِمَةَ [ص:220] كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا أَجَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَهَذِهِ إِذَا كَانَ دَمُهَا يَنْفَصِلُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: لَا يُوَقَّتُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ وَقْتُ نِسَائِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ تُعْرَفُ فِيمَا مَضَى أَخَذْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَإِقْبَالُهَا سَوَادُ الدَّمِ وَنَتْنُهُ وَتَغَيُّرُهُ لَا يَدُومُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَيْهَا قَتَلَهَا فَإِذَا اسْوَدَّ الدَّمُ فَهُوَ حَيْضٌ فَإِذَا أَدْبَرَتِ الْحَيْضَةُ فَصَارَتْ صُفْرَةً أَوْ كِدْرَةً فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَحْسَبُ أَنَّ مِنْ حُجَّةِ بَعْضِ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدِيثًا." اهـ

 

فاطمة بنت أبى حبيش: هي فاطمة بنت أبى حبيش (قيس) بن المطلب بن أسد القرشية الأسدية، صحابية مشهورة بحديث الاستحاضة، روى له: أبو داود والنسائي، وصرح الذهبي أنها من المهاجرات.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 55 و 1/ 68 و 1/ 71) (رقم: 228 و 306 و 320)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 262/ 62) (رقم: 333)، وأبو داود في "سننه" (1/ 74 و 1/ 80) (رقم: 282 و 298)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 217) (رقم: 125)، والنسائي في في "سننه" (1/ 122 و 1/ 123_124 و 1/ 184 و1/ 185_186) (رقم: 212 و 216_219 و 359 و 363_367).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 609) (رقم: 301)

من فوائد الحديث:

 

قال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (8/ 123_126):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان الفرق بين دم الاستحاضة والحيض، فدم الاستحاضة يخرج من فرج المرأة في غير أوانه، من عِرْق يقال له: العاذل - بالعين المهملة، وكسر الذال المعجمة - وأما دم الحيض، فإنه يخرج من قَعْر الرحم.

2 - (ومنها): جواز استفتاء مَن وَقَعت له مسألة.___

3 - (ومنها): جواز استفتاء المرأة بنفسها، ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة، وأحداث النساء.

4 - (ومنها): ردّ المرأة إلى عادتها في الحيض.

5 - (ومنها): جواز استماع صوت المرأة عند الحاجة، قاله النوويّ رحمه الله.

قال الجامع عفا الله عنه:

قول النوويّ: "عند الحاجة" مبنيّ على قول من يقول: إن صوتها عورة، وهو قول لا دليل عليه، فتنبّه.

6 - (ومنها): ما قاله النوويّ _رحمه الله_:

فيه: نهي الحائض عن الصلاة في زمن الحيض، وهو نهي تحريم، ويقتضي فساد الصلاة هنا بإجماع المسلمين، وسواء في هذه الصلاة المفروضة والنافلة؛ لظاهر الحديث، وكذلك يحرم عليها الطواف، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، وكل هذا مُتَّفقٌ عليه.

قال الجامع _عفا الله عنه_:

إن أراد بقوله: "متّفقٌ عليه" اتّفاق أهل مذهبه، فذاك، وإلا فالمسألة فيها خلاف بالنسبة لسجود التلاوة، والشكر، وسيأتي في محلّه - إن شاء الله تعالى -.

قال:

وقد أجمع العلماء على أنها ليست مكلَّفةً بالصلاة، وعلى أنه لا قضاء عليها. انتهى ["شرح النوويّ" 4/ 21 - 22].

7 - (ومنها): نجاسة دم الحيض والاستحاضة، ووجوب غسله قبل الدخول في الصلاة من بدن المرأة وثوبها.

8 - (ومنها): نجاسة الدم، وهو إجماعٌ، إلا من شذّ ["الإعلام" 2/ 183].

9 - (ومنها): أن الصلاة تجب على المستحاضة بمجرد انقطاع حيضها، وأن الصلاة واجبة عليها أبدًا إلا في الأيام التي يُحكم بأنها حيض، وهذا إجماع.

10 - (ومنها): أن الصلاة لا يتركها من عليه الدم، كما فعل عمر - رضي الله عنه - حيث صلّى وجُرحه يسيل دمًا.___

11 - (ومنها): ترك الحائض الصلاة، وهو إجماع لم يُخالف فيه إلا الخوارج.

قال الجامع _عفا الله عنه_:

أما ما نُقل من بعض السلف من أنه يُستحبّ للحائض إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضّأ، وتستقبل القبلة، وتذكر الله تعالى، فمن البدع المنكرة، ومن الغلوّ الممنوع؛ لأن الله تعالى أكمل دينه، وأتمّه بموت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان خيرًا وحسنًا لما تركه، فإن النساء كنّ يحضن في زمان نزول الوحي، فهل سُمع بأنهنّ، أو بعضهنّ كنّ يفعلن هكذا؟ كلا والله، ثم كلًّا، بل هذا هو التنطّع والغلوّ في الدين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" [صحيح: ق (3029)]، فتبصر، ولا تكن من الغافلين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

12 - (ومنها): بيان أن المرأة إذا مَيَّزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قَدْرُه اغتَسَلت عنه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة، مؤداةً أو مقضيةً؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم توضئي لكل صلاة"،

وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلِّق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة، وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، وعلى قولهم المراد بقوله: "وتوضئي لكل صلاة"، أي لوقت كل صلاة، ففيه دعوى مجاز الحذف، ويحتاج إلى دليل، وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحَدَث آخر، وقال أحمد، وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا - إن شاء الله تعالى -.

13 - (ومنها): ما قاله الإمام ابن دقيق العيد _رحمه الله_:

في قوله _صلى الله عليه وسلم_: (فإذا أقبلت الحيضة): تعليقُ الحكم بالإقبال والإدبار، فلا بدّ أن يكون معلومًا لها بعلامة تعرفها، فإن كانت مميّزةً رُدّت إلى التمييز، فإقبالها بُدُوّ الدم الأسود،___وإدبارها إدبار ما هو بصفة الحيض، وإن كانت معتادةً رُدّت إلى العادة، فإقبالها وجود الدم في أول أيام العادة، وإدبارها انقضاء أيام العادة.

وقد ورد في حديث فاطمة ما يقتضي الردّ إلى التمييز، وقالوا: إن حديثها في المميّزة، وحمل قوله: "فإذا أقبلت الحيضة" على الحيضة المألوفة، قال: وأقوى الروايات في الردّ إلى التمييز الرواية التي فيها: "دمُ الحيض أسود يُعْرَفُ، فإذا كان ذلك، فأمسكي عن الصلاة"، وأما الردّ إلى العادة، ففي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن دَعِيْ الصلاةَ قَدْرَ الأيامِ التي كنت تحيضين فيها". انتهى [راجع: "الإعلام" 2/ 189 - 190]

14 - (ومنها): ما قاله ابن الملقّن _رحمه الله_:

"فيه: دليل على الردّ إلى العادة؛ لأن الحديث يدلّ بلفظه على أن هذه المرأة كانت معتادةً؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قدر الأيام"، وهو يقتضي أنه كان لها أيام تحيض فيها، وليس فيه أنها كانت مميّزة، أو غير مميّزة،

فإن ثبت ما يدلّ على التمييز فذاك، وإلا رُدّت إلى العادة، والتمسّك به يدلّ على أن ترك الاستفصال في قضايا الأحوال مع قيام الاحتمال، يُنزّل منزلة العموم في المقال، ويجوز أن يكون عَلِم الواقعة في التمييز أو عدمه، وأجاب على ما عَلِم. انتهى ["الإعلام" 2/ 186].

15 - (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الرجوع فيما يحدُث لهم من الأمور كلّها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والسؤال عن الأحكام، وجوابه - صلى الله عليه وسلم - عنها.

[تنبيه]: قد استنبط من هذا الحديث الرازي الحنفيّ أن مدة أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة؛ لقوله: "قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها"؛ لأن أقل ما يُطلق عليه لفظ "أيام" ثلاثة، وأكثره عشرة، فأما ما دون الثلاثة، فإنما يقال له: يومان، ويوم، وأما ما فوق عشرة، فإنما يقال: أحد عشر يومًا، وهكذا إلى عشرين، قال الحافظ رحمه الله: وفي الاستدلال بذلك نظر، ذكره في "الفتح" ["الفتح" 1/ 488]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 610):

"قلت: فهذا يدلك على أن الذين ذهبوا إلى القول بنجاسة الدم إطلاقا ليس عندهم

بذلك نقل صحيح صريح، فهذا ابن حزم يستدل عليه بمثل هذا الحديث وفيه ما رأيت،

واقتصاره عليه وحده يشعر اللبيب بأن القوم ليس عندهم غيره وإلا لذكره ابن حزم، وكذا غيره. فتأمل.

وجملة القول: أنه لم يرد دليل فيما نعلم على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه، إلا دم الحيض، ودعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول، والأصل

الطهارة، فلا يترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل، وإذ لم يرد شيء من ذلك، فالبقاء على الأصل هو الواجب. والله أعلم." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 285_287):

ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّ الخارج من السبيلين ناقضٌ للوضوء، ومنه خروجُ الدم، وهو إجماع العلماء.

