شرح الحديث 99 - باب المجاهدة - رياض الصالحين
[99] الخامس: عن عائشة _رضي الله عنها_
أنَّها قَالَتْ: "كَانَ
رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيلَ،
وَأيْقَظَ أهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر".
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. والمراد:
العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان. و«المِئْزَرُ»: الإزار،
وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ. وقيلَ:
المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ، يُقالُ: شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ
مِئْزَري: أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ. |
ترجمة
عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-
( خ م د ت س ق
) : عائشة بنت أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان
أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة القرشية التيمية، أم المؤمنين ، تكنى: أم
عبد الله ،
و
أمها:
أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة ابن سبيع بن دهمان بن
الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة ،
و قيل غير ذلك
فى نسبها ، و أجمعوا أنها من بنى غنم بن مالك بن كنانة .
تزوجها
رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بمكة قبل الهجرة بسنتين فى قول
أبى عبيدة ، و
هى بنت ست سنين،
و بنى بها بالمدينة، بعد منصرفه من وقعة بدر فى شوال سنة اثنتين (2 هـ) من الهجرة، و هى بنت تسع
سنين (9).
ثناء
على عائشة
عن أبى موسى
الأشعري:
"ما أشكل
علينا أصحاب محمد _صلى الله عليه وسلم_ حديث قط فسألنا عائشة عنه، إلا وجدنا عندها
منه علما .
عن قبيصة بن ذؤيب قال :
"فكنت
أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة، وكان عروة بن الزبير يغلبنا بدخوله
على عائشة،
وكانت
عائشة أعْلَمَ الناسِ، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_."
عن مسروق: "رأيت
مشيخة أصحابِ محمدٍ الأكابرَ يسألونها عن الفرائض."
و قال الشعبى:
"كان
مسروق إذا حدث عن عائشة، قال: حدثتنى الصادقة بنت الصديق، حبيبةُ حبيبِ اللهِ، الْمُبَرَّأَةُ
مِنْ فَوْقِ سَبْع سَمَاوَاتٍ.
وقال هشام بن
عروة، عن أبيه:
"ما رأيت
أحدا أعلم بفقه و لا بطلب و لا بشعر من عائشة." اهـ
وقال عطاء بن
أبى رباح:
"كانت
عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، و أحسن الناس رأيا فى العامة." اهـ
و قال الزهرى:
"لو
جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبى _صلى الله عليه وسلم_،
وعِلْمِ جميْعِ النساءِ، لكان علم عائشة أفضل."
و قال أبو
عثمان النهدى، عن عمرو بن العاص: قلتُ لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: "أى الناس أحب إليك؟" قال: "عائشة." قلت:
"فمن الرجال؟" قال: "أبوها."
وفى الصحيح عن
أبى موسى الأشعرى، عن النبى _صلى الله عليه وسلم_ قال:
"فضل
عائشة على النساءِ، كفضل الثريد على سائر الطعام."
و مناقبها و
فضائلها كثيرة جدا رضى الله عنها و أرضاها .
العدة في شرح
العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 102_103)
واختصَّت
عائشةُ بفضائل لم يشركْها أحدٌ من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها:
الأولى: أنه -
صلى الله عليه وسلم - تزوجها بِكْرًا دون غيرها.
الثانية: أنها
خُيِّرَتْ فاختارتِ اللهَ ورسولَه على الفور، وكُنَّ تبعًا لها في ذلك.
الثالثةُ:
نزول آية التَّيَمُّم بسبب عِقْدِها حين حبسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
النَّاس، وقال أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرِ: ما هيَ بأولِ بركتِكم يا آلَ أبي بكر.
الرَّابعةُ:
نزولُ براءتها من السَّماء.
الخامسة:
جَعْلُها قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.
السادسةُ:
تَتَبُّعُ الناس بهداياهم يومَها؛ لما علموا من حبِّه - صلى الله عليه وسلم - لها.
السابعة:
اختيارُه - صلى الله عليه وسلم - أن يُمَرَّضَ في بيتها.
الثامنةُ:
وفاته - صلى الله عليه وسلم - بين سَحْرِها ونحرِها.
التاسعة:
وفاته في يومها.
العاشرةُ:
وفاته - صلى الله عليه وسلم - في بيتها.
الحاديةَ
عشرةَ: دفنُه - صلى الله عليه وسلم - في بيتِها.
