شرح الحديث 57 (باب المسح على الخفين) - من بلوغ المرام
57 - وَعَنْ ثَوْبَانَ _رضي الله عنه_، قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ سَرِيَّةً،
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ (يَعْنِي: الْعَمَائِمَ)
وَالتَّسَاخِينِ (يَعْنِي: الْخِفَافَ)." رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ |
ترجمة ثوبان _رضي الله عنه_:
سير
أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 15)
5
- ثَوْبَانُ النَّبَوِيُّ * (م، 4)
مَوْلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
سُبِيَ
مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -___وَأَعْتَقَهُ، فَلَزِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ، وَحَفِظَ عَنْهُ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَطَالَ
عُمُرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
يُكْنَى:
أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَيُقَالُ:
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ:
هُوَ يَمَانِيٌّ.
وَاسْمُ
أَبِيْهِ: جَحْدَرٌ، وَقِيْلَ: بُجْدَدٌ." اهـ
سير
أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 16)
نَزَلَ
حِمْصَ.
وَقَالَ
مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: سَكَنَ الرَّمْلَةَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَلَمْ
يُعْقِبْ، وَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ اليَمَنِ.
وَقَالَ
ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَ حِمْصَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَخَمْسِيْنَ.
يَذْكُرُوْنَ
أَنَّهُ مِنْ حِمْيَرٍ.
وَذَكَرَ
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ فِي (تَارِيخِ حِمْصَ) : أَنَّهُ مِنْ أَلْهَانَ،
وَقُبِضَ بِحِمْصَ، وَدَارُهُ بِهَا حُبْساً عَلَى فُقَرَاءِ أَلْهَانَ.
وَقَالَ
ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا.
سير
أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 17)
وَقَالَ
ابْنُ مَنْدَةَ: لَهُ بِحِمْصَ دَارٌ، وَبِالرَّمْلَةِ دَارٌ، وَبِمِصْرَ دَارٌ.
قَالَ شُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ: مَرِضَ ثَوْبَانُ بِحِمْصَ،
وَعَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُرْطٍ، فَلَمْ يَعُدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى ثَوْبَانَ
رَجُلٌ يَعُوْدُهُ.
فَقَالَ لَهُ ثَوْبَانُ: أَتَكْتُبُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اكْتُبْ.
فَكَتَبَ: لِلأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُرْطٍ، مِنْ ثَوْبَانَ
مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ
لَوْ كَانَ لِمُوْسَى وَعِيْسَى مَوْلَىً بِحَضْرَتِكَ لَعُدْتَهُ.
فَأُتِي بِالكِتَابِ، فَقَرَأَهُ، وَقَامَ فَزِعاً.
قَالَ النَّاسُ: مَا شَأْنُهُ! أَحَضَرَ أَمْرٌ؟!
فَأَتَاهُ، فَعَادَهُ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ.
فَأَخَذَ ثَوْبَانُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى
أُحَدِّثَكَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُوْلُ: (لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُوْنَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ
عَلَيْهِم، وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُوْنَ أَلْفاً)، أَخْرَجَهُ:
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)." اهـ
سير
أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 18)
عَنْ
ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ: أَنَّ ثَوْبَانَ مَاتَ بِحِمْصَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَخَمْسِيْنَ.
الأعلام
للزركلي (2/ 102)
ثَوْبان
(000 - 54 هـ = 000 - 674 م):
ثوبان
بن يجدد، أبو عبد الله: مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصله من أهل السراة
(بين مكة واليمن) اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه، فلم يزل يخدمه إلى أن
مات، فخرج ثوبان إلى الشام فنزل الرملة (في فلسطين) ثم انتقل إلى حمص فابتنى فيها
دارا، وتوفي بها.
له
128 حديثا
نص الحديث وشرحه:
وَعَنْ ثَوْبَانَ _رضي الله
عنه_، قَالَ:
"بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى
الْعَصَائِبِ (يَعْنِي: الْعَمَائِمَ) وَالتَّسَاخِينِ (يَعْنِي: الْخِفَافَ)."[1]
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
سنن أبي داود (1/ 36)
146 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
ثَوْبَانَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ
وَالتَّسَاخِينِ»
* مفردات الحديث:
- سرية: جمعها سرايا، وهي القطعةُ من الجيش، سُمِّيَتْ سريةً؛ لأنَّها
تَسْرِي في خُفْية، وهي ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة، وهي من الخيل نحو
أربعمائة، واصطلَحَ علماءُ السيرة النبوية على أنَّ كلَّ جيش لم يكن فيه رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يسمي سريَّه، وكُلَّ ما حضر فيه -صلى الله عليه وسلم- يسمَّى
غزوة.
- العصائب: مفردها عِصَابة، وهي ما عُصبَ به الرَّأسُ من منديل ونحوه.
- العمائم: مفردها عمامة، وهي ما يلف على الرَّأس.
- التساخين: بفتح التاء: نوعٌ من الخفاف، قال ثعلب: (لا واحد لها من لفظها،
يعني: الخفاف أو الأخفاف)." اهـ من توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 271_272)
وفي "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (3/ 1614) للخطابي:
"العصابة: العمامة." اهـ
معالم السنن (1/ 56) للخطابي:
"(العصائب): العمائم. سميتْ عصائبَ، لأن الرأس يُعْصَبُ
بها. و(التساخين): الخفاف. ويقال: إن أصل ذلك كلُّ ما يُسَخَّنُ به الْقَدَمُ من خُفٍّ،
وجَوْرَبٍ، ونحْوِهِ." اهـ
خلاف العلماء:
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 272_273):
"اختلف العلماء في جواز المسح على الخف المخرَّق:
* فذهب الإمامان الشافعي وأحمد وأتباعهما: إلى أنَّه لا يجوز المسح عليه، ولو كان خرقًا واحدًا، أو كان صغيرًا
أيضًا،
ودليلهم: أنَّ ما ظهر من محل الفرض ففرضه الغَسْل، وما سُتِرَ ففرضه
المسح؛ والغسل لا يجامع__المسح، إذ لا يُجْمَع بين البدلِ والمبدَلِ منه، في محلٍّ
واحدٍ.
وذهب الإمام أبو حنيفة: إلى
أنَّه لا يجوز المسح عليه إذا كان الخرق قدر ثلاثة أصابع فأكثر.
وذهب الإمام مالك: إلى أنَّه لا يمسح عليه إذا
أكثر وفحش، ويحدِّد فحشَهُ العرف.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية: إلى جواز
المسح على الخُفِّ المخروق، مادام اسمُ الخفِّ باقيًا عليه، وهو مذهبُ الثوري
وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي.
وقال شيخ الإسلام:
"إنَّ هذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن
يسير ستر العورة، وعن يسير النجاسة ونحو ذلك؛ فإنَّ السنَّة وردت بالمسح على
الخفين مطلقًا، وقد استفاضت الأخبار عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح:
"أنَّه مسح على الخفين"، وتلقَّى الصحابة عنه ذلك، فأطلقوا القول بجواز
المسح على الخفين، ومعلومٌ أنَّ الخفاف عادةً لا يخلو كثيرٌ منها من فَتْق أو
خَرْق، وكان كثير من الصحابة فُقَراءَ لم يكنْ يمكنهم تجديدُ ذلك.
ومن تدبَّر الشريعةَ، وأعطى القياس حقَّه، علم أنَّ الرخصة في هذا
الباب واسعة، وأنَّ ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلَّة على رفع
الحرج عن هذه الأمَّة بَلَغَتْ مبلغ القطع، ومقصدُ الشَّارع من مشروعية الرخصة
الرفقُ في تحمُّل المشاقِّ، فالأخذُ بها مطلقًا موافقة للعقيدة.
أمَّا لو زال اسم الخفِّ منه، وزال معناه والفائدة منه: فهذا لا يصح
المسح عليه.
وقال شيخ الإسلام _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (21/ 172_173):
"هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
لِلْعُلَمَاءِ:
* فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ
وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا فِيهِ خَرْقٌ يَسِيرٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ
ذَلِكَ وَاخْتَارَ هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد.
* وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا
عَلَى مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ مَحَلِّ الْغَسْلِ. قَالُوا: لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ
بَعْضُ الْقَدَمِ كَانَ فَرْضُ مَا ظَهَرَ الْغَسْلَ؛ وَفَرْضُ مَا بَطَنَ
الْمَسْحَ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْغَسْلِ___وَالْمَسْحِ أَيْ: بَيْنَ
الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَغْسِلَ الْقَدَمَيْنِ
وَإِمَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ
قِيَاسُ أَصْلِ أَحْمَد وَنُصُوصِهِ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْعَوْرَةِ
وَعَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛
فَإِنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ
بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا قَوْلًا
مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلًا كَقَوْلِ صَفْوَانَ
بْنِ عَسَّالٍ: {أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذَا كُنَّا سَفَرًا - أَوْ مُسَافِرِينَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ أَخِفَافَنَا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ لَا نَنْزِعُ
مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ} رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ." اهـ
ثم قال _رحمه الله_ في "مجموع الفتاوى" (21/ 174):
"وَمَعْلُومٌ: أَنَّ الْخِفَافَ فِي الْعَادَةِ لَا يَخْلُو
كَثِيرٌ مِنْهَا عَنْ فَتْقٍ أَوْ خَرْقٍ لَا سِيَّمَا مَعَ تَقَادُمِ عَهْدِهَا
وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقُرَّاءَ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُمْ تَجْدِيدُ
ذَلِكَ.
وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: {أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ}.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ ثِيَابَهُمْ كَانَ يَكْثُرُ فِيهَا الْفَتْقُ
وَالْخَرْقُ حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَرْقِيعِ، فَكَذَلِكَ الْخِفَافُ. وَالْعَادَةُ
فِي الْفَتْقِ الْيَسِيرِ فِي الثَّوْبِ وَالْخُفِّ أَنَّهُ لَا يُرَقَّعُ وَإِنَّمَا
يُرَقَّعُ الْكَثِيرُ.
وَكَانَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الضَّيِّقِ حَتَّى
إنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَجَدُوا تَقَلَّصَ الثَّوْبُ فَظَهَرَ بَعْضُ الْعَوْرَةِ،
وَكَانَ النِّسَاءُ نُهِينَ عَنْ أَنْ يَرْفَعْنَ رُءُوسَهُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ
الرِّجَالُ رُءُوسَهُمْ، لِئَلَّا يَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مَنْ ضِيقِ
الْأُزُرِ مَعَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِ
الصَّلَاةِ؛ بِخِلَافِ سَتْرِ
الرِّجْلَيْنِ بِالْخُفِّ
فَلَمَّا أَطْلَقَ الرَّسُولُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_
الْأَمْرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخِفَافِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ فِي
الْعَادَةِ؛ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ: وَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُهُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ."
اهـ
تخريج الحديث:
سنن أبي داود (1/ 36) (رقم: 146)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 277) (رقم:
22383)، غريب الحديث لإبراهيم الحربي (1/ 301 و3/ 1033)، سنن أبي بكر الأثرم (ص:
232) (رقم: 15)، مسند الروياني (1/ 420) (رقم: 642)، مسند الشاميين للطبراني (1/
274) (رقم: 477)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 275) (رقم: 602)، السنن الكبرى
للبيهقي (1/ 102) (رقم: 290)، شرح السنة للبغوي (1/ 452) (رقم: 234)
والحديث صحيح: صححه الألباني في "تحقيق
المسح على الجوربين والنعلين" (ص: 26)، صحيح أبي داود - الأم (1/ 250) (رقم: 134)
من فوائد الحديث:
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 272)
* ما يُؤْخذ من الحديث:
1 - جواز المسح على العمامة، والخفاف في السفر.
2 - كما يجوز في السفر، فإنَّه يجوز أيضًا في الحضر؛ فالرخصة
عامَّة.
3 - فيه تعليم الجيش والغزاة والمسافرين، إلى ما يحتاجون إليه من
الأحكام الشرعية؛ ففيه تنبيهُ ولاةِ الأمور وقُوَّادِ الجيوش وكبارِ رجال الأمن،
أنْ يُعْنَوْا بتوعية جنودهم التوعية الشرعية، لاسيَّما في الأحكام التي يحتاجون
إليها.
4 - أنَّ الأنسب في توجيه العامَّة، وإرشادهم، أنْ يُعْطَوْا من
العلم المسائلُ التي هم في حاجتها، والتي تدورُ في محيطهم الحاضر؛ لأنَّهم في
حاجتها الآن.
5 - صفة مسح العمامة، وهو أنْ يمسح بيده المبتلَّة بالماء ظاهرَ
العمامةِ دون باطنها؛ لأنَّ أعلاها يشبه ظاهر الخف، ولا يجب أنْ يمسح مع العمامة
ما جرت العادةُ بكشفه من الرَّأس.
6 - هؤلاء الذين أمرهم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسح على
العصائب والخفاف جنودٌ كثيرون ومسافرون، وحالة الصحابة -رضي الله عنهم- في
تقلُّلهم من الدنيا ومتاعها معلومةٌ، فيكون من المحقَّق أنَّ غالب عمائمهم وخفافهم
قديمةٌ وممزَّقة، ويبدو منها بعض محل الفرض، فمسحوا عليها، وسيأتي بيان الخلاف،
إِنْ شاءَ الله تعالى.
تحفة الأحوذي (1/ 288)
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي "فَتَاوَاهُ"
مَا لَفْظُهُ:
يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَ يَمْشِي
فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ
الْعُلَمَاءِ. فَفِي "السُّنَنِ": (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ)،
وَهَذَا الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ، فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي
ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ
إِنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ، وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي
الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ
كَتَّانًا أَوْ صُوفًا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي
الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ.
وَغَايَتُهُ: أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنَ الصُّوفِ، وَهَذَا لَا
تَأْثِيرَ لَهُ، كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا، بَلْ يَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَى مَا يَبْقَى، وَمَا لَا يَبْقَى،
وَأَيْضًا فَمِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَسْحِ
عَلَى هَذَا كَالْحَاجَةِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا، سَوَاءٌ.
وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ
التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَهَذَا خِلَافُ
الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ." انْتَهَى
كَلَامُهُ [مجموع الفتاوى (21/ 214)]
قُلْتُ: كَلَامُ الْحَافِظِ بن تَيْمِيَّةَ هَذَا، لَيْسَ مُخَالِفًا
لِمَا اخْتَرْنَا مِنْ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ، إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ
صَفِيقَيْنِ، يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا،
يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّهُمَا فِي مَعْنَى
الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ قَيَّدَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى
الْجَوْرَبَيْنِ بِقَوْلِهِ (إِذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا) وَظَاهِرٌ: أَنَّ
تَتَابُعَ الْمَشْيِ فِيهِمَا، لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا، إِلَّا إِذَا كَانَا
ثَخِينَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ
يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ)،
فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَ الْجَوْرَبَانِ ثَخِينَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ
تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا وَأَمَّا إِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ بِحَيْثُ لَا
يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا، فَلَا كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ
فَقِيَاسُ الْجَوْرَبَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ عَلَى الْخُفَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ
الْفَارِقِ،
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ." اهـ
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 600)
قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله أبو محمَّد ابن حزم رحمه الله حسن
جدًا.
وحاصله أن المسح على العمامة ونحوها جائز سواء لبسها على طهارة أم
لا، وسواء مسح بعض رأسه بماء أم لا، وذلك بلا توقيت، وهذا هو المذهب الراجح، لوضوح
الأدلة فيه. والله تعالى أعلم.
الذخيرة للقرافي (1/ 317)
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَاهِيَةٌ فَنَعْدِلُ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِجَامِعِ الضَّرُورَةِ
وَبِطْرِيقِ الْأَوْلَى لِمَزِيدِ الشِّدَّةِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ مَا
فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ
الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ وَالتَّسَاخِينُ الْخِفَافُ
وَإِذَا جَازَ الْمَسْحُ لِضَرُورَةِ الْبَرْدِ فَأَوْلَى الْجِرَاحُ.
