شرح الحديث 58-59 (باب المسح على الخفين) من بلوغ المرام بشرح أبي فائزة البوجيسي
58 - وَعَنْ عُمَرَ _رضي الله عنه_ مَوْقُوفًا، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلَبِسَ خُفَّيْهِ،
فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلَا يَخْلَعْهُمَا -إِنْ
شَاءَ -، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ |
ترجمة عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_:
وفي "الأعلام" للزركلي (5/ 45_46):
عُمَر بن الخَطَّاب (40 ق هـ - 23 هـ = 584 - 644 م):
عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص: ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين، الصح
أبي الجليل، الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، يضرب بعدله المثل.
كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السفارة فيهم، ينافر
عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وهو أحد العمرين اللذين كان النبي صلّى الله عليه
وسلم يدعو ربه أن يعز الإسلام بأحدهما. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، وشهد الوقائع.
قال ابن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة:___لم
يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
* وكانت له تجارة بين الشام والحجاز.
* وبويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ بعهد منه.
وفي أيامه تم فتح الشام والعراق، وافتتحت القدس والمدائن ومصر
والجزيرة. حتى قيل: انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام.
* وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجريّ، وكانوا يؤرخون بالوقائع.
* واتخذ بيت مال المسلمين،
* وأمر ببناء البصرة والكوفة فبنيتا.
* وأول من دوَّن الدواوين في الإسلام، جعلها على الطريقة الفارسية،
لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم.
وكان يطوف في الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم.
* وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدأوْا بأنفسكم.
* وروى الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان
فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم.
* وله كلمات وخطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر
إلا أنشد فيه بيت شعر.
* وكان أول ما فعله لما ولي، أن ردَّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهن
وقال: كرهت أن يصير السبي سبةً على العرب.
* وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية، وزاد في بعضها "
الحمد للَّه " وفي بعضها " لا إله إلا الله وحده " وفي بعضها
" محمد رسول الله ".
* له في كتب الحديث 537 حديثا.
* وكان نقش خاتمه: " كفى بالموت واعظا يا عمر "
* وفي الحديث: اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه.
* لقَّبه النبي _صلى الله عليه وسلّم_ بالفاروق، وكناه ب أبي حفص. وكان
يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
* قالوا في صفته: كان أبيض عاجي اللون، طوالا مشرفا على الناس، كث
اللحية، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم.
* قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسيّ (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح.___وعاش
بعد الطعنة ثلاث ليال." اهـ
ترجمة أنس بن مالك _رضي الله عنه_:
الأعلام للزركلي (2/ 24):
"أَنَس بن مالِك (10 ق هـ - 93 هـ = 612 - 712 م)
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة،
أو أبو حمزة:___صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخادمه.
روى عنه رجال الحديث 2286 حديثا. مولده بالمدينة وأسلم صغيرا وخدم النبي صلى الله عليه وسلم
إلى أن قبض. ثم رحل إلى
دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات فيها. وهو آخر من مات بالبصرة من
الصحابة
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (3/ 363)
قال أَبُو القاسم البغوي: أمه أم سليم بنت ملحان، قال: وَقَال علي
ابن المديني: اسمها مليكة بنت ملحان، وأمها الرميصاء.
عن أنس، قال:
شهدت مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الحديبية، وعمرته، والحج،
والفتح، وحنينا والطائف، وخيبر.
عن موسى بن أنس:
أن أبا بكر لما استخلف، بعث إلى أنس بن مالك، ليوجهه إلى البحرين على السعاية، قال: فدخل عليه عمر، فقال له أبو بكر: "إنى أردت أن أبعث هذا
إلى البحرين، وهو فتى شابٌّ."
قال: فقال له عمر : "ابعثه، فإنه لبيب كاتب." قال : "فبعثه."
نص الحديث وشرحه:
وَعَنْ عُمَرَ _رضي الله
عنه_ مَوْقُوفًا، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:
"إِذَا تَوَضَّأَ
أَحَدُكُمْ، فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا،
وَلَا يَخْلَعْهُمَا -إِنْ شَاءَ -، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ".
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قال الأمير الصنعاني في "سبل السلام (1/ 86)
تَقْيِيدُ اللُّبْسِ وَالْمَسْحِ بِـ(بَعْد الْوُضُوءِ) دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِطَاهِرَتَيْنِ فِي "حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ"
وَمَا فِي مَعْنَاهُ: الطَّهَارَةُ الْمُحَقَّقَةُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ.
«وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلَا
يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ» قَيَّدَهُمَا
بِالْمَشِيئَةِ دَفْعًا لِمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ،
وَظَاهِرُ النَّهْيِ مِنْ التَّحْرِيمِ
«إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يَجِبُ خَلْعُهُمَا
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَالْحَدِيثُ قَدْ أَفَادَ شَرْطِيَّةَ الطَّهَارَةِ وَأَطْلَقَهُ
عَنْ التَّوْقِيتِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِهِ، كَمَا يُفِيدُهُ "حَدِيثُ
صَفْوَانَ"، وَ"حَدِيثُ عَلِيٍّ" - عَلَيْهِ السَّلَامُ -."
اهـ
[تعليق]:
وحديث المغيرة بن شعبة _رضي الله عنه_:
هو ما رواه البخاري ومسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – فَتَوَضَّأَ،
فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي
أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
تخريج الحديث:
سنن الدارقطني (1/ 376) (رقم: 779):
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ، نا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ
زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ _رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ_، يَقُولُ:
«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ
عَلَيْهِمَا , وَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ
جَنَابَةٍ»
* وأخرجه الْمُخَلِّصُ في "المخلصيات" (1/ 231) (رقم: 310)،
والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 420) (رقم: 1330):
وفي "سنن الدارقطني" (1/ 376_377) (رقم: 781):
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، نا مِقْدَامُ بْنُ
دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ
دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ___خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ
فِيهِمَا، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا، إِنْ شَاءَ إِلَّا
مِنْ جَنَابَةٍ»
* وأخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 290)
(رقم: 643)، البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 420_421) (رقم: 1329 و 1331)،
وابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف" (1/ 210) (رقم: 241)
وقال الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 290)
«هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ
الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ
عَنْ حَمَّادٍ»
وقال البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 420_421):
"قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ تَابَعَهُ فِي الْحَدِيثِ
الْمُسْنَدِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ
دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ عَنْ حَمَّادٍ، وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ____.فَأَمَّا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ."
اهـ
تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 334)
إسناد هذا الحديث قويٌ.
وأسدٌ صدوقٌ، وثقه النَسائي (4) وغيره، ولا إلتفات إل كلام ابن حزم
فيه. وقد صحَح إسناده الحاكم، وذكر أَنه شاذٌ بمرَّةٍ." اهـ
وقال أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ في "موسوعة أحكام
الطهارة" (5/ 382):
"ووجه الترجيح: أن الطريقَ الأوَّلَ اختلف على أسد بن موسى،
فرواه مرة من مسند أنس، ورواه مرة موقوفاً على عمر،
وقد وافقه إمام من الأئمة عبد الرحمن بن مهدي في جعله موقوفاً على
عمر، فيكون هو المحفوظ من حديث حماد، لكل
ترجيح وجه، وإن كانت نفسي تميل إلى أن الأثر موقوف على عمر، كما رجحه ابن حزم
قال عبد الكريم الخضير في "شرح بلوغ المرام" (7/ 25)
بترقيم الشاملة:
وجمع من أهل العلم حكموا على الحديث بأنه شاذ، مخالف لما تقدم من
أحاديث التوقيت.
(وليصلِّ فيهما ولا يخلعهما إن شاء)
فالمخالفة من هذا الوجه إن شاء، يعني متى شاء، لا شك أنه من هذه
الوجه مخالف لأحاديث التوقيت، توقيت المسح بالنسبة للمسافر والمقيم، فرد إلى
مشيئته، فإن شاء مسح يوم، يومين، ثلاثة، أربعة، خمسة، وسيأتي في حديث أبي بن عمارة
ما يدل على ذلك، لكن حديثه ضعيف، وهذا حكم عليه بالشذوذ.
منهم من يقول: لا حاجة إلى الحكم عليه
بالشذوذ؛ لأنه يمكن تقييده بما تقدم إن شاء في المدة المحددة، فلا يكون هناك
حينئذٍ معارضة بين هذا الحديث وبين الذي قبله، وحينئذٍ يرتفع الشذوذ عنه، إذا لم
توجد المخالفة يرتفع الشذوذ." اهـ
والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_
في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 140) (رقم: 447).
من فوائد الحديث:
قال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ
المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 234):
"ففي هذا الحديث دليل على فوائد:
منها: أنه لا يجوز المسح على
الخفين إلا إذا لبسها بعد استكمال الطهارة، وهذا يؤخذ من قوله: "إذا
توضأ".
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يرجح
القول في أنه غسل الرجل اليمنى وأدخلهما الخف، ثم اليسرى وأدخلها الخف، فإذا لا
يسمح لأنه أدخل اليمنى قبل أن يتم وضوءه،
فإذا صح هذا الحديث، فإنه يرد القول بأنه يجوز أن يدخل الرجل اليمنى
قبل أن يغسل اليسرى ثم يغسل اليسرى، ويدخلها.
