شرح الحديث 143 (الترهيب من المراء والجدال ) من صحيح الترغيب
143 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المِراء
في القرآن كُفْرٌ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". |
ترجمة أبي هريرة الدوسي:
اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل:
اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن
هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله
بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن
الأزد.
وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (34/
366_367) للمزي:
"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس، وكنيته: أبو الأسود...وروي
عَنْهُ أنه قال: (إنما كنيت بأبي هُرَيْرة، أني وجدت أولادَ هرةٍ وحشيّةٍ، فحملتها
فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة)." اهـ
وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت
صبيح." اهـ
وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377):
"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان
مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378):
قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات
أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني،
ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع
وخمسين.
وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان
مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت: روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة
وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها: ثلاث
مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين
(93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص الحديث وشرحه:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"المِراء في القرآن كُفْرٌ".
رواه أبو داود
وابن حبان في "صحيحه".
وفي روايةٍ لأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (2/ 300):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:
)نَزَلَ
الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ -. فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ،
فَاعْمَلُوا. وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوْهُ إِلَى عَالِمِهِ(.
قال الخطابي _رحمه الله_ في "معالم السنن" (4/ 297):
"اختلف
الناس في تأويله:
* فقال بعضهم: معنى المراء هنا الشك، فيه
كقوله {فلا تك في مرية منه} [هود: 17] أي في شك، ويقال بل المراء هو الجدال المشكك
فيه.
*
وتأوله بعضهم: على المراء في قرآنه دون تأويله ومعانيه، مثل أن يقول قائل: (هذا
قرآن قد أنزله الله _تبارك وتعالى_)،
ويقول الآخر: (لم يُنْزِلِ اللهُ هكذا)،
فيكفر به من أَنْكَرَهُ، وقد أنزل _سبحانه_ كتابه على سبعةِ أحرُفٍ، كلُّها شَافٍ
كافٍ، فنهاهم _صلى الله عليه وسلم_ عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم
بعضاً يقرؤها، وتوعدهم
بالكفر عليها لينتهوا عن المراءِ فيه والتكذيبِ
به، إذ كان القرآن مُنَزَّلاً على سبعة أحرُف، وكلها قرآنٌ منزلٌ، يجوز قراءتُه،
ويجب علينا الإيمانُ به.
*
وقال بعضهم: إنما جاء هذا في الجدال بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد
وما كان في معناهما على
مذهب أهل الكلام والجدل وعلى
معنى ما يجري من الخوض بينهم فيها، دون ما كان منها في الأحكام وأبواب التحليل والتحريم والحظر والإباحة.
فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم وتحاجوا بها
عند اختلافهم في الأحكام، ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها.
وقد قال _سبحانه_: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]،
فعلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه والله أعلم." اهـ
وقال شهاب الدين أبو عبد الله فضل الله بن حسن، الشهير
بـ"التُّورِبِشْتِي" (المتوفى: 661 هـ)
_رحمه الله_ في "الميسر في شرح مصابيح السنة" (1/ 109):
"المراء:
اسم من المماراة، وهو المجادلة فيما فيه مرية، وقد ذكرنا أصل الكلمة واشتقاقها.
ويحتمل: أنه سماه كفرا؛
لأنه من عمل الكفار، ولأنه ربما يفضى بصاحبه إلى الكفر: إذا عاند صاحبه الذي
يماريه على الحق، ثم لابد أن يكون أحد الرجلين محقا، والآخر مبطلا، ومن جعل كتاب
الله سناد باطله، فقد باء بالكفر!" اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 199) (رقم: 4603)، السنن الكبرى
للنسائي (7/ 289) (رقم: 8039)، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 142) (رقم: 30169)، مسند
أحمد - عالم الكتب (2/ 258 و2/ 286 و 2/ 300 و 2/ 424 و2/ 475 و 2/ 494 و 2/ 503 و
2/ 528) (رقم: 7508 و 7848 و7989 و 9474 و10143 و10202 و 10539 و10834)، مسند أبي
يعلى الموصلي (10/ 303 و 10/ 410) (رقم: 5897 و 6016)، السنة لأبي بكر بن الخلال
(4/ 164_165 و 5/ 78) (رقم: 1433_1434 و 1663)، معجم ابن الأعرابي (1/ 38) (رقم: 24)،
صحيح ابن حبان (1/ 275 و 4/ 324) (رقم: 74 و1464)، المعجم الأوسط (3/ 61 و 4/ 81 و
4/ 284 و 6/ 96 و 6/ 219) (رقم: 2478 و 3666 و 4212 و 5909 و6233)، المعجم الصغير
للطبراني (1/ 299 و 1/ 345) (رقم: 496 و574)، مسند الشاميين للطبراني (2/ 263)
(رقم: 1305)، جزء الألف دينار للقطيعي (ص: 324) (رقم: 212)، الإبانة الكبرى لابن
بطة (2/ 611 و2/ 750) (رقم: 791_792 و 1042)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/
243) (رقم: 2882_2883)، فوائد تمام (1/ 21) (رقم: 24)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة
والجماعة (1/ 130) (رقم: 182)، وغيرهم.
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 79) (رقم: 236)، صحيح
الجامع الصغير وزيادته (2/ 1134) (رقم: 6687)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان
(1/ 196 و 3/ 117) (رقم: 74 و1462)، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 170) (رقم: 143)
من فوائد الحديث:
وقال ناصر الدين عبد الله بن عمر، الشهير بـ"القاضي البيضاوي" (ت 685هـ) _رحمه الله_ في
"تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (1/ 159):
"المراد
بـ (المراء فيه): التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن، ليدفع بعضه ببعض،
فيطرق إليه قدحا وطعنا.
ومن حق الناظر في القرآن: أن يجتهد في التوفيق
بين الآيات والجمْع بين المختلفات ما أمكنه، فإن القرآن يصدِّق بعضه بعضا.
فإن أشكل عليه شيء من ذلك، ولم يتيسر له التوفيق، فليعتقد أنه من سوء فهمه،
وليكله إلى عامله، وهو الله _تعالى_ ورسوله _عليه السلام_، كما قال _تعالى_:
{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]." اهـ
التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 471):
"من
حق الناظر في الآيات: الإيمانُ بها في علمه من معانيها حمدا لله عليه، وما جهله وكَل
عِلْمَهُ إلى الله.
وقد أخرجه أيضًا أحمد من حديث أبي هريرة، وفيه الزيادة: (فما عرفتم فاعملوا به
وما جهلتم فردوه إلى عالمه)." اهـ
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 399)
نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدَ
رَبِّنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي
آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:
68] نَتْرُكُ الْجِدَالَ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ فِيهِ لَا نُجَادِلُ وَلَا
نُمَارِي وَنُؤْمِنُ بِهِ كُلُّهُ وَنَرُدُّهُ إلَى عَالِمِهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 260)
المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات
الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله، فأمر
الله رسوله أصلا وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض
عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث
والخوض في كلام غيره
وقال الحسين بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ
الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري" (المتوفى: 727 هـ)
_رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 328):
"وإنما
قال رسول الله - عليه السلام - هذا الحديث؛ لتعظيم القرآن، ولاحتراز الأمة عن
الاختلاف في لفظِ القرآن ومعناه فيما كان من أصول الدين.
وأما الاختلاف فيما هو من فروع الدين كالمسائل الفقهية لا بأس بهذا الاختلاف؛
لأن هذا الاختلاف قد كان بين الصحابة كاختلافهم في قوله تعالى:
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]
أن الوضوء هل يبطل بلمس النساء أم لا؟ وغير ذلك." اهـ
وقال الشاطبي _رحمه الله_ في "الموافقات" (5/ 387_392):
وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ لِكَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ مَوَاضِعَ، نَذْكُرُ
مِنْهَا عَشَرَةَ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: السُّؤَالُ
عَمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ؛ كسؤال عبد الله بن حذافة: "مَن___أَبِي."
[خ م]
وَرُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_
سُئِلَ:
مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو رَقِيقًا كَالْخَيْطِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ
يَنْمُو حَتَّى يَصِيرَ بَدْرًا، ثُمَّ يَنْقُصُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ كَمَا كَانَ؟"
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، الْآيَةَ،
إِلَى قَوْلِهِ:
{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة:
189] ؛
فَإِنَّمَا أُجِيبَ بِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعِ الدِّينِ.
وَالثَّانِي: أَنْ
يَسْأَلَ بَعْدَ مَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ حَاجَتَهُ؛ كَمَا سَأَلَ الرجل عَنِ
الْحَجِّ: أَكُلَّ عَامٍ؟ [م س]
مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
[آلِ عِمْرَانَ: 97] قَاضٍ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ لِإِطْلَاقِهِ،
وَمِثْلُهُ سُؤَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ قَوْلِهِ:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [الْبَقَرَةِ: 67] .
وَالثَّالِثُ: السُّؤَالُ
مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِ فِي الْوَقْتِ، وَكَأَنَّ هَذَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ خَاصٌّ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ،
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ"،
وَقَوْلُهُ: "وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ لا عن نسيان؛ فلا
تبحثوا عنها".___
وَالرَّابِعُ:
أَنْ يَسْأَلَ عَنْ صِعَابِ الْمَسَائِلِ وَشِرَارِهَا؛ كَمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ
عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ
يَسْأَلَ عَنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّعَبُّدَاتِ الَّتِي
لَا يُعْقَلُ لَهَا مَعْنًى، أَوِ السَّائِلُ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ
السُّؤَالُ كَمَا فِي حَدِيثِ قَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ [خ م]
وَالسَّادِسُ: أَنْ
يَبْلُغَ بِالسُّؤَالِ إِلَى حَدِّ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ، وَعَلَى ذَلِكَ
يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] ،
وَلَمَّا سَأَلَ الرَّجُلُ5: "يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ! هَلْ تَرِدُ
حَوْضُكَ السِّبَاعُ؟ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ! لَا
تُخْبِرْنَا؛ فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ علينا.". الحديث. [عب]___
وَالسَّابِعُ: أَنْ
يَظْهَرَ مِنَ السُّؤَالِ مُعَارَضَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالرَّأْيِ،
وَلِذَلِكَ قَالَ سَعِيدٌ: "أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ " [ما هق]،
وَقِيلَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: "الرَّجُلُ يَكُونُ عَالِمًا
بِالسُّنَّةِ؛ أَيُجَادِلُ عَنْهَا؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ يُخْبِرُ
بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ، وَإِلَّا سَكَتَ". [جامع بيان العلم
وفضله (2/ 936) (رقم: 1784)]
وَالثَّامِنُ: السُّؤَالُ
عَنِ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} الْآيَةَ [آلِ
عِمْرَانَ: 7] .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: (مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا
للخصومات؛ أسرع___التَّنَقُّلَ). [مي]
وَمِنْ ذَلِكَ سُؤَالُ مَنْ سَأَلَ مَالِكًا عَنِ الِاسْتِوَاءِ، فَقَالَ: (الِاسْتِوَاءُ
مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفِيَّةُ مَجْهُولَةٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدَعَةٌ). [أخرجه
عثمان بن سعيد الدرامي، في "الرد على الجهمية" (رقم 104)]
وَالتَّاسِعُ: السُّؤَالُ
عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ،
وَقَدْ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ صِفِّينَ؛
فَقَالَ: "تِلْكَ دِمَاءٌ كَفَّ اللَّهِ عَنْهَا يَدَيَّ؛ فَلَا أحب أن يطلخ
بها لساني". [أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 934) (رقم:
1778)]___
وَالْعَاشِرُ: سُؤَالُ
التَّعَنُّتِ1 وَالْإِفْحَامِ وَطَلَبِ الْغَلَبَةِ فِي الْخِصَامِ، وَفِي
الْقُرْآنِ فِي ذَمِّ نَحْوِ هَذَا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ
أَلَدُّ الْخِصَامِ} [الْبَقَرَةِ: 204] .
وَقَالَ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزُّخْرُفِ: 58] .
وَفِي الْحَدِيثِ: "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلى الله الألد الخصم".
هذه جملة مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكره السُّؤَالُ فِيهَا، يُقَاسُ عَلَيْهَا
مَا سِوَاهَا، وَلَيْسَ النَّهْيُ فِيهَا وَاحِدًا، بَلْ فِيهَا مَا تَشْتَدُّ
كَرَاهِيَتُهُ، وَمِنْهَا مَا يَخِفُّ، وَمِنْهَا مَا يَحْرُمُ، وَمِنْهَا مَا
يَكُونُ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ، وَعَلَى جُمْلَةٍ3 مِنْهَا يَقَعُ النَّهْيُ عَنِ
الْجِدَالِ فِي الدِّينِ." اهـ
وقال عبد الرؤوف بن
تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ"
(المتوفى: 1031 هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (6/ 265):
"وقال
بعضهم: المراء في القرآن إن أدى إلى اعتقاد تناقض حقيقي فيه أو اختلال في نظمه،
فهو كفر حقيقي
وقيل: أراد إنكارُ قراءةٍ من السبع. فإذا قال هذه ليست من القرآن، فقد أنكر
القرآن، وهو كفر.
قال الحرالي: (والامتراء: مجادلة تستخرج السوءَ من خبيئة المجادل)." اهـ
وقال أحمد بن عبد الرحيم، المعروف بـ«الشاه ولي الله الدِّهْلَوِيِّ» (المتوفى: سنة 1176 هـ)
_رحمه الله_ في "حجة الله البالغة" (1/ 292):
"يحرم
التدارؤ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ أَن يسْتَدلّ وَاحِد بِآيَة، فَيردهُ آخر بِآيَة
أُخْرَى طلبا لإِثْبَاتِ مَذْهَبِ نَفسِه، وَهدْمِ وضع صَاحبه، أَو ذَهَابًا إِلَى نُصْرَة مَذْهَبِ بعض
الْأَئِمَّة على مَذْهَب بعض، وَلَا يكون جَامعَ الهمة على ظُهُور الصَّوَابِ.
والتدارؤ بِالسنةِ مثل ذَلِك." اهـ
شرح سنن أبي داود للعباد (514/ 23) بترقيم الشاملة:
"والمقصود من ذلك المراء الذي يكون بالباطل، والذي يكون بضرب القرآن
بعضه ببعض، بحيث يشكك فيه، أو يؤتى فيه بأمور غير سائغة تصرف الناس عن القرآن، فلا
شك أن هذا كفر بالله عز وجل، وهو مخرج من الملة." اهـ
شرح سنن أبي داود للعباد (514/ 23) بترقيم الشاملة:
"وأما
البحث عما جاء في القرآن من المعاني والْحِكَمِ والأسرارِ، وفهْمِ معانيه على
مقتضى اللغة، وعلى ما جاء عن الصحابة والتابعين، فهذا أمر مطلوب،
وأما الجدال الذي يكون بالباطل، والذي يكون بغير حق، والذي يترتب عليه ضرر
وفتن، والذي يترتب عليه ضلالٌ وتنافرٌ بين الناس، فهو منهي عنه." اهـ
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 226):
"قَالَ
[إِسْحَاقُ بن راهويه]:
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_، أَوْ
سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، أَوْ دَفَعَ شَيْئًا
أَنْزَلَهُ اللَّهُ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَهُوَ مَعَ
ذَلِكَ مُقِرٌّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَنَّهُ كَافِرٌ." اهـ
لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 571_572):
"وبالجملة:
البحث والجدال لا على سبيل الحق وطلبه، وعدم التفويض إلى مراد___اللَّه ورسوله،
وعدم الاحتياط في ذلك حرام منهي عنه، وأما على وجه الشك والإنكار فكفر بلا شبهة."
اهـ
صحيح ابن حبان (1/ 276):
"فِيهِ:
الزَّجْرُ عَنْ ضِدِّ هَذَا الْأَمْرِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْأَلُوا مَنْ لَا
يَعْلَمُ."
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (4/
326)
«إِذَا
مَارَى الْمَرْءُ فِي الْقُرْآنِ، أَدَّاهُ ذَلِكَ - إِنْ لَمْ يَعْصِمْهُ اللَّهُ
- إِلَى أَنْ يَرْتَابَ فِي الْآيِ الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ.
وَإِذَا ارْتَابَ فِي بَعْضِهِ أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْجَحْدِ، فَأَطْلَقَ _صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ اسْمَ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْجَحْدُ عَلَى
بِدَايَةِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الْمِرَاءُ»
مجموع الفتاوى (14/ 302):
"وَالْمِرَاءُ
فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ وَهُوَ يَكُونُ تَكْذِيبًا وَتَشْكِيكًا." اهـ
[تعليق]
من الجدال المهني عنه الذي قد يؤدي إلى الكفر: الجدالُ في شأن العرش واستواء
الله عليه، فقد أجمع العلماء على إثبات العرش واستواء الله عليه منذ عهد النبي
_صلى الله عليه وسلم_ إلى ظهور علم الكلام. أثبت الله ذلك في آيات من القرآن،
والأحاديث النبوية الصحيحة، والآثار المستفيضة من سلفنا الصالح.
قال الحافظ الذهبي _رحمه الله_ في "العلو للعلي الغفار" (ص: 70)
فالقرآن مشحون بِذكر الْعَرْش، وَكَذَلِكَ الْآثَار بِمَا يمْتَنع أَن يكون
المُرَاد بِهِ (الْمُلْكَ)، فدع المكابرة والمراءَ، فَإِن المراء فِي الْقُرْآن كُفْرٌ، وَمَا أَنا قُلْتُهُ، بل الْمُصْطَفى _صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم_ قَالَه." اهـ
Komentar
Posting Komentar