شرح الحديث 182-183 من الأدب المفرد
بَابُ قِصَاصِ الْعَبْدِ 182 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ
عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا لَيْلَى قَالَ: خَرَجَ سَلْمَانُ فَإِذَا عَلَفُ دَابَّتِهِ
يَتَسَاقَطُ مِنَ الْآرِيِّ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ
الْقِصَاصَ لَأَوْجَعْتُكَ [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ (ثقة ثبت: ت. 225 هـ):
حفصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
سَخْبَرَةَ الأزدي النَّمِرِيُّ، أبو عمر الحَوْضِيُّ البصري (ويقال مولى بني عدي)، كبار الآخذين
عن تبع الأتباع، روى له: خ د س
* قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ثقة
حافظ متقن: ت 160 هـ بـ البصرة):
شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي
مولاهم الأزدي، أبو بِسْطَام الواسطي ثم البصري (مولى عبدة بن الأغر)، من كبار
أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
جَعْفَرٍ (ثقة):
أبو جعفر الفراء الكوفي (قيل: اسمه سلمان، وقيل: كيسان، وقيل: زياد. والد عبد الحميد بن أبى
جعفر)، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له: بخ س
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا لَيْلَى (ثقة):
أبو ليلى الكندي (قيل مولاهم)، الكوفي (قيل:
اسمه سلمة بن معاوية، أو معاوية بن سلمة، أو سعيد
بن أشرف، وقيل: الْمُعَلَّى)، من كبار التابعين، روى له: بخ د ق
* قَالَ: خَرَجَ سَلْمَانُ (صحابي:
34 هـ):
سلمان الخير الفارسي، أبو عبد الله، بن
الإسلام (أصله من أصبهان، و قيل : من رامهرمز)، روى له: خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا لَيْلَى قَالَ:
خَرَجَ سَلْمَانُ فَإِذَا عَلَفُ دَابَّتِهِ يَتَسَاقَطُ مِنَ الْآرِيِّ، فَقَالَ
لِخَادِمِهِ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ الْقِصَاصَ لَأَوْجَعْتُكَ
وقال الألباني في "صحيح الأدب
المفرد" (ص: 88):
"الآرِيُّ: بمد الهمزة وراء
مكسورة وتشديد الياء: مَرْبِطُ الدَّوَابِّ أو مَعْلَفُها." اهـ
وقال حسين العوايشة في "الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة" (7/ 239):
"الآريّ: محبس الدّابة."
علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، أبو
الحسن الملقب بـ «كراع النمل» (المتوفى: بعد 309 هـ) _رحمه الله_ المنتخب من كلام
العرب (ص: 644)
ومنه: الآرِيُّ وهو مَحْبِسُ الدابة من وَتِدٍ أو حَبْلٍ يُدفن في الأرض
فكثر ذلك حتى سموا المِعْلَفَ آريًّا وإنما الأصل من قولهم: تأرَّيت أي
تَحَبَّسْتَ.
وقال أبو منصور الأزهري في "تهذيب
اللغة" (15/ 223):
"وَقَالَ ابْن السّكيت: فِي
قَوْلهم: لـ(المعْلف) آريّ؛ قَالَ: هَذَا مِمَّا يَضعه النَّاس فِي غير مَوْضعه،
وإنّما الآري مَحْبس الدابَّة." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 74) (رقم: 182)،
والحديث صحيح الإسناد: صححه
الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 88) (رقم: 135)
من فوائد الحديث:
التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 198)
ينبغي عند الغضب أن يذكر العبد القصاص
في الآخرة ليزجر
ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 92) (رقم
الباب: 10):
(الترغيب في الشفقة على خلق الله من
الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم. والترهيب مِنْ ضدِّ ذلك،
ومِنْ تعذيب العبدِ والدابةِ وغيرهما بغيرِ سبب شرعيّ، وما جاء في النهي عن وسْمِ
الدوابِّ في وُجوهِها).
وقال أبو العباس البوصيري الكناني _رحمه
الله_ في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" (6/ 135)
52- بَابُ مَا جَاءَ فِي تأديب الخادم
واليتيم
قال الشيخ زيد بن محمد المدخلي في عون
الأحد الصمد (1/ 205):
"في هذين الأثرين دليل على أن
إيذاء المملوك بالضرب أو بالقذف ونحو ذلك الصادر من سيده لا يقاد من السيد في
الدنيا، يعني: لا يحاكمه عند الحاكم الشرعي فيقاد منه كما يقاد الحر من الحر،
ولكنه إذا ظلمه بأن قذفه مثلا أو ضربه
ظلما، فلا بد من القصاص يوم القيامة؛ لأن الله _عَزَ وَجَلَّ_ حَكَمٌ عَدْلٌ
يَقْتَصُّ للمظلوم من ظالمه، ولو كان سيّدا له، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
[الكهف : ٤٩]." اهـ
183 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ
الْجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حدَّثَنَا أَبُو
الرَّبِيعِ (ثقة: 234 هـ):
سليمان بن داود العتكي، أبو الربيع
الزهرانى البصري، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له: خ
م د س
* قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ (ثقة ثبت: 180 هـ بـ بغداد):
إسماعيل بن جعفر بن أبى كثير الأنصاري
الزُّرَقِيُّ مولاهم، أبو إسحاق المدني القارىء (أخو محمد و يحيى و يعقوب بنى جعفر)،
من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
[تعليق]:
والراجح هو إسماعيل بن جعفر كما هو
صريح في رواية مسلم في صحيحه (4/ 1997)
"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ..."
اهـ
وإسماعيل بن جعفر صدوق، فالحديث – إذَنْ
– حسنٌ، إلا أنه ورد من طريق غيره، وهو من طريق عَبْدِ
العَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الداروردي، وهو صدوق أيضا كما في رواية الترمذيِّ.
وشهد له عبد الرحمن بن إبراهيم القاص القارىء، البصري كما في رواية أحمد. وهو لا
بأس به.
قَالَ: حَدَّثَنَا
الْعَلَاءُ (صدوق ربما وهم: 100 و بضع و ثلاثون هـ):
العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقى
، أبو شبل المدنى ، مولى الحرقة من جهينة
الطبقة : 5 : من
صغار التابعين، روى له:
ر م د ت س ق (ر: البخاري في
جزء القراءة خلف الإمام)
عَنْ أَبِيهِ (ثقة):
عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (مولى
الْحِرَقَةِ، ووالد العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب)، من الوسطى من التابعين، روى له: ر م د ت
س ق
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (57 هـ):
أبو هريرة الدوسي اليمانى (حافظ
الصحابة)، روى له : خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا، حَتَّى يُقَادَ
لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»
تخريج الحديث:
الأدب المفرد (ص: 74) (رقم: 183)، صحيح
مسلم (4/ 1997/ 60) (رقم: 2582)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 614) (رقم: 2420)، أحاديث
إسماعيل بن جعفر (ص: 344) (رقم: 282)، الزهد لأسد بن موسى (ص: 79) (رقم: 102)، مسند
أحمد - عالم الكتب (2/ 235 و 2/ 301 و 2/ 323 و2/ 372 و15/ 193) (رقم: 7205 و 7996
و 8288 و 8847 و9333)، الأهوال لابن أبي الدنيا (ص: 149) (رقم: 185)، صحيح ابن
حبان - مخرجا (16/ 363) (رقم: 7363)، صحيح ابن حبان - مخرجا (16/ 363) (رقم: 7363)،
فوائد تمام (1/ 338) (رقم: 855)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (6/ 1254)
(رقم: 2228)، السنن الكبرى للبيهقي (6/ 155) (رقم: 11505)
والحديث صحيح: صحيح
الترغيب والترهيب (3/ 425) (رقم: 3603)، صحيح الأدب المفرد (ص: 89) (رقم: 136)
من فوائد
الحديث:
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"
(16 / 136_137):
"هَذَا تَصْرِيح
بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا
يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَكَمَا يُعَاد الْأَطْفَالُ
وَالْمَجَانِينُ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَةٌ.
وَعَلَى هَذَا، تَظَاهَرَتْ
دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة.
قَالَ اللَّه _تَعَالَى_: {وَإِذَا
الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]،
وَإِذَا وَرَدَ لَفْظ
الشَّرْع، وَلَمْ يَمْنَع مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِره عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ،
وَجَبَ حَمْله عَلَى ظَاهِره.
قَالَ الْعُلَمَاء:
وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالْإِعَادَة_فِي الْقِيَامَة الْمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب. وَأَمَّا
الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف؛
إِذْ لَا تَكْلِيف عَلَيْهَا، بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة. وَ(الْجَلْحَاء) بِالْمَدِّ: هِيَ
الْجَمَّاء الَّتِي لَا قَرْن لَهَا، وَاَللَّه أَعْلَم." اهـ
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى
: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8 / 3203):
"قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
"أَيْ: لَوْ نَطَحَ شَاةٌ
قَرْنَاءُ شَاةً جَلْحَاءَ فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ،
يُؤْخَذُ الْقَرْنُ مِنَ الْقَرْنَاءِ وَيُعْطَى الْجَلْحَاءَ حَتَّى تَقْتَصَّ
لِنَفْسِهَا مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ،
فَإِنْ قِيلَ:
الشَّاةُ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ، فَكَيْفَ يُقْتَصُّ مِنْهَا؟
قُلْنَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
فَعَالٌ لِمَا يُرِيدُ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ
إِعْلَامُ الْعِبَادِ بِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَضِيعُ، بَلْ يُقْتَصُّ حَقُّ
الْمَظْلُومِ مِنَ الْمَظَالِمِ اهـ [انظر: شرح المصابيح لابن الملك - (5 / 361)]
وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ وَتَوْجِيهٌ
مُسْتَحْسَنٌ، إِلَّا أَنَّ التَّعْبِيرَ عَنِ الْحِكْمَةِ بِالْغَرَضِ وَقَعَ فِي
غَيْرِ مَوْضِعِهِ،
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ
الْقَضِيَّةَ دَالَّةٌ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى كَمَالِ الْعَدَالَةِ
بَيْنَ كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ
الْحَيَوَانَاتِ الْخَارِجَةِ عَنِ التَّكْلِيفِ، فَكَيْفَ بِذَوِي الْعُقُولِ
مِنَ الْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ وَالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ؟" اهـ
وقال أبو
الطيب محمد صديق حسن خان الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: 1307 هـ) _رحمه الله_ في "فتح
البيان في مقاصد القرآن" (15 / 97):
"فالجواب عنها: أن نسلم أنها غير
مكلفة، لأنها لا تعقل،
والنزاع فيه مكابرة إلا أنها لما كانت
في المشيئة يفعل الله بها ما يريد، وهو لا يسأل عما يفعل باتفاق أهل السنة بل
العقلاء.
فنقول: إن الله تعالى يعيدها وينصف
بعضها من بعض بما فعلته بإرداتها لإدراكها للجزئيات، وليس هذا بتكليف ولا مبني
عليه، لأن جزاء التكليف إنما يكون في داري الخلود والنار وهي تعود تراباً قبل دخول
أهليهما فيهما.
وأما فعل الحكيم القدير لذلك، فَلِيَعْرِفَ
أهل المحشر أنه عز وجل لا يترك مثقال ذرة من العدل، ليتحقق أهل النعيم ما لهم من
النعيم المقيم وأهل الجحيم ما أعد لهم من العذاب الأليم تنويراً لهم وإرشاداً لأن
يعلموا عظمة كبريائه، وتساوي جمع مخلوقاته عنده بالنسبة لذلك." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (1 / 164):
"في هذا الحديث: دليل على أنَّ الشاة الجمّاء تقتص يوم القيامة من ذات
القرن، وبعد القصاص تكون البهائم ترابًا، فيقول الكافر: يَا ليتني كنتُ ترابًا.
وفيه:
تنبيه على أنَّ المظلوم يقتص من ظالمه يوم القيامة، ويؤخذ له حقه." اهـ
شرح رياض الصالحين - (2 / 488_489)
"وفي هذا الحديث دليلٌ على أن
البهائم تُحشر يوم القيامة وهو كذلك، وتحشر الدوابّ، وكل ما فيه روح يحشر يوم
القيامة،
قال الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)
(الأنعام: 38)، أمم كثيرة، أمة الذر، أمة الطيور، أمة السباع، أمة الحيّات. وهكذا
(إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)
(الأنعام: 38) .
وكل شيء مكتوب، حتى أعمال البهائم
والحشرات مكتوبة في اللوح المحفوظ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]،
وقال تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ) (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (التكوير: 4-5).
يحشر يوم القيامة كل شيء، يقضي الله
تعالى بينهم بحكمه وعدله، وهو السميع_العليم."
اهـ
الصحيحة - (1967)
قلت (الشيخ ناصر) : كذا قال - عفا الله
عنا وعنه - وهو منه غريب جداً لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور ، من
سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف ، دون تأويل أو تعطيل ، فما الذي
حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره ، وأن يحمله على أنه
كناية عن العدل التام ، أليس هذا تكذيباً للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من
الشاة القرناء ، فيقول هو تبعاً لعلماء الكلام : إنه كناية ! .. أي لا يقاد للشاة
الجماء . وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكورة ، أما إذا
انتقلنا به إلى الروايات الآخرى كحديث الترجمة ، وحديث أبي ذر وغيره ، فإنها قاطعة
في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية ، ورحم الله الإمام النووي ، فقد أشار
بقوله السابق : " وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا
شرع وجب حمله على ظاهره " .
التنوير شرح الجامع الصغير - (9 / 27) –
الصنعاني:
"والحديث واضح في حشر البهائم وفي
أنها مكلفة وأنه يقع بينها التظالم في دار الدنيا." اهـ
وقال الفوزان في
"إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (1 / 58):
"وكذلك بنو آدم،
يقام القصاص بينهم يوم القيامة، فيُقْتَصُّ من المظلومين للظلمة، ولا يُترك من
حقوقهم شيء إلاَّ إذا سمحوا بها."
وقال الفوزان في
"الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد" (1 / 272):
"ومن الحساب:
إجراء القصاص بين العباد، فيقتص للمظلوم من الظالم؛ كما في " صحيح مسلم
" و " سنن الترمذي " من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ( لَتُؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة
الجلحاء من الشاة القرناء ) .
والحساب متفاوت؛ فمنه
الحساب العسير، ومنه الحساب اليسير .
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية : " يحاسب الله تعالى الخلق، ويخلو بعبده المؤمن، ويقرره بذنوبه؛ كما
وصف ذلك في الكتاب والسنة . وأما الكفار؛ فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته
وسيئاته؛ فإنهم لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم وتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها
" . انتهى .
تنبيه الغافلين
بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 119)
فَيَنْبَغِي
لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي رِضَا الْخُصُومِ، وَإِذَا كَانَ الذَّنْبُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ
إِذَا اسْتَغْفَرَ،
وَإِذَا كَانَ
الذَّنْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ،
وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِغْفَارُ وَلَا التَّوْبَةُ مَا لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ.
وَإِنْ لَمْ يُرْضِهِ فِي الدُّنْيَا، أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ."
اهـ
البحر المحيط الثجاج
في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 580)
في فوائده:
1 - (منها): بيان
شدّة الحقوق، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى فيها القصاص، حتى
بين البهائم، فكيف
بالعقلاء المكلّفين؟ فالواجب على العاقل المبادرة بالتخلُّص
من الحقوق قبل ذلك
اليوم، ولبعضهم شعراً [من الكامل]:
فَخَفِ الْقَضَاءَ
غَداً إِذَا وَافَيْتَ ... مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ الْيَوْمَ بِالْقِسْطَاسِ
أَعْضَاؤُهُمْ فِيهِ
الشُّهُودُ وَسِجْنُهُمْ ... نَارٌ وَحَاكِمُهُمْ شَدِيدُ الْبَاسِ
فِي مَوْقِفْ مَا
فِيهِ إِلَّا شَاخِصٌ ... أَوْ مُهْطِعٌ أَوْ مُقْنِعٌ لِلرَّاسِ
إِنْ تُمْطِلِ
الْيَوْمَ الْحُقُوقَ مَعَ الْغِنَى ... فَغَداً تُؤَدَّيهَا مَعَ الإِفْلَاسِ (1)
2 - (ومنها): أن فيه
إثبات البعث والنشور في الآخرة، وأن الخلائق
كلهم يُحشرون،
عقلاؤهم، وغير عقلائهم.
3 - (ومنها): ما قاله
النوويّ - رحمه الله -: هذا تصريح بحشر البهائم يوم
القيامة، وإعادتها
يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد
الأطفال، والمجانين،
ومن لم تبلغه دعوة، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن،
والسُّنَّة، قال الله
تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)} [التكوير: 5]، واذا ورد لفظ
الشرع، ولم يَمنع من
إجرائه على ظاهره عقلٌ، ولا شرعٌ، وجب حَمْله على
ظاهره.
قال العلماء: وليس من
شَرْط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة،
والعقاب، والثواب،
وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص
التكليف؛ إذ لا تكليف
عليها، بل هو قصاص مقابلة. انتهى كلام النوويّ ["شرح النوويّ" 16/ 136 -
137]،
وتعقّبه القاري في
قوله: (قصاص مقابلة)، فقال:
"فيه نظر لا
يخفى؛ لأن___قصاص المقابلة نحن مكلفون به أيضاً." انتهى ["مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 14/ 444]، والله تعالى أعلم.
Komentar
Posting Komentar