شرح الحديث 188-189 من الأدب المفرد
188 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
مُبَشِّرٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْمَمْلُوكِينَ خَيْرًا
وَيَقُولُ: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِنْ
لَبُوسِكُمْ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ (ثقة حافظ: ت. 225 هـ):
سعيد بن سليمان الضَّبِّيُّ، أبو عثمان الواسطي، البزاز(لَقَبُهُ: سَعْدُوْيَه)،
ولد سنة 125 هـ ، كبار الآخذين عن تبع
الأتباع، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ: حَدَّثَنَا
مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ (ثقة حافظ، وكان يدلس أسماء
الشيوخ: ت. 193 هـ بـ دمشق):
مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن
خارجة الفزاري، أبو عبد الله الكوفي (نزيل مكة
ودمشق، ابن عم أبى إسحاق الفزاري)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت
س ق
* قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ (فيه لين):
الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ الأنصاري، أبو بكر المدني (مشهور بكنيته)، من صغار
التابعين، روى له: بخ ق
وفي "تاريخ الإسلام" – ت.
بشار (3/ 950) (رقم: 352) للذهبي: "ق: الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ، أَبُو
بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ. [الوفاة: 141 - 150 ه]." اهـ
* قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ (صحابى: ت. 78 هـ بالمدينة):
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري الخزرجي السَّلِمِيُّ، أبو عبد الله المدني، روى
له: خ م د ت س ق
وفي "سير أعلام النبلاء" – ط.
الرسالة (3/ 194):
"(مُسْنَدُهُ) : بَلَغَ أَلْفاً
وَخَمْسَ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ (1540) حَدِيْثاً." اهـ
نص الحديث وشرحه:
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُوصِي بِالْمَمْلُوكِينَ خَيْرًا، وَيَقُولُ:
«أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ،
وَأَلْبِسُوهُمْ مِنْ لَبُوسِكُمْ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ»
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 76 و 79) (رقم: 188 و 199).
والحديث صحيح لغيره: صحيح
الأدب المفرد (ص: 90) (رقم: 139)، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها
(2/ 365) (رقم: 740)
من فوائد الحديث:
معالم السنن (1/ 54)
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرب
المماليك إلاّ في الحدود وأمرنا بالإحسان إليهم
الذخيرة للقرافي (13/ 359)
الْزَمْ أَدَبَ مَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ
وَلَا تُقْنِطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ
اتَّبَعَكَ وَأكْرمهمْ فِي كنفك
شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق
السنن (7/ 2387)
أنتم وهم سواء في كونكم خلق الله، ولكم
فضل عليهم بأن ملكتم أيمانهم، فإن وافقوكم فأحسنوا إليهم، وإلا فاتركوهم إلي
غيركم، وهو من قوله _تعالى_:
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى
بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71]
شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية
في شرح أحاديث خير البرية (2/ 50_51):
"فندب - صلى الله عليه وسلم - إلى
الرحمة والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث،
وأشرفها الآدمي،
وإذا كان كافرا فكن رحيماً لنفسك
ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذليل بجاهك، والفقير بمالك،
والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب الناس من
رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه والرحمة على عباده رحمه
الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه،___وأظله بظله إذ كل
ذلك من رحمته." اهـ
96- باب سباب العبيد 189 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ قَالَ: سَمِعْتُ
الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا
ذَرٍّ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ
عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا،
فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ _صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ
خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ
تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا
يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ
كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ»
[قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا آدَمُ (ثقة
عابد: ت. 221 هـ بـ عسقلان):
آدم بن أبى إياس عبد الرحمن الخراساني
المروذي، أبو الحسن العسقلاني (مولى بنى تيم أو تميم)، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ خد ت س ق
(خد: أبو داود في الناسخ والمنسوخ)
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ثقة
حافظ متقن: ت. 160 هـ بـ البصرة):
شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم
الأزدي، أبو بسطام الواسطي ثم البصري (مولى عبدة
بن الأغر مولى يزيد بن المهلب)، من كبار أتباع التابعين، روى
له: خ م د ت س ق
قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ
الْأَحْدَبُ (ثقة ثبت: ت. 120 هـ):
واصل بن حيان الأحدب الأسدي، الكوفي بيّاع السابَرِيُّ (من
بنى أسد بن الحارث بن ثعلبة ، مولى أبى بكر بن عياش من فوق)، من الذين عاصروا
صغارالتابعين، روى له: خ م د ت س ق
قَالَ: سَمِعْتُ
الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ يَقُولُ (ثقة: ت. 99
هـ):
المعرور بن سويد الأسدي، أبو أمية الكوفي، من كبار التابعين، روى له: خ م د ت
س ق
تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 1008) (رقم: 144):
"ع: الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ.
[الوفاة: 81 - 90 ه]." اهـ
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ ():
أبو ذر الغفارى ، اسمه جندب بن جنادة (
على الأصح ، اختلف فى اسمه و اسم أبيه خلافا كثيرا ، و هو أخو عمرو بن عبسة لأمه )
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ بـ الربذة
روى له : خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
رَأَيْتُ أَبَا
ذَرٍّ،
وفي "صحيح البخاري" (1/ 15):
"عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ،
قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ..."
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 206)
قَوْله: (بالربذة)
، بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة، مَوضِع قريب من
الْمَدِينَة، منزل من منَازِل خَارج الْعرَاق، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة
ثَلَاثَة مراحل، قريب من ذَات عرق.
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ،
وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ،
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 206)
قَوْله: (حلَّة) ، بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، وَهِي إِزَار ورداء، وَلَا يُسمى حلَّة حَتَّى
تكون ثَوْبَيْنِ، وَيُقَال: الْحلَّة ثَوْبَان غير لفقين: رِدَاء وَإِزَار، سميا
بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحل على الآخر.
وفي سنن أبي داود (4/ 340):
عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ،
قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ
بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظٌ..."
وفي "صحيح مسلم" (3/ 1282):
عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ،
قَالَ:
"مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ
بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: (يَا
أَبَا ذَرٍّ، لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا، كَانَتْ
حُلَّةً)."
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(1/ 86):
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ
الرِّوَايَتَيْنِ: بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ بُرْدٌ جَيِّدٌ تَحْتَهُ ثَوْبٌ
خَلِقٌ مِنْ جِنْسِهِ، وَعَلَى غُلَامِهِ كَذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: (لَوْ
أَخَذْتَ الْبُرْدَ الْجَيِّدَ فَأَضَفْتَهُ إِلَى الْبُرْدِ الْجَيِّدِ الَّذِي
عَلَيْكَ، وَأَعْطَيْتَ الْغُلَامَ الْبُرْدَ الْخَلِقَ بَدَلَهُ، لَكَانَتْ
حُلَّةً جَيِّدَةً).
فَتَلْتَئِمُ بِذَلِكَ الرِّوَايَتَانِ،
وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
الْأَعْمَشِ: (لَكَانَتْ حُلَّةً)، أَيْ: كَامِلَةَ الْجَوْدَةِ. فَالتَّنْكِيرُ
فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ:
أَنَّ الْحُلَّةَ لَا تَكُونُ، إِلَّا ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ، يَحُلُّهُمَا مِنْ
طَيِّهِمَا، فَأَفَادَ أَصْلَ تَسْمِيَةِ الْحُلَّةِ." اهـ
فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا،
فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟»
قُلْتُ: نَعَمْ،
وفي "صحيح البخاري" (1/ 15):
"...فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ
رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ..."
وفي "فتح الباري" لابن حجر
(1/ 87):
"قَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ
جَاهِلِيَّةٌ)، أَيْ: خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ
قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ تَحْرِيمَهُ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْخَصْلَةُ مِنْ خِصَالِ
الْجَاهِلِيَّةِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ." اهـ
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 206)
قَوْله: (فَعَيَّرْته) بِالْعينِ
الْمُهْملَة، أَي نسبته إِلَى الْعَار. وَفِي (الْعباب) الْعَار: السبة
وَالْعَيْب، وَمِنْه الْمثل: النَّار وَلَا الْعَار، أَي: اختر النَّار أَو
الزمها. وعاره يعيره إِذا عابه، وَهُوَ من الأجوف اليائي، يُقَال: عيرته بِكَذَا،
وعيرته كَذَا
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ،
وفي "مسند أحمد" - عالم
الكتب (5/ 158):
"إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ
اللَّهُ فِتْنَةً تَحْتَ أَيْدِيكُمْ."
وفي "سنن أبي داود" (4/ 340)
قَالَ: «إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فَضَّلَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ لَمْ
يُلَائِمْكُمْ، فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ»."
شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق
السنن (7/ 2379)
قوله: (إخوانكم) فيه وجهان:
* أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: مماليككم
إخوانكم،
واعتبار الأخوة إما من جهة آدم أي إنكم متفرعون من أصل واحد، أو من جهة الدين؛ فيكون قوله: ((جعلهم الله)) حالا، لما في
الكلام من معنى التشبيه.
* ويجوز أن يكون مبتدأ، ((وجعلهم الله)) خبر، فعلي هذا ((إخوانكم))
مستعار لطي ذكر المشبه. وفي تخصيص الذكر بالأخوة إشعار بعلة المواساة في الارتفاق،
وأن ذلك مستحب؛ لأنه وارد علي سبيل التعطف عليهم، وهو غير واجب، وناسب لهذا أن
يقال: فليعنه؛ لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 206):
"قَوْله: (خولكم) بِفَتْح
الْوَاو، وخول الرجل: حشمه، الْوَاحِد خايل، وَقد يكون الخول وَاحِدًا وَهُوَ اسْم
يَقع على العَبْد وَالْأمة. قَالَ الْفراء: هُوَ جمع: خايل، وَهُوَ الرَّاعِي.
وَقَالَ غَيره: هُوَ من التخويل، وَهُوَ التَّمْلِيك وَقيل: الخول الخدم، وَسموا
بِهِ لأَنهم يتخولون الْأُمُور، أَي يصلحونها.
وَقَالَ القَاضِي: أَي خدمُكم وعبيدُكم الَّذين يتخولون أُمُوركُم، أَي: يصلحون أُمُوركُم، ويقومون بهَا. يُقَال: خَال
المَال يخوله إِذا أحسن الْقيام عَلَيْهِ، وَيُقَال: هُوَ لفظ مُشْتَرك، تَقول
خَال المَال وَالشَّيْء يخول، وخلت أخول خولاً إِذا أسست الشَّيْء، وتعاهدته
وأحسنت الْقيام عَلَيْهِ، والخايل: الْحَافِظ، وَيُقَال: خايل المَال، وخايل مَال،
وخولي مَال، وخوله الله الشَّيْء: أَي ملكه إِيَّاه." اهـ
فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ،
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ
كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ»
مسند البزار = البحر الزخار (9/ 357):
"قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَاءَمَكُمِ مِنْ
مَمْلُوكِيكُمْ، فأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا
تَلْبَسُونَ. وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ،
فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ»
وفي "التمهيد لما في الموطأ من
المعاني والأسانيد" (24/ 287_288) لابن عبد البر _رحمه الله_:
"وَقَوْلُهُ (أَطْعِمُوهُمْ
مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ)،
هُوَ أَمْرٌ مَعْنَاهُ النَّدْبُ___وَالِاسْتِحْسَانُ
وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِوَاجِبٍ وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا وَمِمَّا يَدُلُّ
عَلَى صِحَّةِ مَا ذكرنا ما حدثناه عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنَا عُمَرُ ابن محمد بن أحمد بن عبد الرحمان الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ
بِمَكَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (إِذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامًا، وَقَدْ
وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، فَلْيَأْكُلْ، فَإِنْ كَانَ
الطَّعَامُ قَلِيلًا، فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ)،
قَالَ دَاوُدُ: يَعْنِي لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ...
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
(إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ
بِطَعَامِهِ قَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيَقُلْ لَهُ اجْلِسْ. فَإِنْ
أَبَى، فَلْيَتَنَاوَلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ)، وَأَشَارَ الْحَنِينِيُّ
بِيَدِهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُ وَطَعَامُ غُلَامِهِ وَاحِدًا سَوَاءً فَإِنْ
فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا حَرَجَ وَالَّذِي أُحِبُّ
لَهُ أَنْ لَا يُخَيِّبَهُ مِمَّا يَتَنَاوَلُ لَهُ عَمَلُهُ وَيُقَدِّمَهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ" اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 76_77) (رقم: 189 و194)، صحيح البخاري (1/ 15 و 3/ 149 و 8/ 16) (رقم: 30 و 2545
و 6050)، صحيح مسلم (3/ 1282/ 38_40) (1661)، سنن أبي داود (4/ 340 و 4/ 341)
(رقم: 5157_5158 و 5161)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 334) (رقم: 1945)، سنن ابن ماجه
(2/ 1216) (رقم: 3690)، مصنف عبد الرزاق الصنعاني (9/ 447) (رقم: 17965)، مصنف عبد
الرزاق الصنعاني (9/ 448) (رقم: 17966)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 158 و 5/ 161
و 5/ 168 و5/ 173) (رقم: 21409 و 21431_21432 و 21483 و 21515) البر والصلة للحسين بن حرب (ص: 177) (رقم: 342_343)،
مسند البزار = البحر الزخار (9/ 357 و 9/ 400 و 9/ 402) (رقم: 3923 و 3992 و 3996)،
مستخرج أبي عوانة (4/ 72 و 4/ 73) (رقم: 6068_6072)، شرح معاني الآثار (4/ 356)
(رقم: 7313)، مساوئ الأخلاق للخرائطي (ص: 323) (رقم: 684)، مكارم الأخلاق للخرائطي
(ص: 171 و 172) (رقم: 518_519)، الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (1/
348) (رقم: 358)، السنن الكبرى للبيهقي (8/ 11 و 8/ 13) (رقم: 15775 و 15778)، السنن
الصغير للبيهقي (3/ 196) (رقم: 2911)، شعب الإيمان (11/ 72 و 11/ 73) (رقم: 8198 و
8200)، معرفة السنن والآثار (11/ 306) (رقم: 15617)، الأربعون الصغرى للبيهقي (ص:
139) (رقم: 80)
والحديث صحيح: سلسلة
الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 823) (رقم: 2842)، وصحيح الترغيب
والترهيب (2/ 560) (رقم: 2282)
من فوائد الحديث:
تطريز رياض الصالحين (ص: 745)
وفي الحديث: الندب إلى مساواة المماليك
في الطعام واللباس، وإنْ كان الاستئثار جائزًا إذا لم ينقصهم عن عادة البلد.
شرح معاني الآثار (4/ 357)
وَإِنَّمَا فِيهِ وُجُوبُ الْكِسْوَةِ
مِمَّا يَلْبَسُونَ , وَوُجُوبُ الطَّعَامِ مِمَّا يَأْكُلُونَ , وَإِنْ كَانُوا
فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
السنن الصغير للبيهقي (3/ 197) (رقم: 2912):
قَالَ الشَّافِعِيُّ:
«وَكَانَ أَكْثَرُ حَالِ النَّاسِ
فِيمَا مَضَى ضَيِّقًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنِ اتَّسَعَتْ حَالُهُ مُقْتَصِدًا،
وَمَعَاشُهُ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِ مُتَقَارِبًا، فَإِنْ أَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ،
وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ، فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ،
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ
لِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ
الأربعون الصغرى للبيهقي (ص: 139_140):
وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ أَنْ
يَفْعَلَ، وَإِلَّا فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ»___
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ بِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي
يَكُونُ فِيهِ
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 208):
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ
على وُجُوه.
* الأول: فِيهِ
النَّهْي عَن سبّ العبيد وتعييرهم بوالديهم، والحث على
الْإِحْسَان إِلَيْهِم والرفق بهم، فَلَا يجوز لأحد تعيير أحد بِشَيْء من
الْمَكْرُوه يعرفهُ فِي آبَائِهِ، وخاصة نَفسه. كَمَا نهى عَن الْفَخر
بِالْآبَاءِ،
وَيلْحق بِالْعَبدِ من فِي مَعْنَاهُ
من أجِير وخادم وَضَعِيف، وَكَذَا الدَّوَابّ،
يَنْبَغِي أَن يحسن إِلَيْهَا وَلَا
يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا تطِيق الدَّوَابّ عَلَيْهِ، فَإِن كلفه ذَلِك لزمَه
إعانته بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ.
* الثَّانِي: عدم
الترفع على الْمُسلم، وَإِن كَانَ عبدا وَنَحْوَه من الضعفة، لِأَن الله _تَعَالَى_
قَالَ: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: 13)،
وَقد تظاهرت الْأَدِلَّة على الْأَمر
باللطف بالضعفة، وخفض الْجنَاح لَهُم، وعَلى النَّهْي عَن احتقارهم والترفع
عَلَيْهِم.
* الثَّالِث: إستحباب
الْإِطْعَام مِمَّا يَأْكُل والإلباس مِمَّا يلبس.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض:
(الْأَمر مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب
لَا على الْإِيجَاب بالاجماع، بل إِن أطْعمهُ مِنَ
الْخُبْزِ وَمَا يقتاته، كَانَ قد أطْعمهُ مِمَّا يَأْكُل، لِأَن: (مِنْ)،
للتَّبْعِيض. وَلَا يلْزمه أَن يطعمهُ من كل مَا يَأْكُل
على الْعُمُوم منَ اْلْأَدَمِ وطيباتِ الْعَيْش، وَمَعَ ذَلِك فَيُسْتَحَب
أَن لَا يستأثر على عِيَاله، وَلَا يفضل نَفسه فِي الْعَيْش عَلَيْهِم) [إكمال
المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)]
* الرَّابِع: فِيهِ
منْع تَكْلِيفِه من الْعَمَل مَا لَا يُطيق أصلا، لَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ،
لِأَن النَّهْي للتَّحْرِيم بِلَا خلاف، فَإِن كلفه ذَلِك، أَعَانَهُ بِنَفسِهِ
أَو بِغَيْرِهِ. لقَوْله: (فَإِن كلفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ) .
وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم: (فَلْيَبِعْهُ)
مَوضِع: (فَلْيُعِنْهُ).
قَالَ القَاضِي: هَذَا وهم،
وَالصَّوَاب: (فليعنه) ، كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُور.
* الْخَامِس: فِيهِ
الْمُحَافظَة على___الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
* السَّادِس:
فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 433)
فيه النهى عن التعيير بنقص الآباء، كما
نهى عن الفخر بذلك، وأن الكل من فعل الجاهلية، كما قال - عليه الصلاة والسلام-:
"كلكم بنو آدم، وآدم من تراب "
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)
فيه الرفق بالمماليك، وألا يكلفوا ما يَفْدَحُهُمْ،
فإن كلفوه، أعينوا فيه، حتى لا يُفْدَحَ." اهـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 434)
"للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف
من العمل ما لا يطيق"، هذا فرضه وحقه اللازم؛ من طعام يكفيه، وكسوة تستره
وتقيه الحر والبرد، ولا يكلف ما يفدحه ويُعَنِّتَهُ." اهـ
شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 64)
قال المهلب: فيه الحض على كسوة المملوك
وإطعامه بالسواء مثل طعام المالك وكسوته، وليس ذلك على الإيجاب عند العلماء، وإنما
على المالك أن يكسوا ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد، ويطعم ما يسد الجوعة ما لم
يكن فيه ضرر على المملوك؛ لأن المولى إذا كان ممن يأكل الفراريج والفراخ ويأكل خبز
السميد والأطعمة الرقيقة، وكانت كسوته الشطوى والنيسابورى، لم يكن عليه فى مذهب
أحد من أهل العلم أن يطعم رقيقه ولا يكسوهم من ذلك؛ لأن هذه الأطعمة والكسوة التى
ذكرناها لم يكن أحد من أصحاب النبى، عَلَيْهِ السَّلام، الذى خاطبهم بما خاطبهم به
يأكل مثلها، إنما كان الغالب من قوتهم بالمدينة التمر والشعير.
شرح النووي على مسلم (11/ 132_133):
"هَذَا التَّعْيِيرُ مِنْ
أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَفِيكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا
يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ، فَفِيهِ النَّهْيُ
عَنِ التَّعْيِيرِ___وَتَنْقِيصِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ
أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ...
وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ
يَسُبَّ السَّابَّ نَفْسَهُ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِأَبِيهِ
وَلَا لِأُمِّهِ قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_." اهـ
[تعليق]:
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح
الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 43)
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
وقوله: "إنك امرؤ فيك جاهلية"؛ أي: خصلة من خصالهم؛ يعني بها تعييره
بأمه، فإن الجاهلية كانوا يعيِّرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام
بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]،
وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية،
وفخرها بالآباء، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خُلق من تراب. [حسن: د ت]." اهـ
وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر
المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (29/ 46_49):
"في فوائده:___
1 - (منها): النهي عن سبّ الرقيق،
وتعييرهم بمن وَلَدَهم، والحثّ على الإحسان إليهم، والرفق بهم، فلا يجوز لأحد
تعيير أحد بشيء من المكروه، يعرفه في آبائه، وخاصّة نفسه، كما نُهِيَ عن الفخر بالآباء،
ويُلْحَق بالعبد مَن في معناه من أجير،
وخادم، وضعيف، وكذا الدوابّ ينبغي أن يُحْسَن إليها، ولا يُكلَّف من العمل ما لا
يُطيقه، فإن كُلِّف ذلك لزم السيّد إعانته بنفسه أو بغيره.
2 - (ومنها): أنه لا ينبغي للمسلم أن
يترفّع على أخيه المسلم، وأن لا يحتقره، وإن كان عبدًا ونحوه من الضَّعَفَة؛ لأن
الله تعالى قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]،
وقد تظاهرت الأدلة على الأمر باللطف بالضَّعَفَة، وخفض الجناح لهم، وعلى النهي عن
احتقارهم، والترفع عليهم [راجع: "عمدة القاري" 1/ 330].
3 - (ومنها): المحافظة على الأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر.
4 - (ومنها): إطلاق الأخ على الرقيق،
فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز؛ لنسبة الكل إلى آدم -عليه السلام-، أو
المراد أُخُوّة الإسلام، ويكون العبد الكافر بطريق التبع، أو يختص الحكم بالمؤمن.
5 - (ومنها): أنه يؤخذ منة المبالغة في
ذم السبّ واللعن؛ لِمَا فيه من احتقار المسلم، وقد جاء الشرع بالتسوية بين
المسلمين في معظم الأحكام، وأن التفاضل الحقيقيّ بينهم إنما هو بالتقوى، فلا يفيد
الشريفَ النسبِ نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، وينتفع الوضيع النسب بالتقوى، كما قال
تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ولقد أحسن من قال:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي كُلِّ
حَالَةٍ ... فَلَا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإِسْلَامُ سَلْمَانَ
فَارِسٍ ... قَدْ وَضَعَ الْكُفْرُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبْ
6 - (ومنها): استحباب إطعام العبيد مما
يأكله السيّد، وإلباسهم مما يلبسه، وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: الأمر
محمول على الاستحباب، لا على الإيجاب بالإجماع، بل إن أطعمه من الخبز ما يقتاته
كان قد أطعمه مما يأكل؛___لأن "من" للتبعيض، ولا يلزمه أن يُطعمه من كل
ما يأكل على العموم من الأُدُم، وطيبات العيش، ومع ذلك فيستحب أن لا يستأثر على
عياله، ولا يُفَضِّل نفسه في العيش عليهم.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- عند
قوله: "فأطعموهم مِمَّا تأكلون، وألبسوهم مِمَّا تلبسون"؛ أي: من نوع ما
تأكلون وما تلبسون، وهذا الأمر على الندب؛ لأن السَّيد لو أطعم عبده أدنى مما
يأكله، وألبسه أقل مما يلبسه صفةً ومقدارًا لم يذمَّه أحدٌ من أهل الإسلام؛ إذ قام
بواجبه عليه، ولا خلاف في ذلك فيما علمته، وإنما موضع الذمِّ: إذا منعه ما يقوم به
أَوَدَهُ، ويدفع به ضرورته، كما نصَّ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
"كفى بالمرء إثْمًا أن يحبس عمن يملك قوته" [رواه مسلم في "صحيحه" بهذا اللفظ، ورواه أبو داود
بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت"].
وإنما هذا على جهة الحضّ على مكارم
الأخلاق، وإرشادٌ إلى الإحسان، وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على
عبده؛ إذ الكل عبيد الله، والمال مال الله، ولكن سَخَّر بعضهم لبعض، وملَّك بعضهم
بعضًا؛ إتمامًا للنعمة، وتنفيذًا للحكمة. انتهى ["المفهم" 4/ 352]
7 - (ومنها): منع تكليفه من العمل ما
لا يطيق أصلًا، ولا يطيق الدوام عليه، والنهي للتحريم بلا خلاف، فإن كلّفه ذلك
أعانه بنفسه، أو بغيره؛ لقوله: "فإن كلفتموهم فأعينوهم".
8 - (ومنها): أنه منقبة لأبي ذرّ -رضي
الله عنه-، حيث إنه امتثل أمره -صلى الله عليه وسلم-، فقد ناصف عبده الحلّة
الواحدة، فلبس نصفها، وألبسه نصفها؛ امتثالًا لقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا
الحديث: "ولْتُلْبِسُوهُم مما تلبسون"، قال في "الفتح": وقد
جاء في سبب إلباس أبي ذرّ -رضي الله عنه- غلامه مثل لبسه أثرٌ مرفوعٌ، أصرح من
هذا، وأخصّ، أخرجه الطبرانيّ من طريق أبي غالب، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعطى أبا ذرّ عبدًا، فقال: "أطعمه مما تأكل،
وألبسه مما تلبس"، وكان لأبي ذرّ ثوب، فشقه نصفين، فأعطى الغلام نصفه، فرآه
النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فسأله، فقال:___
"قلتَ: يا رسول الله أطعموهم مما
تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، قال: نعم". انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب.
وقال ابن هبيرة الشيباني _رحمه الله_
في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 168):
* في هذا الحديث من الفقه أن أبا ذر
رضي الله عنه عمل بهذا الحديث، فألبس غلامه حلة كما لبس هو حلة.
* وفيه أيضًا دليل على جواز لبس الرجل
الصالح حلة، والحلة عند العرب ثوبان.
* وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - سمى المملوكين إخوانًا، وأما إطعام الرجل عبده مما يأكل فقد ينصرف إلى
الجنس وغن كان دون ما يأكله السيد في قدره.
* وقد دل الحديث على أنه لا يجوز تكليف
العبد ما يغلبه، فإن كلفه السيد ذلك ثم أعانه عليه فلا بأس لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - (فإن كلفتموهم فأعينوهم).
* وفي الحديث أن يؤمر الشاق على رفيقه
بالبيع لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فليبعه) لكن هذا الأمر على طريق
الوعظ لا الإجبار.
* وقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) المعنى
قد بقي فيك من اخلاق القوم شيء." اهـ
وقال ابن عبد البر في "التمهيد
لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (24/ 288_289):
وَفِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا:
دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ
عَلَى مَالِكِيهِمْ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمَالِيكِ وَاجِبَةٌ عَلَى سَادَاتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ
صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا زَمْنَى كَانُوا أَوْ أَقْوِيَاءَ يَلْزَمُ
اَلسَّيِّدَ__النَّفَقَةُ عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ
لَهُ مِنَ الْإِنْفَاقِ أَوِ الْبَيْعِ أَوِ الْعِتْقِ.
وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ
عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُطِيقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُحَسِّنُهُ
وَيُخَارِجُهُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ." اهـ
المدخل لابن الحاج (3/ 168)
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ
يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَكِسْوَتِهِ أَمَرَهُ الشَّرْعُ
بِبَيْعِهِ فَالْبَيْعُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُقَابِلُهُ فِي حَقِّ الْأَخِ
المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 138)
اعلمْ أنَّ لكلِّ واحدٍ من السيد
والمملوك حقًّا على صاحبه؛ أمَّا حقُّ السيد على المملوك: فهو أن يَنقادَ لسيده،
ويمتثلَ أمرَه في جميع الأوقات إلا أوقات الصلوات الخمس؛ فإنها حقُّ الله تعالى،
وهو مُقدَّمٌ على حقِّ سيده، وأمَّا حقُّ المملوك على السيد: فهو أن يُطعمَه
ويَكسوَه بالمعروف، ولا يُكلِّفَه من الأعمال ما لا يُطيق عليه، كما ذُكر قبلُ.
فيض القدير (1/ 221)
وفيه الأمر بالعطف على المملوك والشفقة
عليه والتذكير بالنعمة والقيام بشكرها والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وغير ذلك
وقال حمزة بن محمد
بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح
مختصر صحيح البخاري" (1/ 116):
أولاً: أن
مرتكب المعصية لا يكفر، كما ترجم له البخاري، لأن تعيير المرء بأمّه معصية، ومع
ذلك لم يسمه - صلى الله عليه وسلم - كفراً، كما نبه عليه ابن بطال، والظاهر من
كلامه وكلام العيني أن تعيير المرء بأمّه كبيرة.
ثانياً: أن
من محاسن الإِسلام إلغاء التمييز العنصري الذي كان في الجاهلية.
Komentar
Posting Komentar