وهذا جائز عند شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من العلماء، وقال:
"إنه لا ينافي حديث المغيرة "إني أدخلتهما طاهرتين"،
لكن إذا صح هذا الحديث فهو واضح أنه لابد من استكمال الطهارة، والأمر
سهل، يعني: لا يبقى عليك أن تخرج من الشبهة إلا أن تؤخر إدخال اليمنى حتى تغسل
اليسرى.
ومن فوائد هذا الحديث: ترجيح
المسح على الخلع للابس الخف لقوله: "فليمسح عليهما، ولا يخلعهما" وقد
سبق بيان ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: الصلاة
في الخفين لقوله: "فليصل فيهما".
فإن قال قائل: أرأيتم لو كان فيهما قدرا نجسا؟ قلنا: لا يصلي فيه حتى
يطهره، وبماذا يطهرهما؟ يطهرهما بالتراب يمسح الخف في الأرض حتى تزول النجاسة؛
لأنه هكذا جاءت السنة، وأما قول من يقول: لابد من غسلهما فهذا قول ضعيف لمخالفته
السنة من وجه؛ ولأن فيه مشقة على الإنسان؛ لأنه لو غسل الخف ثم لبسه تأذى
بالبرودة؛ ولأن فيه إفسادا للخف فعلى كل حال لا شك أن تطهير الخفين بالتراب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا
مسح على الخفين في الجنابة لقوله: "ولا يخلعهما إن شاء الله إلا من
الجنابة" وسبق ذلك، وبيان الحكمة من كون الجنابة لابد فيها من غسل الرجل.
قال عبد الله بن عبد الرحمن البسام _رحمه الله_ في "توضيح
الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 275):
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - فيه اشتراط الطهارة في المسح على الخفين، وأنَّه لا يجوز المسح
عليهما إلاَّ إذا لُبسَا بعد كمال الطهارة؛ كما تقدَّم في حديث المغيرة بن شعبة.
2 - أنَّ الَمسح رخصةٌ، فهو جائزٌ، وليس بواجبٍ، وقد قُيِّد الأمر
بالمسح، ويحتمل أنْ يكونَ للاستحباب.
قال شيخ الإسلام: الأفضل لِلاَبس الخف: أنْ يمسح عليه، والأفضل لمن
قدماه مكشوفتان: غسلهما؛ اقتداءً بالنَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
3 - الحديث مطلق عن التوقيت؛ ولكنَّه مقيد بالأحاديث الأُخر التي
تقدَّمت، ومنها حديث علي، وحديث صفوان -رضي الله عنهما- من أنَّ للمسح مدَّةً
محدودة.
4 - المسح على الخفين ونحوهما خاصٌّ بالحدث الأصغر؛ أمَّا الحدث
الأكبر فلا يجوز المسح معه، بل لابد من خلع الخفين وغسل القدمين؛ لقوله:
"إلاَّ من جنابة"؛ لأنَّ حدث الجنابة أشدُّ وأغلظُ من الحدث الأصغر،
فإنَّه يحرُمُ على الجنب ما لا يحرُمُ على صاحب الحدث الأصغر.
5 - فيه مشروعيةُ الصلاة في الخفين ونحوهما؛ لقوله: "وليصل
فيهما"، كما صحَّ: "أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في
نعليه".
قال المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (1/ 267):
"الحديث مطلق في الترخيص، ولم يوقت ولم يشترط السفر ولا غيره،
ولكنه مقيد كما تقدم من التوقيتِ واشتراطِ الطهارة قبل اللُّبْسِ، فتنبه."
اهـ
59 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_: عَنْ النَّبِيِّ: «أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيُهُنَّ،
وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ: أَنْ
يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ. |
ترجمة أبي بكرة _رضي الله عنه_:
وفي "الأعلام" للزركلي (8/ 44_45):
"أَبُو بكْرَة الثَّقَفي (000 - 52 هـ =..672 م):
نُفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، أبو بكرة: صحابي، من أهل الطائف.___
له 132 حديثا. توفي بالبصرة.
وإنما قيل له "أبو بكرة" لأنه تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ مِنْ حِصْنِ
الطائف إلى النبي صلّى الله عليه وسلم. وهو ممن
اعتزل الفتنة يوم "الجمل"، و "أيام
صفين" ." اهـ
نص الحديث وشرحه:
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ _رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ_:
عَنْ النَّبِيِّ:
«أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيُهُنَّ،
وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ: أَنْ
يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» . أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
وفي رواية لابن حبان في "صحيحه" (4/
157):
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى
الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَلِلْمُقِيمِ
يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ».
تخريج الحديث:
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 184) (رقم: 556)، وابن أبي
شيبة في "مصنفه" (1/ 163) (رقم: 1878)، والبزار في "المسند" = "البحر الزخار" (9/ 90) (رقم: 3621)،
وابن الجارود في "المنتقى" (ص: 32) (رقم: 87)، والدُّولابي في "الكنى
والأسماء" (3/ 995) (رقم: 1744)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 96)
(رقم: 192)، وابن حبان في "صحيحه" (4/ 153 و 4/ 157) (رقم: 1324 و1328)،
والدارقطني في "سننه" (1/ 357 و 1/ 377) (رقم: 747 و 782)، وأبو نعيم في
"تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 156)، والبيهقي في "السنن
الكبرى" (1/ 415 و 1/ 422_423) (رقم: 1308_1309 و 1339_1340)، وفي "معرفة
السنن والآثار" (2/ 108) (رقم: 1994)، وابن الجوزي في "التحقيق في مسائل
الخلاف" (1/ 211) (رقم: 242).
وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (1/ 73) (رقم:
224):
"قال الشافعي: (هو حديث إسناده صحيح). وقال الترمذي: "قال
البخاري: (حديث حسن)." اهـ
وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" – ط. قرطبة (1/ 277):
"وَصَحَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا، وَنَقَلَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ صَحَّحَهُ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ." اهـ
قال البزار _رحمه الله_ في "المسند" = "البحر الزخار" (9/
91) بعد روايته للحديث:
"وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ."
والحديث حسن: حسنه الألباني _رحمه الله_
في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 161) (رقم: 519)، و"التعليقات
الحسان" (3/ 38) (رقم: 1321)
من فوائد الحديث:
وفي "صحيح ابن حبان" (4/ 153):
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ
الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا أَدْخَلَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طُهْرٍ."
اهـ
شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (3/ 845)
فيه من الحجة القائمة علي الفرقة الزائغة عن القول بمسح الخف، وهو
قول الصحابي: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا)) ولفظ الأمر فيه من أقوى
الحجج، وأقوم الدلائل، علي أنه الحق الأبلج، والسنة القائمة.
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 95)
والحاصل أن أرجح المذاهب مذهب من اشترط لبس الخفّين على طهارة كاملة،
فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 476)
هُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ مُقَدَّرَةٌ، وَهُوَ مَا
عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ
سبل السلام (1/ 87)
وَفِيهِ إبَانَةُ أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ، لِتَسْمِيَةِ
الصَّحَابِيِّ لَهُ بِذَلِكَ.
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 276)
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - مدَّة مسح المسافر ثلاثة أيَّامٍ ولياليهنَّ، ومسح المقيم يوم
وليلة.
2 - أنْ يكون المسح بعد طهارةٍ كاملةٍ، ولُبْسِ الخفين بعدها.
3 - الفرق بين المسافر والمقيم: هو أنَّ المسافر في مظنَّة الحاجة
إلى طول المدَّة لمشقَّة السفر والبَرْدِ والحفاءِ وتوفيرِ الوقت، بخلاف المقيمِ
فهو في راحةٍ من هذا كلِّه.___
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 277)
4 - المسح على الخفين ونحوهما رخصةٌ من الله تعالى، وتسهيلٌ على
خلقه، والنَّبي -صلى الله عليه وسلم- المرخِّصُ مبلِّغٌ عن الله تعالى.
5 - كلَّما اشتدَّتِ الحاجةُ حصلتِ الرخصة والتيسير، وهذه هي قاعدة
الإسلام الكبرى في أحكامه الرشيدة.
6 - قوله: "رخَّص" دليلٌ على أنَّ المسح على الخفين
رخصةٌ لا عزيمة، والرخصةُ ليست بواجبة، فيكونُ المسحُ على الخفين ليس بواجب.
7 - الرخصة لغةً: السهولة، واصطلاحًا: ما ثَبَتَ على خلافِ دليلٍ
شرعي لمعارضٍ راجحٍ؛ فالدليل الشرعي -هنا -وهو: وجوبُ غَسْلِ الرجلين في الوضوء،
ومسح الرَّأس، أمَّا المعارض الرَّاجح: فهو التسهيل بالمسح.
8 - وفيه دليلٌ على أنَّ الشرع ينزل المكلَّفين على موجب أحوالهم؛
فكل واحدٍ له منزلته المناسبة لحاله.
مجموع فتاوى ابن باز (10/ 117)
وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن
يمسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما بعد كمال الطهارة، والذي أدخل الخف أو
الشراب برجله اليمنى قبل غسل رجله اليسرى لم تكمل طهارته.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح، ولو كان الماسح قد أدخل رجله
اليمنى في الخف أو الشراب قبل غسل اليسرى؛ لأن كل واحدة منهما إنما أدخلت بعد
غسلها.
والأحوط: الأول، وهو الأظهر في الدليل، ومن فعل ذلك فينبغي له أن
ينزع الخف أو الشراب من رجله اليمنى قبل المسح، ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل
اليسرى، حتى يخرج من الخلاف ويحتاط لدينه.
والله ولي التوفيق.
Komentar
Posting Komentar