الثانية عشرة:
[بيتها] بقعة هي أفضلُ بقاع الأرض مطلقًا، وهي مدفنه - صلى الله عليه وسلم -،
وادعى القاضي عياض الإجماع عليه.
الثالثةَ
عشرةَ: أنها رأتْ جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحيةَ الكلبيِّ، وسلَّم
عليها.
الرَّابعةَ
عشرةَ: كانت أحبَّ نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه.
الخامسةَ عشر:
اجتماعُ ريقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريقِها في آخر أنفاسه.
السَّادسةَ
عشرةَ: كانت أكثرَهن علمًا.
السَّابعةَ
عشرةَ: كانت أفصحَهن لسانًا.____
الثامنةَ
عشرةَ: لم ينزلِ الوحيُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لِحاف امرأةِ
غيرها.
التَّاسعةَ
عشرةَ: أن جبريلَ جاء إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها قبل أن
يتزوَّجها.
العشرون: لم
ينكح النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبواها مُهاجران بلا خلاف سواها.
الحاديةُ
والعشرون: كان أبوها أحبَّ الرجال إليه، وأعزهم عليه - صلى الله عليه وسلم -.
الثَّانيةُ
والعشرونَ: كان لها يومان وليلتان في القَسْم دونهن لمَّا وهبتْها سَوْدَةُ بنتُ
زمعةَ يومَها وليلتَها.
الثالثةُ
والعشرون: أنَّها كانت تغضب، فيترضَّاها - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت ذلك
لغيرها.
الرَّابعةُ
والعشرون: لم ينزلْ بها أمر إلا جعل الله لها منه مخرجا، وللمسلمين بركة.
الخامسةُ
والعشرون: لم يَرْوِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ حديثًا أكثرَ منها.
السَّادسةُ
والعشرون: أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يتتبع رضاها في المباحات؛ كضرب الجواري
إليها، وجعل ذقنها على عاتقه، ووقوفه لتنظر إلى الحَبَشَةِ يلعبون." اهـ
وفاة
عائشة :
قال سفيان بن
عيينة ، عن هشام بن عروة : توفيت عائشة سنة سبع و خمسين .
وصلى
عليها أبو هريرة .
و أَمَرَتْ أن
تدفن ليلا ، فدفنت بعد الوتر بالبقيع ، و صلى عليها أبو هريرة و نزل فى قبرها خمسة : عبد الله بن الزبير ، و عروة بن
الزبير ، و القاسم بن محمد بن أبى بكر ، و أخوه عبد الله بن محمد بن أبى بكر ، و
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر .
و توفى النبى
صلى الله عليه وسلم و هى بنت ثمانى عشرة سنة (18) . وعمرها 64 سنة.
روى لها
الجماعة . اهـ .
نص الحديث
وشرحه:
عن عائشة _رضي
الله عنها_ أنَّها قَالَتْ:
كَانَ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا
اللَّيلَ،
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (4/ 269):
"قَوْله (وأحيى ليله) أَي : سهره فأحياه
بِالطَّاعَةِ، وأحيى نَفْسَهُ بِسَهَرِهِ فِيهِ، لِأَنَّ النَّوْمَ أَخُو
الْمَوْتِ،
وَأَضَافَهُ
إِلَى اللَّيْلِ اتِّسَاعًا، لِأَنَّ الْقَائِمَ إِذَا حييّ باليقظة احيى لَيْلَهُ
بِحَيَاتِهِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا)، أَيْ
: لَا تَنَامُوا، فَتَكُونُوا كَالْأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ بُيُوتُكُمْ
كَالْقُبُورِ." اهـ
وفي
"شرح المشكاة" للطيبي = "الكاشف عن حقائق السنن" (5/
1624_1625):
"وفي إحياء الليل وجهان:
أحدهما: راجع إلي نفس العابد، فإن العابد إذا
اشتغل بالعبادة عن النوم الذي هو بمنزلة الموت، فكأنما أحى نفسه، كما قال الله
تعالي: {اللَّهُ يَتَوَفَّى___الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ
فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ،
وثإنيهما: أنه راجع إلي نفس الليل، فإن ليلة لما
صار بمنزلة نهاره في القيام فيه، كأنه أحياه، وزينه بالطاعة والعبادة،
ومنه:
قوله _تعالى_: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50]
فمن اجتهد
فيه، وأحياه كله، وفر نصيبه منها. ومن قام في بعضه، أخذ نصيبه بقدر ما قام فيها،
وإليه لمح سعيد بن المسيب بقوله: (من شهد العشاء ليلة القدر، فقد أخذ بحظه
منها)." اهـ
وَأيْقَظَ
أهْلَهُ،
وفي "عون
المعبود" (4/ 176) لشرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي (المتوفى: 1329 هـ):
"(وَأَيْقَظَ
أهله)، أيْ: أمر بإيقاظِهم للعبادة، وطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، لِقَوْلِهِ _تَعَالَى_:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132].
