شرح الحديث 194-196 من الأدب المفرد
194 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: قَالَ مَعْرُورٌ: مَرَرْنَا
بِأَبِي ذَرٍّ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَقُلْنَا: لَوْ
أَخَذْتَ هَذَا وَأَعْطَيْتَ هَذَا غَيْرَهُ، كَانَتْ حُلَّةٌ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ
تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا
يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ،
فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ» [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ (ثقة
حافظ: 228 هـ):
مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد
الأسدي، أبو الحسن البصري (ويقال: اسمه عبْدُ الملك بن عبد العزيز، ومسدد: لقبٌ)،
كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له: خ د ت
س
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (ثقة
متقن حافظ إمام قدوة: ت. 198 هـ):
يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، أبو سعيد البصري الأحول الحافظ (يقال: مولى بنى
تميم، ويقال: ليس لأحد عليه ولاء)، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
عَنِ الْأَعْمَشِ (ثقة
حافظ عارف بالقراءات، لكنه يدلس: ت. 148 هـ):
سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم، أبو محمد الكوفي الأعمش (وكاهل: هو ابن أسد بن خزيمة)، من صغار التابعين،
روى له: خ م د ت س ق
قَالَ: قَالَ مَعْرُورٌ (ثقة:
ت. 99 هـ):
المعرور بن سويد الأسدي، أبو أمية الكوفي، من كبار التابعين، روى له: خ م د ت س ق
مَرَرْنَا بِأَبِي
ذَرٍّ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ (صحابي: ت. 32 هـ بـ الربذة):
أبو ذر الغفاري: جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ
(وهو: أخو عمرو بن عبسة لأمه)، روى له: خ م د ت س
ق
نص الحديث وشرحه:
قَالَ مَعْرُورٌ: مَرَرْنَا بِأَبِي
ذَرٍّ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَقُلْنَا: لَوْ أَخَذْتَ
هَذَا وَأَعْطَيْتَ هَذَا غَيْرَهُ، كَانَتْ حُلَّةٌ،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ
تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا
يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ،
فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ»
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 76_77) (رقم: 189 و194)، وفي "صحيحه" (1/ 15 و 3/ 149 و 8/ 16)
(رقم: 30 و 2545 و 6050)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1282/ 38_40) (1661)، وأبو
داود في "سننه" (4/ 340 و 4/ 341) (رقم: 5157_5158 و 5161)، والترمذي في
"سننه" – ت. شاكر (4/ 334) (رقم: 1945)، وابن ماجه في "سننه"
(2/ 1216) (رقم: 3690)، وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (9/ 447_448)
(رقم: 17965_17966)، وأحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (5/ 158 و 5/
161 و 5/ 168 و5/ 173) (رقم: 21409 و 21431_21432 و 21483 و 21515) والحسين بن حرب
المروزي في "البر والصلة" (ص: 177) (رقم: 342_343)، والبزار في
"المسند" = "البحر الزخار" (9/ 357 و 9/ 400 و 9/ 402) (رقم: 3923
و 3992 و 3996)، وأبو عَوانة في "المستخرج" (4/ 72 و 4/ 73) (رقم: 6068_6072)،
والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 356) (رقم: 7313)، والخَرَائِطِي في
"مساوئ الأخلاق" (ص: 323) (رقم: 684)، وفي "مكارم الأخلاق"
(ص: 171 و 172) (رقم: 518_519)، وأبو بكر الشافعي في "الفوائد" الشهير بـ"الغيلانيات"
(1/ 348) (رقم: 358)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 11 و 8/ 13) (رقم:
15775 و 15778)، وفي "السنن الصغير" (3/ 196) (رقم: 2911)، و"شعب
الإيمان" (11/ 72 و 11/ 73) (رقم: 8198 و 8200)، و"معرفة السنن والآثار"
(11/ 306) (رقم: 15617)، و"الأربعون الصغرى" (ص: 139) (رقم: 80)، الترغيب
والترهيب لقوام السنة (3/ 231) (رقم: 2419)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(66/ 203)، وابن بَشْكُوَال الخزرجي في "غوامض الأسماء المبهمة" (2/
847).
والحديث صحيح: صححيه
الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 823) (رقم: 2842)،
و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 560) (رقم: 2282)، و"إرواء الغليل في
تخريج أحاديث منار السبيل" (7/ 234) (رقم: 2176)، و"صحيح الجامع الصغير
وزيادته" (1/ 107) (رقم: 238)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1000)
(رقم: 3345)، و"صحيح الأدب المفرد" (ص: 90) (رقم: 140).
من فوائد الحديث:
تطريز رياض الصالحين (ص: 745)
وفي الحديث: الندب إلى مساواة المماليك
في الطعام واللباس، وإنْ كان الاستئثار جائزًا إذا لم ينقصهم عن عادة البلد.
وقال الطحاوي _رحمه الله_ في "شرح
معاني الآثار" (4/ 357):
"وَإِنَّمَا فِيهِ وُجُوبُ
الْكِسْوَةِ مِمَّا يَلْبَسُونَ، وَوُجُوبُ الطَّعَامِ مِمَّا يَأْكُلُونَ، وَإِنْ
كَانُوا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا
قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_."
وفي "السنن الصغير" للبيهقي
(3/ 197) (رقم: 2912):
قَالَ الشَّافِعِيُّ:
«وَكَانَ أَكْثَرُ حَالِ النَّاسِ
فِيمَا مَضَى ضَيِّقًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنِ اتَّسَعَتْ حَالُهُ مُقْتَصِدًا،
وَمَعَاشُهُ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِ مُتَقَارِبًا، فَإِنْ أَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ،
وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ، فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ،
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ
لِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ
الأربعون الصغرى للبيهقي (ص: 139_140):
وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ أَنْ
يَفْعَلَ، وَإِلَّا فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ»___
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ بِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي
يَكُونُ فِيهِ." اهـ
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 208):
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ
على وُجُوه.
* الأول: فِيهِ
النَّهْي عَن سبّ العبيد وتعييرهم بوالديهم، والحث على
الْإِحْسَان إِلَيْهِم والرفق بهم، فَلَا يجوز لأحد تعيير أحد بِشَيْء من
الْمَكْرُوه يعرفهُ فِي آبَائِهِ، وخاصة نَفسه. كَمَا نهى عَن الْفَخر
بِالْآبَاءِ،
وَيلْحق بِالْعَبدِ من فِي مَعْنَاهُ
من أجِير وخادم وَضَعِيف، وَكَذَا الدَّوَابّ،
يَنْبَغِي أَن يحسن إِلَيْهَا وَلَا
يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا تطِيق الدَّوَابّ عَلَيْهِ، فَإِن كلفه ذَلِك لزمَه
إعانته بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ.
* الثَّانِي: عدم
الترفع على الْمُسلم، وَإِن كَانَ عبدا وَنَحْوَه من الضعفة، لِأَن الله _تَعَالَى_
قَالَ: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: 13)،
وَقد تظاهرت الْأَدِلَّة على الْأَمر
باللطف بالضعفة، وخفض الْجنَاح لَهُم، وعَلى النَّهْي عَن احتقارهم والترفع
عَلَيْهِم.
* الثَّالِث: إستحباب
الْإِطْعَام مِمَّا يَأْكُل والإلباس مِمَّا يلبس.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض:
(الْأَمر مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب
لَا على الْإِيجَاب بالاجماع، بل إِن أطْعمهُ مِنَ
الْخُبْزِ وَمَا يقتاته، كَانَ قد أطْعمهُ مِمَّا يَأْكُل، لِأَن: (مِنْ)،
للتَّبْعِيض. وَلَا يلْزمه أَن يطعمهُ من كل مَا يَأْكُل
على الْعُمُوم منَ اْلْأَدَمِ وطيباتِ الْعَيْش، وَمَعَ ذَلِك فَيُسْتَحَب
أَن لَا يستأثر على عِيَاله، وَلَا يفضل نَفسه فِي الْعَيْش عَلَيْهِم) [إكمال
المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)]
* الرَّابِع: فِيهِ
منْع تَكْلِيفِه من الْعَمَل مَا لَا يُطيق أصلا، لَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ،
لِأَن النَّهْي للتَّحْرِيم بِلَا خلاف، فَإِن كلفه ذَلِك، أَعَانَهُ بِنَفسِهِ
أَو بِغَيْرِهِ. لقَوْله: (فَإِن كلفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ) .
وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم: (فَلْيَبِعْهُ)
مَوضِع: (فَلْيُعِنْهُ).
قَالَ القَاضِي: هَذَا وهم،
وَالصَّوَاب: (فليعنه) ، كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُور.
* الْخَامِس: فِيهِ
الْمُحَافظَة على___الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
* السَّادِس:
فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 433)
فيه النهى عن التعيير بنقص الآباء، كما
نهى عن الفخر بذلك، وأن الكل من فعل الجاهلية، كما قال - عليه الصلاة والسلام-:
"كلكم بنو آدم، وآدم من تراب "
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)
فيه الرفق بالمماليك، وألا يكلفوا ما يَفْدَحُهُمْ،
فإن كلفوه، أعينوا فيه، حتى لا يُفْدَحَ." اهـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)
"للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف
من العمل ما لا يطيق"، هذا فرضه وحقه اللازم؛ من طعام يكفيه، وكسوة تستره
وتقيه الحر والبرد، ولا يكلف ما يفدحه ويُعَنِّتَهُ." اهـ
شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 64)
قال المهلب: فيه الحض على كسوة المملوك
وإطعامه بالسواء مثل طعام المالك وكسوته، وليس ذلك على الإيجاب عند العلماء، وإنما
على المالك أن يكسوا ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد، ويطعم ما يسد الجوعة ما لم
يكن فيه ضرر على المملوك؛ لأن المولى إذا كان ممن يأكل الفراريج والفراخ ويأكل خبز
السميد والأطعمة الرقيقة، وكانت كسوته الشطوى والنيسابورى، لم يكن عليه فى مذهب
أحد من أهل العلم أن يطعم رقيقه ولا يكسوهم من ذلك؛ لأن هذه الأطعمة والكسوة التى
ذكرناها لم يكن أحد من أصحاب النبى، عَلَيْهِ السَّلام، الذى خاطبهم بما خاطبهم به
يأكل مثلها، إنما كان الغالب من قوتهم بالمدينة التمر والشعير.
شرح النووي على مسلم (11/ 132_133):
"هَذَا التَّعْيِيرُ مِنْ
أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَفِيكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا
يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ، فَفِيهِ النَّهْيُ
عَنِ التَّعْيِيرِ___وَتَنْقِيصِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ
أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ...
وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ
يَسُبَّ السَّابَّ نَفْسَهُ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِأَبِيهِ
وَلَا لِأُمِّهِ قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_." اهـ
[تعليق]:
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح
الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 43)
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
وقوله: "إنك امرؤ فيك جاهلية"؛ أي: خصلة من خصالهم؛ يعني بها تعييره
بأمه، فإن الجاهلية كانوا يعيِّرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام
بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]،
وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية،
وفخرها بالآباء، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خُلق من تراب. [حسن: د ت]." اهـ
وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر
المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (29/ 46_49):
"في فوائده:___
1 - (منها): النهي عن سبّ الرقيق،
وتعييرهم بمن وَلَدَهم، والحثّ على الإحسان إليهم، والرفق بهم، فلا يجوز لأحد
تعيير أحد بشيء من المكروه، يعرفه في آبائه، وخاصّة نفسه، كما نُهِيَ عن الفخر
بالآباء،
ويُلْحَق بالعبد مَن في معناه من أجير،
وخادم، وضعيف، وكذا الدوابّ ينبغي أن يُحْسَن إليها، ولا يُكلَّف من العمل ما لا
يُطيقه، فإن كُلِّف ذلك لزم السيّد إعانته بنفسه أو بغيره.
2 - (ومنها): أنه لا ينبغي للمسلم أن
يترفّع على أخيه المسلم، وأن لا يحتقره، وإن كان عبدًا ونحوه من الضَّعَفَة؛ لأن
الله تعالى قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]،
وقد تظاهرت الأدلة على الأمر باللطف بالضَّعَفَة، وخفض الجناح لهم، وعلى النهي عن
احتقارهم، والترفع عليهم [راجع: "عمدة القاري" 1/ 330].
3 - (ومنها): المحافظة على الأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر.
4 - (ومنها): إطلاق الأخ على الرقيق،
فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز؛ لنسبة الكل إلى آدم -عليه السلام-، أو
المراد أُخُوّة الإسلام، ويكون العبد الكافر بطريق التبع، أو يختص الحكم بالمؤمن.
5 - (ومنها): أنه يؤخذ منة المبالغة في
ذم السبّ واللعن؛ لِمَا فيه من احتقار المسلم، وقد جاء الشرع بالتسوية بين
المسلمين في معظم الأحكام، وأن التفاضل الحقيقيّ بينهم إنما هو بالتقوى، فلا يفيد
الشريفَ النسبِ نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، وينتفع الوضيع النسب بالتقوى، كما
قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ولقد أحسن من قال:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي كُلِّ
حَالَةٍ ... فَلَا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإِسْلَامُ سَلْمَانَ
فَارِسٍ ... قَدْ وَضَعَ الْكُفْرُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبْ
6 - (ومنها): استحباب إطعام العبيد مما
يأكله السيّد، وإلباسهم مما يلبسه، وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: الأمر
محمول على الاستحباب، لا على الإيجاب بالإجماع، بل إن أطعمه من الخبز ما يقتاته
كان قد أطعمه مما يأكل؛___لأن "من" للتبعيض، ولا يلزمه أن يُطعمه من كل
ما يأكل على العموم من الأُدُم، وطيبات العيش، ومع ذلك فيستحب أن لا يستأثر على
عياله، ولا يُفَضِّل نفسه في العيش عليهم.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- عند
قوله: "فأطعموهم مِمَّا تأكلون، وألبسوهم مِمَّا تلبسون"؛ أي: من نوع ما
تأكلون وما تلبسون، وهذا الأمر على الندب؛ لأن السَّيد لو أطعم عبده أدنى مما
يأكله، وألبسه أقل مما يلبسه صفةً ومقدارًا لم يذمَّه أحدٌ من أهل الإسلام؛ إذ قام
بواجبه عليه، ولا خلاف في ذلك فيما علمته، وإنما موضع الذمِّ: إذا منعه ما يقوم به
أَوَدَهُ، ويدفع به ضرورته، كما نصَّ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
"كفى بالمرء إثْمًا أن يحبس عمن يملك قوته" [رواه مسلم في "صحيحه" بهذا اللفظ، ورواه أبو داود
بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت"].
