شرح الحديث 55 (باب المسح على الخفين) من بلوغ المرام

 

55 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

"كَانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ."

أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَصَحَّحَاهُ.

 

ترجمة صفوان بن عسال الْمُرادي _رضي الله عنه_:

 

وفي إكمال تهذيب الكمال (6/ 384) لعلاء الدين مُغَلْطَايُ الحنفي:

"صفوان بن عسال المرادي ثم الرَّبَضِيُّ، من بني الربض بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد." اهـ

 

وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (3/ 1501):

"صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبْضِ بْنِ زَاهِرِ بْنُ مُرَادٍ، وَكَانَ عِدَادُهُ فِي بَنِي حَمَلٍ، غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ." اهـ

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 377) للذهبي:

" ت ن ق: صَفْوان بْن عَسّال المُرَادِيّ. [الوفاة: 35 - 40 ه] : غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عشرة غزوة. وله أحاديث." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

"كَانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ."

أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَصَحَّحَاهُ.

 

وقال المباركفوري _رحمه الله_ في "تحفة الأحوذي" (1/ 268):

"وَقَوْلُهُ (مِنْ غَائِطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: (وَأَمَرَنَا أَنْ نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا نَنْزِعَ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ)،

وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا، وَلَا نَنْزِعَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) [حسن: سنن النسائي (1/ 83) (رقم: 127)]." اهـ

 

وفي "صحيح ابن خزيمة" (1/ 97):

قَالَ: «نَعَمْ كُنَّا فِي الْجَيْشِ الَّذِي بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهُورٍ، ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا، وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا، وَلَا نَخْلَعَهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَا نَخْلَعَهُمَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ»

 

* خلاف العلماء:

 

ذهب الإمام أحمد: إلى جواز المسح على الجوربين، وهما ما يصنع على هيئة الخف من غير الجلد.

قال ابن المنذر: تروى إباحةُ المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة، وهم: علي وعمَّار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى وسهل بن سعد.

وهو قول: عطاء والحسن وابن المسيب وابن المبارك والثوري وإسحاق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؛

لما روى الإمام أحمد (1774)، وأبو داود (159)، والترمذي (99) عن المغيرة بن شعبة أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين والنعلين.

قال الترمذي: حسنٌ صحيح.

قال الألباني: رجاله كلهم ثقات؛ فإنَّهم رجال البخاري في صحيحه محتجًّا بهم.___

وذهب الأئمة الثلاثة -فيما استقرَّت عليه مذاهبهم أخيرًا- إلى جواز المسح عليهما.

 

واختلف العلماء: أيهما أفضل الغَسْلُ أو المسح؟

* فذهب الشافعية: إلى أنَّ الغَسْلَ أفضل؛ بشرط أنَّه لا يترك المسح رغبةً عن السنَّة.

* وذهب الحنابلة: إلى أنَّ المسح أفضل من الغسل.

قال في شرح الإقناع: (المسح على الخفين أفضل من الغسل؛ لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنَّما طلبوا الأفضل، وفيه مخالفةُ أهل البدع، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله يُحِبُّ أنْ يُؤْخَذَ برخصه" [رواه ابن خزيمة (3/ 259)، وابن حبَّان (8/ 333)]. [انظر: "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 110) لمنصور الْبَهُوْتِيُّ]

 

وأمَّا ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال: لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يتكلَّف ضد حاله التي عليها قدماه، فإنْ كانتا في الخف، مَسَحَ عليهما، وإِنْ كَانتا مكشوفتين، غسل القدمين".

وقال -رحمه الله-: هذا أعدل الأقوال." اهـ [زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 192)]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (1/ 159 5/ 545_546) (رقم: 96 و 3535 و 3536)، والنسائي في "سننه" (1/ 83 و1/ 98) (رقم: 126_127 و 158_159)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 161) (رقم: 478)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (4/ 239 و 4/ 240) (رقم: 18091 و18269)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 13 و 1/ 97 و1/ 98) (رقم: 17 و 193 و 196)، وغيرهم.

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 140) (رقم: 104)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 145) (رقم : 85).

 

من فوائد الحديث:

 

قال عبد الله بن عبد الرحمن البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 266_267):

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - جوازُ المسح على الخفَّيْن في السفر، كما كان في الحضر؛ بل الحاجة إليه في السفر أشد.

2 - أنَّ مدَّةَ المسحِ على الخُفَّيْنِ في السفر ثلاثة أيَّامٍ بلَيالِيْهِنَّ، وأنَّهُ بعد الثَّلاثَة يَجبُ خَلعهما، وغَسْلُ ما تحتهما من القدمين في الوضوء.

3 - إنَّ المسح على الخفين يكون من الحدث الأصغر، دون الحدث الأكبر؛ ففيه: يجب خلعهما وغسل ما تحتهما، وهو حكم مُجْمَع عليه بين العلماء.

4 - نقض الوضوء من الخارج من السبيلين، وأهمُّه البول والغائط.

5 - نقض الوضوء من النوم.

