شرح الحديث 101 (باب المجاهدة) من رياض الصالحين
[101] السابع: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ، وَحُجِبَتِ
الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وفي
رواية لمسلم : «حُفَّتْ» بدل «حُجِبَتْ» وَهُوَ
بمعناه: أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي:
اختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن
صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان
بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن
عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن
مالك ابن نصر بْن الأزد.
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس، وكنيته: أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال: (إنما كنيت بأبي
هُرَيْرة، أني وجدت أولادَ هرةٍ وحشيّةٍ، فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت:
هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة)." اهـ
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 377):
"وَقَال
عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم
سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 378):
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي تاريخ
الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت: روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها: ثلاث
مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين
(93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
السابع:
عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«حُجِبَتِ
النَّارُ بالشَّهَواتِ،
وفي
"غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 457) للسفاريني:
"وَقَدْ
ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنَّهُ قَالَ:
«أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ
وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى»، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ
هَوًى مُتَّبَعًا."
وَحُجِبَتِ
الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي
فتح الباري لابن حجر (11/ 320) :
"إِنَّ
الْمُرَادَ بِـ"الْمَكَارِهِ": هُنَا
مَا أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ فِيهِ فِعْلًا
وَتَرْكًا كَالْإِتْيَانِ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى وَجْهِهَا
وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا.
وَأَطْلَقَ
عَلَيْهَا الْمَكَارِهَ لِمَشَقَّتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَصُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ،
وَمَنْ جُمْلَتِهَا: الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ
اللَّهِ فِيهَا.
وَالْمُرَادُ
بِـ"الشَّهَوَاتِ": مَا يُسْتَلَذُّ
مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ تَعَاطِيهِ، إِمَّا
بِالْأَصَالَةِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ فِعْلِهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنَ
الْمَأْمُورَاتِ،
وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ: الشُّبُهَاتُ
وَالْإِكْثَارُ مِمَّا أُبِيحَ خَشْيَةَ أَنْ يُوقِعَ فِي الْمُحَرَّمِ.
فَكَأَنَّهُ
قَالَ: لَا يُوصَلُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَشَقَّاتِ
الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْمَكْرُوهَاتِ، وَلَا إِلَى النَّارِ إِلَّا بِتَعَاطِي
الشَّهَوَاتِ، وَهُمَا مَحْجُوبَتَانِ. فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ، اقْتَحَمَ،
وَيَحْتَمِلُ:
أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ
النَّهْيُ." اهـ
وفي
رواية لمسلم : «حُفَّتْ» بدل «حُجِبَتْ»
وَهُوَ
بمعناه: أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها.
وفي
فتح الباري لابن حجر (11/ 320):
وَقَدْ
وَرَدَ إِيضَاحُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَ
أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:
"لَمَّا
خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، أَرْسَلَ
جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: (انْظُرْ إِلَيْهَا)،
قَالَ
فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ،
إِلَّا دَخَلَهَا."
فَأَمَرَ
بِهَا، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ. فَقَالَ: (ارْجِعْ إِلَيْهَا)،
فَرَجَعَ،
فَقَالَ: "وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ."
قَالَ:
(اذْهَبْ إِلَى النَّارِ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا)،
فَرَجَعَ،
فَقَالَ: "وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ، فَيَدْخُلُهَا."
فَأَمَرَ
بِهَا، فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ. فَقَالَ: (ارْجِعْ إِلَيْهَا)،
فَرَجَعَ،
فَقَالَ: "وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا
أَحَدٌ." اهـ كلام الحافظ.
قلت: والحديث
حسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 472) (رقم : 3669).
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في صحيحه (8/ 102) (رقم : 6487)، ومسلم في صحيحه (4/ 2174) (رقم : 2823)، وابن
المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 228 و 1/ 325) (رقم: 650 و 925)، وإسحاق
بن راهويه في "المسند" (1/ 408) (رقم: 458)، وأحمد في "المسند"
– ط. عالم الكتب (2/ 260 و 2/ 380) (رقم: 7530 و8944)، وهناد بن السري في "الزهد"
(1/ 171) (رقم: 244)، والبزار في "المسند" = البحر الزخار (8/ 174)
(رقم: 3203)، وابن حبان في "صحيحه" (2/ 494) (رقم: 719)، والآجري في "الشريعة"
(3/ 1350) (رقم: 917)، والطبراني في "مسند الشاميين" (3/ 317 و4/ 290)
(رقم: 2388 و 3329)، صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (1/ 66) (رقم: 43)، والقضاعي
في "مسند الشهاب" (1/ 332) (رقم: 567)، والبيهقي في "البعث والنشور"
(ص: 135) (رقم: 168)، والسلفي في "الطيوريات" (3/ 1022) (رقم: 954).
