شرح الحديث 102 (باب المجاهدة) من رياض الصالحين
[102] الثامن: عن أبي عبد الله حُذَيفَةَ
بنِ اليمانِ _رضي الله عنهما_، قَالَ : "صَلَّيْتُ
مَعَ النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ،
فَقُلْتُ : "يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ"، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ :
"يُصَلِّي بِهَا في ركعَة"، فَمَضَى، فقُلْتُ :
"يَرْكَعُ بِهَا"، ثُمَّ
افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا،
يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ
بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ
بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ
رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ
العَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ
قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ
قَامَ قِيامًا طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ
سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى»،
فَكَانَ سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ." رواه
مسلم. |
ترجمة
حذيفة بن اليمان العبسي _رضي الله عنه_:
وفي تاريخ
دمشق لابن عساكر (12/ 259)
حذيفة بن
اليمان وهو حذيفة بن حسل (ويقال بن جابر) بن اسيد بن عمرو بن مالك ويقال اليمان بن
جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث ابن مازن بن ربيعة بن قطيعة بن عبس بن
بغيض بن ريث أبو عبد الله العبسي، حليف بني عبد الاشهل، صاحب رسول الله (صلى الله
عليه وسلم)، وصاحب سره من المهاجرين." اهـ
وفي تاريخ
الإسلام ت بشار (2/ 277)
حُذَيْفَة بن
اليَمَان، واسم اليَمان حِسْلٌ - ويقال: حُسَيْلٌ على التصغير - بن جابر بن
أُسَيْد، وقيل: ابن عَمْرو، أَبُو عبد الله العبْسيّ، [المتوفى: 36 ه]
حليف الأنصار، وصاحب سرَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحد المهاجرين.
وكان
أبوه أصاب دمًا في قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل، فسمّاه قومه
اليمان لحِلْفه لليَمَانية، فاستشهد يوم أُحُد.
وشهِدَ
حُذَيْفَة أحُدًا وما بعدها من المشاهد، واستعمله عمر - رضي الله عنه - على المدائن،
فبقي عليها إلى حين وفاته. وتُوُفّي بعد عثمان بأربعين يومًا." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
الثامن: عن
أبي عبد الله حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ _رضي الله عنهما_، قَالَ :
"صَلَّيْتُ
مَعَ النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ،
فَقُلْتُ : "يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ"، ثُمَّ مَضَى.
فَقُلْتُ :
"يُصَلِّي بِهَا في ركعَة"، فَمَضَى،
وفي
شرح صحيح مسلم" (6/ 61) للنووي:
"قَوْلُهُ (فَقُلْتُ
يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ)،
مَعْنَاهُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ
يُسَلِّمُ بِهَا فَيَقْسِمُهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرَادَ بِالرَّكْعَةِ
الصَّلَاةَ بِكَمَالِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ
فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ بَعْدَهُ." اهـ
فقُلْتُ :
"يَرْكَعُ بِهَا"،
ثُمَّ
افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا،
يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً.