وقال المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (1/ 266_267):
والحديث يدل على شرعية المسح على الخفين والعمائم ولكنه كما ذكر من
حكاية أبي داود مشروط بالعذر فإن إصابة البرد المذكورة (هـ) في القصة مناسبة
للترخيص فيظهر من تعليق الحكم بها باعتبارها لكنه في الخفين قد تبين الكلام
والخلاف، وفي المسح على العمائم تقدم الكلام على ذلك من غير عذر وأما مع العذر وهو
خشية الضرر فلا كلام في الجواز.___
الحديث مطلق في الترخيص ولم يوقت ولم يشرط السفر ولا غيره، ولكنه
مقيد كا تقدم من التوقيت واشتراط الطهارة قبل اللبس فتنبه.
التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 201)
وهذا التفسير يوافق قرنها بالعمائم؛ ولأن المسح على الخفاف ليس يختص
من له عذر.
سبل السلام (1/ 86)
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَطْ، وَمَسَحَ عَلَى النَّاصِيَةِ:
وَكَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَقِيلَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا لِلْعُذْرِ،
لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ
يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى
الْعُذْرِ، وَفِي هَذَا الْحَمْلِ بُعْدٌ، وَإِنْ جَنَحَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي
الشَّرْحِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فِي غَيْرِ هَذَا.
شرح سنن أبي داود للعباد (24/ 6) بترقيم الشاملة:
"والمسح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله
عليه وسلم مسح على الرأس، ومسح على العمامة.
والمسح على الرأس وعلى العمامة أو على الناصية والعمامة يكون فيما
إذا كان شيء من الرأس مكشوفاً إلى الأمام، ثم وضعت العمامة، فإنه يمسح على ما بدا
من الناصية، ويمسح على العمامة أيضاً، فيجمع بين هذا وهذا." اهـ
شرح سنن أبي داود للعباد (24/ 6، بترقيم الشاملة آليا)
والحاصل: أنها قطعة من الجيش ترسل لمهمة، كغزو إلى جهة معينة ونحو ذلك،
وكان هناك برد، فلما قدموا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمسحوا على العصائب
والتساخين، والعصائب: هي العمائم، وهي التي يشد بها الرأس، ويقال لها: عصابة؛ لأنه
يشد بها الرأس، والمقصود بها العمائم التي يشد بها الرأس وتغطيه، وأما إذا كانت
العصابة أو الشيء الذي يشد به الرأس ليس عمامة فهذا لا يمسح عليه، إلا أن يكون ذلك
من أجل جرح فيه أو ما إلى ذلك فإنه يمسح عليه وعلى ما ظهر من الرأس.
والتساخين قيل: هي الخفاف، وقيل لها تساخين لأنها تسخن القدم، ويحصل
له بها سخونة ودفء، سواء كان جورباً وهو الذي يكون من الصوف أو من القماش أو يكون
خفاً وهو الذي يكون من الجلود.
المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 98)
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن إرسال طائفة من الناس لقضاء
المصالح مشروع. وعلى أن كبير القوم يطلب منه أن يكون رحيما بهم. وعلى أن الضرورة
لها أحكام تخصها. وعلى أن الدين يسر لا عسر فيه. وعلى أن المسح على العمامة في
الطهارة مشروع. وعلى مشروعية المسح على الخفين. وسيأتى تمام الكلام عليه في بابه
إن شاء الله تعالى.
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/
230_231):
"والسرايا نوعان: سرية تبعث من البلد، وسرية تبعث من الجيش
تنطلق في أثناء السفر إلى قتال العد من الجيش، "وأمرهم أن يمسحوا على
العصائب" يعني: العمائم، وسميت عصائب؛ لأنها يعصب بها الرأس،
"والتساخين؛ -يعني: الخفاف-"، وسميت تساخين؛ لأنها تسخن بها القدم، فإن
ذلك الخف لابد أن يكون في لبسه إياه تسخين للقدم.