وإنما هذا على جهة الحضّ على مكارم
الأخلاق، وإرشادٌ إلى الإحسان، وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على
عبده؛ إذ الكل عبيد الله، والمال مال الله، ولكن سَخَّر بعضهم لبعض، وملَّك بعضهم
بعضًا؛ إتمامًا للنعمة، وتنفيذًا للحكمة. انتهى ["المفهم" 4/ 352]
7 - (ومنها): منع تكليفه من العمل ما
لا يطيق أصلًا، ولا يطيق الدوام عليه، والنهي للتحريم بلا خلاف، فإن كلّفه ذلك
أعانه بنفسه، أو بغيره؛ لقوله: "فإن كلفتموهم فأعينوهم".
8 - (ومنها): أنه منقبة لأبي ذرّ -رضي
الله عنه-، حيث إنه امتثل أمره -صلى الله عليه وسلم-، فقد ناصف عبده الحلّة
الواحدة، فلبس نصفها، وألبسه نصفها؛ امتثالًا لقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا
الحديث: "ولْتُلْبِسُوهُم مما تلبسون"، قال في "الفتح": وقد
جاء في سبب إلباس أبي ذرّ -رضي الله عنه- غلامه مثل لبسه أثرٌ مرفوعٌ، أصرح من هذا،
وأخصّ، أخرجه الطبرانيّ من طريق أبي غالب، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبيّ
-صلى الله عليه وسلم- أعطى أبا ذرّ عبدًا، فقال: "أطعمه مما تأكل، وألبسه مما
تلبس"، وكان لأبي ذرّ ثوب، فشقه نصفين، فأعطى الغلام نصفه، فرآه النبيّ -صلى
الله عليه وسلم-، فسأله، فقال:___
"قلتَ: يا رسول الله أطعموهم مما
تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، قال: نعم". انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب.
وقال ابن هبيرة الشيباني _رحمه الله_
في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 168):
* في هذا الحديث من الفقه أن أبا ذر
رضي الله عنه عمل بهذا الحديث، فألبس غلامه حلة كما لبس هو حلة.
* وفيه أيضًا دليل على جواز لبس الرجل
الصالح حلة، والحلة عند العرب ثوبان.
* وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - سمى المملوكين إخوانًا، وأما إطعام الرجل عبده مما يأكل فقد ينصرف إلى
الجنس وغن كان دون ما يأكله السيد في قدره.
* وقد دل الحديث على أنه لا يجوز تكليف
العبد ما يغلبه، فإن كلفه السيد ذلك ثم أعانه عليه فلا بأس لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - (فإن كلفتموهم فأعينوهم).
* وفي الحديث أن يؤمر الشاق على رفيقه
بالبيع لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فليبعه) لكن هذا الأمر على طريق
الوعظ لا الإجبار.
* وقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) المعنى
قد بقي فيك من اخلاق القوم شيء." اهـ
وقال ابن عبد البر في "التمهيد
لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (24/ 288_289):
وَفِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا:
دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ
عَلَى مَالِكِيهِمْ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمَالِيكِ وَاجِبَةٌ عَلَى سَادَاتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ
صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا زَمْنَى كَانُوا أَوْ أَقْوِيَاءَ يَلْزَمُ
اَلسَّيِّدَ__النَّفَقَةُ عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ
لَهُ مِنَ الْإِنْفَاقِ أَوِ الْبَيْعِ أَوِ الْعِتْقِ.
وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ
عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُطِيقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُحَسِّنُهُ
وَيُخَارِجُهُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ." اهـ
المدخل لابن الحاج (3/ 168)
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ
يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَكِسْوَتِهِ أَمَرَهُ الشَّرْعُ
بِبَيْعِهِ فَالْبَيْعُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُقَابِلُهُ فِي حَقِّ الْأَخِ
المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 138)
اعلمْ أنَّ لكلِّ واحدٍ من السيد
والمملوك حقًّا على صاحبه؛ أمَّا حقُّ السيد على المملوك: فهو أن يَنقادَ لسيده،
ويمتثلَ أمرَه في جميع الأوقات إلا أوقات الصلوات الخمس؛ فإنها حقُّ الله تعالى،
وهو مُقدَّمٌ على حقِّ سيده، وأمَّا حقُّ المملوك على السيد: فهو أن يُطعمَه
ويَكسوَه بالمعروف، ولا يُكلِّفَه من الأعمال ما لا يُطيق عليه، كما ذُكر قبلُ.
فيض القدير (1/ 221)
وفيه الأمر بالعطف على المملوك والشفقة
عليه والتذكير بالنعمة والقيام بشكرها والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وغير ذلك
وقال حمزة بن محمد
بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح
مختصر صحيح البخاري" (1/ 116):
أولاً: أن
مرتكب المعصية لا يكفر، كما ترجم له البخاري، لأن تعيير المرء بأمّه معصية، ومع
ذلك لم يسمه - صلى الله عليه وسلم - كفراً، كما نبه عليه ابن بطال، والظاهر من
كلامه وكلام العيني أن تعيير المرء بأمّه كبيرة.
ثانياً: أن
من محاسن الإِسلام إلغاء التمييز العنصري الذي كان في الجاهلية.
الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 135)
(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ
وَالتَّاسِعَةُ وَالْعَاشِرَةُ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: امْتِنَاعُ الْقِنِّ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ خِدْمَةِ
سَيِّدِهِ، وَامْتِنَاعُ السَّيِّدِ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ مُؤْنَةِ قِنِّهِ
وَتَكْلِيفُهُ إيَّاهُ عَمَلًا لَا يُطِيقُهُ وَضَرْبُهُ عَلَى الدَّوَامِ،
وَتَعْذِيبُ الْقِنِّ بِالْخِصَاءِ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ
الدَّابَّةِ وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَالتَّحْرِيشُ بَيْنَ
الْبَهَائِمِ)
99- بَابُ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى
عَبْدِهِ وَخَادِمِهِ صَدَقَةٌ 195 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ،
سَمِعَ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يَقُولُ: «مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ
صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ وَزَوْجَتَكَ وَخَادِمَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ»
[قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُوسَى (بعد 220 هـ: ثقة حافظ):
إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان
التميمي، أبو إسحاق الفراء الرازي، يلقب "الصغير"، كبار الآخذين عن تبع
الأتباع، روى له: خ م د ت س ق
قال مُغَلْطَاي
الحنفي _رحمه الله_ في "إكمال تهذيب الكمال" (1/ 300): "مات
سنة تسع عشرة ومائتين." اهـ
* قَالَ: أَخْبَرَنَا
بَقِيَّةُ (صدوق كثير التدليس عن الضعفاء : ت
197 هـ):
بقية بن
الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الحميري الميتمي[1]، أبو يحمد الحمصي، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خت م د ت س ق
* قَالَ: أَخْبَرَنِي
بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ (ثقة ثبت):
بَحِيْرُ بْنُ
سعد السَّحُوْلِيُّ[2]
الْكَلاَعِيُّ، أبو خالد الحمصي، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له : بخ د ت س ق عخ (عخ: البخاري في خلق أفعال
العباد)
* عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ (ثقة عابد :
ت 103 هـ):
خالد بن
معدان بن أبى كرب الكلاعي، أبو عبد الله الشامي الحمصي، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق، ثقة عابد يرسل كثيرا
* عَنِ الْمِقْدَامِ (صحابي: ت. 87 هـ بـ الشام):
"المقدامُ
بْنُ مَعْدِيْ كَرِبَ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ الحِمْصِيُّ: أبو كريمة، صحابي جليل، روى
له: خ
د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنِ الْمِقْدَامِ،
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ
صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ وَزَوْجَتَكَ وَخَادِمَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ»
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري
في "الأدب المفرد" (ص: 42 و 78) (رقم: 82 و 195)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8/ 271 و 8/ 278)
(رقم: 9141 و 9160)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 723) (رقم: 2138)، وأحمد
في "مسنده" – ط. عالم الكتب (4/ 131 و 4/ 132) (رقم: 17179 و 17191)، وابن
أبي الدنيا في "النفقة على العيال" (1/ 151 و 1/ 169) (رقم: 16 و 33)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 268) (رقم: 634)، والخَرَائِطِيُّ في
"مكارم الأخلاق" (ص: 47) (رقم: 86)، وابْنُ الْمُقْرِئْ فِيْ "الْمُعْجَمِ"
(ص: 316) (رقم: 1024)، وغيرهم.
والحديث
صحيح: صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من
فقهها وفوائدها" (1/ 814) (رقم: 452)، و"صحيح الأدب المفرد" (ص:
91) (رقم: 143)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 971) (رقم: 5535)،
و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 422) (رقم: 1955)
من
فوائد الحديث:
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (5/ 423):
"قال
القرطبي:
أفاد
منطوقه: أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت
واجبة أو مباحة،
وأفاد
مفهومه: أن من لم يقصد القربة لا يؤجر، لكن تبرأ ذمته من النفقة
الواجبة، لأنها معقولة المعنى، وأطلق الصدقة على النفقة مجازا، والمراد بها: الأجر.
والقرينة
الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها
الصدقة." اهـ
وقال
محمد لقمان السلفي _حفظه الله_ في "رش البرد" (ص ٦٣):
"فقه
الحديث:
1_
إن الإنسان يثاب على النفقة الواجبة عليه كثواب الصدقة لأنه ينوي بها التقرب إلى
الله وامتثال أمره .
٢_
يجب على الإنسان الإنفاق على زوجته وأولاده ومملوكه وغيرهم الذين تجب عليه نفقتهم
.
وقال
زيد بن محمد المدخلي _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد" (١/ ١٠٤_105):
"في
هـذا الحديث بيان لفضل الله المديد على المسلمين والمسلمات، وذلك أن ما أطعمت
نفسـك الـذي لا تستغني عنه من الطعام والشراب، إلا كتب الله لك فيه الأجـر.
لـم؟
لأنك تنوي أن تتقوى به على فعل الطاعة، وبدون أن تطعم أي تأكل وتشرب بدون ذلك لا
تستطيع أن تقوم بواجب ولا مفروض ولا مستحب، سنة الله في خلقه، لابد من الأسباب،
وانظر
إلى مدى رحمة الله وفضله، الله عزوجل يرزقك فتأكل أنت وأبناؤك والزوجة والأب والأم
والقريب والبعيد،
كل
من أكل من كسـب يدك لك فيه أجر، ويعتبر صدقة منك على نفسـك وعلى أهلك، وكـل مـن
طـعـم من طعامك كتب الله لك فيه الأجر،
وهذا
يحتاج منا إلى الاحتساب، تحتسـب وتنوي نية عامة أن كل ما أكلت وشربت واكتسيت وسكنت
وركبت تحتسب فيه الاستعانة على طاعة الله، وتحتسب فيه الأجر عند الله عز وجل،
سـواء أكلت أنت أو مـن تحت يدك أو من سهل الله له طعاما من طعامك،
كل
ذلك مكتوب لك في صحيفة الحسنات، ولا يزهد في ذلك إلا جاهل، فالمقصود: عليك بحسن
النية والاحتساب، كلما أكلت وشربت نويت التقوي على الطاعة، وكلها أحسنت إلى الغير
بأكل أو شرب أو كسـوة أو خدمة أو منفعة تحتسب فيه أن الله يأجرك عليه، والله يأجرك
أجرا مضاعفا على كل ذلك،
وهذا
دليل على مدى رحمة الله تبارك وتعالى بهذا المخلوق الضعيف المسلم
والمسلمة، أما الكفار فليس لهم عند الله من جزاء على فعل الخير، وإنما يجزون في
دنياهم فقط، بل يقدمونه مـن خير، يعطيهم الله الجزاء في الدنيا بالصحة والعافية، والمال،
والولد.
وأما
في الاخرة، فليس لهم إلا النار، وبئس القرار، لأنهم لم يؤمنوا بالله _تبارك وتعالى_
كما أمرهم." اهـ
وقال
الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (9/ 350_351):
"تؤجر
عليه لأنه وإن كان واجباً، فأجر الواجب أكبر من أجر النفل. والمراد: له أجر الصدقة،
لا أنه صدقةٌ حقيقةً،
الإجماع__على
أنه تنفق زوجته الهاشمية، ولو كان صدقةً حقيقةً، لدخلت تحت عموم تحريم الصدقة علي
بني هاشم عند من يقول إنها تشمل الفرض وغيره.
(وما
أطعمته ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة، وما أطعمت نفسك فهو لك
صدقة)،
وهو مقيد
بحديث: (وهو يحتسبها)،
فلا بد من
النية في الكل،
قال
القرطبي: (من لم يقصد القربة، لا يؤجر لكن تَبْرَأُ ذمتُهُ، وينبغي للعبد إحضار
النية عند كل فعل وإنفاق)." اهـ
وفي "السنن الكبرى" للبيهقي
(4/ 297):
"بَابُ الِاخْتِيَارِ فِي
صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ." اهـ
مكارم الأخلاق للخرائطي (ص: 46):
"بَابُ مَا جَاءَ فِي اصْطِنَاعِ
الْمَعْرُوفِ مِنَ الْفَضْلِ." اهـ
"جامع العلوم والحكم" – ت.
الأرنؤوط (2/ 63):
"نَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى
أَهْلِهِ صَدَقَةٌ...
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ عِنْدَ
رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: (بَدَأَ بِالْعِيَالِ، وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ
أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ لَهُ صِغَارٍ، يُعِفُّهُمُ اللَّهُ
بِهِ، وَيُغْنِيهِمُ اللَّهُ بِهِ." اهـ
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/
436)
مَطْلَبٌ: فِي فَضْلِ النَّفَقَةِ
عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْعِيَالِ وَلَا سِيَّمَا الْبَنَاتِ
196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا بَقَّى
غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ
امْرَأَتُكَ: (أَنْفِقْ عَلَيَّ، أَوْ طَلِّقْنِي)، وَيَقُولُ مَمْلُوكُكَ: (أَنْفِقْ
عَلَيَّ، أَوْ بِعْنِي)، وَيَقُولُ وَلَدُكَ: (إِلَى مَنْ
تَكِلُنَا)" [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ (ثقة حافظ: ت. 228 هـ):
مسدد بن مسرهد بن
مسربل بن مستورد الأسدي، أبو الحسن البصري (ويقال: "اسمه: عبد الملك بن عبد العزيز،
ومسدد لقبٌ.")، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى
له: خ د ت س
* قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ثقة ثبت فقيه: 179 هـ):
حماد بن زيد بن
درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري الأزرق (مولى آل جرير بن حازم، وكان جَدُّهُ
درهم مِنْ سبى سجستان)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى
له: خ م د ت س ق
* عَنْ
عَاصِمٍ بن بَهْدَلَةَ (صدوق له أوهام، حُجَّةٌ فى القراءة: ت. 128 هـ):
عاصم بن بهدلة (وهو
ابن أبى النجود)، الأسدي مولاهم، الكوفي، أبو بكر المقرئ، من الذين عاصروا صغار
التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَبِي صَالِحٍ (ثقة ثبت: ت 101
هـ):
ذكوان أبو صالح السمان
الزيات المدنى ، مولى جويرية بنت الأحمس الغطفانى (والد سهيل بن أبى صالح)، من
الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ (ت 57 هـ):
عبد الرحمن بن
صخر المعروف اليماني بـ"أبي هريرة الدوسي"، روى
له: خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
"خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا بَقَّى
غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ
امْرَأَتُكَ: (أَنْفِقْ عَلَيَّ، أَوْ طَلِّقْنِي)،
وَيَقُولُ مَمْلُوكُكَ: (أَنْفِقْ
عَلَيَّ، أَوْ بِعْنِي)،
وَيَقُولُ وَلَدُكَ: (إِلَى مَنْ
تَكِلُنَا)"
وفي "صحيح البخاري" (7/ 63):
عن أبي هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ_، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى. وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ
السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»
تَقُولُ المَرْأَةُ: (إِمَّا أَنْ
تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي)، وَيَقُولُ العَبْدُ: (أَطْعِمْنِي
وَاسْتَعْمِلْنِي)، وَيَقُولُ الِابْنُ: (أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي)."
وفي "مسند أحمد" - عالم
الكتب (2/ 527):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ مِنْهَا
عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»
فَقِيلَ: مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " امْرَأَتُكَ مِمَّنْ تَعُولُ،
تَقُولُ: (أَطْعِمْنِي، وَإِلَّا فَارِقْنِي).
وَجَارِيَتُكَ تَقُولُ: (أَطْعِمْنِي،
وَاسْتَعْمِلْنِيْ)، وَوَلَدُكَ يَقُولُ: (إِلَى مَنْ تَتْرُكُنِيْ)."
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(3/ 296):
"وَمَعْنَى
الْحَدِيثِ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى
مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفْظُ (الظَّهْرِ) يَرِدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا
لِلْكَلَامِ.[3]
وَالْمَعْنَى: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ
مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ
الْكِفَايَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ).
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْمُرَادُ: غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي
تَنُوبُهُ،
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ: (رَكِبَ مَتْنَ
السَّلَامَةِ)
وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ (غِنًى)
لِلتَّعْظِيمِ.
هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى
الْحَدِيثِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ خَيْرُ
الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَقِيلَ:
عَنْ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَ(الظَّهْرُ) زَائِدٌ)، أَيْ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا
كَانَ سَبَبُهَا غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ." اهـ
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(9/ 500_511):
يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ
إِذَا مَانَهُمْ أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ
وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ على مَا لَا يجب.
وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ:
"اخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ
بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ:
* فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ: النَّفَقَةَ
لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا
إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: إِلَى أَنَّ
الْوَاجِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ___حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ أَوْ تَتَزَوَّجَ
الْأُنْثَى ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى فَإِنْ
كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَبِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ
وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 78) (رقم: 196)، وفي "صحيحه" (7/ 63) (رقم: 5355)، والنسائي في
"السنن الكبرى" (8/ 280_281) (رقم: 9165 و 9167)، وأحمد في "مسنده"
- عالم الكتب (2/ 252 و2/ 524 و 2/ 527) (رقم: 7429 و 10785 و10818)، وابن أبي
الدنيا في "النفقة على العيال" (1/ 151) (رقم: 17)، وابن الجارود في
"المنتقى" (ص: 188) (رقم: 751)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/
96) (رقم: 2436)، وأبو محمد الفاكهي في "الفوائد" (ص: 115) (رقم: 1)،
والطبراني في "المعجم الأوسط" (9/ 102) (رقم: 9251)، سنن الدارقطني (4/
452) (رقم: 3780)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 774 و 7/ 775) (رقم: 15710
و15711)، وفي "السنن الصغير" (3/ 187) (رقم: 2887)، و"شعب الإيمان"
(5/ 95 و11/ 81) (رقم: 3146 و8213).
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 250) (رقم: 1114)،
و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 527) (رقم: 881)
من فوائد الحديث:
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ _رحمه
الله_ في "صحيح ابن حبان" (8/ 150):
"قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»
عِنْدِي أَنَّ الْيَدَ الْمُتَصَدِّقَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السَّائِلَةِ، لَا
الْآخِذَةِ دُونَ السُّؤَالِ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ الَّتِي أُبِيحَ
لَهَا اسْتِعْمَالُ فِعْلٍ بِاسْتِعْمَالِهِ أَحْسَنَ مِنْ آخَرَ فُرِضَ عَلَيْهِ
إِتْيَانُ شَيْءٍ، فَأَتَى بِهِ أَوْ تَقَرَّبَ إِلَى بَارِئِهِ مُتَنَفِّلًا
فِيهِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُعْطِي فِي إِتْيَانِهِ ذَلِكَ أَقَلَّ تَحْصِيلًا
فِي الْأَسْبَابِ مِنَ الَّذِي أَتَى بِمَا أُبِيحَ لَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا
الْآخِذُ بِمَا أُبِيحَ لَهُ أَفْضَلَ وَأَوْرَعَ مِنَ الَّذِي يُعْطِي، فَلَمَّا
[ص:151] اسْتَحَالَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ التَّحْصِيلِ بِالتَّفْضِيلِ
صَحَّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَسْأَلُهَا
كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 520_521):
"وَاعْلَم أَن الصَّدَقَة
نَافِلَة، وإغناء النَّفس والأهل وَاجِب، فَإِذا أغنوا حسنت الصَّدَقَة بعد ذَلِك،
فَهَذَا معنى قَوْله: ((وابدأ بِمن تعول)) .
فَإِن قيل: فَكيف الْجمع بَين هَذَا
وَبَين قَوْله: ((أفضل الصَّدَقَة جهد مقل)) ؟ .
فَالْجَوَاب: من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن
يكون جهد الْمقل بعد إغناء من يلْزم إغناؤه، فَكَأَنَّهُ يستسل من فواضل الْغنى
شَيْئا فَيتَصَدَّق بِهِ.__
وَالثَّانِي: أَن
الْمقل إِذا آثر وصبر فَهُوَ غَنِي بِالصبرِ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (3/ 296):
وَقَالَ النَّوَوِيُّ:
مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ
بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَالٌ
لَا يَصْبِرُونَ وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ
فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ
فِي الْمُفْهِمِ يُرَدُّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَطَّابِيِّ بِالْآيَاتِ
وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أفَضْلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا وَقَعَ بَعْدَ
الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَالِ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّقُ
مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَدٍ فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا
الْحَدِيثِ حُصُولُ مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ كَالْأَكْلِ
عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ
وَالْحَاجَةُ إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى وَمَا هَذَا
سَبِيلُهُ فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا
آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوِ الْإِضْرَارِ بِهَا
أَوْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ فَمُرَاعَاةُ حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا
سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ
الْأَفْضَلُ لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْرِ وَشِدَّةِ
مَشَقَّتِهِ فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (3/ 296)
قَوْلُهُ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)
فِيهِ: تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ
وَعِيَالِهِ، لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ.
وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى." اهـ
فتح الباري لابن حجر (9/ 500)
وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ
تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ أَوَّلَ النَّفَقَاتِ وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَنِ التَّكَسُّبِ لِحَقِّ
الزَّوْجِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي
تَقْدِيرِهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا بِالْكِفَايَةِ
وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ كَمَا قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهَا
بِالْأَمْدَادِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنَ الشَّافِعِيَّة أَصْحَاب الحَدِيث
كَابْن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذِرِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ
عَبْدَانَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ هُوَ الْقِيَاسُ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ مَا سَيَأْتِي فِي بَاب إِذا لم ينْفق الرجل فللمرأة أَن تَأْخُذَ بَعْدَ
سَبْعَةِ أَبْوَابٍ:
وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
بِأَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ بِالْحَاجَةِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ
وَالْغَنِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِمَا يُشْبِهُ
الدَّوَامِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ فِي
الذِّمَّةِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ مَا تطْعمُونَ أهليكم
فَاعْتَبِرُوا الْكَفَّارَةَ بِهَا وَالْأَمْدَادُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَّارَةِ
وَيَخْدِشُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ
وَبِأَنَّهَا لَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ بِخِلَافِ
الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا.
وَالرَّاجِحُ مِنْ
حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ
بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ
فتح الباري لابن حجر (9/ 501)
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ
كَانَ مِنَ الْأَوْلَادِ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى
الْأَبِ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ إِلَى مِنْ تَدَعُنِي إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَا
يَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ سِوَى نَفَقَةِ الْأَبِ وَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ مَالٌ لَا
يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ ذَلِكَ." اهـ
فتح الباري لابن حجر (9/ 501):
"وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (إِمَّا
أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي) مَنْ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ، وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ،
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَلْزَمُهَا
الصَّبْرُ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ _تَعَالَى_:
{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]،
وَأَجَابَ الْمُخَالِفُ: بِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ الْفِرَاقُ وَاجِبًا، لَمَا جَازَ الْإِبْقَاءُ، إِذَا رَضِيَتْ.
وَرُدَّ عَلَيْهِ:
بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْقَاءِ، إِذَا رَضِيَتْ، فَبَقِيَ
مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِ النَّهْيِ.
وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي
الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنَ
التَّابِعِينَ قَالُوا: (نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ، فَإِذَا كَادَتِ
الْعِدَّةُ تَنْقَضِي، رَاجَعَ)،
وَالْجَوَابُ: أَنَّ مِنْ
قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ حَتَّى تَمَسَّكُوا
بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: (اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ)[4]، (اتْرُكْ
رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ)،
مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي
الْإِشَارَةِ بِالْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ بِالسَّلَامِ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
وَهُنَا تَمَسَّكُوا بِالسَّبَبِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا
بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْسَرَ
بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ اتِّفَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
اهـ
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 295)
(قلت) كَيفَ طَابَ للنووي تَقْدِيم
الزَّوْجَة على الْوَلَد وَالْولد بضعَة من الْأَب. وَالزَّوْجَةُ أَجْنَبِيَّةٌ،
ثمَّ يُعلل مَا قَالَه بقوله (لِأَن نَفَقَتهَا آكِد لِأَنَّهَا لَا تسْقط
بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا بالإعسار).
وَهَذَا أَيْضا عَجِيب مِنْهُ لِأَن
نَفَقَتهَا صلَة فِي نفس الْأَمر وَهِي على شرف السُّقُوط، وَنَفَقَةُ الْوَلَد حتْمٌ،
لَا تسْقط بِشَيْء." اهـ
طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 177):
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقُوا
فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى
نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك قَالَ عِنْدِي
آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ
بِهِ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ» ، وَرَوَاهُ
ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ حِبَّانَ،
وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى
الزَّوْجَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْتِيبُ
إذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ
الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ
أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَبِضْعَتِهِ
فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ
عَلَيْهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالزَّوْجَةِ، وَأَخْرَجَهَا عَنْ دَرَجَةِ الْوَلَدِ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقْ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ
لَهَا مَنْ يُمَوِّنُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ
ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ،
وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِذْ قَدْ
اخْتَلَفَتْ الرَّوِيَّتَانِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ
اُخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَدَّمَ السُّفْيَانَانِ، وَأَبُو
عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادٍ ذِكْرَ الْوَلَدِ
عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَبِي
دَاوُد وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَ اللَّيْثُ
وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادٍ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَهِيَ
رِوَايَةُ النَّسَائِيّ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ ذَكَرَ
الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةَ تَقْدِيمِ
الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ
أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ كَمَا___قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ
تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ فَإِنَّهَا لَا
تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَا بِالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ
عِوَضًا لَكِنْ اعْتَرَضَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ نَفَقَتَهَا إذَا
كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ كَالدُّيُونِ، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِي مَالِ
الْمُفْلِسِ تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ، وَخَرَجَ لِذَلِكَ احْتِمَالًا فِي
تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ، وَأَيَّدَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ
الْمُتَوَلَّيْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ الطِّفْلِ تُقَدَّمُ
عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخَطَّابِيَّ مَشَى عَلَيْهَا
فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا سَبَقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال العيني في "عمدة القاري شرح
صحيح البخاري" (21/ 14_15):
"وَفِي___هَذَا الحَدِيث أَحْكَام:
الأول: أَن حق نفس الرجل يقدَّمُ على
حق غَيره.
الثَّانِي: أَن نَفَقَة الْوَلَد
وَالزَّوْجَة فرض بِلَا خلاف.
الثَّالِث: أَن نَفَقَة الخدم وَاجِبَة
أَيْضا.
الرَّابِع: اسْتَدَلَّ بقوله: (إِمَّا
أَن تطعمني وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي) من قَالَ: (يفرق بَين الرجل وَامْرَأَته
إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ واختارت فِرَاقه).
قَالَ بَعضهم: وَهُوَ قَول جُمْهُور
الْعلمَاء.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: (يلْزمهَا
الصَّبْر وتتعلق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ)،
وَاسْتدلَّ الْجُمْهُور بقوله
تَعَالَى: {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} (الْبَقَرَة: 231) وَأجَاب الْمُخَالف:
بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْفِرَاق وَاجِبا لما جَازَ الْإِبْقَاء إِذا رضيت.
ورد عَلَيْهِ بِأَن
الِاجْتِمَاع دلّ على جَوَاز الْإِبْقَاء إِذا رضيت فَبَقيَ مَا عداهُ على
عُمُوم النَّهْي، وبالقياس على الرَّقِيق
وَالْحَيَوَان، فَإِن من أعْسر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أجبر على بَيْعه. انْتهى.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكُوفِيُّونَ
هُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة وَأبي
سلمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ المحكي عَن عمر بن الْخطاب _رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ_.
وَرُوِيَ عَن عبد الْوَارِث عَن عبيد
الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: كتب
عمر _رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ_ إِلَى أُمَرَاء الأجناد: (ادعوا فلَانا
وَفُلَانًا، أُنَاسًا قد انْقَطَعُوا عَن الْمَدِينَة، ورحلوا عَنْهَا، إِمَّا أَن
يرجِعوا إِلَى نِسَائِهِم، وَإِمَّا أَن يبعثوا بِنَفَقَة إلَيْهِنَّ، وَإِمَّا
أَن يطلقوا، ويبعثوا بِنَفَقَة مَا مضى)، وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء غير ذَلِك.
وَقَول هَذَا الْقَائِل: وَأجَاب
الْمُخَالف: هَل أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة أم غَيره؟
فَإِن أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة فَمَا
وَجه تَخْصِيصه من بَين هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ ذَلِك إلاّ من أريحة التعصب، وَإِن
أَرَادَ بِهِ غَيره مُطلقًا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: )وَأجَاب
المخالفون(،
وَلَا يتم استدلالهم بقوله تَعَالَى:
{وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} لِأَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد ومسروقاً وَالْحسن
رَاجعهَا ضِرَارًا لِئَلَّا تذْهب إِلَى غَيره ثمَّ يطلقهَا فتعتذ فَإِذا شارفت
على انْقِضَاء الْعدة يُطلق ليطول عَلَيْهَا الْعدة فنهاهم الله عَن ذَلِك وتوعدهم
عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه} أَي: بمخالفة أَمر الله عز
وَجل، فَبَطل استدلالهم بِهَذَا وَعُمُوم النَّهْي لَيْسَ فِيمَا قَالُوا:
وَإِنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي ذكر: عَن ابْن عَبَّاس وَمن مَعَه، وَالْقِيَاس على
الرَّقِيق وَالْحَيَوَان قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَلَا يَصح بَيَانه أَن الرَّقِيق
وَالْحَيَوَان أَن لَا يملكَانِ شَيْئا وَلَا يجد الرَّقِيق من يسلفه وَلَا يصبران
على عدم النَّفَقَة، بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا تصبر وتستدين على ذمَّة
زَوجهَا، وَلِأَن التَّفْرِيق يبطل حَقّهَا وإبقاء النِّكَاح يُؤَخر حَقّهَا إِلَى
زمن الْيَسَار عِنْد فقره وَإِلَى زمن الْإِحْضَار عِنْد غيبته، وَالتَّأْخِير
أَهْون من الْإِبْطَال." اهـ
شرح النووي على
مسلم (7/ 125)
قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ):
* فِيهِ:
تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ
نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بالأهم فالأهم
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 586)
قال الجامع عفا
الله تعالى عنه: هذا الذي وجّه به القرطبيّ رحمه الله هذا الحديث حسنٌ جدًّا، حيث
تجتمع به الأدلّة، ويندفع به التعارض بينها.
وحاصله أن المراد
بالغنى في قوله: "ما كان عن ظهر غنى" الغنى الذي يقوم معه على حقوق
نفسه، وحقوق العيال، من دفع الحاجات الضروريّة التي لا بدّ للإنسان، كالأكل من
جوع، واللبس من عري، ونحوهما، فما كان بعد ذلك من الصدقة، فهو أفضل؛ للنصوص التي
وردت في مدح الإيثار، وإن كان معه نوع احتياج، والله تعالى أعلم بالصواب.
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 588)
قال الجامع عفا
الله تعالى عنه: عندي أن ما قال الإمام البخاريّ رحمه الله هو الأرجح، وحاصله أن
من تصدّق بماله، وهو محتاجٌ، أو أهله، أو عليه دينٌ، بطلت صدقته، إلا أن يكون معروفًا بالصبر، كفعل أبي بكر -رضي الله
عنه-، وبهذا تجتمع الأدلّة، من غير تعارض، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ذخيرة العقبى في
شرح المجتبى (22/ 375)
في فوائده:
(منها): ما بوّب
له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان معنى "الصدقة عن ظهر غنى".
(ومنها): أن
الواجب على الشخص في النفقة أن يقدم نفسه، ثم الأقرب، فالأقرب
(ومنها): وجوب
نفقة الزوجة، وهو مجمع عليه
(ومنها): وجوب
نفقة الأولاد، وقد تقدّم قريبًا اختلاف أهل العلم فيه
(ومنها): وجوب
نفقة الخادم
(ومنها): أن
المتطوّع بالصدقة خُيِّرَ بين أن يتصدّق، وبين أن يترك، فلا تجب عليه الصدقة، إلا
الزكاة، وصدقة الفطر، أو ما يكون لعارض، كما إذا وجد مضطرًّا، على ما قدّمنا
تفصيله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
الاستذكار (8/
540)
قَالَ أَبُو
عُمَرَ هَذَا بَيِّنٌ فِي نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْمَمَالِيكِ وَالْبَنِينَ
الصِّغَارِ وَالْبَنَاتِ
وَلَا خِلَافَ
بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَاتِ جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا
وَتَلْخِيصُ مَا
يَجِبُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَنِيِّ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْفَقِيرِ مَذْكُورٌ فِي
الْبَابِ التَّالِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
التمهيد لما في
الموطأ من المعاني والأسانيد (24/ 289)
فَهَذَا بَيِّنٌ
فِي وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْمَمَالِيكِ وَلَيْسَ فِي
وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا بِالْمَعْرُوفِ اخْتِلَافٌ
عَلَى قَدْرِ حَالِ الْمَمْلُوكِ أَوِ المملوكة
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 177)
فِيهِ إيجَابُ
النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ
لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ
بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ.
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 178)
قَدْ يَدْخُلُ
فِي قَوْلِهِ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ كُلَّ مَنْ يُمَوِّنُهُ الْإِنْسَانُ،
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ
صَاحِبِ الْمُحْكَمِ الْعِيَالَ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّيْخِ
تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ الظَّاهِرُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ
مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ وَالْعَادَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ
يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ حُرٍّ وَغَيْرِهِ،
وَكَذَا
الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فَإِنَّهَا تَجِبُ
يَوْمًا فَيَوْمًا،
وَلَوْ جُعِلَتْ
مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَفِي تَمْيِيزِ نَصِيبِهَا مِنْهُ وَنَصِيبِهِ مِنْ
سَهْمِ الْمَسَاكِينِ عُسْرٌ أَوْ خِلَافٌ فِي الْأَخْذِ بِصِفَتَيْنِ،
وَفِي إفْرَادِ
كُلٍّ بِالصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ تَبِعَةِ عُسْرٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِسْكِينَةً،
وَلَهَا وَلَدٌ لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَزِمَهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ مِنْ
عِيَالِهَا.
طرح التثريب في
شرح التقريب (7/ 178)
قَدْ يُسْتَدَلُّ
بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهٍ لِمَا فِي
ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِالْبَدَاءَةِ بِمَنْ يَعُولُ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى
هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا
أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ دُونَ
قُوتِ عِيَالِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ
الضِّيَافَةِ الْفَضْلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لِتَأَكُّدِهَا
وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا قَالَ: وَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ صَدَقَةً،
وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ
الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَ صِبْيَانِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَجَابَ عَنْ
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا
مُحْتَاجِينَ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا طَلَبُوهُ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي
الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (3/ 428)
وَالْيَدُ
الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ. قال بعض أهل العلم: فى قوله
(صلى الله عليه وسلم) : (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول) دليل على
أن النفقة على الأهل أفضل من الصدقة، لأن الصدقة تطوع، والنفقة على الأهل فريضة.
وقوله: (لا صدقة
إلا عن ظهر غنى) أى لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله، لأن الابتداء بالفرائض
قبل النوافل أولى،
وليس لأحد إتلاف
نفسه، وإتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه، وأهله، إذ
حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس، ولذلك قال: (وابدأ بمن تعول).
وقال لكعب: (أمسك
عليك بعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) [خ م]." اهـ
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530):
قال المهلب:
النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع، وهذا الحديث حجة فى ذلك. وقوله عليه
السلام: (وابدأ بمن تعول) ، ولم يذكر إلا الصدقة يدل أن نفقته على من يعول من أهل
وولد محسوب له فى الصدقة، وإنما أمرهم الله أن يبدءوا بأهليهم خشية أن يظنوا أن
النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرفهم عليه السلام أنها لهم صدقة حتى لا
يخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أن يقوتوهم." اهـ
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530)
قال الطبرى:
وقوله عليه السلام: (وابدأ بمن تعول) ، إنما قال ذلك؛ لأن حق نفس المرء عليه أعظم
من حق كل أحد بعد الله، فإذا صح ذلك فلا وجه لصرف ما هو مضطر إليه إلى غيره، إذ
كان ليس لأحد إحياء غيره بإتلاف نفسه وأهله، وإنما له إحياء غيره بغير إهلاك نفسه
وأهله وولده، إذ فرض عليه النفقة عليهم، وليست النفقة على غيرهم فرضًا عليه، ولا
شك أن الفرض أولى بكل أحد من إيثار التطوع عليه.
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (7/ 530)
وفيه: أن النفقة
على الولد ما داموا صغارًا فرض عليه؛ لقوله: إلى من تدعنى؟ وكذلك نفقة العبد
والخادم للمرء واجبة لازمة.
التنوير شرح
الجامع الصغير (5/ 553_554):
الخبر إخبار بأن
أفضل الصدقة ما كانت عن غنى لأن صاحبه يعطيه بسماحة نفس غالبا بخلاف الفقير فإنها
تتبع نفسه ما أخرجه من النفقة ولا ينافيه: "أفضل__الصدقة جهد المقل" لأن
الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص لقوة التوكل." اهـ
في "المنهل
العذب المورود شرح سنن أبي داود" (9/ 327):
"(وفي
الحديث) دلالة:
* على كراهة
التصدق بجميع المال.
* وعلى أنه يطلب تقديم الأهمّ على المهمّ في النفقات وغيرها من الأمور الشرعية،
فيقدم نفسه ثم عياله على غيرهما لأن نفقتهم واجبة عليه بخلاف نفقة غيرهم.
[1] وفي "الأنساب" للسمعاني (12/ 517) (رقم: 4012):
"(الميتمي)
بفتح الميم وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها التاء المنقوطة باثنتين
من فوقها وفي آخرها الميم، هذه النسبة إلى ميتم، وهي بطون من قبائل شتى... وفي ذي
الكلاع ميتم الكلاعي وهم قبيل بحمص يقال لهم «الميتميون»." اهـ
[2] وفي "الأنساب" للسمعاني (7/ 91) (رقم:
2053):
"السَحُولي (بفتح السين وضم الحاء
المهملتين بعدهما الواو وفي آخرها اللام):
هذه النسبة إلى سَحُوْل، وهي قرية فيما
أظن باليمن، وإليها ينسب الثياب السحولية- يعنى البيض، اشتهر بهذه النسبة بحير بن
سعد السحولي الحمصي، لعله عرف بهذه النسبة لبيعه هذه الثياب." اهـ
انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (2/
106) لابن الأثير.
[3] وقال إبراهيم بن يوسف بن أدهم
الوهراني الحمزي، أبو إسحاق ابن قرقول (المتوفى:
569هـ)
_رحمه الله_ في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" (5/ 158): "والغِنى
ضد الفقر، ومنه: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، أي:
(ما أبقت غنًى)، قيل: معناه: الصدقة بالفضل عن قوت عيالهم وحاجتهم، كقوله:
"وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ"، كقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، قيل: الفضل عن أهلك. وقيل في قوله: "مَا
أَبْقَتْ غِنًى" ما أغنيت به عن المسألة من أعطيته." اهـ
[4] أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 322/ 119) (رقم: 430)
Komentar
Posting Komentar