6 - مثل النَّوم في نقض الوضوء، كلُّ ما أزال العقلَ وغطَّاهُ؛ من إغماءٍ وبنجٍ ومسكر وغيرها.

7 - عمومُ الحديث يفيدُ جوازَ المسحِ على الخفَّيْنِ، سواءٌ كان صالحًا أو مخروقًا؛ فإنَّ الغالبَ على خفاف الصحابة -رضي الله عنهم- أنْ لا تسلم من وجود الشقوق والخروق.

وهذا خلاف ما قيَّده به أصحاب الإمامين الشَّافعي وأحمد، من اشتراط عدم الخرق أو الشق في الخف، وهو قولٌ مرجوحٌ، والله أعلم.___

8 - لا يجوز المسح على مالا يستر محل الفرض؛ أخذًا من مسمَّى الخف عندهم.

9 - جواز المسح على الجوربين ونحوهما، ممَّا له حكم الخفين، يستر محل الفرض، والحاجة إلى لُبْسهِ والمشقَّة في نزعه، من أي شيءٍ يكون الجورب؛ من صوفٍ أو وبرٍ أَو قطنٍ أو غيرها.

10 - قال في المغني: ولا يجوز المسح على الخف الرقيق الذي يصف البَشَرَةَ؛ لأنَّه غير ساترٍ لمحل الفرض؛ فأشبه النَّعل.

وقال النووي في المجموع: وحكى أصحابنا عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- جواز المسح على الجورب وإنْ كان رقيقًا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود." اهـ

 

وقال الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" ط المكتبة الإسلامية (1/ 229)

في هذا الحديث فوائد منها: مراعاة التيسير على الأمة، وذلك بتيسير أحكام السفر في الطهارة وما يتعلق بها، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وفي الصيام وما يتعلق به، تجد الشريعة يسرت الأحكام بالنسبة للمسافر، فيستفاد من هذا مراعاة الشريعة للتسهيل.

ومن فوائده أيضا: بيان الحكمة في التشريع، وأنه يناسب الأحوال، وهذا ظاهر جدا في العبادات وفي المعاملات، فمثلا في العبادات ما رأيتم المسافر يمسح كم؟ ثلاثة أيام بلياليهن والمقيم يوما وليلة، الصلاة الرباعية تتم في الحضر وتقصر في السفر، الجمع يجوز في السفر.

كذلك في المعاملات بيع التمر بالرطب حرام؟ لكن إذا احتاج الإنسان إلى الرطب وليس عنده دراهم جاز أن يشتري الرطب بالتمر بالشروط المعروفة في العرايا، هذا أيضا تسهيل بل لدينا قاعدة: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم} [الأنعام: 119]. هذه قاعدة: "كل حرام يضطر الإنسان إليه وتندفع ضرورته به يكون حلالا"، وهذا مما يدل على أن الشريعة تراعي الأحوال.

ومن فوائد هذا الحديث: أن من كان لابسا للخف فإنه لا ينزعه بأمر الرسول لقوله: "أمرنا ألا ننزع"، وهو مما يؤيد ما ذكرناه أولا بأن من كان لابسا الخفين فإنه لا ينزعهما؛ لأن هذا في باب التعمق والتنطع بل مسح عليهما من هو أتقى لله منك وأعلم بالله منك.

ومن فوائد هذا الحديث: أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليهن.

ومن فوائده: أنه لا مسح على الخف في الجناية؛ لأن حدث الجناية أغلظ من حدث البول والغائط؛ فلهذا ليس فيها مسح إلا في حال الضرورة في الجبيرة كما سيأتي إن شاء الله.

ومن فوائد هذا الحديث: أن المسح يكون بالحدث الأصغر وهو متفرع على الفائدة التي ذكرنا.

ومن فوائده: أن الغائط والبول والنوم ناقض للوضوء لقوله: "إلا من بول وغائط ونوم" وظاهر الحديث: أنه لا فرق بين الغائط القليل والكثير، وكذلك البول لا فرق بين القليل والكثير والنوم ظاهر الحديث لا فرق بين القليل والكثير، لكن دلت أدلة أخرى أن هناك فرقا بين القليل والكثير بالنسبة للنوم، إذن يستفاد من هذا الحديث: أن الغائط ناقض للوضوء قل أو كثر، البول ناقض للوضوء قل أو كثر، النوم ناقض للوضوء قل أو كثر، لكن هذا مقيد - النوم- بأحاديث أخرى أنه إذا كان النوم قليلا فإنه لا ينتقض به الوضوء، وسيأتي - إن شاء الله- بيان ذلك." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (3/ 469) حين ذكر فوائد الحديث:

* ومنها: اعتناء المرء بسؤال العلماء عما يهمه من أمر دينه،

قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

* ومنها: مشروعية المسح على الخفين في السفر، وتوقيته بثلاثة أيام، وأنه لا ينزع إلا من جنابة.

* ومنها كون البول، والغائط، والنوم، من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له المصنف. ولا خلاف بين أهل العلم في كون البول والغائط ناقضا للضوء، وأما النوم فسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة