شرح الحديث 196 من الأدب المفرد
196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا بَقَّى
غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ
امْرَأَتُكَ: (أَنْفِقْ عَلَيَّ، أَوْ طَلِّقْنِي)، وَيَقُولُ مَمْلُوكُكَ: (أَنْفِقْ
عَلَيَّ، أَوْ بِعْنِي)، وَيَقُولُ وَلَدُكَ: (إِلَى مَنْ
تَكِلُنَا)" [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ (ثقة حافظ: ت. 228 هـ):
مسدد بن مسرهد بن
مسربل بن مستورد الأسدي، أبو الحسن البصري (ويقال: "اسمه: عبد الملك بن عبد العزيز،
ومسدد لقبٌ.")، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى
له: خ د ت س
* قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ثقة ثبت فقيه: 179 هـ):
حماد بن زيد بن
درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري الأزرق (مولى آل جرير بن حازم، وكان جَدُّهُ
درهم مِنْ سبى سجستان)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى
له: خ م د ت س ق
* عَنْ
عَاصِمٍ بن بَهْدَلَةَ (صدوق له أوهام، حُجَّةٌ فى القراءة: ت. 128 هـ):
عاصم بن بهدلة (وهو
ابن أبى النجود)، الأسدي مولاهم، الكوفي، أبو بكر المقرئ، من الذين عاصروا صغار
التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَبِي صَالِحٍ (ثقة ثبت: ت 101
هـ):
ذكوان أبو صالح السمان
الزيات المدنى ، مولى جويرية بنت الأحمس الغطفانى (والد سهيل بن أبى صالح)، من
الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ (ت 57 هـ):
عبد الرحمن بن
صخر المعروف اليماني بـ"أبي هريرة الدوسي"، روى
له: خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
"خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا بَقَّى
غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ
امْرَأَتُكَ: (أَنْفِقْ عَلَيَّ، أَوْ طَلِّقْنِي)،
وَيَقُولُ مَمْلُوكُكَ: (أَنْفِقْ
عَلَيَّ، أَوْ بِعْنِي)،
وَيَقُولُ وَلَدُكَ: (إِلَى مَنْ
تَكِلُنَا)"
وفي "صحيح البخاري" (7/ 63):
عن أبي هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ_، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى. وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ
السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»
تَقُولُ المَرْأَةُ: (إِمَّا أَنْ
تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي)، وَيَقُولُ العَبْدُ: (أَطْعِمْنِي
وَاسْتَعْمِلْنِي)، وَيَقُولُ الِابْنُ: (أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي)."
وفي "مسند أحمد" - عالم
الكتب (2/ 527):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ مِنْهَا
عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»
فَقِيلَ: مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " امْرَأَتُكَ مِمَّنْ تَعُولُ،
تَقُولُ: (أَطْعِمْنِي، وَإِلَّا فَارِقْنِي).
وَجَارِيَتُكَ تَقُولُ: (أَطْعِمْنِي،
وَاسْتَعْمِلْنِيْ)، وَوَلَدُكَ يَقُولُ: (إِلَى مَنْ تَتْرُكُنِيْ)."
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(3/ 296):
"وَمَعْنَى
الْحَدِيثِ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى
مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفْظُ (الظَّهْرِ) يَرِدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا
لِلْكَلَامِ.[1]
وَالْمَعْنَى: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ
مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ
الْكِفَايَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ).
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْمُرَادُ: غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي
تَنُوبُهُ،
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ: (رَكِبَ مَتْنَ
السَّلَامَةِ)
وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ (غِنًى)
لِلتَّعْظِيمِ.
هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى
الْحَدِيثِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ خَيْرُ
الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَقِيلَ:
عَنْ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَ(الظَّهْرُ) زَائِدٌ)، أَيْ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا
كَانَ سَبَبُهَا غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ." اهـ
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(9/ 500_511):
يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ
إِذَا مَانَهُمْ أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ
وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ على مَا لَا يجب.
وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ:
"اخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ
بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ:
* فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ: النَّفَقَةَ
لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا
إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: إِلَى أَنَّ
الْوَاجِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ___حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ أَوْ تَتَزَوَّجَ
الْأُنْثَى ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى فَإِنْ
كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَبِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ
وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 78) (رقم: 196)، وفي "صحيحه" (7/ 63) (رقم: 5355)، والنسائي في
"السنن الكبرى" (8/ 280_281) (رقم: 9165 و 9167)، وأحمد في "مسنده"
- عالم الكتب (2/ 252 و2/ 524 و 2/ 527) (رقم: 7429 و 10785 و10818)، وابن أبي
الدنيا في "النفقة على العيال" (1/ 151) (رقم: 17)، وابن الجارود في
"المنتقى" (ص: 188) (رقم: 751)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/
96) (رقم: 2436)، وأبو محمد الفاكهي في "الفوائد" (ص: 115) (رقم: 1)،
والطبراني في "المعجم الأوسط" (9/ 102) (رقم: 9251)، سنن الدارقطني (4/
452) (رقم: 3780)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 774 و 7/ 775) (رقم: 15710
و15711)، وفي "السنن الصغير" (3/ 187) (رقم: 2887)، و"شعب الإيمان"
(5/ 95 و11/ 81) (رقم: 3146 و8213).
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 250) (رقم: 1114)،
و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 527) (رقم: 881)
من فوائد الحديث:
صحيح ابن حبان - مخرجا (8/ 150)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»
عِنْدِي أَنَّ الْيَدَ الْمُتَصَدِّقَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السَّائِلَةِ، لَا
الْآخِذَةِ دُونَ السُّؤَالِ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ الَّتِي أُبِيحَ
لَهَا اسْتِعْمَالُ فِعْلٍ بِاسْتِعْمَالِهِ أَحْسَنَ مِنْ آخَرَ فُرِضَ عَلَيْهِ
إِتْيَانُ شَيْءٍ، فَأَتَى بِهِ أَوْ تَقَرَّبَ إِلَى بَارِئِهِ مُتَنَفِّلًا
فِيهِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُعْطِي فِي إِتْيَانِهِ ذَلِكَ أَقَلَّ تَحْصِيلًا
فِي الْأَسْبَابِ مِنَ الَّذِي أَتَى بِمَا أُبِيحَ لَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا
الْآخِذُ بِمَا أُبِيحَ لَهُ أَفْضَلَ وَأَوْرَعَ مِنَ الَّذِي يُعْطِي، فَلَمَّا
[ص:151] اسْتَحَالَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ التَّحْصِيلِ بِالتَّفْضِيلِ
صَحَّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَسْأَلُهَا
كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 520_521):
"وَاعْلَم أَن الصَّدَقَة
نَافِلَة، وإغناء النَّفس والأهل وَاجِب، فَإِذا أغنوا حسنت الصَّدَقَة بعد ذَلِك،
فَهَذَا معنى قَوْله: ((وابدأ بِمن تعول)) .
فَإِن قيل: فَكيف الْجمع بَين هَذَا
وَبَين قَوْله: ((أفضل الصَّدَقَة جهد مقل)) ؟ .
فَالْجَوَاب: من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن
يكون جهد الْمقل بعد إغناء من يلْزم إغناؤه، فَكَأَنَّهُ يستسل من فواضل الْغنى
شَيْئا فَيتَصَدَّق بِهِ.__
وَالثَّانِي: أَن
الْمقل إِذا آثر وصبر فَهُوَ غَنِي بِالصبرِ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (3/ 296):
وَقَالَ النَّوَوِيُّ:
مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ
بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَالٌ
لَا يَصْبِرُونَ وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ
فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ
فِي الْمُفْهِمِ يُرَدُّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَطَّابِيِّ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِنْهَا حَدِيثُ
أَبِي ذَرٍّ أفَضْلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ
مَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ
النَّفْسِ وَالْعِيَالِ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّقُ مُحْتَاجًا بَعْدَ
صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَدٍ فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُصُولُ مَا
تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ
الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْحَاجَةُ
إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ فَلَا
يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ
بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوِ الْإِضْرَارِ بِهَا أَوْ كَشْفِ
عَوْرَتِهِ فَمُرَاعَاةُ حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا سَقَطَتْ
هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَلُ
لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْرِ وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ فَبِهَذَا
يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (3/ 296)
قَوْلُهُ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)
فِيهِ: تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ
وَعِيَالِهِ، لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ.
وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى." اهـ
فتح الباري لابن حجر (9/ 500)
وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ
تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ أَوَّلَ النَّفَقَاتِ وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَنِ التَّكَسُّبِ لِحَقِّ
الزَّوْجِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي
تَقْدِيرِهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا بِالْكِفَايَةِ
وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ كَمَا قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهَا
بِالْأَمْدَادِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنَ الشَّافِعِيَّة أَصْحَاب الحَدِيث
كَابْن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذِرِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ
عَبْدَانَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ هُوَ الْقِيَاسُ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
مَا سَيَأْتِي فِي بَاب إِذا لم ينْفق الرجل فللمرأة أَن تَأْخُذَ بَعْدَ سَبْعَةِ
أَبْوَابٍ:
وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
بِأَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ بِالْحَاجَةِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ
وَالْغَنِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِمَا يُشْبِهُ
الدَّوَامِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ فِي
الذِّمَّةِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ مَا تطْعمُونَ أهليكم
فَاعْتَبِرُوا الْكَفَّارَةَ بِهَا وَالْأَمْدَادُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَّارَةِ
وَيَخْدِشُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ
وَبِأَنَّهَا لَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ بِخِلَافِ
الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا.
وَالرَّاجِحُ مِنْ
حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ
بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ
فتح الباري لابن حجر (9/ 501)
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ
كَانَ مِنَ الْأَوْلَادِ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى
الْأَبِ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ إِلَى مِنْ تَدَعُنِي إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَا
يَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ سِوَى نَفَقَةِ الْأَبِ وَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ مَالٌ لَا
يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ ذَلِكَ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (9/ 501):
"وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (إِمَّا
أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي) مَنْ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ، وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ،
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَلْزَمُهَا
الصَّبْرُ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ _تَعَالَى_:
{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]،
وَأَجَابَ الْمُخَالِفُ: بِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ الْفِرَاقُ وَاجِبًا، لَمَا جَازَ الْإِبْقَاءُ، إِذَا رَضِيَتْ.
وَرُدَّ عَلَيْهِ:
بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْقَاءِ، إِذَا رَضِيَتْ، فَبَقِيَ
مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِ النَّهْيِ.
وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي
الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنَ
التَّابِعِينَ قَالُوا: (نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ، فَإِذَا كَادَتِ
الْعِدَّةُ تَنْقَضِي، رَاجَعَ)،
وَالْجَوَابُ: أَنَّ مِنْ
قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ حَتَّى تَمَسَّكُوا
بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: (اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ)[2]، (اتْرُكْ
رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ)،
مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي
الْإِشَارَةِ بِالْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ بِالسَّلَامِ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
وَهُنَا تَمَسَّكُوا بِالسَّبَبِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا
بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْسَرَ
بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ اتِّفَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
اهـ
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 295)
(قلت) كَيفَ طَابَ للنووي تَقْدِيم
الزَّوْجَة على الْوَلَد وَالْولد بضعَة من الْأَب. وَالزَّوْجَةُ أَجْنَبِيَّةٌ،
ثمَّ يُعلل مَا قَالَه بقوله (لِأَن نَفَقَتهَا آكِد لِأَنَّهَا لَا تسْقط
بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا بالإعسار).
وَهَذَا أَيْضا عَجِيب مِنْهُ لِأَن
نَفَقَتهَا صلَة فِي نفس الْأَمر وَهِي على شرف السُّقُوط، وَنَفَقَةُ الْوَلَد حتْمٌ،
لَا تسْقط بِشَيْء." اهـ
طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 177):
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقُوا
فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى
نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك قَالَ عِنْدِي
آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ
بِهِ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ» ، وَرَوَاهُ
ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ حِبَّانَ،
وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى
الزَّوْجَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْتِيبُ
إذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ
الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ
أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَبِضْعَتِهِ
فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ
عَلَيْهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالزَّوْجَةِ، وَأَخْرَجَهَا عَنْ دَرَجَةِ الْوَلَدِ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقْ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ
لَهَا مَنْ يُمَوِّنُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ
ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ،
وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِذْ قَدْ
اخْتَلَفَتْ الرَّوِيَّتَانِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ
اُخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَدَّمَ السُّفْيَانَانِ، وَأَبُو
عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادٍ ذِكْرَ الْوَلَدِ
عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَبِي
دَاوُد وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَ اللَّيْثُ
وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادٍ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَهِيَ
رِوَايَةُ النَّسَائِيّ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ ذَكَرَ
الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةَ تَقْدِيمِ
الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ
أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ كَمَا___قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ
تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ فَإِنَّهَا لَا
تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَا بِالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ
عِوَضًا لَكِنْ اعْتَرَضَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ نَفَقَتَهَا إذَا
كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ كَالدُّيُونِ، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِي مَالِ
الْمُفْلِسِ تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ، وَخَرَجَ لِذَلِكَ احْتِمَالًا فِي
تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ، وَأَيَّدَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ
الْمُتَوَلَّيْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ الطِّفْلِ تُقَدَّمُ
عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخَطَّابِيَّ مَشَى عَلَيْهَا
فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا سَبَقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال العيني في "عمدة القاري شرح
صحيح البخاري" (21/ 14_15):
"وَفِي___هَذَا الحَدِيث أَحْكَام:
الأول: أَن حق نفس الرجل يقدَّمُ على
حق غَيره.
الثَّانِي: أَن نَفَقَة الْوَلَد
وَالزَّوْجَة فرض بِلَا خلاف.
الثَّالِث: أَن نَفَقَة الخدم وَاجِبَة
أَيْضا.
الرَّابِع: اسْتَدَلَّ بقوله: (إِمَّا
أَن تطعمني وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي) من قَالَ: (يفرق بَين الرجل وَامْرَأَته
إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ واختارت فِرَاقه).
قَالَ بَعضهم: وَهُوَ قَول جُمْهُور
الْعلمَاء.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: (يلْزمهَا
الصَّبْر وتتعلق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ)،
وَاسْتدلَّ الْجُمْهُور بقوله
تَعَالَى: {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} (الْبَقَرَة: 231) وَأجَاب الْمُخَالف:
بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْفِرَاق وَاجِبا لما جَازَ الْإِبْقَاء إِذا رضيت.
ورد عَلَيْهِ بِأَن
الِاجْتِمَاع دلّ على جَوَاز الْإِبْقَاء إِذا رضيت فَبَقيَ مَا عداهُ على
عُمُوم النَّهْي، وبالقياس على الرَّقِيق
وَالْحَيَوَان، فَإِن من أعْسر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أجبر على بَيْعه. انْتهى.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكُوفِيُّونَ
هُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة وَأبي
سلمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ المحكي عَن عمر بن الْخطاب _رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ_.
وَرُوِيَ عَن عبد الْوَارِث عَن عبيد
الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: كتب
عمر _رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ_ إِلَى أُمَرَاء الأجناد: (ادعوا فلَانا
وَفُلَانًا، أُنَاسًا قد انْقَطَعُوا عَن الْمَدِينَة، ورحلوا عَنْهَا، إِمَّا أَن
يرجِعوا إِلَى نِسَائِهِم، وَإِمَّا أَن يبعثوا بِنَفَقَة إلَيْهِنَّ، وَإِمَّا
أَن يطلقوا، ويبعثوا بِنَفَقَة مَا مضى)، وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء غير ذَلِك.
وَقَول هَذَا الْقَائِل: وَأجَاب
الْمُخَالف: هَل أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة أم غَيره؟
فَإِن أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة فَمَا
وَجه تَخْصِيصه من بَين هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ ذَلِك إلاّ من أريحة التعصب، وَإِن
أَرَادَ بِهِ غَيره مُطلقًا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: )وَأجَاب
المخالفون(،
وَلَا يتم استدلالهم بقوله تَعَالَى:
{وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} لِأَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد ومسروقاً وَالْحسن
رَاجعهَا ضِرَارًا لِئَلَّا تذْهب إِلَى غَيره ثمَّ يطلقهَا فتعتذ فَإِذا شارفت
على انْقِضَاء الْعدة يُطلق ليطول عَلَيْهَا الْعدة فنهاهم الله عَن ذَلِك وتوعدهم
عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه} أَي: بمخالفة أَمر الله عز
وَجل، فَبَطل استدلالهم بِهَذَا وَعُمُوم النَّهْي لَيْسَ فِيمَا قَالُوا:
وَإِنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي ذكر: عَن ابْن عَبَّاس وَمن مَعَه، وَالْقِيَاس على
الرَّقِيق وَالْحَيَوَان قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَلَا يَصح بَيَانه أَن الرَّقِيق
وَالْحَيَوَان أَن لَا يملكَانِ شَيْئا وَلَا يجد الرَّقِيق من يسلفه وَلَا يصبران
على عدم النَّفَقَة، بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا تصبر وتستدين على ذمَّة
زَوجهَا، وَلِأَن التَّفْرِيق يبطل حَقّهَا وإبقاء النِّكَاح يُؤَخر حَقّهَا إِلَى
زمن الْيَسَار عِنْد فقره وَإِلَى زمن الْإِحْضَار عِنْد غيبته، وَالتَّأْخِير
أَهْون من الْإِبْطَال." اهـ
شرح النووي على
مسلم (7/ 125)
قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ):
* فِيهِ:
تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ
نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بالأهم فالأهم
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 586)
قال الجامع عفا
الله تعالى عنه: هذا الذي وجّه به القرطبيّ رحمه الله هذا الحديث حسنٌ جدًّا، حيث
تجتمع به الأدلّة، ويندفع به التعارض بينها.
وحاصله أن المراد
بالغنى في قوله: "ما كان عن ظهر غنى" الغنى الذي يقوم معه على حقوق
نفسه، وحقوق العيال، من دفع الحاجات الضروريّة التي لا بدّ للإنسان، كالأكل من
جوع، واللبس من عري، ونحوهما، فما كان بعد ذلك من الصدقة، فهو أفضل؛ للنصوص التي
وردت في مدح الإيثار، وإن كان معه نوع احتياج، والله تعالى أعلم بالصواب.
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 588)
قال الجامع عفا
الله تعالى عنه: عندي أن ما قال الإمام البخاريّ رحمه الله هو الأرجح، وحاصله أن
من تصدّق بماله، وهو محتاجٌ، أو أهله، أو عليه دينٌ، بطلت صدقته، إلا أن يكون معروفًا بالصبر، كفعل أبي بكر -رضي الله
عنه-، وبهذا تجتمع الأدلّة، من غير تعارض، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ذخيرة العقبى في
شرح المجتبى (22/ 375)
في فوائده:
(منها): ما بوّب
له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان معنى "الصدقة عن ظهر غنى".
(ومنها): أن
الواجب على الشخص في النفقة أن يقدم نفسه، ثم الأقرب، فالأقرب
(ومنها): وجوب
نفقة الزوجة، وهو مجمع عليه
(ومنها): وجوب
نفقة الأولاد، وقد تقدّم قريبًا اختلاف أهل العلم فيه
(ومنها): وجوب
نفقة الخادم
(ومنها): أن
المتطوّع بالصدقة خُيِّرَ بين أن يتصدّق، وبين أن يترك، فلا تجب عليه الصدقة، إلا
الزكاة، وصدقة الفطر، أو ما يكون لعارض، كما إذا وجد مضطرًّا، على ما قدّمنا
تفصيله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
الاستذكار (8/
540)
قَالَ أَبُو
عُمَرَ هَذَا بَيِّنٌ فِي نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْمَمَالِيكِ وَالْبَنِينَ
الصِّغَارِ وَالْبَنَاتِ
وَلَا خِلَافَ
بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَاتِ جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا
وَتَلْخِيصُ مَا
يَجِبُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَنِيِّ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْفَقِيرِ مَذْكُورٌ فِي
الْبَابِ التَّالِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
التمهيد لما في
الموطأ من المعاني والأسانيد (24/ 289)
فَهَذَا بَيِّنٌ
فِي وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْمَمَالِيكِ وَلَيْسَ فِي
وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا بِالْمَعْرُوفِ
اخْتِلَافٌ عَلَى قَدْرِ حَالِ الْمَمْلُوكِ أَوِ المملوكة
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 177)
فِيهِ إيجَابُ
النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ
لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ
الِابْتِدَاءُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ.
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 178)
قَدْ يَدْخُلُ
فِي قَوْلِهِ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ كُلَّ مَنْ يُمَوِّنُهُ الْإِنْسَانُ،
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ
صَاحِبِ الْمُحْكَمِ الْعِيَالَ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّيْخِ
تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ الظَّاهِرُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ
مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ وَالْعَادَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ
يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ حُرٍّ وَغَيْرِهِ،
وَكَذَا
الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فَإِنَّهَا تَجِبُ
يَوْمًا فَيَوْمًا،
وَلَوْ جُعِلَتْ
مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَفِي تَمْيِيزِ نَصِيبِهَا مِنْهُ وَنَصِيبِهِ مِنْ
سَهْمِ الْمَسَاكِينِ عُسْرٌ أَوْ خِلَافٌ فِي الْأَخْذِ بِصِفَتَيْنِ،
وَفِي إفْرَادِ
كُلٍّ بِالصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ تَبِعَةِ عُسْرٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِسْكِينَةً،
وَلَهَا وَلَدٌ لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَزِمَهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ مِنْ
عِيَالِهَا.
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 178)
قَدْ يُسْتَدَلُّ
بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهٍ لِمَا فِي
ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِالْبَدَاءَةِ بِمَنْ يَعُولُ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى
هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا
أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ دُونَ
قُوتِ عِيَالِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ
الضِّيَافَةِ الْفَضْلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لِتَأَكُّدِهَا
وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا قَالَ: وَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ صَدَقَةً،
وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ
الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَ صِبْيَانِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَجَابَ عَنْ
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا
مُحْتَاجِينَ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا طَلَبُوهُ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي
الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (3/ 428)
وَالْيَدُ
الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ. قال بعض أهل العلم: فى قوله
(صلى الله عليه وسلم) : (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول) دليل على
أن النفقة على الأهل أفضل من الصدقة، لأن الصدقة تطوع، والنفقة على الأهل فريضة.
وقوله: (لا صدقة
إلا عن ظهر غنى) أى لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله، لأن الابتداء بالفرائض
قبل النوافل أولى،
وليس لأحد إتلاف
نفسه، وإتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه، وأهله، إذ
حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس، ولذلك قال: (وابدأ بمن تعول).
وقال لكعب: (أمسك
عليك بعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) [خ م]." اهـ
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530):
قال المهلب:
النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع، وهذا الحديث حجة فى ذلك. وقوله عليه
السلام: (وابدأ بمن تعول) ، ولم يذكر إلا الصدقة يدل أن نفقته على من يعول من أهل
وولد محسوب له فى الصدقة، وإنما أمرهم الله أن يبدءوا بأهليهم خشية أن يظنوا أن
النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرفهم عليه السلام أنها لهم صدقة حتى لا
يخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أن يقوتوهم." اهـ
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530)
قال الطبرى:
وقوله عليه السلام: (وابدأ بمن تعول) ، إنما قال ذلك؛ لأن حق نفس المرء عليه أعظم
من حق كل أحد بعد الله، فإذا صح ذلك فلا وجه لصرف ما هو مضطر إليه إلى غيره، إذ
كان ليس لأحد إحياء غيره بإتلاف نفسه وأهله، وإنما له إحياء غيره بغير إهلاك نفسه
وأهله وولده، إذ فرض عليه النفقة عليهم، وليست النفقة على غيرهم فرضًا عليه، ولا
شك أن الفرض أولى بكل أحد من إيثار التطوع عليه.
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530)
وفيه: أن النفقة
على الولد ما داموا صغارًا فرض عليه؛ لقوله: إلى من تدعنى؟ وكذلك نفقة العبد
والخادم للمرء واجبة لازمة.
التنوير شرح
الجامع الصغير (5/ 553_554):
الخبر إخبار بأن
أفضل الصدقة ما كانت عن غنى لأن صاحبه يعطيه بسماحة نفس غالبا بخلاف الفقير فإنها
تتبع نفسه ما أخرجه من النفقة ولا ينافيه: "أفضل__الصدقة جهد المقل" لأن
الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص لقوة التوكل." اهـ
المنهل العذب
المورود شرح سنن أبي داود (9/ 327)
[1] وقال إبراهيم بن يوسف بن أدهم
الوهراني الحمزي، أبو إسحاق ابن قرقول (المتوفى:
569هـ)
_رحمه الله_ في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" (5/ 158): "والغِنى
ضد الفقر، ومنه: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، أي:
(ما أبقت غنًى)، قيل: معناه: الصدقة بالفضل عن قوت عيالهم وحاجتهم، كقوله:
"وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ"، كقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، قيل: الفضل عن أهلك. وقيل في قوله: "مَا
أَبْقَتْ غِنًى" ما أغنيت به عن المسألة من أعطيته." اهـ
[2] أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 322/ 119) (رقم: 430)
Komentar
Posting Komentar