فيستفاد من هذا الحديث:
أولا: مشروعية بعث السرايا، لكن بشرط ألا يكون في هذا البعث إلقاء
بالنفس إلى التهلكة، مثل أن يرسل سرية لجيش يبلغ آلافا، فهنا لا يجوز لقول الله
تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29].
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/
231_233):
"في هذا الحديث فوائد؛
* منها: مشروعية بعث السرايا سواء
كانت تقطع من الجيش أو مرسلة من الأصل من البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يفعل ذلك.
* ومنها: جواز المسح على العمائم وهي
التي تعمم على الرأس.
أولا: وهل لها شروط؟ لننظر، ذكر الفقهاء - رحمهم الله- أنه يشترط أن يلبسها على طهارة قياسا على
الخف، فإن الخف لابد أن يلبسه على طهارة، قالوا: فكذلك العمامة، ولكن هذا قياس غير صحيح لأمرين:
الأمر الأول: أنه لم يُذْكَرْ عن الرسول
_عليه الصلاة والسلام_ أنه أمر الإنسان أن يلبس العمامة على طهارة، مع أنه لو كان
شرطا، لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، فلما لَمْ يَرِدْ، قلنا: الأصل عدم
الاشتراط.
الأمر الثاني: أن القياس لا بد فيه من
مساواة الفرع للأصل، وهنا لا توجد مساواةٌ، وذلك بأن الرِّجْلَ مغسولةٌ، والرأسُ
ممسوحٌ.
فتطهير الرأس قد سهُل فيه من أصله حيث إنه مَسْحٌ، فإذا كان سهُل فيه
منْ أصْلِهِ، فلا يمكن أن يقاس الأسهل على ما هو أصعب منه، فيقال: كما سهل في أصله
- أصل تطهير الرأس- كذلك يسهل في الفرع وهي العمامة التي تلبس عليه.___
ثانيا: هل يشترط أن تكون المدة يومًا
وليلةً، أم يجوز ما دام لابسا على العمامة، فإنه يمسح عليها؟
المذهب أنه لابد أن تكون يومًا
وليلةً للمقيم، وثلاثةَ أيامٍ للمسافر قياسا على الخف، وقد علمتم أن هذا القياس لا يصح؛ لأنه
لم يأت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حديثٌ لا صحيح، ولا ضعيف: أنه وقَّت لمسح
العمامة يوما وليلة أو ثلاثة أيام،
ثم إن القياس أيضا غير تام لاختلاف الأصل والفرع. على هذا، نقول:
البس العمامة متى شئت، وامسح عليها متى شئت.
ثالثا: هل يشترط في العمامة شرط فوق
كونها مطلقَ عمامة؟
المذهب: نعم، لا بد أن تكون محنكة
أو ذات ذؤابة، فالمحنكة أن يدار منها لية تحت الحنك، أو ذات ذؤابة من الخلف؛ حجتهم
في ذلك قالوا: لأن الحكمة من جواز المسح على العمامة مشقة النزع، وهذا لا يتحقق في
عمامة وضعت على الرأس دون أن تكون محنكة، لكن المحنكة يصعب على الإنسان نزعها، أما
ذات ذؤابة فلأن هذه العمامة المشهورة عند العرب وفاقدتها لا تسمى عمامة، ولكن هذا
فيه نظر، والصواب أنه يجوز أن نمسح على العمامة الصماء التي ليست ذات ذؤابة، ولا
محنكة.
أما الأول فنقول: أين الدليل على أنه لابد أن
تكون محنكة، والتعليل بأنه لمشقة النزع؟
يقال: إن هذا لا يقاس على الخف؛
لأن أصل تطهير الرأس مخفف، ثم إنه قد يشق على الإنسان ليمسح الرأس؛ لأن بعض
العمائم يكون لياتها كثيرة فلو نزعها بقي وقتا يرد طيها.
وثانيا: أن هناك أذى؛ لأن العمامة
لابد أن تكسب الرأس حرارة فإذا كشفها أو نزعها ليمسح الرأس في أيام الشتاء خاصة،
فإنه يتأذى بذلك وربما يتضرر؛ لأنه سيقابل رأسه برودةً.
فالصواب - إذن-: أنه لا يشترط في العمامة أن
تكون محنكة أو ذاتَ ذُؤابة، وأما كون هذه عمائمَ العربِ، فإن سُلِّمَ هذا، فالنصوص
جاءت مطلقةً بدون تقييد.
فإن قال قائل: وهل تجيزون المسح على
الطاقية والغَتْرَةِ؟
فالجواب: لا؛ لأنها لا تسمى عمامةً، وليس فيها أدنى مشقة، لكن هناك
شيء لا يقاس على العمامةِ، وهو القُبَّعُ الذي يلبس على الرأس في أيام الشتاء، وهو قُبَّعٌ من صُوْفٍ أو مِنْ
قُطْنٍ، يلبسه الإنسانُ على رأسه، ويكون له فتحة للوجه وطوق على العنق، فهذا لا شك أن المسح عليه جائز، وهو
أولى بجواز المسح من العمامة؛ لأن هذا يشق على الإنسان أن يخلعه، وهو أيضا أشد
ضررا على الرأس من خلع العمامة؛ لأنه يستعمل غالبا في أيام الشتاء.
فإن قال قائل: وهل تجيزون المسح على الرأس إذا كان ملبدا بالصمغ
والعسل وما أشبه ذلك؟___
فالجواب: نعم نجيز هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
قد لبد رأسه، وهذا مما يدلك على أن المسح على ما فوق الرأس أمر ميسر.
فإن قال قائل: فالنساء تلبس حليا على رأسها وتشبكه في الشعر وتخيطه عليه
فهل يلزمها نزعه عند الوضوء أو تمسح عليه؛ لأن مشقة هذا أيضا شديدة، وكما سمعتم أن
المسح على الرأس أمر مخفف.
"التساخين" يقول: هل الخفاف، يؤخذ من هذا الحديث جواز
المسح على الجوارب؛ لأن عموم قوله: "التساخين" وإن فسرت بالخفين فإنها
من باب تفسير الشيء ببعض معناه، فالتساخين كل ما تسخن به الرجل من جوارب وخفاف
وغيرها.
فهل يجوز المسح على الخف الرقيق أو المخرق؟
الجواب: نعم على القول الراجح؛ لأن
هذا يحصل فيه تسخين القدم.
وهل يجوز المسح على اللفائف، يعني:
لو كان هناك برد شديد، أو حر شديد فلوقاية الرجل لف عليها لفائف فهل يجوز المسح
عليها؟
الجواب: نعم، لا شك في هذا؛ لأن
إزالة هذا الملفوف أشد من الخف أو الجورب.
فإن قال قائل: وهل يجوز المسح على الخف المخرق؟
قلنا: نعم ما دام اسم الخف باقيا
أو اسم الجورب باقيا، فإنه يجوز المسح عليه؛ لأن النصوص جاءت مطلقة، ثم إن المقام
مقام رخصة وتسهيل.
وإذا كان المقام رخصة وتسهيل فلا ينبغي أن نشدد على عباد الله في شيء
لم يثبت في شريعة الله، وهذه قاعدة يجب على الإنسان
أن يهتم بها، أي شرط تشترطه في أيِّ حكم
من الأحكام، فاعلم أنك بذلك ضيقت الشريعة؛ لأن الشروط
قيود.
وإذا قيد المطلق، صار تضييقا على الناس، فأي شرط تضيفه إلى حكم من
الأحكام، فاعلم أنك ضيقتَ شريعةَ الله، وسوف يحاسبك الله على هذا؛ لأن الله أطلق
لعباده ويسر لعباده، ثم تأتي أنت بزيادة قيد أو شرط لم يكن موجودا في القرآن
والسنة، ولا القياس الصحيح، فإنك سوف تحاسب على هذا." اهـ
[1] وقال
الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 85): وَفَسَّرَهَا الرَّاوِي بِقَوْلِهِ:
[يَعْنِي: الْخِفَافَ جَمْعُ خُفٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَمَا قَبْلَهُ يَعْنِي
الْعَمَائِمَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي
Komentar
Posting Komentar