شرح الحديث 105 (باب المجاهدة) من رياض الصالحين
[105] الحادي عشر: عن ابن مسعود _رضي الله
عنه_ قَالَ : قَالَ
النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ : «الجَنَّةُ
أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ» . رواه البخاري. |
ترجمة
عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي _رضي الله عنه_ :
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (16/ 121_122) للمزي:
"عَبد
اللَّهِ بن مسعود بن غافل بن حبيب بْن____شمخ بن مخزوم، ويُقال: ابْن شمخ بْن فار
بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الحارث بْن تميم
بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن
نزار بن معد بن عدنان، أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهذلي،
صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (16/ 122) للمزي:
وكان أبو مسعود بْن غافل، قد حالف عبد بْن الحارث بْن زهرة
فِي الجاهلية. وأمه: أم عبد بنت ود بْن سواء من
هذيل أَيْضًا، لها صحبة.
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (16/ 122_123) للمزي:
أسلم بمكة
قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم. وهُوَ صاحب نعل رَسُول اللَّهِ صلى___الله عليه وسلم. كَانَ يلبسه إياها
إِذَا قام، فإذا جلس أدخلها فِي ذراعه. وكَانَ كثير الولوج عَلَى النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم." اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (16/ 127):
"وَقَال
أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن يحيى بْن مَعِين: مات
سنة ثلاث أَوِ اثنتين وثلاثين." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
الحادي عشر:
عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قَالَ :
قَالَ
النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_:
«الجَنَّةُ
أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ» . رواه البخاري.
[تعليق]:
وفي "فتح
الباري" لابن حجر (11/ 321):
"قَوْلُهُ
(شِرَاك)، تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي
أَوَاخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ، وَأَنَّهُ السَّيْرُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ
إِصْبَعُ الرِّجْلِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى كُلِّ سَيْرٍ وُقِيَ بِهِ
الْقَدَمُ." اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في صحيحه (8/ 102) (رقم: 6488)، وابن أبي شيبة في مسنده (1/ 161) (رقم: 230)، وأحمد
في مسنده (6/ 184) (رقم: 3667)، والبزار في "البحر الزخار"[1]
(5/ 90) (رقم: 1663)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (9/ 136) (رقم: 5211)، وابن حبان
في "صحيحه" (2/ 436) (رقم: 661)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 514)
(رقم: 6504)،
والحديث
صحيح:
صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (7/
1640) (رقم: 3624)، وصحيح الترغيب والترهيب (3/ 309) (رقم: 3349)
من
فوائد الحديث :
فتح الباري
لابن حجر (11/ 321)
"قَالَ
بن بَطَّالٍ:
فِيهِ:
* أَنَّ
الطَّاعَةَ مُوصِلَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ،
* وَأَنَّ
الْمَعْصِيَةَ مُقَرِّبَةٌ إِلَى النَّارِ،
* وَأَنَّ
الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي أَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ،
وَتَقَدَّمَ
فِي هَذَا الْمَعْنَى قَرِيبًا حَدِيثُ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ...)، الْحَدِيثَ.
فَيَنْبَغِي
لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَا
فِي قَلِيلٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْحَسَنَةَ
الَّتِي يَرْحَمُهُ اللَّهُ بِهَا، وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ
بِهَا." اهـ
[تعليق]:
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (23/ 78):
وَفِيه: دَلِيل
وَاضح على أَن الطَّاعَات موصلة إِلَى الْجنَّة والمعاصي مقربة من النَّار، فقد
يكون فِي أيسر الْأَشْيَاء،
وَيَنْبَغِي
لِلْمُؤمنِ أَن لَا يزهد فِي قَلِيل من الْخَيْر وَلَا يسْتَقلّ قَلِيلا من
الشَّرّ، فيحسبه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم. فَإِن الْمُؤمن لَا يعلم
الْحَسَنَة الَّتِي يرحمه الله بهَا، والسيئة الَّتِي يسْخط الله عَلَيْهِ بهَا.
وفي
"شرح صحيح البخارى" لابن بطال (10/ 198):
"وقوله:
(الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك)، فدليل واضح أن الطاعات
الموصلة إلى الجنة والمعاصى المقربة من النار قد تكون فى أيسر الأشياء،
ألا
ترى قوله _صلى الله عليه وسلم_:
(إن
الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا؛ يكتب الله له بها رضوانه
إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط
الله لا يلقى لها بالا؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه) .
فينبغى للمؤمن
ألا يزهد فى قليل من الخير يأتيه، ولا يستقل قليلاً من الشر يجتنيه فيحسبه هينًا،
وهو عند الله عظيم، فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التى يرحمه الله بها، ولا يعلم
السيئة التى يسخط الله عليه بها،
وقد قال الحسن
البصرى: (مَنْ تُقُبِّلَتْ مِنْهُ حَسَنَةٌ واحِدَةٌ، دَخَلَ الْجَنَةَ)."
اهـ
صحيح البخاري
(8/ 101) (رقم: 6478): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ
العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا
بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي
جَهَنَّمَ»
كشف المشكل من
حديث الصحيحين (1/ 312) لابن الجوزي :
"أَن نيل
الْجنَّة سهل، وَذَلِكَ بتصحيح العقد، وَتمكن الطَّاعَة، وَالنَّار قريبَة بموافقة
الْهوى وعصيان الْخَالِق." اهـ
المفاتيح في
شرح المصابيح (3/ 196) للمظهر الزيداني :
"من عمل
عملًا صالحًا تكون الجنة قريبةً منه، ومن عمل سوءًا تكون النار قريبةً منه."
اهـ
وفي "صحيح
البخاري" (4/ 111) (رقم: 3208)، و"صحيح مسلم" (4/ 2036/ 1) (رقم: 2643):
عن ابن مسعود
_رضي الله عنه_:
عن رسول الله
_صلى الله عليه وسلم_ قال:
(فَوَالَّذِي
لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا،
إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ
النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا،
وَإِنَّ
أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى
مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ
الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا).
تطريز رياض
الصالحين (ص: 92) لفيصل آل مبارك النجدي :
"في هذا
الحديث: الترغيب في قليل الخير وإن قلَّ، والترهيب عن قليل الشر، وإن قل. وأنَّ
الطاعة مقَّربة إلى الجنة، والمعصية مقرَّبة إلى النار،
قال الله
_تعالى_ : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة (7، 8)]
في هذا
الحديث: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها___درجات، وأن العبد
ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب."
اهـ
وقال فيصل بن
عبد العزيز الحريملي في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 303):
فيه: أن
الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار.
وفي الحديث
الآخر: «إن الرجل يتكلم بالكلمة ما يظن أنْ يبلغ ما بلغت،___يكتب الله له بها
رضوانه إلى يوم يلقاه، وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار» .
فينبغي للمؤمن
أن لا يزهد في القليل من الخير بالفعل والقول، وأن يجتنب الشر قليله وكثيره[2]."
اهـ
وقال ابن
هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 89):
"في هذا
الحديث من الفقه: تمكين الله _عز وجل_ عبده من العمل للجنة والنار، وأنه في حالة
قرب من الدارين،
فإن أطاع اللهَ،
فالجنة أقرب إليه من شراك نعله، وإن عصى الله _تعالى_، فالنار أقرب إليه من شراك
نعله." اهـ
الكوثر الجاري
إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 165) لأحمد الكوراني :
"وغرض
الشارع من هذا: حث الناس على أن لا يحقروا طاعة، فإنّ القليل من العمل مع الإخلاص
عند الله كثير.
ألا ترى إلى
ما تقدم من أن زانية سقت كلبًا يأكل الثرى من العطش غُفر لها، وما تقدم آنفًا من
أن الرجل يقول كلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بهما درجات."
اهـ
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1640)
قَالَ
الطِّيبِيُّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_:
ضَرَبَ
الْعَرَبُ مَثَلًا بِالشِّرَاكِ، لِأَنَّ سَبَبَ حُصُولِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
إِنَّمَا هُوَ بِسَعْيِ الْعَبْدِ، وَيُجْرَى السَّعْيُ بِالْأَقْدَامِ،
وَكُلُّ مَنْ
عَمِلَ خَيْرًا اسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ بِوَعْدِهِ، وَمَنْ عَمِلَ شَرًّا
اسْتَحَقَّ النَّارَ بِوَعِيدِهِ، وَمَا وَعَدَ وَأَوْعَدَ مُنْجَزَانِ
فَكَأَنَّهُمَا حَاصِلَانِ. اهـ
وقال الأمير
الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (5/ 298):
"فينبغي
الرغبة في كل أسباب الجنة وتجنب جميع أسباب النار. وعلى هذا، فالقرب معنوي، وإلا
فالجنة فوق السماوات السبع." اهـ
شرح رياض
الصالحين (3/ 341) للعثيمين :
"فالواجب
على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه يغلب كونه الخوف أو الرجاء، إن رأى نفسه
تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات وإلى انتهاك المحرمات استناداً إلى مغفرة
الله ورحمته؛ فليعدل عن هذا الطريق، وإن رأى أن عنده وسواساً، وأن الله لا يقبل
منه؛ فإنه يعدل عنه هذا الطريق." اهـ
العواصم
والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (9/ 11) :
"وهذا
يوجب الجمع بين الخوف والرجاء، وأن لا ينظر العبد إلاَّ إلى رحمة الله." اهـ
تيسير العزيز
الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص: 159) :
"وفيه:
التنبيه على سعة مغفرة الله وشدة عقوبته، وأن الأعمال بالخواتيم." اهـ
القول المفيد
على كتاب التوحيد (1/ 230_231) للعثيمين :
"والغرض
من هذا : الترغيب والترهيب: فإذا علم أن الجنة أقرب إليه من شراك النعل، فإنه ينشط
على السعي، فيقول: ليست بعيدة، كقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يدخل الجنة
ويباعد من النار، فقال:
"لقد
سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه." [صحيح: ت حم][3]
والنار إذا
قيل له: إنها أقرب من شراك النعل يخاف،___ويتوقى في مشيه، لئلا يزل، فيهلك، ورُبَّ
كلمةٍ تُوْصِل الإنسانَ إلى أعلى عليين، وكلمة أخرى تُوْصِلُهُ إلى أسفل
سافلين." اهـ
إعانة
المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 99) للفوزان :
"فهذا
الحديث فيه الخوف من الشرك، وأن الإنسان يخشى أن يلقى اللهَ وهو على الشرك فيكون
من أهل النار، والعياذ بالله.
وفي نصوص
الباب أن الإنسان لا يغتر بنفسه مهما بلغ من العلم والإيمان والمعرفة، بل يعترف
بعجزه وفقره إلى الله _سبحانه وتعالى_، وأنه إن لم يعصمه الله، فإنه على
خطر." اهـ
صحيح ابن حبان
(2/ 436) :
"ذِكْرُ
الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ تَرْكِ اسْتِحْقَارِهِ
الْيَسِيرَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقَلِيلَ مِنَ الْجِنَايَاتِ." اهـ
السنن الكبرى
للبيهقي (3/ 514) :
"بَابُ:
مَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ مِنْ قِصَرِ الْأَمَلِ
وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ." اهـ
[1] وهو المشهور بـ"مسند البزار"، طبع مؤخرا بتحقيق محفوظ الرحمن زين الله، (حقق الأجزاء من 1 إلى 9)، وعادل بن
سعد (حقق الأجزاء من 10 إلى 17)، وصبري عبد الخالق الشافعي (حقق الجزء 18). طبعته
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة النبوية (بدأت 1988م، وانتهت 2009م). جزاهم الله
خيرا.
[2] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 535) لابن الملقن :
"فينبغي
للمؤمن أن لا يزهد في قليل من الخير يأتيه، ولا يستقل قليلا من الشر يجتنيه فيحسبه
هينًا وهو عند الله عظيم؛ فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا
يعلم السيئة التي يسخط الله عليه بها." اهـ
[3] صحيح: من حديث معاذ، أخرجه: الإمام أحمد (5/231)،
الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 11) (رقم :2616)، والنسائي في "الكبرى"
(رقم : 11330)، وابن ماجه في "سننه" (رقم 3973). صححه الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب (3/ 88) (رقم : 2866).
Komentar
Posting Komentar