والحديث
صحيح:
صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1428) (رقم: 5160)،
و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 599 و 1/ 602) (رقم: 3126 و 3147)، و"التعليقات
الحسان على صحيح ابن حبان" (2/ 142) (رقم: 717).
من
فوائد الحديث :
شرح النووي
على مسلم (17/ 165) :
"قَالَ
الْعُلَمَاءُ :
"هَذَا
مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَجَوَامِعِهِ الَّتِي أُوتِيَهَا _صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنَ التَّمْثِيلِ الْحَسَنِ.[1]
ومعناه:
لايوصل الْجَنَّةَ إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَكَارِهِ، وَالنَّارَ بِالشَّهَوَاتِ
وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا.
فَمَنْ هَتَكَ
الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ. فَهَتْكُ حِجَابِ الْجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ
الْمَكَارِهِ وَهَتْكُ حِجَابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ.
فَأَمَّا
الْمَكَارِهُ: فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فِي
الْعِبَادَاتِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا وَكَظْمُ
الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ
وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا
الشَّهَوَاتُ الَّتِي النَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا :
فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا
وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْغِيبَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَلَاهِي
وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا
الشَّهَوَاتُ الْمُبَاحَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ
الْإِكْثَارُ مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ إِلَى الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يُقَسِّي
الْقَلْبَ أَوْ يَشْغَلَ عَنِ الطَّاعَاتِ أَوْ يُحْوَجَ إِلَى الِاعْتِنَاءِ
بتحصيل الدنيا___للصرف فيها ونحو ذلك." اهـ[2]
فتح الباري
لابن حجر (11/ 320) :
"وَهُوَ
مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدِيعِ بَلَاغَتِهِ
فِي ذَمِّ الشَّهَوَاتِ وَإِنْ مَالَتْ
إِلَيْهَا النُّفُوسُ وَالْحَضِّ عَلَى
الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَرِهَتْهَا النُّفُوسُ وَشَقَّ عَلَيْهَا." اهـ
فتح الباري
لابن حجر (11/ 321)
"فَالْجَنَّةُ
لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِقَطْعِ مَفَاوِزِ الْمَكَارِهِ وَالنَّارُ لَا
يُنَجَّى مِنْهَا إِلَّا بترك الشَّهَوَات." اهـ
فتح الباري
لابن حجر (11/ 453)
"قَالَ [يعني:
أبا بكر ابن العربي المالكي]:
"فَالشَّهَوَاتُ
مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَوَانِبِهَا، فَمَنِ اقْتَحَمَ الشَّهْوَةَ، سَقَطَ فِي
النَّارِ، لِأَنَّهَا خَطَاطِيفُهَا." اهـ
تنبيه
الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 69) :
"فَمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنَالَ ثَوَابَهُ،
فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى شَدَائِدِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَيَجْتَنِبَ الْمَعَاصِي وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ
قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ." اهـ
التبصرة لابن
الجوزي (2/ 101):
"قال
يحيى بن معاذ: "يا بن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة
طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قَدْ كُفِيتَهَا وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا،
وَالآخِرَةُ بِالطَّلَبِ منك تنالها،
فاعقل شأنك يا
بن آدَمَ، حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَأَنْتَ تَكْرَهُهَا، وَحُفَّتِ
النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَأَنْتَ تَطْلُبُهَا، فَمَا أَنْتَ إِلا كَالْمَرِيضِ
الشَّدِيدِ الدَّاءُ، إِنْ صَبَرَتْ نَفْسُهُ عَلَى مَضَضِ الدَّوَاءِ اكْتَسَبَتْ
بِالصَّبْرِ عَافِيَةَ الشِّفَاءِ، وَإِنْ جَزَعَتْ نَفْسُهُ مِمَّا يَلْقَى طَالَتْ
بِهِ عِلَّتُهُ". اهـ
الغرباء
للآجري (ص: 79) (رقم: 63): ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ
الشَّكَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَلَاءِ
الْبَلْخِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ
الرَّازِيَّ يَقُولُ:
«يَا ابْنَ
آدَمَ طَلَبْتَ الدُّنْيَا طَلَبَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَطَلَبْتَ
الْآخِرَةَ طَلَبَ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَيْهَا. وَالدُّنْيَا قَدْ كُفِيتَهَا
وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا. وَالْآخِرَةُ بِالطَّلَبِ مِنْكَ، تَنَالُهَا. فَاعْقِلْ
شَأْنَكَ»
وَقَالَ
يَحْيَى:
"ابْنُ
آدَمَ:
"حُفَّتِ
الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَأَنْتَ تَكْرَهُهَا. وَحُفَّتِ النَّارُ
بِالشَّهَوَاتِ، وَأَنْتَ تَطْلُبُهَا. فَمَا أَنْتَ، إِلَّا كَالْمَرِيضِ
الشَّدِيدِ الدَّاءِ، إِنْ صَبَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ عَلَى مَضَضِ الدَّوَاءِ،
اكْتَسَبْتَ بِالصَّبْرِ عَاقِبَةَ الشِّفَاءِ. وَإِنْ جَزِعَتْ نَفْسُكَ عَلَى
مَا تَلْقَى مِنْ أَلَمِ الدَّوَاءِ، طَالَتْ بِكَ عِلَّتُكَ." اهـ
وقال ابن
هبيرة الشيباني _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (7/ 245):
"والأغلبُ
في الْمُقَرِّبِ إلى الجنة أنه مكروه عند النفْسِ، وفيما يُقَرِّبُ إلى النار أنه
مُشْتَهًى." اهـ
وقال ابن
الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 309_310):
إِن التَّعَب
إِذا أعقب الرَّاحَة، هان. والراحة إِذا أثمرت النّصَبَ، فَلَيْسَتْ رَاحَة.
فالعاقل: مَنْ___نَظَرَ فِي الْمَآل، لَا فِي عَاجل الْحَال." اهـ
وقال ابن
الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 310):
"وَقد
قَالَت الْحُكَمَاء: لَا تنَال الرَّاحَة بالراحة، وَقل أَن يلمع برق لَذَّة
إِلَّا وَتَقَع صَاعِقَةَ نَدم." اهـ
وقال فيصل بن
عبد العزيز الحريملي في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 91): "في هذا
الحديث: أنَّ الجنة لا تُنال إلا بالصبر على المكاره، وأنَّ النَّار لا يُنْجَى
منها إلا بفطام النفس عن الشهوات المحرمة." اهـ
وفي
"شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" (ص: 225) لابن
القيم:
"قد
استقرت حكمتُه _سبحانه_: أن السعادة والنعيمَ والراحةَ لا يوصل إليها، إلا على جسر
المشقة والتعب، ولا يدخل إليها إلا من باب المكاره، والصبر، وتحمل المشاق."
اهـ
وقال محمود
الزيداني في "المفاتيح في شرح المصابيح" (5/ 275):
"حفَّت
النار وأُدير حولها الطيباتُ وما تشتهيه الأنفس، والجنة على عكس هذا. فمَن فعل ما
اشتهته نفسه، فقد سلك طريق النار. ومَن منع نفسه عما تشتهيه فقد سلك طريق
الجنة." اهـ
المفاتيح في
شرح المصابيح (6/ 43):
"الجنةُ
مُحدَقة بأنواع الشدائد والمشقات، وهي عبارة عن التكاليف الشرعية من الصوم والصلاة
والحج والزكاة، فإنها ثقيلةٌ على الأنفس، سيما الزكاةِ؛ فإنها ماليةٌ، فالثقلُ
فيها أشدُّ؛ لأن البخلَ مركوزٌ في الطبيعة.
فحينَئذٍ، مَن
امتثلَ أوامر الشرع، فقد قطعَ مفاوزَ المشقات العظيمة من التكاليف، فاقتضت الحكمة
الإلهية أن يحصلَ له الجنةُ الباقيةُ؛ جزاءً لذلك الاحتمال العظيم في التكاليف
رزقنا الله سبحانه إياها بفضله.
وكذا
النارُ مُحدَقة بالشهوات، وهي عبارة عن الدنيا ومستلذاتها
ومرادات النفس، كشرب الخمر والزنا وغير ذلك من المحرَّمات الشرعية،
فإن النفوسَ
مائلةٌ إليها طبعًا، والشيطانُ مساعدٌ لها طوعًا، أعاذنا الله تعالى منها برحمته."
اهـ
الآداب
الشرعية والمنح المرعية (2/ 192) لابن مفلح:
"وَاعْلَمْ
أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ،
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ احْتَمَلَ مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ
الْأَبَدِ." اهـ باختصار
وفي
"زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/ 179_180) لابن القيم:
"وَمِنْ
عِلَاجِهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا هِيَ بِعَيْنِهَا حَلَاوَةُ
الْآخِرَةِ، يَقْلِبُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ، وَحَلَاوَةَ الدُّنْيَا
بِعَيْنِهَا مَرَارَةُ الْآخِرَةِ، وَلَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَرَارَةٍ
مُنْقَطِعَةٍ إِلَى حَلَاوَةٍ دَائِمَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ، فَإِنْ
خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا، فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: (
«حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» ) .
وَفِي
هَذَا الْمَقَامِ تَفَاوَتَتْ عُقُولُ الْخَلَائِقِ، وَظَهَرَتْ حَقَائِقُ
الرِّجَالِ. فَأَكْثَرُهُمْ____آثَرَ الْحَلَاوَةَ الْمُنْقَطِعَةَ عَلَى
الْحَلَاوَةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ. وَلَمْ يَحْتَمِلْ مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ الْأَبَدِ، وَلَا ذُلَّ سَاعَةٍ لِعِزِّ الْأَبَدِ، وَلَا مِحْنَةَ سَاعَةٍ لِعَافِيَةِ الْأَبَدِ،
فَإِنَّ
الْحَاضِرَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالْمُنْتَظَرَ غَيْبٌ، وَالْإِيمَانَ ضَعِيفٌ،
وَسُلْطَانُ الشَّهْوَةِ حَاكِمٌ، فَتَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ إِيثَارُ الْعَاجِلَةِ،
وَرَفْضُ الْآخِرَةِ،
وَهَذَا
حَالُ النَّظَرِ الْوَاقِعِ عَلَى ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ، وَأَوَائِلِهَا
وَمَبَادِئِهَا، وَأَمَّا النَّظَرُ الثَّاقِبُ الَّذِي يَخْرِقُ حُجُبَ
الْعَاجِلَةِ، وَيُجَاوِزُهُ إِلَى الْعَوَاقِبِ وَالْغَايَاتِ، فَلَهُ شَأْنٌ
آخَرُ.
فَادْعُ
نَفْسَكَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَأَهْلِ طَاعَتِهِ مِنَ
النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَالْفَوْزِ الْأَكْبَرِ،
وَمَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْبِطَالَةِ، وَالْإِضَاعَةِ مِنَ الْخِزْيِ وَالْعِقَابِ
وَالْحَسَرَاتِ الدَّائِمَةِ، ثُمَّ اخْتَرْ؛ أَيُّ الْقِسْمَيْنِ أَلْيَقُ بِكَ،
وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَصْبُو إِلَى مَا
يُنَاسِبُهُ، وَمَا هُوَ الْأَوْلَى بِهِ، وَلَا تَسْتَطِلْ هَذَا الْعِلَاجَ،
فَشِدَّةُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مِنَ الطَّبِيبِ وَالْعَلِيلِ دَعَتْ إِلَى
بَسْطِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ." اهـ
فيض القدير
(3/ 389) :
"قال
الغزالي : بين بهذا الحديث أن طريق الجنة وعر وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقات
بعيد المسافات عظيم الافات كثير العوائق والموانع خفي المهالك والقواطع غزير
الأعداء والقطاع عزيز الاتباع والأشياع وهكذا يجب أن يكون."
غذاء الألباب
في شرح منظومة الآداب (2/ 457_458) للسفاريني :
"قَالَ
الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ :
"مُخَالَفَةُ
الْهَوَى تُورِثُ الْعَبْدَ قُوَّةً فِي بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ. وَقَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ: الْغَالِبُ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي يَفْتَحُ
الْمَدِينَةَ وَحْدَهُ.
وَفِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ
الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَكُلَّمَا تَمَرَّنَ
عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ اكْتَسَبَ قُوَّةً عَلَى قُوَّتِهِ، وَبِمُخَالَفَتِهِ
لِهَوَاهُ تَعْظُمُ حُرْمَتُهُ وَتَغْزُرُ مُرُوءَتُهُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ خَالُ
الْمُؤْمِنِينَ: الْمُرُوءَةُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانُ الْهَوَى.
وَقَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ: إذَا أَشْكَلَ عَلَيْك أَمْرٌ أَنْ لَا تَدْرِيَ أَيَّهمَا
أَرْشَدُ___فَخَالِفْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاك، فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ
الْخَطَأُ فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وَرَضِيَ عَنْهُ: الْبَلَاءُ كُلُّهُ فِي هَوَاك. وَالشِّفَاءُ كُلُّهُ فِي
مُخَالَفَتِك إيَّاهُ. .
وَقَدْ قِيلَ
لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَيُّ
الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جِهَادُك هَوَاك.
قَالَ
الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي شَيْخَ
الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: جِهَادُ
النَّفْسِ وَالْهَوَى أَصْلُ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ
لَا يَقْدِرُ عَلَى جِهَادِهِمْ حَتَّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ أَوَّلًا
حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْهِمْ، فَمَنْ قَهَرَ هَوَاهُ عَزَّ وَسَادَ، وَمَنْ قَهَرَهُ
هَوَاهُ ذَلَّ وَهَانَ وَهَلَكَ وَبَادَ." اهـ
التنوير شرح
الجامع الصغير (5/ 327) للأمير الصنعاني :
"جعلت
الشهوات سببًا للنار فهي كالسور لها فمن خرقه وولج منه دخلها ومن تجنبه بعد
عنها." اهـ[3]
فيض الباري
على صحيح البخاري (6/ 265) للكشميري :
"أنَّ اللهَ
جعل حِجَابُ النار هي الشهواتُ، فهي محجوبةٌ عن أعين النَّاسِ، فلا يَرَوْنَ إلَّا
حِجَابَها، وهي الشهواتُ، فيقتحمونها، فإذا اقتحموها يدخلون النَّارَ. على عكس حال
الجنة، فإنَّ المرئي منها المكارهُ، فلا يَقْرَبُونَها، مخافةً لها، فَيُحْرَمُون
عمَّا كان محجوبًا دونها، وهي الجنةُ. هذا شرحُ الجمهور." اهـ
عظات وعبر من
أحاديث سيد البشر صلى الله عليه وسلم (ص: 24_26) لجابر الجزائري :
إن في هذا
الحديث الصحيح عظة من اكبر العظات وأحسنها وهذا وجه ذلك وبيانه:
1- أن النار
وهي عالم الشقاء والعذاب بشتى أنواعه، هذه النار غطيت بالشهوات التي هي معاصي الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم فعابد___الشهوات لا يرى النار أبداً حتى لا يخافها
فيترك معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل يواصل طلبه للشهوات وهي سائر
المحرمات فلا يترك محرما، ولا ينهض بفعل واجب، وسبب ذلك هو حجب النار بالشهوات،
كما هي سنة الله تعالى في الخلق.
2- إن الجنة
وهي عالم السعادة الأبدية والنعيم المقيم محجوب بالمكاره أي مغطاة بالمكاره وهي ما
تكرهه النفوس البشرية قبل أن تزكى وتطهر وتطيب، وهو سائر عبادات الله تعالى من
صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد ورباط، وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وبالجملة فكل ما شرعه الله تعالى لعباده من أنواع العبادات
ليعلموه فتزكوا نفوسهم وتطيب وتطهر فيرضى عنهم وينزلهم بجواره في الجنة دار
السلام، هو مكروه للنفوس البشرية لا تقبل عليه ولا تأتيه إلا إذا انكشف لها ما حجب
به وهو الجنة.
3- إن كشف كل
من الحاجبين لتظهر النار وعذابها وتظهر الجنة ونعيمها هو متوقف أولا على هداية
الله تعالى وما قدره لعبده، وثانياً على العلم بالله تعالى وبمحابه ومكارهه وما
عنده لصالحي___عباده من النعيم المقيم بالجنة دار السلام، وما لديه من الجحيم
والعذاب الأليم لفاسدي عباده وهم أهل الشرك والكفر والذنوب والآثام.
ألا فالنذكر
هذا ولا ننساه ونبيه لعباده الله، إذ هو طريق النجاة حيث لا تحجب عن قلوبنا النار،
ولا الجنة دار الأبرار وبذلك يقوى إيماننا وتكثر لربنا تعالى طاعتنا." اهـ
شرح سنن أبي
داود للعباد (313/ 10، بترقيم الشاملة آليا) :
"فالطريق
الموصل إلى الجنة فيه تعب ونصب، ويحتاج الإنسان فيه إلى صبر، ولا بد من الصبر على
طاعة الله، ولا بد من الصبر عن معاصي الله، ولا بد من الصبر على أقدار الله؛ لأن
الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله
وسلامه وبركاته عليه." اهـ
وفي
"شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" (ص: 34) لابن القيم:
"فكان
ظاهرُ ما امْتُحِنَ بِهِ يوسُفُ من مفارقة أبيه وإلقائه في السجن وبيعه رقيقا ثم
مراودة التي هو في بيتها عن نفسه وكذبها عليه وسجنِه مِحَنًا ومصائبَ، وباطنَها نِعَمًا
وفَتْحًا جعلها الله سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة،
ومن هذا الباب،
ما يبتلي به عبادَه من المصائب ويأمرهم به من المكاره وينهاهم عنه من الشهوات هي
طرق يوصلهم بها إلى سعادتهم في العاجل والآجل." اهـ
مجموع الفتاوى
(24/ 279):
"أَمَرَ
بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ
رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ
يَشْرَبُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِتَحْصُلَ لَهُ الْعَافِيَةُ. فَإِنَّ مَصْلَحَةَ
حُصُولِ الْعَافِيَةِ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى أَلَمِ شُرْبِ الدَّوَاءِ.
وَكَذَلِكَ
التَّاجِرُ الَّذِي يَتَغَرَّبُ عَنْ وَطَنِهِ وَيَسْهَرُ وَيَخَافُ وَيَتَحَمَّلُ
هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ مَصْلَحَةُ الرِّبْحِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ رَاجِحَةٌ
عَلَى هَذِهِ الْمَكَارِهِ." اهـ
وقال الماوردي
في "أدب الدنيا والدين" (ص: 31):
"أَخْبَرَ
أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى الْجَنَّةِ احْتِمَالُ
الْمَكَارِهِ، وَالطَّرِيقَ إلَى النَّارِ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ.
قَالَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_:
"إيَّاكُمْ
وَتَحْكِيمَ الشَّهَوَاتِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّ عَاجِلَهَا ذَمِيمٌ،
وَآجِلَهَا وَخِيمٌ، فَإِنْ لَمْ تَرَهَا تَنْقَادُ بِالتَّحْذِيرِ
وَالْإِرْهَابِ، فَسَوِّفْهَا بِالتَّأْمِيلِ وَالْإِرْغَابِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ
وَالرَّهْبَةَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى النَّفْسِ ذَلَّتْ لَهُمَا وَانْقَادَتْ.
وَقَدْ قَالَ
ابْنُ السَّمَّاكِ: "كُنْ لِهَوَاك مُسَوِّفًا، وَلِعَقْلِك مُسْعِفًا،
وَانْظُرْ إلَى مَا تَسُوءُ عَاقِبَتُهُ فَوَطِّنْ نَفْسَك عَلَى مُجَانَبَتِهِ
فَإِنَّ تَرْكَ النَّفْسِ وَمَا تَهْوَى دَاؤُهَا، وَتَرْكَ مَا تَهْوَى
دَوَاؤُهَا، فَاصْبِرْ عَلَى الدَّوَاءِ، كَمَا تَخَافُ مِنْ الدَّاءِ." اهـ
وفي
"مجموع فتاوى ابن باز" (14/ 25_26):
"فطريق
الجنة فيه عقبات لا بد من تجاوزها بالصبر، وأعظمها هوى نفسك وشيطانك، ودعاة السوء
هم أعظم العقبات، شيطان مزين ونفس أمارة بالسوء وأعوان مفسدون وأصحاب____مفسدون
وأخدان ضالون، يضرونك ويضلونك، فلا بد من صبر على مخالفتهم، ولا بد من صبر على
طاعة الرحمن وعلى عصيان الشيطان، ولا بد من صبر في مخالفة الهوى، فالهوى يردي
ويهوي بصاحبه إلى النار، فلا يتم لك أمر السعادة إلا بالله ثم بالحذر من الهوى
والاستقامة على طريق الهدى والصبر على ذلك." اهـ
وقال الْمُعَلِّمِيُّ
_رحمه الله_ في "القائد إلى تصحيح العقائد" (ص: 9):
"مدار
كمال المخلوق على حب الحق وكراهية الباطل، فخلَق اللهُ _تعالى_ الناسَ مفطورين على
ذلك،
وقدَّر لهم ما
يؤكد تلك الفطرة، وما يدعوهم إلى خلافها، ليكون عليهم في اختيار، وهو مقتضى الفطرة
ومشقة وتعب وعناء، ولهم في خلاف ذلك شهوة وهوى،
فمن اختار
منهم مقتضى الفطرة وصبر على ما فيه من المشقة والعناء، وعما في خلافه من الراحة
العاجلة واللذة، استحق أن يحمد، فاستحق الكمال فناله، ومن آثر الشهوة، واتبع الهوى،
استحق الذم، فسقط." اهـ
وقال الشيخ
الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج" (43/ 553):
"في فوائده:
1 - (منها):
أن هذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-، وبديع بلاغته في ذمّ الشهوات،
وإن مالت إليها النفوس، والحضّ على الطاعات، وإن كرهتها النفوس، وشقّ عليها،
فينبغي للعبد مجاهدة نفسه، والمبادرة إلى طاعة ربّه، حتى يصل إلى الجنّة.
2 - (ومنها): بيان
أن الجنّة والنار مخلوقتان اليوم، وقد دلّت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على ذلك،
وزعمت المعتزلة أنهما يُخلَقان يوم الجزاء، وهو مذهب باطلٌ، منابذ للنصوص الصحيحة
الصريحة.
3 - (ومنها):
بيان صعوبة الوصول إلى الجنّة، حيث إنها محفوفة بالمكاره، فلا يصل إليها إلا من
أزال تلك الحجب، ولن يكون ذلك إلا ممن وفّقه الله تعالى للطاعات، وجنّبه المعاصي
والزّلات، فالسعيد هو الموفّق، وفّقنا الله تعالى لكلّ خير، وجنّبنا كلّ ضير.
4 - (ومنها):
بيان قرب النار، وأن الوصول إليها أمر لا عُسر فيه، حيث إنها محفوفةٌ بشهوات
النفس، قال الله عز وجل: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ
رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53]،
اللَّهمَّ
أجِرْنا من النار، اللَّهُمَّ إنا نسألك الجنّة، وما قرّب إليها من قول وعمل،
ونعوذ بك من النار، وما قرّب إليها، من قول وعمل، برحمتك يا أرحم الراحمين آمين."
اهـ
[1] وفي التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 533) لابن الملقن :
"وهذا
من جوامع الكلم وبديع البلاغة في ذم الشهوات والنهي عنها والحض على طاعة الله وإن
كرهتها النفوس وشق عليها؛ لأنه إذا لم يكن يوم القيامة غير الجنة والنار ولم يكن
بد من المصير إلى إحداهما فوجب على المؤمنين السعي فيما يدخل الجنة ويبعد من النار
وإن شق ذلك عليهم؛ لأن الصبر على النار أشق، فخرج هذا الخطاب منه بلفظ الخبر، وهو
من باب النهي والأمر." اهـ
[2] وفي إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 357) للقاضي عياض :
"وقوله
: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) من بديع الكلام وجوامعه الذى أوتيه
_عليه السلام_ من التمثيل الحسن، فإن حفاف الشىء جوانبه، فكأنه أخبر - عليه السلام
- أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بتخطى المكاره وكذلك الشهوات، وما تميل إليه النفوس،
وأنّ اتباع الشهوات يلقى فى النار ويدخلها وأنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات.
فيه تنبيه على اجتنابها." اهـ
[3] روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: 476) لابن القيم : "الهوى
هو حظار جهنم المحيط بها حولها فمن وقع فيه وقع فيها." اهـ
Komentar
Posting Komentar