وفي
"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/ 39) لأبي العباس القرطبي:
"قوله
(يقرأ مترسلاً)؛ أي: مترفِّقًا متمهِّلاً؛ من قولهم: (على رسلك)؛ أي : على رِفْقِكَ
." اهـ
وفي
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 320) لابن علان:
"(يقرأ
مترسلاً) أي: مرتلاً بتبيين الحروف وأداء حقها." اهـ
الكوكب
الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 76) للأُرَمِيِّ :
"قال
في النهاية : (يقال: "ترسل الرجل في كلامه ومشيه"، إذا لم يَعْجَلْ، وهو
والترتيل سواءٌ." اهـ
وفي "الإتقان
في علوم القرآن" (1/ 368) للسيوطي:
"وَفِي "الْبُرْهَانِ"
لِلزَّرْكَشِيِّ:
"كَمَالُ
التَّرْتِيلِ: تَفْخِيمُ أَلْفَاظِهِ، وَالْإِبَانَةُ عَنْ حُرُوفِهِ، وَأَلَّا
يُدْغَمَ حَرْفٌ فِي حَرْفٍ. وَقِيلَ: هَذَا أَقَلُّهُ، وَأَكْمَلُهُ: أَنْ
يَقْرَأَهُ عَلَى مَنَازِلِهِ، فَإِنْ قَرَأَ تَهْدِيدًا، لَفِظَ بِهِ لَفْظَ
الْمُتَهَدِّدِ، أَوْ تَعْظِيمًا، لَفِظَ بِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ." اهـ
ففي "البرهان
في علوم القرآن" (1/ 449_450) للزركشي:
وَكَمَالُ
تَرْتِيلِهِ تَفْخِيمُ أَلْفَاظِهِ وَالْإِبَانَةُ عن حروفه والإفصاح لجميعه
بالتدبر حَتَّى يَصِلَ بِكُلِّ مَا بَعْدَهُ___وَأَنْ
يَسْكُتَ بَيْنَ النَّفَسِ وَالنَّفَسِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ نَفَسُهُ
وَأَلَّا يُدْغِمَ حَرْفًا فِي حَرْفٍ، لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ
يَسْقُطَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بَعْضُهَا، وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَرْغَبُوا فِي
تَكْثِيرِ حَسَنَاتِهِمْ فَهَذَا الَّذِي وَصَفْتُ أَقَلُّ مَا يَجِبُ مِنَ
التَّرْتِيلِ
وَقِيلَ:
أَقَلُّ التَّرْتِيلِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُبَيِّنُ مَا يَقْرَأُ بِهِ وَإِنْ
كَانَ مُسْتَعْجِلًا فِي قِرَاءَتِهِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهَا مَا
لَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى التَّمْدِيدِ وَالتَّمْطِيطِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ
الْقُرْآنَ بِكَمَالِ التَّرْتِيلِ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى مَنَازِلِهِ فَإِنْ كَانَ
يَقْرَأُ تَهْدِيدًا لَفَظَ بِهِ لَفْظَ الْمُتَهَدِّدِ وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ
لَفْظَ تَعْظِيمٍ لَفَظَ بِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ." اهـ
إِذَا مَرَّ
بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ
بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ،
ثُمَّ رَكَعَ،
فَجَعَلَ يَقُولُ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ»
فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ،
ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ قَامَ قِيامًا
طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ،
ثُمَّ سَجَدَ،
فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» فَكَانَ
سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ." رواه مسلم.
وفي
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 321) لابن علان:
"والحكمة
في جعل (العظيم) في الركوع، و(الأعلى) في السجود : أن (الأعلى) لكونه أفعل تفضيل
أبلغ من (العظيم)، والسجود أبلغ في التواضع من الركوع، فجعل الأبلغ للأبلغ."
اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه مسلم في
"صحيحه" (1/ 536) (رقم : 772) واللفظ له،
وأبو داود في "سننه" (رقم : 871 و 874)،
والترمذي في "سننه" (2/ 48) (رقم : 262)، والنسائي في "سننه" (3/ 225)
(رقم : 1664)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 429) (رقم :1351)
من
فوائد الحديث :
1/ في
هذا الحديث: فضلُ تطويل صلاة الليل
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 92):
"في هذا
الحديث: فضلُ تطويل صلاة الليل،
قال الله _تعالى_:
{أَمَّنْ هُوَ
قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 9]." اهـ[1]
2/
استحباب التسبيح، وسؤال الله، والتعوذ به في القراءة أثناء صلاة الليل
وقال النووي في
"شرح صحيح مسلم" (6/ 62) :
"قَوْلُهُ:
(يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ، فِيهَا تَسْبِيحٌ، سَبَّحَ. وَإِذَا
مَرَّ بِسُؤَالٍ، سَأَلَ. وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ، تَعَوَّذَ).
فِيهِ:
اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
وَمَذْهَبُنَا: اسْتِحْبَابُهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ."
اهـ
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 237):
وفيه أيضًا من
الفقه: أنه إذا كان في صلاة، فمرت به آيةُ رحمةٍ،
فشاء أن يسألها الله _تعالى_ مغتنمًا ما في القرآن من مناسبة الطلب، سألها. فإن
القرآن وحي مجدد،
وإذا مر بآية
فيها تسبيحُ اللهِ _تعالى_، فإنه يسبّح الله بما روي في الأخبار، وليعلم أنه في
مقام كريم، لا يلائمه المطالب الدنيا،
وإذا مر بآية
عذاب للكافرين، استعاذ بالله تعالى مِنْ مِثْلِ أن يقرأ قوله: {وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ} [غافر: 55]، فيقول الحديثَ المرويَّ، وهو:
(اللهم إني
ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر
لي مغفرةً من عندِك، وارْحمني، إنك أنت الغفور
الرحيم)
ومثلِ أن يأتي
قوله _عز وجل_:
{مَا لَكُمْ
لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]،
فيقول ها هنا:
(اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُوْلُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيْكَ)،
وفي مثل قوله _سبحانه_
في ذكر تسبيحه _سبحانه وتعالى_:
{يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]،
وقد سبق أن
معنى قولنا: (سبحان الله) أنه تنزيه له عز وجل عن كل ما لا يجوز عليه، ثم يقول:
(وبحمده) أي وبحمده سبحته، ولذلك يقول: (سبحان الله العظيم). وهذا فلا أراه إلا في
النافلة.
* فأما
الفريضة فيقصرها على أذكارها مع التفكر في كل ذكرٍ من أذكارها، فإنها حاوية شاملة
جامعة، وليكن في إنجازه بها مبادرًا الوسواس." اهـ
[تعليق]:
وفي "زاد
المسير في علم التفسير" (4/ 342) لابن الجوزي:
"قوله
عزّ وجلّ: (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً)
فيه أربعة
أقوال:
أحدها:
لا تَرَوْن لله عظمة، قاله ابن عباس. والثاني: لا
تخافون لله عظمة، قاله الفراء وابن قتيبة. والثالث: لا
تَرَوْن لله طاعة، قاله ابن زيد. والرابع: لا
ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد، قاله الزّجّاج." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 94):
"جمع _عليه
الصلاة والسلام_ بين القراءة، وبين الذكر، وبين الدعاء، وبين التفكر؛ لأن الذي
يسأل عند السؤال، ويتعوّذ عن التعوذ، ويسبح عن التسبيح، لا شك أنه يتأمل قراءته،
ويتفكر فيها،
فيكون هذا
القيام روضةً من رياض الذكر؛ قراءةً وتسبيحاً ودعاءً وتفكراً،
والنبي _عليه
الصلاة والسلام_ في هذا كله، لم يركع.
فهذه السور
الثلاث: البقرة والنساء وآل عمران، أكْثَرُ من خمسةِ أجزاءٍ وربعٍ. إذا كان
الإنسان يقرؤها بترسل، ويستعين عند فتح الوعيد، ويسأل عن آية الرحمة، ويسبح عند
آية التسبيح، كم تكون المدةُ؟
لا شك أنها
تكون طويلة، ولهذا كان _عليه الصلاة والسلام_ يقوم حتى تتورم قدماه وتتفطر،
ولا خلاف أنه
يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورةً قبل التي قرأها في الأولى، أفاده
القاضي عياض." اهـ
3/ فِيهِ:
اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ ذكر الركوع والسجود
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (6/ 62):
"قَوْلُهُ
(ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ"،
وَقَالَ فِي السُّجُودِ : "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى")
فِيهِ:
اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) فِي الرُّكُوعِ،
وَ(سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) فِي السُّجُودِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَيَّنُ ذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ." اهـ
4/ فِيهِ
دَلِيلٌ لِجَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (6/ 62)
قَوْلُهُ
(ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا
قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ).
هَذَا فِيهِ
دَلِيلٌ___لِجَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ، وَأَصْحَابُنَا
يَقُولُونَ : "لا يَجُوزُ"، وَيُبْطِلُونَ بِهِ الصَّلَاةَ." اهـ
5/ فيه:
حكم آداب القرآن
وقال عياض بن
موسى السبتي، المعروف بـ"القاضي عياض" اليحصبي
(المتوفى: 544 هـ) _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 137):
"فيه:
حكم آداب القرآن فى الصلاة وغيرها، واستعمالُ حدودِ كتابِ اللهِ." اهـ
6/
الحض على الْقِرَاءَةِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ
وقال عبد
الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى:
911 هـ) _رحمه الله_ في "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 368_369):
"وَتُسَنُّ
الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ، فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ
وَالْمَطْلُوبُ الْأَهَمُّ، وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَسْتَنِيرُ
الْقُلُوبُ.
قَالَ
تَعَالَى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}
[ص: 29]___
وقال :
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: 24]
وَصِفَةُ
ذَلِكَ أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالتَّفْكِيرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ،
فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ، وَيَتَأَمَّلُ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ،
وَيَعْتَقِدُ قَبُولَ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ
مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى، اعْتَذَرَ، وَاسْتَغْفَرَ، وَإِذَا مَرَّ
بِآيَةِ رَحْمَةٍ، اسْتَبْشَرَ وَسَأَلَ، أَوْ عَذَابٍ، أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ، أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ، أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 94):
"جمع _عليه
الصلاة والسلام_ بين القراءة، وبين الذكر، وبين الدعاء، وبين التفكر؛ لأن الذي
يسأل عند السؤال، ويتعوّذ عن التعوذ، ويسبح عن التسبيح، لا شك أنه يتأمل قراءته،
ويتفكر فيها،
فيكون هذا
القيام روضةً من رياض الذكر؛ قراءةً وتسبيحاً ودعاءً وتفكراً،
والنبي _عليه
الصلاة والسلام_ في هذا كله، لم يركع.
فهذه السور
الثلاث: البقرة والنساء وآل عمران، أكْثَرُ من خمسةِ أجزاءٍ وربعٍ. إذا كان
الإنسان يقرؤها بترسل، ويستعين عند فتح الوعيد، ويسأل عن آية الرحمة، ويسبح عند
آية التسبيح، كم تكون المدةُ؟
لا شك أنها
تكون طويلة، ولهذا كان _عليه الصلاة والسلام_ يقوم حتى تتورم قدماه وتتفطر،
ولا خلاف أنه
يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورةً قبل التي قرأها في الأولى، أفاده
القاضي عياض." اهـ
7/ فيه:
جواز تطويل صلاة النوافل
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/ 39):
"وهذا
التطويل، وهذه الكيفية التي صدرت عنه في هذه الصلاة، إنما كانت منه بحسب وَقْتٍ صَادَفَهُ، وَوَجْدٍ
وَجَدَهُ، فاستطاب ما كان فيه، واستغرقه عما سواه." اهـ
[تعليق]
قال أبو فائزة
_غفر الله له_:
يبدو أن أبا
العباس القرطبي _رحمه الله_ يفهم أن هذه الصلاة هي صلاة الفرض، والصحيح: أنها صلاة
الليل، وهي من النوافل، والله أعلم.
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 236):
"* فيه
من الفقه: جواز تطويل الصلاة إذا كانت نافلةً يصلي بها الرجل لنفسه أو لمن يعلم
أنه يُؤْثِرُ تطويلَها معه،
فأما الفريضة،
فالمستحب له أن يُوْجِزَ فيها مع إتمامِ ركوعِها وسجودِها." اهـ
8/ جواز
قراءة السورة أو السورتين في ركعة واحدة
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 237):
"وفيه أيضًا من الفقه: أنه يجوز أن يقرأ في الركعة
الواحدة السورة والسورتين والثلاثة.
9/
جواز تطويل الركوع والسجود
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560 هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 237):
"وفي هذا
الحديث من الفقه: جواز تطويل الركوع والسجود، وهذا فإنما يستحب مع أمن الضرر فيه،
فإن خاف ضررًا يؤول إلى أذى في سمعه أو بصره أو رأسه أو بدنه فلا يستحب له
ذلك." اهـ
10/
فيه: أن ترتيب السور باجتهاد المسلمين
الفتح الرباني
لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (4/ 245) للساعاتي :
"وفي
الحديث: دليل لمن يقول إن ترتيب السور باجتهاد المسلمين وهو قول مالك وجمهور
العلماء، ومن قال بالتوقيف قال: "إن ذلك كان قبله"
[تعليق]:
وفي "فتح
الباري" لابن حجر (2/ 257):
"وَاخْتُلِفَ
هَلْ رَتَّبَهُ الصَّحَابَةُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ؟
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: "الصَّحِيحُ الثَّانِي. وَأَمَّا
تَرْتِيبُ الْآيَاتِ، فَتَوْقِيفِيٌّ بِلَا خلاف." اهـ
وقال العثيمين
_رحمه الله_ في "أصول في التفسير" (ص: 17_19):
"ترتيب
القرآن: تلاوته تاليا بعضه بعضا حسبما هو مكتوب في المصاحف ومحفوظ في الصدور.___
وهو ثلاثة
أنواع:
النوع
الأول:
ترتيب الكلمات بحيث تكون كل كلمة في موضعها من الآية، وهذا ثابت بالنص والإجماع،
ولا نعلم مخالفا في وجوبه وتحريم مخالفته، فلا يجوز أن يقرأ: لله الحمد رب
العالمين بدلا من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة: 2)
النوع
الثاني:
ترتيب الآيات بحيث تكون كلُّ آية في موضعها من السورة،
وهذا ثابت
بالنص والإجماع، وهو واجب على القول الراجح، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن يقرأ: مالك
يوم الدين الرحمن الرحيم بدلا من: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة: 3) (مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة: 4)
ففي صحيح
البخاري: أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان بن عفان رضي الله عنهم في قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً
لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة: الآية 240)،
قد نسخها
الآية الأخرى يعني قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة: الآية 234)
وهذه قبلها في
التلاوة قال: فلم تكتبها؟ فقال عثمان رضي الله عنه: "يا ابن أخي لا أُغَيِّرُ
شيْئًا منه من مكانه."
وروي الإمام
أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث عثمان _رضي الله عنه_:
"أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه السور ذواتُ العدد، فكان إذا نزل عليه
الشيءُ، دعا بعض من كان يكتب، فيقول: (ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها
كذا وكذا)."
النوع
الثالث:
ترتيب السور بحيث تكون كل سورة في موضعها من المصحف، وهذا ثابت بالاجتهاد، فلا
يكون واجبا.
وفي "
صحيح مسلم " عن حذيفة بن اليمان _رضي الله عنه_: أنه___صلّى مع النبي صلى
الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ النبي _صلى الله عليه وسلم_ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران."
وروى البخاري
تعليقا عن الأحنف: أنه قرأ في الأولى بالكهف، وفي الثانية بيوسف أو يونس، وذكر أن
صلى مع عمر بن الخطاب الصبح بهما.
قال
شيخ الإسلام ابن تيميه:
" تجور
قراءة هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة. ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة _رضي الله عنهم_
في كتابتها، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان _رضي الله عنه_، صار هذا مما
سنه الخلفاء الراشدون، وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب اتِّبَاعُها " أهـ.
وفي "الفروع
وتصحيح الفروع" (2/ 182) لابن مفلح:
"وَعِنْدَ
شَيْخِنَا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ
تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ "ع"، وَتَرْتِيبُ
السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ، لَا بِالنَّصِّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ،
قَالَ
شَيْخُنَا:
فَيَجُوزُ
قِرَاءَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ
مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_ فِي كِتَابَتِهَا، لَكِنْ
لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ صَارَ هَذَا مِمَّا
سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ
سُنَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 94):
"وهكذا
كان _عليه الصلاة والسلام_ يصلي فيجعل الصلاة متناسبة؛ إذا أطال القيام؛ أطال
الركوع، والسجود، والقيام الذي بعد الركوع والجلوس الذي بين السجدتين،
وإذا خفف
القراءةَ؛ خفف الركوعَ والسجود والقيامَ؛ من أجْل أن تكون الصلاة متناسبة،
وهذا فعله _صلوات
الله وسلامه عليه_ في الفرض، وفي النفل أيضاً، فكان _صلى الله عليه وسلم_ يجعل
صلاته متناسبة." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 94):
"وفي هذا
الحديث عدة فوائد:
الفائدة
الأولى:
وهي التي ساق المؤلف الحديث من أجلها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل عملَ
المجاهدِ الذي يجاهد نفسه على الطاعة؛ لأنه يعمل هذا العمل الشاق؛
كل هذه ابتغاء
وجه الله ورضوانه، كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه
(تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)
(الفتح: من الآية 29) .
ومنها:
جواز إقامة الجماعة في صلاة الليل، لكن هذا ليس دائماً، إنما يفعل أحياناً في غير
رمضان، أما في رمضان فإن من السنة أن يقوم الناس في جماعة.
ومنها:
أنه ينبغي للإنسان في صلاة الليل إذا مر بآية رحمة أن يقف ويسأل، مثل لو مر بذكر
الجنة يقف ويقول: (اللهم اجعلني من أهلها،____اللهم إني أسألك الجنة)،
وإذا مر وعيد
يقف، يقول: (أعوذ بالله من ذلك، أعوذ بالله من النار، وإذا مر بآية تسبيح، يعني
تعظيم لله سبحانه وتعالى؛ يقف ويسبح الله ويعظّمه؛
هذا
في صلاة الليل، أما صلاة الفريضة فلا بأس أن يفعل
هذا، ولكنه ليس بسنة. إن فعله، فإنه لا يُنْهَى عنه، وإن تركه، فإنه لا يؤمر به،
بخلاف صلاة الليل، فإن الأفضل أن يفعل ذلك، أي: يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل، عند
آية الرحمة، ويسبح عند آية التسبيح.
ومن
فوائد الحديث: جواز تقديم السور بعضها على بعض، فإن النبي _صلى
الله عليه وسلم_ قدم سورة النساء على سورة آل عمران،
والترتيب أن
سورة آل عمران مقدمةٌ على سورة النساء، ولكن هذا _والله أعلم_ كان قبل السنة
الأخيرة،
فإن السنة
الأخيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم سورة آل عمران على سورة النساء؛ ولهذا
رتبها الصحابة _رضي الله عنهم_ على هذا الترتيب، أي أن آل عمران قبل سورة النساء.
وكان النبي _عليه
الصلاة والسلام_ يقرن بين البقرة وآل عمران؛ في مثل قوله عليه الصلاة والسلام:
(اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان
أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة)،
فالمهم أن
الترتيب في الأخير كان تقديم سورة آل عمران على سورة النساء." اهـ
[تعليق]:
وفي "صحيح
البخاري" (1/ 154_155):
"وَقَرَأَ
الأَحْنَفُ بِالكَهْفِ فِي الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ - أَوْ يُونُسَ
- وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ الصُّبْحَ بِهِمَا."
اهـ[2]
وفي "ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى" (18/ 13):
"وقوله:
"فافتتح النساء الخ"
فيه: عدم وجوب
الترتيب بين السور في القراءة، وقد تقدم البحث عنه مُستَوفى في أبواب القراءة.
واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع." اهـ
وفي "فتح
الباري" لابن حجر (9/ 40):
"قَالَ
بن بَطَّالٍ:
لَا نَعْلَمُ
أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ لَا دَاخِلَ
الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ (الْكَهْفَ) قَبْلَ (الْبَقَرَةِ)،
وَ(الْحَجَّ) قَبْلَ الْكَهْفِ _مَثَلًا_،
وَأَمَّا مَا
جَاءَ عَنِ السَّلَفِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَنْكُوسًا، فَالْمُرَادُ بِهِ: أَنْ يَقْرَأَ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ
إِلَى أَوَّلِهَا.
وَكَانَ
جَمَاعَةٌ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الْقَصِيدَةِ مِنَ الشِّعْرِ مُبَالَغَةً فِي
حِفْظِهَا وَتَذْلِيلًا لِلِسَانِهِ فِي سَرْدِهَا. فَمَنَعَ السَّلَفُ ذَلِكَ فِي
الْقُرْآنِ، فَهُوَ حَرَامٌ فِيهِ).
وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ بِسُورَةِ
النِّسَاءِ قَبْلَ آلِ عِمْرَانَ"، هُوَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ.
وَفِيهِ
حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ
اجْتِهَادٌ، وَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ
الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ. قَالَ:
(وَتَرْتِيبُ
السُّوَرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي التِّلَاوَةِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي
الدَّرْسِ وَلَا فِي التَّعْلِيمِ. فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْمَصَاحِفُ. فَلَمَّا
كُتِبَ مُصْحَفُ عُثْمَانَ، رَتَّبُوهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ.
فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ تَرْتِيبُ مصاحف الصَّحَابَة).
ثمَّ ذكر
نَحْو كَلَام ابن بَطَّالٍ ثُمَّ قَالَ:
(وَلَا
خِلَافَ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِ كُلِّ سُورَةٍ
عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمُصْحَفِ تَوْقِيفٌ مِنَ اللَّهِ _تَعَالَى_،
وَعَلَى ذَلِكَ نَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_)." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 96):
"ومن
فوائد هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يسبح ويكرر التسبيح؛ لأن حذيفة قال: كان يقول: سبحان ربي العظيم، وكان يطيل، ويقول
سبحان ربي الأعلى، وذكر أنه يطيل، ولم يذكر شيئاً أخر،
فدل هذا على
أنك مهما كررت من التسبيح في الركوع والسجود فإنه سنة، ولكن مع هذا كان النبي ـ
عليه الصلاة والسلام ـ يقول في ركوعه وفي سجوده، ويكثر من هذا القول: (سبحانك
اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) ، وكان يقول أيضاً: (سبوح قدوس رب الملائكة
والروح)،
فكل ما ورد عن
النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر ودعاء؛ فإنه يسن للإنسان أن يقوله في صلاته. نسأل
الله تعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع رسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وأن
يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في
"ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (13/ 214):
"(ومنها)
: تقارب القيام، والركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه في مقدار الطول. والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
إن أريد إلا
الإصلاح ما استطعت، ما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب." اهـ
وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد
المحسن السلمان (المتوفى:
1422 هـ) _رحمه الله_ في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 485):
"وَيُسْتَحَبُّ
إِذَا مَرَّ بآيةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا مَرَّ
بآيةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ باللهِ مِنْ الشَّرِّ أَوْ مِنْ العَذَابِ أَوْ
يَقُولَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةِ) أَوْ يَقُولَ: (أَسْأَلُكَ
الْمُعَافَاةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ." اهـ
وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
_حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 137):
"ففي هذا
الحديث مشروعية أن يقولَ المسلمُ في ركوعه (سبحان
ربي العظيم) وفي سجوده (سبحان ربي الأعلى).
قال ابن القيم
_رحمه الله_ [في "كتاب الصلاة" (ص:176)]:
(فشُرعَ
للرَّاكع أن يَذكرَ عَظمة ربِّه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه، وأنه سبحانه
يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته،
فأفضل ما يقول
الراكع على الإطلاق: (سبحان ربي العظيم)، فإن الله _سبحانه_ أمر العباد بذلك، وعيَّن
المبلِّغُ عنه السفيرُ بينه وبين عباده هذا الْمَحَلَّ لهذا الذكرِ لما نزلت:
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 2 قال: "اجعلوها في ركوعكم" ...)."
اهـ
وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
_حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 138)
وقال [يعني: ابن
القيم في "كتاب الصلاة" (ص:181)] عن السجود:
"وشرع
فيه من الثناء على الله ما يناسبه، وهو قول العبد (سبحان ربي الأعلى)، فهذا أفضل
ما يقال فيه،
ولم يرد عن
النَّبِيّ _صلى الله عليه وسلم_ أمْرُه في السجود بغيره حيث قال: (اجعلوها في
سجودكم)،
وكان وصف الرب
بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السُّفْلِ على وجهه، فذَكَرَ عُلُوَّ ربِّه
في حال سقوطه،
وهو كما ذكر
عظمته في حال خُضوعه في ركوعه، ونزَّه ربَّه عما لا يليق به مما يضاد عظمتَه وعُلُوَّه."
[1] وفي "تطريز رياض الصالحين" (ص: 665_666): في هذا
الحديث: مشروعية التطويل في جميع أركان صلاة الليل،___
قال
الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ
الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر
(9) ]." اهـ
[2] أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"
(1/ 180_181) (رقم: 1082):
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ___عَبْدِ اللهِ
بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ:
"صَلَّى
بِنَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِعَاقُولِ الْكُوفَةِ، فَقَرَأَ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْكَهْفَ، وَالثَّانِيَةِ بِسُورَةِ يُوسُفَ، قَالَ:
وَصَلَّى بِنَا عُمَرُ _رَضِيَ اللهُ عَنْهُ_ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَقَرَأَ بِهِمَا
فِيهِمَا." [انظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (12/ 84) (رقم: 15129)]
Komentar
Posting Komentar