وَإِنَّمَا
لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا." اهـ
وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر".
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
والمراد:
العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان. و«المِئْزَرُ»: الإزار،
وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ. وقيلَ:
المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ، يُقالُ: شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ
مِئْزَري: أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ.
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (4/ 269):
"قَوْله (شدّ
مِئْزَره)، أَي: اعتزال النِّسَاءَ،
*
وَبِذَلِكَ جَزَمَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ
الشَّاعِرِ: (قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا، شَدُّوا مَآزِرَهُمْ عَنِ النِّسَاءِ،
وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ). وَذَكَرَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ
بْنِ عَيَّاشٍ نَحْوَهُ
*
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: (يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِدَّ فِي الْعِبَادَةِ،
كَمَا يُقَالُ: "شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي" أَيْ:
تَشَمَّرْتُ لَهُ).
*
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّشْمِيرُ وَالِاعْتِزَالُ مَعًا
*
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْحَقِيقَة وَالْمجَاز كمن يَقُولُ طَوِيلُ النِّجَادِ
لِطَوِيلِ الْقَامَةِ وَهُوَ طَوِيلُ النِّجَادِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ
شَدَّ مِئْزَرَهُ حَقِيقَةً فَلَمْ يَحُلَّهُ وَاعْتَزَلَ النِّسَاءَ وَشَمَّرَ
لِلْعِبَادَةِ
*
قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ الْمَذْكُورَةِ شَدَّ
مِئْزَرَهُ وَاعْتَزَلَ النِّسَاءَ فَعَطَفَهُ بِالْوَاوِ فيتقوى الِاحْتِمَال
الأول." اهـ
وفي
"شرح المشكاة" = "الكاشف عن حقائق السنن" (5/ 1624):
"أقولُ: قد تقرر عند علماء البيان أن
الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة، كما إذا قلتَ: (فلان طويل النجاد)، وأردت طول
نجاده مع طول قامته، لذلك _صلى الله عليه وسلم_ لا يستبعد أن يكون قد شد مئزره
ظاهرًا، وتفرغ للعبادة، واشتغل بها عن غيرها." اهـ
أولى
الأقوال: قول أبي بكر _رضي الله عنه_، أخرجه أحمد في مسنده
(2/ 337) (رقم : 1103) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَرَفَعَ
الْمِئْزَرَ» قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَا رَفَعَ الْمِئْزَرَ؟ قَالَ: اعْتَزَلَ
النِّسَاءَ." وحسنه الأرنؤوط
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (3/ 47) (رقم : 2024)، ومسلم في "صحيحه" (2/ 832) (رقم
: 1174)، وأبو داود في "سننه" (2/ 50) (رقم : 1376)، والنسائي في "سننه"
(3/ 217) (رقم : 1639)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 562) (رقم : 1768).
والحديث
صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 645) (رقم: 2090)، و"صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (2/ 860) (رقم: 4713)
من
فوائد الحديث:
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 90):
"في هذا الحديث: الجِدُّ والاجتهاد في
العبادة، خصوصًا في الأوقات الفاضلة، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من
رمضان؛ لأنَّ فيها ليلة خير من ألف شهر." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 672):
"في هذا الحديث: استحباب إحياء ليالي
العشر بالصلاة والذكر والفكر وأنواع العابدات.
وفيه: استحباب
إيقاظ الأهل، وبذل الجهد في الطاعة، واعتزال النساء في ليالي العشر ليتقوَّى على
العبادة." اهـ
وفي
"موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 424) لعبد العزيز بن محمد السلمان
_رحمه الله_:
"يُسْتَحَبُّ الاجْتِهَادُ
وَالحِرْصُ عَلَى مُدَاوَمَةِ القَيَامِ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ
رَمَضَان، وَإِحْيَاؤُهَا بِالعِبَادِةِ،
وَاعْتِزَالُ النِّسَاء،ِ وَأَمْرُ الأَهْلِ بِالاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَةِ
فِيهَا." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 690)
"في هذا الحديث: دليل على استحباب
الزيادة من العمل في العشر الأواخر من رمضان." اهـ
فتح الباري
لابن حجر (4/ 270)
وَفِي الْحَدِيثِ
الْحِرْصُ عَلَى مُدَاوَمَةِ الْقِيَامِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ إِشَارَةً إِلَى
الْحَثِّ عَلَى تَجْوِيدِ الْخَاتِمَةِ خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِخَيْرٍ آمِينَ."
اهـ
وفي "نيل
الأوطار" (4/ 319_320) للشوكاني:
"فِيهِ:
دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحِرْصِ عَلَى___مُدَاوَمَةِ الْقِيَامِ فِي
الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَإِحْيَائِهَا بِالْعِبَادَةِ
وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ، وَأَمْرِ الْأَهْلِ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ الطَّاعَةِ
فِيهَا." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (8/ 71):
"فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ
رَمَضَانَ وَاسْتِحْبَابُ إِحْيَاءِ لَيَالِيهِ بِالْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا
قَوْلُ أَصْحَابِنَا: (يُكْرَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ)، فَمَعْنَاهُ:
الدَّوَامُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِكَرَاهَةِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَتَيْنِ
وَالْعَشْرِ.
وَلِهَذَا
اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إِحْيَاءِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمِئْزَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْإِزَارُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
وفي
زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 228) :
"ثُمَّ
نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَمْ يُحْيِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَا صَحَّ عَنْهُ فِي
إِحْيَاءِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ شَيْءٌ."
وفي
"مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (16/ 209):
"لا أعلم سنة معينة في ليلة العيد سوى
ما هو معروف، من الذكر، والتكبير الثابت بقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . وقد ورد
حديث في فضل إحياء ليلتي العيد،___ لكنه حديث تكلم فيه العلماء، ولا أجسر على أن
تثبت هذه السنة بمثل هذا الحديث." اهـ
هناك عدة
أحاديث في إحياء ليلتي العيد، وكلها ضعيفة. انظر بيانَ ضعْفِهَا في "ضعيف
الترغيب والترهيب" (1/ 334) (رقم : 666_668) للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين
الألباني _رحمه الله_.
وقال عياض بن
موسى السبتي، المعروف بـ"القاضي عياض" اليحصبي
(المتوفى: 544 هـ) _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 159):
"وقوله: (وأيقظ أهله): فيه حثُّ الرجل
أهلَهُ على فعل الخير ونوافل البر." اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (10/ 24):
"وفيه: حث الأهل على القيام للنوافل،
وحملهم على تحصيل الخير والثواب . ويفهم منه تأكيد القيام في هذا العشر على غيره ."
اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن خلف البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال
القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري"
(4/ 159):
"إنما فعل ذلك عليه السلام؛ لأنه أخبر
أن ليلة القدر فى العشر الأواخر، فَسَنَّ لأمته الأخذ بالأحوط فى طلبها فى العشر
كله، لئلا تفوت،
إذ يمكن أن
يكون الشهر ناقصًا وأن يكون كاملا، فمن أحيا ليال العشر كلها لم يفته منها شفع ولا
وتر،
ولو أعلم الله
عباده أن فى ليالى السنة كلها مثل هذه الليلة لوجب عليهم أن يحيوا الليالى كلها فى
طلبها،
فذلك يسير فى
جنب طلب غفرانه، والنجاة من عذابه، فرفق تعالى بعباده وجعل هذه الليلة الشريفة
موجودة فى عشر ليال؛ ليدركها أهل الضعف وأهل الفتور فى العمل مَنا من الله ورحمة."
اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن خلف البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال
القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري"
(4/ 159):
"وفى قوله: (أيقظ أهله) من الفقه: أن
للرجل أن يحض أهله على عمل النوافل، ويأمرهم بغير الفرائض من أعمال البر، ويحملهم
عليها." اهـ
المدخل لابن
الحاج الفاسي المالكي (2/ 294):
"وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ
يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ فِي قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ،
إذْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ
الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ طَوَى فِرَاشَهُ، وَشَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ
وَأَحْيَا اللَّيْلَ كُلَّهُ».
وَهَذِهِ
سُنَّةٌ قَدْ تُرِكَتْ فِي الْغَالِبِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ
يَقُومُونَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ. فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ،
تَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتِمُونَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ لَا
يَعُودُونَ لِلْقِيَامِ بَعْدَ خَتْمِهِمْ.
وَهَذِهِ
بِدْعَةٌ مِمَّنْ فَعَلَهَا وَهِيَ مُصَادِمَةٌ لِفِعْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ قَامَ بَعْضُهُمْ، فَبِالشَّيْءِ
الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَحْيَا بَعْضُهُمْ هَذَا الْعَشْرَ فِي الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ." اهـ
شرح أبي داود
للعيني (5/ 280):
"وفيه من الاستحباب: إحياء العشر الأخير
من رمضان، ولا سيما ليلة السابع والعشرين، فيحيها بأهله، وعياله، إلى وقت السحور،
كما مر في الحديث السالف." اهـ
وقال محمد علي
بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى: 1057هـ) _رحمه الله_ في
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (7/ 35):
"(وأيقظ
أهله) دلالة لهم على محل الخير، وإعانة لهم على تحصيله." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني"
(المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "سبل السلام" (1/ 593):
"وَإِنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ رَمَضَانَ لِقُرْبِ خُرُوجِ وَقْتِ
الْعِبَادَةِ فَيَجْتَهِدُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ الْعَمَلِ. وَالْأَعْمَالُ
بِخَوَاتِيمِهَا." اهـ
وقال أبو عبد
الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ)._رحمه الله_ توضيح
الأحكام من بلوغ المرام (3/ 569_570):
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان هي
أفضل ليالي العام كله، لما خصت به من المزايا العظيمة، والفضائل الجسيمة، التي
أهمها ليلة القدر.
قال شيخ
الإسلام: الليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي ذي___الحجة، فهي الليالي
التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحييها كلها، وفيها ليلة القدر خير من
ألف شهر.
2 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من شدة
اهتمامه بهذه الليالي المباركة، يعتكف في المسجد، ويعتزل الناس، ويعتزل نساءه،
تفرغًا للعبادة، وإقبالًا على الله.
3 - الحديث دليل على شدة الإقبال على الطاعة
في تلك العشر، والانصراف عن كل ما يقطع العلاقة بالله تعالى.
4 - قوله: "إذا دخل العشر، شدَّ
مئزره" دليل على الاهتمام، والإقبال على العبادة.
واختلف
العلماء في تفسير "شدَّ المئزر" على قولين:
أحدهما: أنَّ
هذا كناية عن التشمير للعبادة، والإقبال عليها، والجد فيها.
الثاني: أنَّ
هذا كناية عن اعتزال النساء في هذه العشر، ويبعد المعنى الأخير: ما روي عن علي
-رضي الله عنه- بلفظ؛ "فشدَّ مئزرك، واعتزِل النِّساء"، فإنَّ العطف
يقتضي المغايرة، فهذا غير هذا.
5 - قوله: "وأيقظَ أهله" أي:
للصلاة والعبادة؛ لئلا تفوتهم فضيلة هذه المواسم المباركات، وهذا من كمال نصحه
لهم، فينبغي لقَيِّم البيت أن ينشط أهله، ويرغبهم في العبادة، لاسيَّما في المواسم
الفاضلة.
6 - العشر الأخير: هي خاتمة الشهر، والأعمال
إنما تكون بالخواتيم، ولعلَّ هذا من أسرار الجِد والاجتهاد فيها." اهـ
وفي
"توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (3/ 571) :
"فائدة : نلخص خصائص هذه العشرة
المباركات بهذه الفقرات بدون أدلتها، فهي معروفة وقريبة، ولله الحمد.
أولًا: كان -صلى الله عليه وسلم- يجتهد فيها
بالعمل أكثر من غيرها، والاجتهاد فيها لا يختص بعبادة خاصة، بل يشمل الاجتهاد في
جميع أنواع العبادة، من صلاة، وتلاوةٍ، وذكرٍ، وصدقةٍ، وغيرها.
ثانيًا: كان -صلى الله عليه وسلم- يوقظ فيها
أهله للصلاة والذكرة حرصًا على اغتنام هذه المواسم الطيبات، فإنَّها غنيمة، لا
ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوتها ويهملها، فتذهب عليه سدًى.
ثالثًا: كان يعتكف في هذه العشرة ليتمتع بهذه
الخلوة بالله تعالى، ويسعد بلذيذ مناجاته، ويبتعد عن كل ما يشغله، ويقطعه عن هذه
الخلوة بربه تعالى.
رابعًا: أرجى ما تكون ليلة القدر في هذه العشرة
المباركات، لذا كان ليلها أفضل ليالي العام، فينبغي تلمسها في هذه الليالي، عسى أن
يوفق لها المؤمن، فيحصل له الخير الوفير، فهي "ليلة مباركة"، وهي
"خير من ألف شهر".
والقصد أنَّ
هذه الليالي المباركات التي هي الختام المسك لصوم الشهر، ليالٍ عظيمةٍ، وفوائدها
وعوائدها جسيمة، ولا يفرط فيها إلاَّ المحروم من الخير، ممن سفه نفسه، وأكبر من
ذلك أن يقضيها بالمجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة، نسأل الله تعالى
السلامة." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 75):
"وفي هذا: دليل على أن الرسول صلى الله
عليه وسلم كان يحيي العشر الأواخر من رمضان كلها، ولكنه لا يحيي ليلة سواها؛ أي
أنه لم يقم ليلة حتى الصباح إلا في العشر الأواخر من رمضان،
وذلك تحرياً
لليلة القدر، وهي ليلة تكون في العشر الأواخر من رمضان، ولا سيما في السبع الأواخر
منه،
فهذه الليلة
يقدر الله ـ سبحانه وتعالى ـ فيها ما يكون في تلك السنة، وهي كما قال الله تعالى:
(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: 3) ، فكان يحييها، (ومن قام ليلة القدر
إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 76):
"إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان
لا يأتي أهله في العشر الأواخر من رمضان لأنه معتكف، وكان أيضاً يشد المئزر،
ويجتهد، ويشمر ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهذا من أنواع
المجاهدة. فالإنسان يجب أن يجاهد نفسه في الأوقات الفاضلة حتى يستوعبها في
طاعة الله." اهـ
وقال حمزة بن محمد
بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح
مختصر صحيح البخاري" (3/ 247):
"فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما
يأتي:
أولاً:
أنه
- صلى الله عليه وسلم - كان يخصُّ العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في
غيرها، منها إحياء الليل وإيقاظ الأهل واعتزال النساء.
ثانياً:
استحباب
الاجتهاد في العبادة وإحياء الليل وايقاظ الأهل في هذه العشر اقتداءً به - صلى
الله عليه وسلم -." اهـ
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (17/ 365_366) للشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي:
"في فوائده:
"منها: ما
كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من الاجتهاد في العبادة، مع أن اللَّه
غَفَرَ له ما تقدم من ذنبه، وما تأخّر.
ومنها:
فضل ليالي العشر الأواخر من رمضان على غيرها من الليالي.
ومنها:
استحباب الاجتهاد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها، فقد أخرج مسلم، وغيره عن
عائشة - رضي اللَّه عنها -، قالت: "كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم
-، يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
ومنها:
استحباب
إيقاظ الأهل فيها لِيُحيُوها بالعبادة. واللَّه تعالى أعلم___بالصواب، وإليه
المرجع والمآب، وهو حسبنا , ونعم الوكيل." اهـ
وقال محمود
محمد خطاب السبكي _رحمه الله_ (المتوفى : سنة 1352 هـ)._رحمه الله_ في "المنهل
العذب المورود شرح سنن أبي داود" (7/ 316):
"(والحكمة) في اجتهاده صلى الله تعالى
عليه وعلي آله وسلم في العشر الأواخر من رمضان رجاء مصادفة ليلة القدر فإنها تكون
غالبًا في العشر الأواخر كما سيذكره المصنف, والحرص علي إحسان خاتمة العمل في هذا
الشهر." اهـ
وقال محمود
محمد خطاب السبكي _رحمه الله_ (المتوفى : سنة 1352 هـ)._رحمه الله_ في "المنهل
العذب المورود شرح سنن أبي داود" (7/ 316):
"(وفي الحديث) استحبابُ
الإكثار من العبادة في
العشر الأواخر من رمضان لما فيها من مزيد الفضل، والترغيب
في التعاون علي الاجتهاد في الطاعة فيها." [1]
وقال العثيمين
في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية
(3/ 293):
"من فوائد
الحديث: فضل العشر الأواخر من رمضان، وذلك لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم
لها بإحياء الليل.
ومن
فوائده: مشروعية إحياء الليل كله في العشر الأواخر من
رمضان، وهل يقاس على ذلك بقية الليالي، بمعنى: أن نقول للإنسان: ينبغي أن تسهر
الليل كله في القيام؟
لا، بل إن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك حين بلغه عن قوم قالوا كذا وكذا، ومما قالوا
قول أحدهم: إني أقوم ولا أنام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا أصوم
وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".[2]
ومن
فوائد الحديث: أنه ينبغي استقبال هذه العشر والتهيؤ
له في القوة لقوله: "شد مئزره".
ومنها:
جواز
تخلف الإنسان عن أهله في مثل هذه المدة، وبه يتبين ضعف قول من يقول: إنه يلزمه أن
يبيت عند امرأته ليلة من أربع وينفرد في الباقي إن أراد؛ لأن هذا القول ليس عليه
دليل، والإنسان يعاشر أهله بالمعروف، وليس من المعروف في غير مثل هذه الأوقات
الفاضلة أن ينفرد إنسان عن زوجته ثلاث ليال من أربع، بل المعروف أن يبيت معها كل
ليلة، إلا إذا دعت حاجة أو مصلحة كقيام رمضان كما في هذا الحديث.
ومن
فوائده: مشروعية إيقاظ الأهل في الليالي الفاضلة؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله.
ومن
فوائده أيضًا: أن إيقاظ الأهل لأمر ليس بواجب في الأيام الفاضلة
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
لا يقال
مثلًا: لماذا تحرمهم النوم فهذا ليس بواجب؟___
يقال: إنه ليس
بواجب، لكن هذه أوقات تعتبر مواسم للخير، فلا ينبغي للإنسان أن يضيعها.
هل يؤخذ منه:
جواز تصرف الإنسان في أهله؛ بمعنى: أنه يوقظهم وإن لم يأمروه بذلك؟ نقول: نعم، أما
في الواجب فواجب عليه أن يوقظهم وإن لم يأمروه بذلك، بل لو قالوا: لا توقظنا وجب
عليه أن يوقظهم للواجب، بل يجب أن يوقظ للواجب حتى من هو ليس بأهله، ولهذا قال
العلماء: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة إذا ضاق الوقت، أما غير الواجب فهذا
للإنسان أن يوقظ أهله وإن لم يأمروه بذلك، لئلا تفوت هذه المصلحة العظيمة."
اهـ
لطائف المعارف
لابن رجب (ص: 184_190) باختصار :
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص
العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر :
فمنها: إحياء
الليل: فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله.___
ومنها: أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من
الليالي___
ومنها: أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد المئزر[3]،
واختلفوا في
تفسيره فمنهم من قال: هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة كما يقال فلان يشد
وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على
جده والصحيح: أن المراد: اعتزاله النساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم:
سفيان الثوري وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس وورد تفسيره بأنه لم يأو إلى
فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس وطوى فراشه واعتزل النساء وقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم غالبا يعتكف العشر الأواخر والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص
والإجماع___
ومنها :
تأخيره للفطور إلى السحور،[4]____
ومنها:
اغتساله بين العشاءين: وقد تقدم من حديث عائشة واغتسل بين الأذانين والمراد أذان
المغرب والعشاء،
وقال ابن جرير
: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل في
العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر
فأمر ذر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وروي عن أنس
بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزار أو
رداء فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل،
وكان أيوب
السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول :
"ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين."
وقال حماد بن
سلمة : "كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون
المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر."
وقال ثابت : "كان
لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة
القدر.
فتبين
بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب
بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكذلك يشرع أخذ
الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال _تعالى_ : {خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
وقال ابن عمر :
"الله أحق أن يتزين له" وروي عنه مرفوعا. ولا يكمل التزين الظاهر إلا
بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى____وتطهيره من أدناس الذنوب
وأوضارها فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئا قال الله تعالى: {يَا بَنِي
آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .
ومنها:
الإعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى.[5]"
اهـ
فتاوى نور على
الدرب لابن باز بعناية الشويعر (16/ 43)
السنة في
رمضان وفي العشرين الأول أن ينام ويقوم، يصلي ما تيسر وينام، أما السهر فلا وجه
له، فلا ينبغي السهر، ينبغي أن ينام ما تيسر حتى يتقوى بذلك على العمل في النهار،
وعلى حاجاته وعلى عمل وظيفته، فلا ينبغي السهر، بل المشروع أن ينام بعض الشيء في
العشرين الأول ويقوم، أما في العشر الأخيرة فالسنة فيها إحياء الليل لمن قدر
بالعبادة والقراءة والصلاة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام."
مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين (20/ 338_339):
"ففي هذه الأحاديث دليل على فضيلة هذه
العشر؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجتهد فيه أكثر مما يجتهد
في غيره، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقرآن وذكر وصدقة
وغيرها، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحيي ليله بالقيام
والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وطلبا لليلة القدر التي من
قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وظاهر هذا الحديث أنه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحيي الليل كله في عبادة ربه من الذكر والقراءة
والصلاة والاستعداد لذلك والسحور وغيرها، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في صحيح
مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أعلمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قام ليلة___حتى الصباح؛ لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من
أنواع العبادة، والذي نفته إحياء الليل بالقيام فقط، والله أعلم."
مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين (20/ 339):
"ومما يدل على فضيلة العشر من هذه
الأحاديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوقظ أهله فيه للصلاة
والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة،
فإنها فرصة
العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة
الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليال معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من
نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة، وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة
الفادحة أن ترى كثيرا من المسلمين يُمْضُون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم،
يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل ,
فإذا جاء وقت
القيام ناموا عنه وفوَّتوا على أنفسهم خيرا كثيرا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا
أبدا،
وهذا من تلاعب
الشيطان بهم ومكره بهم وصده إياهم عن سبيل الله وإغوائه لهم، قال الله تعالى:
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]،
والعاقل لا
يتخذ الشيطان وليا من دون الله مع علمه بعداوته له؛ فإن ذلك مناف للعقل والإيمان
قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ
لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] ,
وقال تعالى:
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو
حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] ." اهـ
مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين (25/ 541):
"إن الواجب على المؤمن: أن يقدر أنفاس
عمره، وأن يعرف أن كل نفس تنفسه لن يعود إليه مرة أخرى، وأن كل يوم مضى من حياته
لن يعود إليه مرة أخرى، وأن كل لحظة، وكل ساعة، وكل يوم، وكل شهر يقربه من الآخرة،
ويبعده من الدنيا، لذلك يجب أن نستقبل هذه العشر الأخيرة بالعزيمة الصادقة، والجد
والاجتهاد." اهـ
صحيح ابن حبان
(8/ 223):
"ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ الِاجْتِهَادِ فِي
الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ اقْتِدَاءً بِالْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَسَلَامُهُ." اهـ
وقال يحيى بن
أبى بكر بن محمد بن يحيى العامري الحَرَضِيُّ (المتوفى: 893 هـ) في "بهجة
المحافل وبغية الأماثل" (2/ 358):
"اعلم أنَّ قيام رمضان سنةٌ بالاجماع، وللعشر
الأواخر منه زيادةُ تخصيص." اهـ
[1] وفي الدين الخالص أو إرشاد
الخلق إلى دين الحق (8/ 559) محمود محمد خطاب السبكي _رحمه الله_ (المتوفى : سنة
1352 هـ) :
"إحياء العشر الأواخر من رمضان: يستحب فيها الاجتهاد في
الطاعة وإحياؤها بالعبادة وحث الأهل والأولاد ولو صغاراً يقدرون على إحيائها
(لقول) عليّ رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في
العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة" أخرجه الترمذي باختصار.
ورواه الطبراني في الأوسط وكذا أبو يعلي مختصراً بسند حسن. وقال الترمذي: حسن
صحيح." اهـ
[2] وفي
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 140):
"قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي جَمِيعِهَا، كَالْعَشْرِ
الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قِيَامِ غَيْرِهَا أَحْيَانًا، فَهَذَا مِمَّا
جَاءَتْ بِهِ السُّنَنُ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَهُ."
[3] وفي مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين (20/ 338) : "فمن خصائصها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها." اهـ
[4] يحتاج إلى بحث ونظر!
[5] وفي لطائف المعارف لابن
رجب (ص: 190) :
"وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية وإنما يكون في المساجد لئلا
يترك به الجمع والجماعات فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها سئل ابن
عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة قال: هو في النار
فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الإعتكاف في المساجد خصوصا في شهر رمضان خصوصا في
العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فالمعتكف قد حبس نفسه
على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه
وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه."
Komentar
Posting Komentar