شرح الحديث 25 (13- باب بر الوالد المشرك) من الأدب المفرد
25 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً[1]،
فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[2]،
فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصِلُهَا؟ قَالَ:
«نَعَمْ» . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}
[الممتحنة: 8][3]."
|
رواة
الحديث :
* حَدَّثَنَا
الْحُمَيْدِيُّ (ثقة حافظ فقيه: ت 219 هـ بـ مكة):
أبو بكر، عبد
الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة بن عبد الله بن حميد بن زهير
القرشي الأسدي الحميدي المكي، روى روى: خ م د ت س فق
(فق: ابن ماجه في التفسير )
* قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ (ثقة حافظ فقيه إمام حجة: ت 198
هـ بـ مكة):
سفيان بن
عيينة بن أبى عمران (ميمون) الهلالى، أبو محمد الكوفي، المكي، مولى محمد بن مزاحم،
من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ (ثقة فقيه: ت
145 هـ):
هشام بن عروة
بن الزبير بن العوام القرشي الأَسَدِي، أبو المنذر المدني، من صغار التابعين، روى له: خ م د
ت س ق
* قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ (ثقة: ت 94 هـ على الصحيح):
عروة بن
الزبير بن العوام بن خويلد القرشى الأسدى، أبو عبد الله المدني، من الوسطى من
التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* أَخْبَرَتْنِي
أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ (ت 73 هـ بـ
مكة):
أسماء بنت أبى
بكر الصديق (زوج الزبير بن العوام، وشقيقة عبد الله بن أبى بكر، من كبار الصحابة)[4]، روى له: خ م د ت
س ق
نص
الحديث :
أَتَتْنِي
أُمِّي رَاغِبَةً، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصِلُهَا؟
قَالَ :
«نَعَمْ»،
قَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]
وقال أبوْ
الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن
الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث
الصحيحين" (4/ 448):
"وَاسم أمهَا: قتيلة بنت عبد الْعُزَّى، تزَوجهَا أَبُو بكر، فَجَاءَت بِعَبْد الله وَأَسْمَاء، وَطَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقدمت الْمَدِينَةَ فِي زمن الْهُدْنَةَ حِيْنَ كَتَبُوا الْعَهْدَ على وَضْعِ الْحَرْبِ،
وَجَاءَت مَعهَا بِهَدَايَا من زَيْت وَسمن وَغَيره، فَأَبت أَسمَاء
أَن تدْخلهَا بَيتهَا أَو تقبل هديتها حَتَّى أذن لَهَا رَسُول الله فِي ذَلِك." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 89):
"وَأُمُّ أَسْمَاءَ: اسْمُهَا (قَيْلَةُ)، وَقِيلَ : (قَتِيلَةُ) بِالْقَافِ وَتَاءِ مُثَنَّاةٍ من فوق، وهي قَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ أَمْ مَاتَتْ عَلَى كفرها والأكثرون على موتها مشركة." اهـ
وقال عياض بن
موسى السبتي، المعروف بـ"القاضي عياض" اليحصبي
(المتوفى: 544 هـ) _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 523):
"وأمها المذكورة قتلة بنت عبد العزى
العامرية القرشية، ويقال: قتيلة - مصغرة - وكلاهما بتاء باثنتين فوقها." اهـ
شرح الآيتينِ:
قال الله _عز وجل_:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8، 9]
وفي "تفسير السعدي" = "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 857):
"أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما:
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]." اهـ
وفي "زاد المسير في علم التفسير" (4/ 269) لابن الجوزي:
"قوله _عزّ وجلّ_ : «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ»
اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال :___
أحدها : أنها في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العُزىَّ، قَدِمَت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها، وتقبل هديتها، وتكرمها، وتحسن إليها، (قاله عبد الله بن الزبير).
والثاني : أنها نزلت في خزاعة وبني مدلج، وكانوا صالحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحداً، (قاله ابن عباس).
وروي عن الحسن البصري أنها نزلت في خزاعة، وبني الحارث بن عبد مناف، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد، فداموا على الوفاء به.
والثالث: نزلت في قوم من بني هاشم منهم العباس، (قاله عطيّة العوفيّ ومرّة الهمدانيّ).
والرابع: أنها عامة في جميع الكفار، وهي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، (قاله قتادة).
والخامس: نزلت في النساء والصبيان، (حكاه الزجاج).
قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجوازِ برّهم، وإن كانت الموالاة منقطعة." اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في "الأدب المفرد" (ص: 23) (رقم : 25)، وفي "صحيحه" (3/ 164 و
4/ 103 و 8/ 4) (رقم : 2620 و 3183 و 5978 و 5979)، ومسلم في "صحيحه"
(2/ 696) (رقم : 1003)، وأبو داود في "سننه" (2/ 127) (رقم : 1668)،
وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (3/ 212) (رقم : 1748)، وعبد الرزاق
الصنعاني في "المصنف" (6/ 38 و 10/ 353) (رقم : 9932 و 19340)، والحميدي
في "مسنده" (1/ 321) (رقم : 320)، وسعيد بن منصور الخراساني في "سننه" (2/ 379) (رقم : 2917)،
وأبو الجهم الباهلي في "جُزْئِه" (ص: 49) (رقم : 79)، إسحاق بن راهويه
الحنظلي في "مسنده" (2/ 297 و 5/ 133) (رقم : 818 و 2247)، والحسين بن
حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 68) (رقم : 129)، والشافعي في "السنن
المأثورة" (ص: 386) (رقم : 529)، وأحمد في "مسنده" - ط. عالم الكتب
(6/ 344 و 6/347) (رقم : 26913 و 26939_26940)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"
(ص: 104) (رقم: 278 و 279)، وابن حبان البستي في "صحيحه" (2/ 197) (رقم
: 452)، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ 78) (رقم: 203)، وأبو نعيم
الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (6/ 3254) (رقم: 7500)، والبيهقي في "السنن
الكبرى" (4/ 321 و 9/ 218) (رقم: 7843_7844 و 18331)، وفي "شعب الإيمان"
(10/ 315) (رقم: 7555)، وفي "معرفة السنن والآثار" (6/ 213) (رقم :
8514_8515)، والبغوي في "شرح السنة" (13/ 13) (رقم : 3425).
والحديث صحيح : صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب"
(2/ 657) (رقم: 2500).
من
فوائد الحديث :
وقال أبوْ
الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن
الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث
الصحيحين" (4/ 448):
"فَأَما قَوْله _تَعَالَى_: {لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8]،
قَالَ ابْن
الزبير: "نزلت فِي أَسمَاء بنت أبي بكر، قدمت عَلَيْهَا أمُّهَا قُتيلة بنت
عبد الْعُزَّى الْمَدِينَة بِهَدَايَا، فَلم تَقْبَلْ هَدَايَاهَا وَلم تدْخلهَا
منزلهَا، فَسَأَلت عَائِشَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزلت هَذِه
الْآيَة، فَأمرهَا رَسُول الله أَن تدْخلهَا منزلهَا وَتقبل هديتها، وتحسن
إِلَيْهَا."
قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ: هَذِه الْآيَة رخصَة فِي صلَة الَّذين لم ينصبوا الْحَرْب
للْمُسلمين، وجوائزهم وَإِن كَانَت الْمُوَالَاة مُنْقَطِعَة.
وَقَوله: {وَلَمْ
يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُم} [الممتحنة: 8]، يَعْنِي مَكَّة {أَن تبروهم
وتقسطوا إِلَيْهِم} أَي تعاملوهم بِالْعَدْلِ فِيمَا بَيْنكُم وَبينهمْ.
وَقَوله:
{وظاهروا على إخراجكم} أَي عاونوا على ذَلِك {أَن تولوهم} إِنَّمَا يَنْهَاكُم عَن
أَن توَلّوا هَؤُلَاءِ." اهـ
قلت : قال
الله _عز وجل_ : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8، 9]
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5/
234):
"*وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّ
الرَّحِمَ الْكَافِرَةَ تُوصَلُ مِنَ الْمَالِ وَنَحْوِهِ كَمَا تُوصَلُ
الْمُسْلِمَةُ،
*
وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَبِ الْكَافِرِ وَالْأُمِّ
الْكَافِرَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا اهـ
* وَفِيهِ :
مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمُعَامَلَتُهُمْ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ،
* وَالسَّفَرُ
فِي زِيَارَةِ الْقَرِيبِ،
* وَتَحَرِّي
أَسْمَاءَ فِي أَمْرِ دِينِهَا وَكَيْفَ لَا وَهِيَ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَزَوْجُ
الزُّبَيْرِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (13/ 174):
"وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ :
* جَوَاز صلَة
الرَّحِم الْكَافِرَة كالرحم الْمسلمَة.
* وَفِيه:
مستدل لمن رأى وجوب النَّفَقَة للْأَب الْكَافِر، وَالأُم الْكَافِرَة على
الْوَلَد الْمُسلم.
* وَفِيه:
موادعة أهل الْحَرْب ومعاملتهم فِي زمن الْهُدْنَة.
* وَفِيه :
السّفر فِي زِيَارَة الْقَرِيب.
وَفِيه :
فَضِيلَة أَسمَاء حَيْثُ تحرت فِي أَمر دينهَا، وَكَيف لَا وَهِي بنت الصّديق
وَزوج الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم." اهـ
وقال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي
(ت 388 هـ) _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري)
(2/ 1287):
"وفيه: أن الرحم الكافرة توصل ببر المال
ونحوه كالرحم المسلمة.
وفيه : مستدل
لمن رأى وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة على الولد المسلم." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في
"تطريز رياض الصالحين" (ص: 227):
"في الحديث: جواز صلة القريب المشرك،
ويشهد لذلك قوله _تعالى_: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان (15)
]." اهـ
وقال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي
(ت 388 هـ) _رحمه الله_ في "معالم السنن" (2/ 76_77):
"وإنما أمر بصلتها لأجل الرحم. فأما دفع
الصدقة الواجبة إليها، فلا يجوز، وإنما هي حق للمسلمين لا يجوز صرفها إلى غيرهم
ولو كانت أمها مسلمة لم يكن أيضاً يجوز لها إعطاؤها الصدقة،
فإن خلَّتها
مسدودة بوجوب النفقة لها على ولدها إلاّ أن تكون غارمة فتعطى من سهم الغارمين.
فأما من سهم
الفقراء والمساكين فلا وكذلك إذا___كان الوالد غازيا جاز للولد أن يدفع إليه من
سهم السبيل." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (3/ 193):
"* ففي هذا: دليل على أن الإنسان يصل
أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام؛ لأن لهم حق القرابة،
ويدل لهذا
قوله _تعالى_ في سورة لقمان:
(وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) [لقمان: 15]،
يعني: إنْ أَمَرَك
والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً،
أي: أعطهم من
الدنيا ما يجب لهم من الصلة، ولو كانا كافرين أو فاسقين؛ لأن لهما حق القرابة.
* وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الآية،
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها
أن تصل أمها مع أنها كافرة.
ثم إن صلة
الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، ودليل ذلك حديث زينب بنت
مسعود الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_:
أن النبي _صلى
الله عليه وسلم_ أمر النساء بالصدقة، فرجعت إلى بيتها، وكان زوجها عبد الله بن
مسعود خفيفَ ذات اليد، يعني: أنه ليس عنده مال." اهـ
قلت: قال الله
_جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا } [العنكبوت: 8]
وقال _تعالى_:
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في
شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 306):
"في فوائده:
1 - (منها): بيان جواز صلة القريب المشرك،
قال الخطابيّ رحمه الله: فيه أن الزَحِمَ الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل
المسلمة.
2 - (ومنها): أن فيه مستدلًّا لمن رأى وجوب
النفقة للأب الكافر، والأم الكافرة على الولد المسلم، ويؤيّده قوله عز وجل:
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} الآية [لقمان: 15].
3 - (ومنها): بيان جواز موادعة أهل الحرب،
ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب.
[1] وفي البحر المحيط الثجاج
في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 304) للإثيوبي :
"وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عند ابن حبان: "جاءتني
راغبةً وراهبةً" بالواوأيضًا، وهو يؤيد رواية الطبرانيّ.
والمعنى
أنها قَدِمَت طالبة في بِرّ ابنتها لها، خائفةً من رَدّها إياها خائبةً، هكذا فسره
الجمهور، ونقل المستغفريّ أن بعضهم أوّله فقال: وهي راغبة في الإسلام، فذكرها لذلك
في الصحابة، وردّه أبو موسى بانه لم يقع في شيء من الروايات ما يدلّ على إسلامها،
وقولها: أراغبةٌ" أي: في شيء تأخذه، وهي على شركها، ولهذا استأذنت أسماء
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أن تصلها، ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى
إذن. انتهى.
وقيل:
معناه راغبةٌ عن ديني، أو راغبة في القرب مني، ومجاورتي، والتودُّد إليّ؛ لأنها
ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها، ورَغِبت منها في المكافأة، ولو حُمِل قوله:
"راغبة" أي: في الإسلام لم يستلزم إسلامها.
ووقع
في رواية عيسى بن يونس، عن هشام، عند أبي داود، والإسماعيليّ: "راغمة"
بالميم؛ أي: كارهة للإسلام، ولم تَقْدُم مهاجرةً." اهـ
[2] وفي البحر المحيط الثجاج
في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 304) للإثيوبي : "«في عهد قريش؛ إذ
عاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، وأرادت بذلك ما بين الحديبية
والفتح." اهـ
[3] وفي البحر المحيط الثجاج
في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 305) :
"وقيل: نَسَخَ ذلك آيةُ الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا، قاله
في "الفتح".
قال
الجامع _عفا الله عنه_ : القول بالنسخ مما لا يخفى بعده؛ لأن قوله تعالى:
{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية [النساء: 89] خاصّ بالمحاربين، لا
يتناول المسالمين، بدليل قوله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الآية [النساء: 90]، وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ
عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ} الآية [التوبة: 4]،
فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه
التكلان." اهـ
[4] وأسماء _رضي الله عنها_ من السابقات إلى الإسلام، وكانت تسمّى ذات
النطاقين؛ لما شقّت نطاقها نصفين، فربطت بأحدهما زادَ النبيّ _صلى الله عليه وسلم_
وأبيها، حين هاجرا، والقصّة مشهورة.
Komentar
Posting Komentar