2 - أنَّ دم الاستحاضة ليس حَيْضًا، وإنَّما هو دمٌ له أسبابُهُ، وخصائصه، وأحكامه:

فسببه: انفتاحُ عرق العاذل، فهو مرضٌ يستدعي البحثَ عن سببه وعلاجه؛ ولذا ينظر الأطباء بقلقٍ بالغٍ إلى خروج الدم في غير وقت الحيض؛ لأنَّها تدل على وجود مرض، إمَّا بجسم المرأة وغددها، أو بجهازها التناسلي.

أمَّا دم الحيض: فيخرُجُ من قعر رحم المرأة.

فأخبرها -صلى الله عليه وسلم- باختلاف المَخْرَجَيْن، وهو ردٌّ وتوجيهٌ لقولها: "فلا أطهر"، فأبان لها أنُّها طاهرة تلزمها الصلاة.

3 - أمَّا خصائصُ دم الاستحاضة، فقال الأطباء: إنَّه دمٌ أحمَرُ مشرِقٌ خفيف، ليس ذا رائحة، بينما دمُ الحيض: أسودُ ثخين، له رائحة منتنة.

4 - أمَّا أحكامُ دم الاستحاضة: فإنَّه لا يمنعُ شيئًا من العبادات، ولا الأمور التي يتوقَّف فعلها على طهارة المرأة من الحيض، فالمستحاضة تعتبر في حكم___الطاهرة.

5 - لم يرخص لها النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في ترك الصلاة، وإنَّما نهاها عن تركها.

6 - أَمَرَهَا -عليه الصلاة والسلام- أنْ يتميز بين دم حيضها ودم استحاضتها، وذلك بأنْ تجلس فلا تصلي أيام عادتها؛ لأنَّ العادة أقوى من سائر الأدلة على تمييز دم الحيض من دم الاستحاضة.

فإنْ لم تعلم عادتها، عملت بالتمييز بين الدمين، فدم الحيض أسود ثخين منتن، ودم الاستحاضة خلاف ذلك.

7 - وجوبُ غَسْلِ دمِ الحيض للصلاة؛ لأنَّه نجس، والطهارة من النَّجاسة شرطٌ لصحة الصلاة.

8 - أنَّ على المستحاضة أنْ تتوضأ لكلِّ صلاةٍ، ومثلها كل مَنْ به حدثٌ دائم من سلس بولٍ، أو جُرحٍ لا يَرْقَى دمه، أو استمرارِ خروج الرِّيح.

9 - نَهْيُ الحائض عن الصلاة، وتحريمُ ذلك عليها، وفسادها منها، وهو إجماع العلماء.

10 - أنَّ الحائض لا تقضي الصلاة بعد طهرها؛ وذلك أخذًا من عدم أمره -صلى الله عليه وسلم- لها بذلك في هذا الحديث؛ فإنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

11 - الحديثُ دليلٌ على قبول قول المرأة في أحوالها، من الحمل، والحيض والعدَّة وانقضائها، ونحو ذلك.

12 - أنَّ المستحاضة تصلِّي ولو مع جريان الدم؛ لأنَّها تعتبر من الطَّاهرات من الحيض.

13 - وَرَدَ في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري: "واغتسلي"، والمراد به الاغتسال من الحيض إذا أدبرت أيام حيضها، لا أنَّه أمرٌ بالاغتسال لكلِّ صلاة.

14 - قوله: "ثمَّ توضئي لكلِّ صلاة" زيادة رواها البخاري، وحذفها مسلم عمدًا؛___لاعتقاده أنَّها زيادة غير محفوظة، وإنَّما تفرَّد بها بعض بالرواة.

لكن قال الحافظ في فتح الباري: إنها زيادة ثابتة من طرقٍ، ينتفي معها تفرُّد من ذكرهم مسلم.

15 - المؤلِّف أورد هذا الحديث في باب نواقض الوضوء لأجل هذه الزيادة: "ثمَّ توضئي لكلِّ صلاة"، وإلاَّ فمناسبة الحديث أن يُذْكَرَ في "باب الحيض" وقد أعاده هناك، والله أعلم.

16 - جوازُ سماعِ الرجلِ الأجنبيِّ صوتَ المرأة عند الحاجة، إذا لم تليِّنه وتُخْضِعْهُ.

17 - الأمرُ بإزالة النَّجاسة.

18 - فيه أنَّ الدَّم نجسٌ، وهو إجماعٌ إلاَّ خلافًا شاذًّا.

19 - أنَّ الصلاة تجب بمجرّد انقطاع دم الحيض.

20 - أنَّ الصلاة تصح حتَّى في حال جريان الدم الذي لا ينقطع.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 244_248):

"من فوائد هذا الحديث: أن نساء الصحابة - رضي الله عنهن- لا يمنعهن الحياء من الفقه في الدين، والسؤال عنه.

ومن فوائده: أنه قد تقرر أن الحائض لا تصلي؛ لقولها: "أفأدع الصلاة؟ " وهذا بإجماع العلماء، أجمع العلماء على أن الصلاة لا تجب على الحائض، وتحرم عليها ولا تصح منها، ولا يجب عليها قضاؤها، هذا بالإجماع، وظاهر الحديث صلاة الفريضة، والنافلة وهو كذلك، لأن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل.

ومن فوائد هذا الحديث: الاقتصار في الجواب على ما يفيد لقوله: "لا" ولم يقل: لا تدعي الصلاة؛ لأن "لا" تكفي وخير الكلام ما قل ودل، ومثله: "نعم" في الإجابة.

ومن فوائد هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في قرنه العلة بالحكم تؤخذ من قوله: "إنما ذلك دم عرق"، ووجه كون هذا حكمة: أن الحكم إذا علل ببيان علته ازداد الإنسان به طمأنينة في الحكم وينشرح به صدره.

ومن فوائده - أي: من فوائد قرن العلة بالحكم-: أن الإنسان يعرف بذلك سمو الشريعة، وأنها لا تحلل ولا تحرم ولا توجب إلا لحكمة، لكن من الحكم ما نعلمها ومنها ما لا نعلمه.

الفائدة الثالثة: أن العلة إذا كانت وصفا صار الحكم أعم لأنه يتناوله كلما كانت فيه هذه العلة، وانظر إلى قوله تعالى: {قلا لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة أو دما____مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145].

وإلى قوله صلى الله عليه وسلم حين أمر أبا طلحة: "إن الله ورسوله نهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس". نستفيد من هذه العلة أن كل نجس فهو حرام، وهو كذلك كل نجس حرام، وليس كل حرام نجسا، إذن قرن الحكم بالعلة له ثلاث فوائد، وإن شئت فقل: ثلاث حكم.

ومن فوائد هذا الحديث: أن العرق لا يمنع الصلاة، يعني لو انبعث عرق من الإنسان في أي مكان من بدنه فإنه لا يمنع الصلاة، بل يجب على الإنسان أن يصلي ولو كان فيه هذا الدم،

ولكن هل ينتقض وضوؤه، بمعنى: هل تلزمه أن يتوضأ لكل صلاة أو لا؟ في هذا تفصيل:

* إن كان الدم من السبيلين - أي: من القبل والدبر - فإنه ينقض الوضوء ويلزمه إذا كان مستمرا أن يتوضأ لكل صلاة،

* وإن كان من غير السبيلين: فإنه لا ينقض الوضوء ويلزمه إذا كان مستمرا أن يتوضأ لكل صلاة،

وإن كان من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء، كما لو كان فيه رعاف دائم أو جرح دائم الجريان أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض وضوؤه.

ومن فوائد هذا الحديث: تفريق الأحكام أو تفرق الأحكام بتفرق الأسباب، الحيض سبب لترك الصلاة، والعرق ليس سببا لترك الصلاة، فتصلي.

ومن فوائد هذا الحديث: رجوع المستحاضة إلى عادتها؛ لقوله: "إذا أقبلت حيضتك"، ولكن إذا كانت المستحاضة مبتدأة، يعني: لم يسبق لها عادة فإلى أي شيء ترجع؟ نقول: ترجع إلى التمييز؛ لأن الاستحاضة قد تصيب المرأة من أول ما يأتيها الحيض، فنقول: ترجع هذه إلى التمييز، فإذا كان في دمها دم أسود ثخين له رائحة فهو الحيض، وإن لم يكن كذلك فتبقى مشكلة وهي إذا لم يكن في دمها شيء بهذا الوصف أي ليس لها عادة، وليس عندها تمييز فماذا تصنع؟

قال العلماء - وجاء في السنة أيضا-: تجلس من أول وقت أتاها الحيض غالب ما تجلسه النساء، وهو ستة أيام أو سبعة من كل شهر، فمثلا إذا ابتدأ بها الدم في أول يوم من "محرم"، واستمر وليس لها عادة، وليس لها تمييز، نقول: تجلس في الشهر الثاني في "صفر" ستة أيام، أو سبعة، ثم تغتسل وتصلي وتستمر هكذا.

فإن قال قائل: لماذا جعلتموها تجلس أول كل شهر؟ قلنا: لأن الله تعالى جعل عدة من لا تحيض ثلاثة أشهر، وعدة من تحيض ثلاثة قروء، فدل هذا على أن الحيض المعتاد يأتي المرأة كل شهر مرة وأولى ما نبتدئ المدة من ا, ل ما أتاها.

إذا تعارض التمييز والعادة، امرأة معتادة يأتيها الحيض أول يوم من الشهر سبعة أيام كل ما____مضى من وقتها هكذا، ثم ابتليت بالاستحاضة فكان لها تمييز في نصف الشهر في الخامس عشر من الشهر يأتيها دم أسود ثخين منتن في أول الشهر الذي هو أول عادتها دم أحمر فهل تغلب التمييز أو تغلب العادة؟ فيها قولان، وهما روايتان عن الإمام أحمد:

أحدهما: أن تغلب العادة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة"، وقوله: "اجلسي قدر ما كانت حيضتك تحبسك"، ولم يفصل ولأن هذا أيسر للنساء إذا رجعن إلى العادة فهو أيسر؛ لأن تغير الدم قد يختلف على المرأة، قد يكون في أول الشهر، في وسطه، وقد ينقطع وقد لا ينضبط لكن إذا قلنا تعمل بالعادة، فالعادة منضبطة.

الثاني: قال بعض أهل العلم: بل تعمل بالتمييز إذا تعارض التمييز مع العادة؛ لأنه ربما كان هذا المرض وهو الاستحاضة سببا في تغير العادة بحيث انتقل الحيض من أول الشهر إلى وسطه، ولا شك أن هذا له وجهة نظر قوية جدا، لكن كما قلت لكم: ظاهر السنة ورحمة الأمة أن ترجع إلى العادة والحمد لله ما دام الرسول - عليه الصلاة والسلام- أطلق ولم يفصل فإننا نحمد الله على ذلك، ونقول بهذا لأنه أيسر للنساء.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب غسل دم الحيض لقوله: "ثم اغسلي عندك الدم"، وهل يعفى عنه - يعني: يسيره- الجواب: لا، لا يعفى عن يسيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الثوب يصيبه دم الحيض "تحته ثم تقرصه، ثم تغسله، ثم تصلي فيه"، وهذا يدل على أن الواجب إزالة دم الحيض قليلا كان أو كثيرا، ولا يعفى عن شيء منه، دم الاستحاضة هل يعفى عنه؟ قال بعض العلماء: يعفى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه دم عرق"، والأطهر أنه لا يعفى عنه، وأن جميع ما خرج من السبيلين فهو نجس لا يعفى عنه إلا الماء الذي ينزل ويكون مستمرا مع المرأة وهو ما يسمى برطوبة فرج المرأة، فهذا طاهر.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التطهر من النجاسة، من أين يؤخذ؟ من قوله: "ثم صلي"، و "ثم" للترتيب فلا يجوز للإنسان أن يصلي وبدنه متلطخ بنجاسة، فإن نسي وصلى فصلاته صحيحة لقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. فإن كان ليس عنده ما يزيل به النجاسة فليخففها ما أمكن وليصل.

وهل يتيمم لنجاسة البدن؟ فقهاء الحنابلة - رحمهم الله- يقولون: يتيمم؛ لأن هذه طهارة تتعلق بالبدن فأشبهت الوضوء، والصحيح أنه لا يتيمم للنجاسة، بل يزيلها ويخففها ما أمكن، ثم يصلي على حسب حاله، ثم قال: "وللبخاري: "ثم عتوضئي لكل صلاة" الخطاب لمن؟____للمستحاضة "توضئي لكل صلاة"، وذلك لأن الدم مستمر، فتكون طهارتها بقدر الحاجة، ولا تحتاج للصلاة إلا إذا دخل وقتها، فلو توضأت لصلاة الفجر فهل تتوضأ لصلاة الضحى؟

الجواب: نعم، لأن الضحى لها وقت فلابد أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وألحق العلماء - رحمهم الله- بالمستحاضة كل من حدثه دائم كمن بوله دائم وغائطه دائم والريح تخرج من دبره دائما، فإنه يلحق بالمستحاضة، بمعنى: أنه لا يتوضأ إلا إذا دخل الوقت، ويتحفظ يعني يستثفر، وإذا خرج منه شيء بعد كمال التحفظ فإنه لا يضر ولا ينتقض به الوضوء.

فائدة مهمة: قوله: "ثم صلى" هل المراد الصلاة المستقبلة، أو الصلاة الحاضرة أو الجميع؟ يعني: امرأة طهرت في وقت صلاة الفجر بعد طلوع الفجر، هل نقول: صلي الظهر فقط، أو صلي الفجر أيضا؟ تصلي الفجر حتى وإن تأخر تطهرها إلى بعد الشمس، فإنها لابد أن تصلي الفجر؛ لأنها مطالبة بالصلاة.

ولكن كم القدر الذي تكون مدركة به وقت الصلاة؟ المذهب بقدر تكبيرة الإحرام، فإذا طهرت قبل طلوع الشمس بقدر قول: الله أكبر، وجب عليها أن تصلي الفجر، والصحيح أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة كاملة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". يتفرع على هذا أنها إذا طهرت إذا طهرت في وقت الصلاة، هل يلزمها قضاء ما قبلها؟ فيه تفصيل: إن كان ما قبلها لا يجمع إليها فإنها لا تقضيه، كما لو طهرت في وقت الظهر فإنها لا تقضي صلاة الفجر؛ لأن الفجر لا تجمع إلى الظهر، وإن كانت تجمع كما لو طهرت في وقت العصر فهل تقضي الظهر أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنها لا تقضي الصلاة؛ لأنه خرج وقت الظهر وهي معذورة لا تخاطب بالصلاة وكونها تجمع إلى هذه عند الضرورة لا يعني أنها تلزمها، وقد خرج وقتها وقد برئت ذمتها، ثم قول الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "من أدرك ركعة"، أو قال: "سجدة من العصر قبيل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" ولم يقل: والظهر.

فالصواب: أنه لا يلزمها إلا قضاء الصلاة التي طهرت في وقتها. امرأة طهرت قبل الفجر بساعة هل تلزمها صلاة العشاء؟ فيه خلاف، بعض العلماء يقول: تلزمها صلاة العشاء دون صلاة المغرب، وبعض العلماء يقول: تلزمها صلاة العشاء وصلاة المغرب، الصحيح أنها لا يلومها شيء لا صلاة العشاء ولا صلاة المغرب؛ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، ولا___دليل على أنه يمتد إلى طلوع الفجر لا في القرآن، ولا في السنة، بل الدليل على خلاف ذلك، قال الله تعالى: {أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}، ثم فصل، وقال: {وقرءان الفجر} [الإسراء: 78].

وقوله: {لدلوك الشمس} أي: زوالها، {إلى غسق الليل} أي: من نصف النهار إلى نصف الليل، هذا وقت لأربع صلوات نهاريتين وليلتين، ثم فصل، وقال: {وقرءان الفجر}، أما السنة: فصريحة، فقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام-: "وقت العشاء إلى نصف الليل". وهذا نص صريح واضح، وسبحان الله تجد الإنسان أحيانا يدع الأدلة وهي واضحة كوضوح الشمس، ويكون رأي أكثر العلماء على خلافه، مما يدل على أن الإنسان مهما كان فهو محل نقص.

فإن قال قائل: إنه قد جاء الحديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام- إنه قال: "ليس في النوم تفريط". وإنما التفريط أو يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى. قلنا: نعم، ونحن نقول هذا، والمراد بالصلاة التي يمتد وقتها إلى وقت الأخرى وإلا فقولوا إن الفجر والظهر كالمغرب والعشاء، وهذا لا قائل به، والحكمة أيضا تقتضي ما قلنا؛ لأن الله - تعالى- جعل نصف النهار الأول ليس وقتا للفرائض ونصف الليل الثاني ليس وقتا للفرائض.

الفقهاء - رحمهم الله- يقولون: فيمن ترى يوما دما ويوما نقاء فالدم حيض والنقاء طهر وهذا فيه مشقة، لكن بعض العلماء يقول: إن هذا التقطع يعتبر من الحيض، بمعنى أنها لا تصلي." اهـ

 

وقال ابن العطار _رحمه الله_ في "العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام" (1/ 263)

وأما أحكامه:

ففيه دليل على: أن المستحاضة لا تصلي إلا في الزمن المحكوم بأنه حيض؛ وهو مجمع عليه، ولم يخالف فيه الخوارج.

وفيه: استفتاء من وقعت له مسألة، وجواز استفتاء المرأة بنفسها، ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة، وأحداث النساء، وجواز استماع صوتها عند الحاجة.

وفيه: النهيُ لها عن الصلاة في زمن الحيض؛ وهو نهي تحريم، ويقتضي فساد الصلاة بإجماع المسلمين، وسواء في هذه الصلاة المفروضة، والنافلة؛ لظاهر الحديث؛ وكذلك يحرم عليها: الطواف، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، وكل هذا متفق عليه.

وقد أجمع العلماء على: أنها ليست مكلفة بالصلاة، وعلى أَنَّه لا قضاءَ عليها، نعم، استحب بعضُ السلف، وبعض أصحاب الشَّافعي للحائض إذا دخل وقت الصلاة: أَنْ تتوضَّأ، وتستقبلَ القبلة، وتذكرَ الله تعالى، وأنكر ذلك بعضهم.

وفيه دليل على: نجاسةِ دم الحيض، والأمر بإزالته، وأنَّ الصلاة تجب بمجرد انقطاع دم الحيض.

واعلم: أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام؛ فيجوز___

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 264)

لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند الشَّافعي، وجمهورِ العلماء، وبه قال ابن المنذر، وحكاه في "الإشراف"؛ عن ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله المزني، والأوزاعي، والثوري، ومالك، وإسحاق، وأبي ثور.

ورُوِيَ عن عائشة أنها قالت: لا يأتيها زوجها؛ وبه قال النخعي، والحَكَم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها، إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية عنه: أنه لا يجوز وطؤها، إلا أن يخاف العَنَتَ، والمختار: قولُ الجمهور.___

روى عكرمة عن حمنة بنتِ جَحْش - رضي الله عنها -: أنها كانت مستحاضةً، وكان زوجُها يجامعها، رويناه في سنن أبي داود، والبيهقي، وغيرهما بهذا اللفظ بإسناد حسن [د].

وقال البخاري في "صحيحه":

قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاةُ أعظم [خع]، ولأن المستحاضة؛ كالطاهرة في الصلاة، والصوم؛ وكذا في الجماع؛ ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع، ولم يرد بتحريمه.

وأما الصلاة، والصيام، والاعتكاف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، وحمله، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، ووجوب العبادات عليها؛ فهي في كل ذلك كالطاهر؛ وهذا مجمع عليه.

وإذا أرادت المستحاضة الصلاة؛ فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث___

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 265)

والنجس؛ فتغسل فرجها قبل الوضوء، أو التيمم إن كانت تتيمم، وتحشو فرجَها بقطنة أو خرقة؛ دفعًا للنجاسة، أو تقليلًا لها.

فإن كان دمها قليلًا، يندفع بذلك وحده؛ فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفع بذلك؛ سدت مع ذلك على فرجها، وتَلَجَّمَتْ؛ وهو أن تشدَّ على وسطها خِرْقة أخرى مشقوقةَ الطرفين، فتدخِلُها بين فَخِذيها، وإِليتيها، وتشدُّ الطرفين بالخرقة التي في وسطها، إحداهما: قدامها عند سُرَّتها، والأخرى: خلفَها، وتُحكِمُ ذلك، وتُلصق هذه الخرقةَ بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقًا جيدًا؛ وهذا الفعل يسمى: تلجُّمًا، واستثفارًا، وتعصيبًا.

قال أصحابنا: وهذا الشد، والتلجُّم واجب، إلا في موضعين:

أحدهما: أن تتأذى بالشدِّ، ويحرقَها اجتماعُ الدم؛ فلا يلزمُها؛ لما فيه من الضرر.

والثاني: أن تكون صائمةً؛ فتترك الحشوَ بالنهار، وتقتصرُ على الشدِّ." اهـ

 

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (3/ 70)

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من المكلف أن يسأل عما جهله من أمر الدين ولا يمنعه الحياء ولو كان المسؤل كبيرا، وعلى طلب إجابة السائل ولو كان المسؤل أجلّ منه وعلى أن الحائض منهية عن الصلاة والمستحاضة مأمورة بها

 

سبل السلام (1/ 91_92):

"الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَعَلَى أَنَّ لَهَا حُكْمًا يُخَالِفُ حُكْمَ الْحَيْضِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَ بَيَانٍ، فَإِنَّهُ أَفْتَاهَا بِأَنَّهَا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ، وَبِأَنَّهَا تَنْتَظِرُ وَقْتَ إقْبَالِ حَيْضَتِهَا فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَإِذَا أَدْبَرَتْ غَسَلَتْ الدَّمَ وَاغْتَسَلَتْ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ: [وَاغْتَسِلِي] . وَفِي بَعْضِهَا كَرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ الْأَمْرَانِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: غَسْلُ الدَّمِ، وَالِاغْتِسَالُ، وَإِنَّمَا بَعْضُ الرُّوَاةِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْآخَرِ؛ ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ نَعَمْ وَإِنَّمَا بَقِيَ الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَتِهَا لِإِقْبَالِ الْحَيْضِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ بِمَاذَا يَكُونُ؟ فَإِنَّهُ قَدْ أَعْلَمَ الشَّارِعُ الْمُسْتَحَاضَةَ بِأَحْكَامِ إقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَإِدْبَارِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُمَيِّزُ ذَلِكَ بِعَلَامَةٍ.

وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

(أَحَدُهُمَا) : أَنَّهَا تُمَيِّزُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إلَى عَادَتِهَا، فَإِقْبَالُهَا وُجُودُ الدَّمِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْعَادَةِ؛ وَوَرَدَ الرَّدُّ إلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ " فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا» وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَيْضِ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.

(الثَّانِي) :

تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الدَّمِ، كَمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ " فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ " هَذِهِ بِلَفْظِ: «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» وَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَيَكُونُ إقْبَالُ الْحَيْضِ إقْبَالَ الصِّفَةِ وَإِدْبَارُهُ إدْبَارَهَا، وَيَأْتِي أَيْضًا الْأَمْرُ بِالرَّدِّ إلَى عَادَةِ النِّسَاءِ، وَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ جَمِيعًا،___وَيَأْتِي بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّ كُلًّا ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ بِعَلَامَةٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ.

 

سبل السلام (1/ 92)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَاقَ حَدِيثَ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي بَابِ النَّوَاقِضِ، وَلَيْسَ الْمُنَاسِبُ لِلْبَابِ إلَّا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا أَصْلَ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ بَابِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَالْحَيْضِ وَسَيُعِيدُهُ هُنَالِكَ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ الْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَلِهَذَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إنَّمَا رَفَعَ الْوُضُوءُ حُكْمَهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ نُقِضَ وُضُوءُهَا؛ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَأَنَّ الْوُضُوءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ، وَأَنَّهَا تُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ الْحَاضِرَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ، وَتَجْمَعُ بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ أَوْ لِعُذْرٍ؛ وَقَالُوا: الْحَدِيثُ فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَهُوَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تُوجِبُ التَّقْدِيرَ وَقَدْ تَكَلَّفَ فِي الشَّرْحِ إلَى ذِكْرِ مَا لَعَلَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ قَرِينَةٌ لِلْحَذْفِ وَضَعَّفَهُ؛ وَذَهَبَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ إلَّا لِحَدَثٍ آخَرَ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ مَا فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ " فِي بَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَجُوزُ لَهَا وَتُفَارِقُ بِهَا الْحَائِضَ هُنَالِكَ، فَهُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَفِي الشَّرْحِ سَرَدَهُ هُنَا، وَأَمَّا هُنَا فَمَا ذَكَرَ حَدِيثَهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ نَقْضِ الِاسْتِحَاضَةِ لِلْوُضُوءِ.

 

الاستذكار (1/ 338)

وَهَذَا نَصٌّ ثَابِتٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ

وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَتْهُ الْكَافَّةُ كَمَا نَقَلَتْهُ الْآحَادُ الْعُدُولُ وَلَا مُخَالِفَ فِيهِ إِلَّا طَوَائِفُ مِنَ الْخَوَارِجِ يَرَوْنَ عَلَى الْحَائِضِ الصَّلَاةَ

وَأَمَّا عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَهْلُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَكُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا إِلَّا أَنَّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ كَانَ يَرَى لِلْحَائِضِ وَيَأْمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ عِنْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَتَذْكُرَ اللَّهَ وَتَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ذَاكِرَةً لِلَّهِ جَالِسَةً

وَرَوَى خَالِدٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمَكْحُولٍ قَالَ مَكْحُولٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ

ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ قَالَ مَعْمَرٌ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَائِضَ كَانَتْ تُؤْمَرُ بِذَلِكَ عِنْدَ وَقْتِ كل صلاة

وبن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ

قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ أَمْرٌ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بَلْ يَكْرَهُونَهُ

ذَكَرَ دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سُئِلَ أَبُو قِلَابَةَ عَنِ الْحَائِضِ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَتَتَوَضَّأُ وَتَذْكُرُ اللَّهَ فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ قَدْ سَأَلْنَا عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا

قَالَ دُحَيْمٌ وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحَائِضِ أَنَّهَا إِذَا كَانَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ تَوَضَّأَتْ وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَتِ اللَّهَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ قَالَ مَا نَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنَّا نَكْرَهُهُ

وَقَالَ مَعْمَرٌ قُلْتُ لِابْنِ طَاوُسٍ أَكَانَ أَبُوكَ يَأْمُرُ الْحَائِضَ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِطُهْرٍ وَذِكْرٍ قَالَ لَا

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة