شرح الحديث 140-141 (الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة، والترغيب في تركه للمُحِقِّ والمبطل) من صحيح الترغيب

 

140 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري _رضي الله عنه_، قال:

"كنّا جلوساً عند بابِ رسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ نتذاكر؛ يَنْزِعُ (2) هذا بآيةٍ، ويَنْزِعُ هذا بآيةٍ، فخرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنَّما (3) يُفْقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرّمَّانِ، فقال:

"يا هؤلاء! بهذا بعثتم، أم بهذا أُمرتم؟! لا ترجعوا بعدي كفاراً؛ يضرب بعضُكم رقابَ بعض".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه سويد (4).

 

__________

(2) أي: يجذب ويأخذ.

(3) الأصل: (كما)، والتصويب من المخطوطة و"المجمع".

(4) يعني سُويد بن إبراهيم أبو حاتم، كما في حديث قبله في الأصل وفيه ضعف.

قلت: لكنْ رواه الطبراني عن أنس مثله. ورجاله ثقات أثبات كما في "المجمع" (1/ 157)، وله شاهد من حديث ابن عمروٍ عند ابن ماجه وأحمد بسند حسن. فالحديث صحيح.

ثم تبين لي بعد طبع "معَجم الطبراني الأوسط" أن ما في "المجمع" خطأ من مؤلفه رحمه الله، فإنه فيه (9/ 214/ 8465) من طريق (سويد) نفسه! ثم إن الجملة الأخيرة: "لا ترجعوا. ." إلخ صحيحة جداً من رواية جمع من الصحابة، لكني أراها وهماً هنا من أوهام (سويد)، فإنها غير منسجمة مع ما قبلها، فالصواب ما في حديث (ابن عمرو) في رواية لأحمد وغيره بلفظ: "ولا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض"، انظر "ظلال الجنة" (1/ 177/ 406).

 

ترجمة أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- :

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ): سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر ، و هو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصارى ، أبو سعيد الخدرى، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 168) (رقم : 28) : "أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ : سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) : الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 169)

وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ.

 

و أمه أنيسة بنت أبى حارثة ، من بنى عدى بن النجار.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 169)

وَأَخُو أَبِي سَعِيْدٍ لأُمِّهِ هُوَ: قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ، أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ.

اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ.

 

استصغر يوم أحد[1]، و استشهد أبوه يومئذ ،

و غزا بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة غزوة . اهـ .

 

و قال حنظلة بن أبى سفيان عن أشياخه : لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفقهَ من أبى سعيد الخدرى, و فى رواية : أعلم .

 

وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (2/ 602) :

"أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (5/ 247)

قال: وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق، وكانت في شعبان قبل الخندق بثلاثة أشهر.

 

تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (1/ 192)

وورد المدائن في حياة حذيفة بْن اليمان، وبعد ذلك مع عَلِيّ بْن أَبِي طالب لما حارب الخوارج بالنهروان.

 

مختصر تاريخ دمشق (9/ 272)

شهد خطبة عمر بالجابية وقدم دمشق على معاوية.

 

إكمال تهذيب الكمال (5/ 247)

وذكره المرادي في كتاب «الزمنى» أنه عمي.

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 3 / 481 :

و قال أبو الحسن المدائنى : مات سنة ثلاث و ستين .

و قال العسكرى : مات سنة خمس و ستين . اهـ .

 

معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1260)

كَانَ يَسْكُنُ الْمَدِينَةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَلَهُ عَقِبٌ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ.

 

زاد بعضهم : بالمدينة .

 

روى له الجماعة . اهـ .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 172)

مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ.

وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 170):

عن أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:

عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَةُ الإِسْلاَمِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ رُوْحُكَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، وَعَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلاَّ فِي حَقٍّ، فَإِنَّكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وعن أبي سعيد الخُدري _رضي الله عنه_، قال:

"كنّا جلوساً عند بابِ رسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ نتذاكر؛ يَنْزِعُ (2) هذا بآيةٍ، ويَنْزِعُ هذا بآيةٍ، فخرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنَّما (3) يُفْقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرّمَّانِ، فقال:

"يا هؤلاء! بهذا بعثتم، أم بهذا أُمرتم؟! لا ترجعوا بعدي كفاراً؛ يضرب بعضُكم رقابَ بعض".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه سويد

 

وفي المعجم الأوسط (2/ 79) (رقم: 1308): عَنْ عبد الله بن عمرو _رضي الله عنهما_، قَالَ:

خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُمْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْقَدَرِ، يَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ، وَيَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ، فَكَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: «أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ: أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاتَّبِعُوهُ، وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (18/ 76) (رقم: 11)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8/ 225) (رقم: 8470)، وفي "المعجم الكبير" (6/ 37) (رقم: 5442)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 658) (رقم: 1311).

 

شرح الحديث:

 

الشريعة للآجري (1/ 470_472):

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: عَرَفْنَا هَذَا الْمِرَاءَ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ , مَا هُوَ؟___قِيلَ لَهُ: نَزَلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَمَعْنَاهَا: عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ،

فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُلَقِّنُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ الْقُرْآنَ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ مِنْ لُغَتِهِمْ، تَخْفِيفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،

فَكَانُوا رُبَّمَا إِذَا الْتَقَوْا، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: (لَيْسَ هَكَذَا الْقُرْآنُ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_)،

وَيَعِيبُ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ، فَنُهُوا عَنْ هَذَا: (اقْرَءُوا كَمَا عَلِمْتُمْ، وَلَا يَجْحَدُ بَعْضُكُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ، وَاحْذَرُوا الْجِدَالَ___وَالْمِرَاءَ فِيمَا قَدْ تَعَلَّمْتُمْ، وَالْحُجَّةُ فِيمَا قُلْنَا." اهـ

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 202)

(الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ: الْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ، وَالْمُحَاجَجَةُ، وَطَلَبُ الْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ الدِّينِ)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

141 - (4) [حسن] وعن أبي أمامة (1) رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"ما ضَلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أُوتوا الجدَلَ"، ثم قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}.

رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" (2).

__________

(1) في الأصل وغيره: أبي هريرة، وكذا في المخطوطة، وهو خطأ من المؤلف، نبّه عليه الشيخ إبراهيم الناجي رحمه الله.

(2) وصححه أيضاً الحاكم، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.

 

ترجمة أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_:

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 359) (رقم: 52): "أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع): صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزِيلُ حِمْصَ. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً. " اهـ

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1602)

سكن أَبُو أمامة الباهلي مصر، ثم انتقل منها إِلَى حمص فسكنها، ومات بها، وَكَانَ من المكثرين فِي الرواية عَنْ رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وأكثر حديثه عند الشاميين." اهـ

 

وفي "إكمال تهذيب الكمال" (6/ 367) (رقم: 2499):

"(ع) صدي بن عجلان بن وهب (ويقال: ابنِ عَمْرٍو) أبو أمامة الباهلي. وباهلة: هم بنو سعد مناة ومعن ابني مالك بن أعصر بن سعد بن قيس غيلان بن مضر.

 

مختصر تاريخ دمشق (11/ 78)

نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان.

 

الأعلام للزركلي (3/ 203):

"صُدَيّ بن عَجْلان (000 - 81 هـ = 000 - 700 م)

صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة: صحابي. كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص. وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. له في الصحيحين 250 حديثا." اهـ

 

وفي "إكمال تهذيب الكمال" (6/ 369):

"وفي «الاستيعاب»: "كان من المكثرين في الرواية. وذكره ابن منده في «الأرداف»." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً." اهـ

 

قلت: فهو ولد سنة عشرين قبل الهجرة

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360):

"وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ." اهـ[2]

 

كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ) _رحمه الله_ في "بغية الطلب فى تاريخ حلب" (10/ 4328):

"أبو أمامة الباهلي: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه صدي بن عجلان، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، تقدم ذكره." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.

قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ) .

فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ يُلْفَوْنَ إِلاَّ صِيَاماً." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 363)

قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 736)

"توفي سنة إحدى وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. ويقَالَ: مات سنة ست وثمانين.[3]

قَالَ سفيان بن عيينة: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقى بالشام من أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: قد بقى بالشام بعده عبد الله بن بسر، هو آخر من مات بالشام من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." اهـ

 

الطبقات الكبرى ط دار صادر (7/ 412)

قَالُوا: وَتُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ بِالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسِتِّينَ سَنَةً

 

تاريخ دمشق لابن عساكر (24/ 75)

عبد الصمد بن سعيد القاضي قال في تسمية من نزل حمص من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبو أمامة صدي بن عجلان سكن حمص ثم سلس بوله فاستأذن الوالي إلى أن يصير إلى دنوة، فأذن له، فمات بها، وخلف ابنا يقال له المغلس

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 1022)

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جَابِرٍ، عَنْ مَوْلاةٍ لِأَبِي أُمَامَةَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو أُمَامَةَ يُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَلا يَقِفَ بِهِ سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عندنا إِلا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ، فَوَقَفَ بِهِ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ دِينَارًا، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، قُلْتُ: "لَمْ يَبْقَ لَنَا شَيْءٌ."

ثُمَّ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِه صَائِمًا، فَرَقَقْتُ لَهُ، وَاقْتَرَضْتُ لَهُ ثَمَنَ عَشَاءٍ، وَأَصْلَحْتُ فِرَاشَهُ، فَإِذَا تَحْتَ الْمِرْفَقَةِ ثَلاثُمِائَةِ دِينَارٍ،

فَلَمَّا دَخَلَ وَرَأَى مَا هَيَّأْتُ لَهُ حَمَدَ اللَّهَ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ تَعَشَّى، فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ جِئْتَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ بِمَوْضِعِ مَضْيَعَةٍ،

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: "الذَّهَبُ". وَرَفَعْتُ الْمِرْفَقَةَ، فَفَزِعَ لِمَا رَأَى تَحْتَهَا وَقَالَ: مَا هَذَا وَيْحَكِ! قُلْتُ: لا عِلْم لِي. فَكَثُرَ فَزَعُهُ." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360_361):

"عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:

أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم، فَرَحَّبُوا بِي، فَقُلْتُ:

جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

فَكَذَّبُوْنِي، وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَنِمْتُ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبتُ، فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي.

فَقَالَ القَوْمُ: [أَتَاكُم] رَجُلٌ مِنْ___أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم، فَرَدَدْتُمُوْهُ؟

قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي.

فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي؛ فآمَنُوا." اهـ

نص الحديث:

 

وعن أبي أمامة (1) رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"ما ضَلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أُوتوا الجدَلَ"، ثم قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}.

رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه سنن الترمذي ت شاكر (5/ 378) (رقم: 3253)، سنن ابن ماجه (1/ 19) (رقم: 48)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 252 و 5/ 256) (رقم: 22164 و 22204_22205)، الصمت لابن أبي الدنيا (ص: 103_104) (رقم: 135_136)، السنة لابن أبي عاصم (1/ 47) (رقم: 101)، معجم أبي يعلى الموصلي (ص: 134) (رقم: 144)، مسند الروياني (2/ 272)، الضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 286)، الشريعة للآجري (1/ 429_430) (رقم: 109_110)، المعجم الكبير للطبراني (8/ 277) (رقم: 8067)، الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 485_488 و2/ 491 و 2/ 613) (رقم: 526_530 و 534 و 796)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/ 486) (رقم: 3674)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 128) (رقم: 177)، شعب الإيمان (11/ 19) (رقم: 8080)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/ 552_553)، جامع بيان العلم وفضله (2/ 948) (رقم: 1811).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال الآجري في "الشريعة" (1/ 429):

"بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ." اهـ

 

الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 483)

بَابُ ذَمِّ الْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْلِ الْجِدَالِ وَالْكَلَامِ

 

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 128)

سِيَاقُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ مُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَجِدَالِهِمْ وَالْمُكَالَمَةِ مَعَهُمْ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَى أَقْوَالِهِمُ الْمُحْدَثَةِ وَآرَائِهِمُ الْخَبِيثَةِ

 

[تعليق]:

ثم أورد حديثا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_:

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

«ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ. وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

 

شرح النووي على مسلم (9/ 101):

"قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ، لِقَوْلِهِ _تَعَالَى_: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]." اهـ

 

قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 948):

"وَتَنَاظَرَ الْقَوْمُ وَتَجَادَلُوا فِي الْفِقْهِ، وَنُهُوا عَنِ الْجِدَالِ فِي الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى الِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ أَلَا تَرَى مُنَاظَرَةَ بِشْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ _تَعَالَى_:

{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]

قَالَ: "هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ."

فَقَالَ لَهُ خَصْمُهُ: "فَهُوَ فِي قَلَنْسُوَتِكَ، وَفِي حَشِّكَ، وَفِي جَوْفِ حِمَارِكَ."

تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ.

«حَكَى ذَلِكَ وَكِيعٌ، وَأَنَا _وَاللَّهِ_ أَكْرَهُ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَهُمْ _قَبَّحَهُمُ اللَّهُ_. فَعَنْ هَذَا وَشِبْهِهِ، نَهَى الْعُلَمَاءُ. وَأَمَّا الْفِقْهُ، فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَلَا يُنَالُ أَبَدًا دُونَ تَنَاظُرٍ فِيهِ وَتَفَهُّمٍ لَهُ»." اهـ

 

جامع بيان العلم وفضله (2/ 928) (رقم: 1768):

"بَابُ: مَا تُكْرَهُ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ:

"الْآثَارُ كُلُّهَا فِي هَذَا الْبَابِ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

أَنَّهُ قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» [صحيح: د]

وَلَا يَصِحُّ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ غَيْرُ هَذَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّمَا يَتَمَارَى اثْنَانِ فِي آيَةٍ، يَجْحَدُهَا أَحَدُهُمَا، وَيَدْفَعُهَا، وَيَصِيرُ فِيهَا إِلَى الشَّكِّ. فَذَلِكَ هُوَ الْمِرَاءُ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ.

وَأَمَّا التَّنَازُعُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ، فَقَدْ تَنَازَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ: أَنَّ الْمِرَاءَ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، هُوَ الْجُحُودُ وَالشَّكُّ، كَمَا قَالَ _عَزَّ وَجَلَّ_: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [الحج: 55].

وَالْمِرَاءُ وَالْمُلَاحَاةُ غَيْرُ جَائِزٍ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَهُمَا مَذْمُومَانِ بِكُلِّ لِسَانٍ،

وَنَهَى السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ___عَنْهُمْ عَنِ الْجِدَالِ فِي اللَّهِ _جَلَّ ثَنَاؤُهُ_، وَفِي صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ،

وَأَمَّا الْفِقْهُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى الْجِدَالِ فِيهِ وَالتَّنَاظُرِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى رَدِّ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ،

وَلَيْسَ الِاعْتِقَادَاتُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ لَا يُوصَفُ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَيُدْرَكُ بِقِيَاسٍ أَوْ بِإِنْعَامِ نَظَرٍ، ___

وَقَدْ نُهِينَا عَنِ التَّفَكُّرِ فِي اللَّهِ وَأُمِرْنَا بِالتَّفَكُّرِ فِي خَلْقِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ،

وَلِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ،

وَالدِّينُ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْيَومِ الْآخِرِ، وَقَدْ وَصَلَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ "

 

[تعليق]:

ثم نقل ابن عبد البر عدة آثار عن السلف:

1/ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، «مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ»

2/ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّلَوُّنَ فِي الدِّينِ

3/ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} قَالَ: «الْخُصُومَاتُ وَالْجِدَالُ فِي الدِّينِ»

4/ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهَا تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ»

5/ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا يَتَنَاجَوْنَ فِي دِينِهِمْ دُونَ الْعَامَّةِ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ عَلَى تَأْسِيسِ ضَلَالَةٍ»

6/ دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عَلَى حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: "اعْهَدْ إِلَيَّ." فَقَالَ لَهُ: (أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ)، فَقَالَ: "بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّي." قَالَ: «فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَةَ حَقَّ الضَّلَالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ»

7/ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَلْزَمَهُمُ الْجَدَلَ وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ»

8/ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ قِتَالِ أَهْلِ صِفِّينَ فَقَالَ: «تِلْكَ دِمَاءٌ كَفَّ اللَّهُ عَنْهَا يَدِيْ، لَا أُرِيدُ أَنْ أُلَطِّخَ بِهَا لِسَانِي»

9/ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: «لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَاتُهُمْ فِي رَبِّهِمْ»

10/ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُتَقَارِبًا حَتَّى يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَانِ وَالْقَدَرِ»

11/ وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ: " قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَكُونُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ أَيُجَادِلُ عَنْهَا؟ قَالَ: «لَا وَلَكِنْ يُخْبِرُ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِلَّا سَكَتَ»

12/ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ:

«الْكَلَامُ فِي الدِّينِ أَكْرَهُهُ وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِنَا يَكْرَهُونَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ نَحْوَ الْكَلَامِ فِي رَأْيِ جَهْمٍ وَالْقَدَرِ وَكُلِّ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا أُحِبُّ الْكَلَامَ إِلَّا فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الدِّينِ وَفِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالسُّكُوتُ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ بَلَدِنَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الدِّينِ إِلَّا مَا تَحْتَهُ عَمَلٌ»

قَالَ أَبُو عُمَرَ:

"قَدْ بَيَّنَ مَالِكٌ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ، هُوَ الْمُبَاحُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَهْلِ بَلَدِهِ، يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ نَحْوَ الْقَوْلِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ، وَضَرَبَ مَثَلًا فَقَالَ: (نَحْوَ رَأْيِ جَهْمٍ، وَالْقَدَرِ).

وَالَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ، عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى. وَإِنَّمَا خَالَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَسَائِرُ الْفِرَقِ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ أَحَدٌ إِلَى الْكَلَامِ فَلَا يَسَعُهُ السُّكُوتُ إِذَا طَمِعَ بِرَدِّ الْبَاطِلِ وَصَرْفِ صَاحِبِهِ عَنْ مَذْهَبِهِ أَوْ خَشِيَ ضَلَالَ عَامَّةٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا." اهـ من "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 938) (رقم: 1786)

 

وقال السندي في "الحاشية على سنن ابن ماجه" (1/ 24):

"وَالْمُرَادُ بِـ(الْجِدَالِ): الْخِصَامُ بِالْبَاطِلِ وَضَرْبُ الْحَقِّ بِهِ وَضَرْبُ الْحَقِّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِإِبْدَاءِ التَّعَارُضِ وَالتَّدَافُعِ___وَالتَّنَافِي بَيْنَهُمَا، لَا الْمُنَاظَرَةُ لِطَلَبِ الثَّوَابِ مَعَ تَفْوِيضٍ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْكُنْهِ.

ثُمَّ تَلَا أَيْ تَوْضِيحًا لِمَا ذَكَرَ بِذِكْرِ مِثَالٍ لَهُ، لَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْتَ: قُرَيْشٌ مَا كَانُوا عَلَى الْهُدَى، فَلَا يَصْلُحُ ذِكْرُهُمْ مِثَالًا،

قُلْتُ: نَزَلَ تَمَكُّنُهُمْ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ مَنْزِلَةَ كَوْنِهِمْ عَلَيْهِ فَحَيْثُ دَفَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَقَرَّرُوا الْبَاطِلَ بِقَوْلِهِمْ: {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: 58]

يُرِيدُونْ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَهُمْ خَيْرٌ مِنْ عِيسَى وَقَدْ عَبَدَهُ النَّصَارَى فَحَيْثُ صَحَّ لَهُمْ عِبَادَتُهُ صَحَّ لَنَا عِبَادَتُهُمْ بِالْأَوْلَى فَصَارُوا مِثَالًا لِمَا فِيهِ الْكَلَامُ." اهـ

 

فائدة خاصة: في بيان أنواع الجدال

 

ينقَسِمُ الجِدالُ إلى قِسمَينِ:

1- الجِدالُ المحمودُ:

وهو الذي يكونُ الغَرَضُ منه تقريرَ الحَقِّ وإظهارَه بإقامةِ الأدِلَّةِ والبراهينِ على صِدقِه، وقد جاءت نصوصٌ تأمُرُ بهذا النَّوعِ من الجِدالِ،

وقد أمَر اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا الجِدالِ في قَولِه تعالى:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125]،

وقال _جلَّ في عُلاه_: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت: 46] .

 

وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (جاهِدوا المُشرِكين بأموالِكم وأنفُسِكم وألسِنَتِكم) [صحيح: أخرجه أبو داود في "سننه" (3/ 10) (رقم: 2504)].

 

وقد حصَل هذا النَّوعُ من الجِدالِ بَيْنَ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللهُ عنهما وبينَ الخوارجِ زَمَنَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ بأمرِ عَليٍّ _رَضِيَ اللهُ عنه_،

فأقام عليهم الحُجَّةَ وأفحَمَهم، فرَجَع عن هذه البِدعةِ خَلقٌ كثيرٌ كما سيأتي.

وكذلك مُجادَلةُ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ للمُعتَزِلةِ  ، ومجادَلاتُ ابنِ تَيميَّةَ لأهلِ البِدَعِ  .

2- الجِدالُ المذمومُ:

هو الجِدالُ الذي يكونُ غَرَضُه تقريرَ الباطِلِ بعدَ ظُهورِ الحَقِّ، وطَلَبَ المالِ والجاهِ. وقد جاءت الكثيرُ من النُّصوصِ والآثارِ التي حذَّرت من هذا النَّوعِ من الجِدالِ ونهَت عنه، ومن هذه النُّصوصِ:

قَولُه تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3] .

وقَولُه تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8] .

وقَولُه سُبحانَه: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ [غافر: 4] .

وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المِراءُ في القُرآنِ كُفرٌ))  .

وقال ابنُ عُثَيمين: (المُجادَلةُ والمناظَرةُ نوعانِ:

النَّوعُ الأوَّلُ: مُجادَلةُ مُماراةٍ: يماري بذلك السُّفَهاءَ، ويجاري العُلَماءَ، ويريدُ أن ينتَصِرَ قَولُه؛ فهذه مذمومةٌ.

النَّوعُ الثَّاني: مُجادَلةٌ لإثباتِ الحَقِّ وإن كان عليه؛ فهذه محمودةٌ مأمورٌ بها)  [انظر: "العلم" (ص: 164)]

وقال الكَرْمانيُّ: (الْجِدَالُ هو المخاصَمةُ والمُدافَعةُ، ومنه قبيحٌ وحَسَنٌ؛ فما كان لتبيينِ الحقِّ من الفَرائِضِ مثلًا فهو أحسَنُ، وما كان له من غيرِ الفرائضِ فهو حَسَنٌ، وما كان لغيرِه فهو قبيحٌ، أو هو تابعٌ للطَّريقِ، فباعتبارِه يتنوَّعُ أنواعًا، وهذا هو الظَّاهِرُ)  .

وقال الكَرْمانيُّ أيضًا: (الجِدالُ: هو الخِصامُ، ومنه قبيحٌ وحَسَنٌ وأحسَنُ؛ فما كان للفرائِضِ فهو أحسَنُ، وما كان للمُستحَبَّاتِ فهو حَسَنٌ، وما كان لغيرِ ذلك فهو قبيحٌ)  .

وقال أبو الوليدِ الباجيُّ: (كُلُّ مَن ذَمَّ الجَدَلَ من السَّلَفِ، إنَّما ذَمَّه على أحَدِ وَجهَينِ:

* إمَّا أن يَذُمَّ جَدَلَ مَن نَصَر باطِلًا ودعا إلى ضلالةٍ، أو جَدَلَ مَن لا عِلمَ له بذلك، فلا يحِلُّ أن يتعَرَّضَ له، ولا يناظِرَ أهلَ البِدَعِ لأحَدِ أمرَينِ ممنوعَينِ، وربَّما اجتمعا له:

أحدُهما: أنَّه يُظهِرُ باطِلَهم على حَقِّه.

والثَّاني: أنَّه ربَّما وقعَت في نفسِه شُبهةٌ ليس عندَه من العِلمِ ما يَرُدُّها به، فتُضِلُّه) [(سنن الصالحين وسنن العابدين)) (ص: 484، 485)].



[1] وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 169)

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:

عُرِضْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَجَعَلَ أَبِي يَأْخُذُ بِيَدِي، وَيَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهُ عَبْلُ العِظَامِ.

وَجَعَلَ نَبِيُّ اللهِ يُصَعِّدُ فِيَّ النَّظَرَ، وَيُصَوِّبُهُ، ثُمَّ قَالَ: (رُدَّهُ) . فَرَدَّنِي." اهـ

[2]  وفي مختصر تاريخ دمشق (11/ 78):

"قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك." اهـ

[3]  وهذا الأخير رجحه الذهبي قائلا في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 1023): "قَالَ الْمَدَائِنِيُّ، وَخَلِيفَةُ وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. وَشَذَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة