شرح الحديث 96 - باب المجاهدة من رياض الصالحين
[96] الثاني: عن أنس - رضي الله عنه - : عن النَّبيّ _صلى
الله عليه وسلم_ : فيما يرويه عن ربّه _عز وجل_ قَالَ : «إِذَا تَقَربَ
العَبْدُ إلَيَّ شِبْراً تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعاً، وَإِذَا
تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَربْتُ مِنهُ بَاعاً، وِإذَا أتَانِي يَمشي
أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» . رواه البخاري. |
ترجمة أنس بن مالك الأنصاري النجاري _رضي الله عنه_ :
وفي
"تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (3/ 353) للمِزِّيِّ:
"أَنَس
بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
الأَنْصارِيّ، النجاري، أَبُو حمزة المدني، نزيل البصرة. صاحب
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ، وخادمه." اهـ
تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (3/ 353):
"وأمه: أم سليم بنت ملحان بْن خَالِد بْن زيد بْن حرام.
خدم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عشر سنين، مدة مقامه بالمدينة." اهـ
وفي
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (3/ 368) :
"عن
أَنَسٍ قال: "شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
_صلى الله عليه وسلم_ الْحُدَيْبِيَةَ، وعُمَرته، والْحَجَّ، والْفَتْحَ،
وحُنَيْنا، والطَّائِفَ، وخَيْبَرَ." اهـ
وفي
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 406) :
"وَقَالَ
عِدَّةٌ - وَهُوَ الأَصَحُّ -: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ،
وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ، وَقَعْنَبٌ.
فَيَكُوْنُ
عُمُرُهُ عَلَى هَذَا: مائَةً وَثَلاَثَ
سِنِيْنَ." اهـ
نص الحديث
وشرحه:
عن أنس _رضي الله عنه_:
عن النَّبيّ _صلى
الله عليه وسلم_ : فيما يرويه عن ربّه _عز وجل_ قَالَ :
«إِذَا تَقَربَ
العَبْدُ إلَيَّ شِبْراً، تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعاً،
محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري
الشافعي (المتوفى 1441 هـ) في "الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح
صحيح مسلم بن الحجاج" (25/ 9): "(ذراعًا) وهو
شِبْرَانِ."
وَإِذَا
تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً، تَقَربْتُ مِنهُ بَاعاً،
وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (11/ 308): "قال ابن الأثير: (الباع،
والبوع: قدْرَ مد اليدين." اهـ
وِإذَا أتَانِي يَمشي،
أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» . رواه البخاري.
تطريز رياض الصالحين
(ص: 89) لفيصل بن عبد العزيز النجدي _رحمه الله_ :
"معنى هذا
الحديث: أنَّ من تقرَّب إلى الله بشيء من الطاعات، ولو قليلاً، قابله الله بأضعاف
من الإِثابة والإِكرام. وكلما زاد في الطاعة، زاده في الثواب، وأسرع برحمته وفضله."
اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري في "صحيحه"
(9/ 157) (رقم: 7536)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (3/ 471) (رقم: 2079)،
وأحمد في "مسنده" (19/ 263) (رقم: 12233)، وعبد بن حميد في "المنتخب"
– ت. صبحي السامرائي (ص: 353_354) (رقم : 1168_1169)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"
(5/ 457) (رقم : 3180)، والروياني في "مسنده" (2/ 375) (رقم : 1346)،
وغيرهم.
من فوائد
الحديث :
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 300):
"وفي الحديث:
لطف الله بعباده، وفرحه بتوبتهم، وأن من تقرب إليه بطاعته، تقرب إليه بإحسانه،
وفضله، وجزائه المضاعف." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري"
(13/ 513):
"وَقَالَ
الرَّاغِبُ:
قُرْبُ الْعَبْدِ
مِنَ اللَّهِ: التَّخْصِيصُ بِكَثِيرٍ مِنَ
الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى
الْحَدِّ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ اللَّهُ _تَعَالَى_ نَحْوَ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ
وَالْحِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَغَيْرِهَا،
وَذَلِكَ يَحْصُلُ
بِإِزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ مِنَ الْجَهْلِ وَالطَّيْشِ
وَالْغَضَبِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ طَاقَةِ الْبَشَرِ، وَهُوَ قُرْبٌ رُوحَانِيٌّ،
لَا بَدَنِيٌّ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي
شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا)." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(25/ 101):
"الغرض: أَن
الثَّوَاب رَاجِح على الْعَمَل مضاعف عَلَيْهِ كَمًّا وكَيْفاً." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (25/
101):
"وَهُوَ من
الْأَحَادِيث القدسية الدَّالَّة على كرم أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ."
اهـ
تحفة الأحوذي (10/
47):
"قَالَ
النَّوَوِيُّ: "هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَيَسْتَحِيلُ
إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ. وَمَعْنَاهُ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي،
تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ، أَوْ إِنْ زَادَ،
زِدْتُ. فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً،
أَيْ: صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا، وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى
الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ
جَزَاءَهُ يَكُونُ تَضْعِيفَهُ عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ." انْتَهَى.
وكذا قال الطيبي
والحافظ والعيني وبن بطال وبن التِّينِ وَصَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَالرَّاغِبُ
وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
قَوْلُهُ (هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَيُرْوَى عَنِ الْأَعْمَشِ
فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ
إِلَيْهِ ذِرَاعًا يَعْنِي بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) وَكَذَا فَسَّرَهُ النَّوَوِيُّ
وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ
قُلْتُ:
لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ!
قَالَ التِّرْمِذِيُّ
فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (إِنَّ
اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ) [ت][1]
إِلَخْ :
"وَقَدْ قَالَ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا
مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ وَنُزُولِ الرَّبِّ _تَبَارَكَ وَتَعَالَى_
كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
قَالُوا: قَدْ
تَثْبُتُ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا، وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ، ولا يقال:
"كيف؟"
هكذا روي من مَالِكِ
بْنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ:
أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: (أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ)،
وَهَكَذَا قَوْلُ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة الخ." اهـ
وقال محمد منير بن
عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى: 1367هـ) _رحمه الله_ في "النفحات
السلفية بشرح الأحاديث القدسية" (ص: 16):
"هذا الحديث يدل
على أن الله _سبحانه وتعالى_ يتصف بالتقرب، والهرولة." اهـ
وقال محمد بن
عبد الدائم النُّعَيْمِيّ[2]العسقلاني
المصري الشافعي المعروف بـ" شمس الدين البِرْماوي[3]" (المتوفى: 831 هـ) _رحمه الله_ في
"اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (17/ 352):
"قال المهلَّب:
أسماءُ الله تعالى
ثلاثةُ أنواع:
* ما يرجع إلى الذات
فقط؛ ككونه ذاتًا وموجودًا،
* وما يرجع إلى إثباب
معنى هو صفةٌ قائمة به؛ كالحياة،
* وما يرجع إلى
الفعل؛ كالخلق." اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (5/ 510):
"فَكُلَّمَا
تَقَرَّبَ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ قَدْرَ شِبْرٍ، زَادَهُ الرَّبُّ قُرْبًا
إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُتَقَرِّبِ بِذِرَاعِ. فَكَذَلِكَ قُرْبُ الرَّبِّ
مِنْ قَلْبِ الْعَابِدِ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ
مَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُوَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى؛ وَهَذَا
أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ؛
وَذَلِكَ أَنَّ
الْعَبْدَ يَصِيرُ مُحِبًّا لِمَا أَحَبَّ
الرَّبُّ، مُبْغِضًا لِمَا أَبْغَضَ، مُوَالِيًا لِمَنْ يُوَالِي؛ مُعَادِيًا
لِمَنْ يُعَادِي؛ فَيَتَّحِدُ مُرَادُهُ مَعَ الْمُرَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ
الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ. وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مُوَالَاةِ
الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَمُوَالَاةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ. فَإِنَّ الْوَلَايَةَ
ضِدُّ الْعَدَاوَة." اهـ
وفي
"مجموع الفتاوى" (5/ 510):
"وَقَالَ:
{مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا}
وَهَذِهِ
الزِّيَادَةُ تَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ
تَقْرِيبِهِ لِلْعَبْدِ إلَيْهِ جَزَاءً عَلَى تَقَرُّبِهِ بِاخْتِيَارِهِ.
فَكُلَّمَا
تَقَرَّبَ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ قَدْرَ شِبْرٍ زَادَهُ الرَّبُّ قُرْبًا
إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُتَقَرِّبِ بِذِرَاعِ. فَكَذَلِكَ قُرْبُ الرَّبِّ
مِنْ قَلْبِ الْعَابِدِ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ
مَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَهُوَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى؛ وَهَذَا
أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ". اهـ
مجموع الفتاوى (5/
509):
فَالسَّاجِدُ
يَقْرُبُ الرَّبُّ إلَيْهِ، فَيَدْنُو قَلْبُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ
بَدَنُهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَمَتَى قَرُبَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْآخَرِ
صَارَ الْآخَرُ إلَيْهِ قَرِيبًا بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ
يَصْدُرْ مِنْ الْآخَرِ تَحَرُّكٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ
قَرُبَتْ مَكَّةُ مِنْهُ.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ
أَنَّهُ يَقْرُبُ إلَيْهِ مَنْ يَقْرَبُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ
فَقَالَ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا
الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}
وَقَالَ:
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ
نَعِيمٍ}
وَقَالَ تَعَالَى:
{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}
وَقَالَ: {أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}
وَقَالَ:
{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}[4].
وفي
"مجموع الفتاوى" (2/ 386) لابن تيمية:
"هَلْ
فِي تَقَرُّبِ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ حَرَكَةٌ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى بَعْضِ
الْأَمَاكِنِ؟ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ حَرَكَةُ بَدَنِ الْعَبْدِ
إلَى بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ الْمُشْرِفَةِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا الْإِيمَانُ
بِاَللَّهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ كَالْحَجِّ إلَى بَيْتِهِ
وَالْقَصْدِ إلَى مَسَاجِدِهِ،
وَمِنْهُ
قَوْلُ إبْرَاهِيمَ : {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].
وَأَمَّا
حَرَكَةُ رُوحِهِ إلَى مِثْلِ السَّمَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْكِنَةِ:
فَأَقَرَّ بِهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنْكَرَهُ الصَّابِئَةُ
الْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَحَرَكَةُ رُوحِهِ أَوْ
بَدَنِهِ إلَى اللَّهِ أَقَرَّ بِهَا أَهْلُ الْفِطْرَةِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ." اهـ
وقال
بعض أهل العلم:
وبهذا
يتبين أن قربه -تعالى- من عباده نوعان:
أولهما: قربه -تعالى- من قلوب المؤمنين، وقرب
قلوبهم منه، وهذا أمر معروف لا يجهل، فإن القلوب تصعد إليه على قدر ما فيها من
الإيمان والمعرفة به تعالى، وذكره، وخشيته، والتوكل عليه، وهذا متفق عليه بين
الناس، لم ينكره منهم أحد.
والثاني:
ما
دل عليه هذا الحديث - الذي نحن بصدد شرحه - ونحوه، مثل قربه عشية عرفة، وقربه آخر
الليل، كما ثبتت بذلك النصوص، وهذا القرب ينكره أكثر المتكلمين، من الجهمية،
والمعتزلة، والأشعرية، وإنكاره منكر.
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (5/ 238):
"وَلَيْسَ
بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ: إلَّا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ، فَكُلَّمَا
كَمَّلَهَا قَرُبَ الْعَبْدُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَرٌّ جَوَادٌ
مُحْسِنٌ، يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُنَاسِبُهُ.
فَكُلَّمَا عَظُمَ
فَقْرُهُ إلَيْهِ، كَانَ أَغْنَى؛ وَكُلَّمَا عَظُمَ ذُلُّهُ، لَهُ كَانَ أَعَزَّ؛
فَإِنَّ النَّفْسَ - لِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَائِهَا الْمُتَنَوِّعَةِ وَتَسْوِيلِ
الشَّيْطَانِ لَهَا - تَبْعُدُ عَنْ اللَّهِ حَتَّى تَصِيرَ مَلْعُونَةً بَعِيدَةً
مِنْ الرَّحْمَةِ.
" وَاللَّعْنَةُ
" هِيَ الْبُعْدُ؛ وَمِنْ أَعْظَمِ ذُنُوبِهَا إرَادَةُ الْعُلُوِّ فِي
الْأَرْضِ؛ وَالسُّجُودُ فِيهِ غَايَةُ سُفُولِهَا؛
قَالَ تَعَالَى:
{إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ}." اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (5/ 460):
"قُرْبَهُ
سُبْحَانَهُ وَدُنُوَّهُ مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ " لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ
تَخْلُوَ ذَاتُهُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ؛ بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَيَقْرُبُ
مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ؛ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ السَّلَفِ؛
وَهَذَا كَقُرْبِهِ إلَى مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ مِنْ الشَّجَرَةِ قَالَ تَعَالَى
: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ
نَادَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ وَأَنَّهُ قَرَّبَهُ نَجِيًّا
مجموع الفتاوى (5/
466)
وَأَمَّا دُنُوُّهُ
نَفْسُهُ وَتَقَرُّبُهُ مِنْ بَعْضِ عِبَادِهِ؛ فَهَذَا يُثْبِتُهُ مَنْ يُثْبِتُ
قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِنَفْسِهِ وَمَجِيئِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَنُزُولِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ. وَهَذَا مَذْهَبُ
أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ وَأَهْلِ
الْحَدِيثِ وَالنَّقْلُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ. وَأَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ
هَذَا فِي الْإِسْلَامِ " الْجَهْمِيَّة " وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ وَكَانُوا يُنْكِرُونَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوَّ عَلَى الْعَرْشِ."
اهـ
مجموع الفتاوى (5/
247):
وَقَالَ: {مَنْ
تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا} فَهَذَا قُرْبُهُ إلَى
عَبْدِهِ وَقُرْبُ عَبْدِهِ إلَيْهِ؛ وَدُنُوُّهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إلَى
السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقِسْمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}
فَدُنُوُّهُ لِدُعَائِهِمْ. وَأَمَّا نُزُولُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ
لَيْلَةٍ؛ فَإِنْ كَانَ لِمَنْ يَدْعُوهُ وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَغْفِرُهُ فَإِنَّ
ذَلِكَ الْوَقْتَ يَحْصُلُ فِيهِ مَنْ قُرْبِ الرَّبِّ إلَى عَابِدِيهِ مَا لَا
يَحْصُلُ فِي غَيْرِهِ." اهـ
عيون الرسائل
والأجوبة على المسائل (1/ 317_318)[5]
:
فالقرب الذي وردت به
الأحاديث، وصرحت به النصوص، حجة على الجهمي المعطل للعلو، القائل بأن الله في كل
مكان، تعالى الله وتقدس.
فهؤلاء الجهال، خاضوا
فيما قصرت عقولهم وأفهامهم عن إدراك معناه، وما يراد به، فصاروا في بحر الشبهات___غرقى،
لا يعرفون لهم رباً، ولا يستدلون بصفة من صفاته على معرفة كماله وجلاله." اهـ
صحيح الترغيب
والترهيب (3/ 222) للألباني:
"فيه دلالة
ظاهرة على أن لله قُرْباً يقوم به، بفعله القائم بنفسه. وهذا مذهب السلف وأئمة
الحديث والسنة، خلافاً للكلابية وغيرهم ممن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته
تعالى، ومن ذلك: نزوله تعالى إلى السماء الدنيا. انظر "مجموع الفتاوى"
لابن تيمية (5/ 240 - 250)، ومنه: دنوه عشية عرفة، وكل ذلك خاص بالمؤمنين، فراجع
كلامه، فإنه هام جداً." اهـ
وفي
"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 202) :
"اشتهر
عند المتأخرين من علماء الكلام -خلافاً للسلف- تأويل هذه الصفات المذكورة في هذا
الحديث، من (النفس) و (التقرب) و. . . وما ذلك إلا لضيق عطنهم، وكثرة تأثرهم
بشبهات المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء والبدع، فلا يكاد أحدهم يطرق سمعه هذه
الصفات إلا كان السابق إلى قلوبهم أنها كصفات المخلوقات، فيقعون في التشبيه، ثم
يفرون منه إلى التأويل ابتغاء التنزيه بزعمهم،
ولو
أنهم تلقوها حين سماعها مستحضرين قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} لما ركنوا إلى التأويل، ولآمنوا بحقائقها على ما يليق به
تعالى، شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي السمع والبصر وغيرهما من صفاته عز
وجل، مع تنزيهه عن مشابهته للحوادث،
لو فعلوا ذلك
هنا لاستراحوا وأراحوا، ولنجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته. فاللهم هداك.
وراجع إن شئت التوسع في هذا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى."
اهـ
وقال علوي بن عبد
القادر السَّقَّاف في "صفات الله _عز وجل_ الواردة في الكتاب والسنة"
(ص: 362):
"وفي ((الجواب
المختار لهداية المحتار)) (ص 24) للشيخ محمد العثيمين قوله: ((صفة الهَرْوَلَة
ثابتة لله تعالى؛ كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي به ... (فذكر
الحديث، وفيه:) وإن أتاني يمشي؛ أتيته هَرْوَلَة)) ،
وهذه الهَرْوَلَةُ
صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر
بها عن نفسه، فوجب علينا قبولها بدون تكييف، لأنَّ التكييف قول على الله بغير علم،
وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأنَّ الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ} )) ." اهـ
فتاوى نور على الدرب
لابن باز بعناية الطيار (ص: 68) :
"وهذا الحديث
الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم
بالخير والكرم والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح.
ولا مانع من إجراء
الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه،
ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس
بما يليق بالله وما يليق نفيه عن الله _سبحانه وتعالى_.
فالواجب في مثل هذا
أن يتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه
فيها خلقه، فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا
هرولته كهرولته،
وهكذا غضبه، وهكذا
رضاه، وهكذا مجيئه يوم القيامة وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده وهكذا
استواؤه على العرش، وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل
وعلا، لا يشابه فيها خلقه." اهـ
وفي
فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (3/ 196)
س:
هل لله صفة الهرولة؟
ج:
نعم، صفة الهرولة على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به قال
تعالى: «إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه
باعا، وإذا أتاني ماشيا أتيته هرولة» رواه البخاري ومسلم.
وبالله
التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة
الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله
بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (3/ 41) (رقم: 662).
صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 515) (رقم: 856)
[2] وفي ذيل لب اللباب في تحرير الأنساب (ص: 230) : النُّعَيْمي:
بالتصغير إلى نُعَيم جد، وإلى سكة النُّعَيْمية (2) محلة بباب البصرة
ببغداد." اهـ
وجدهم
: نعيم المجمر
وفي
اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 168) لابن الأثير :
"المُجْمِرُ
: بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَكسر الْمِيم الثَّانِيَة وَفِي آخرهَا رَاء :
عرف بِهَذَا نعيم بن عبد الله المجمر مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ يجمر الْمَسْجِد أَي يبخره بالطيب
[3] وقال عباس بن محمد بن أحمد بن السيد
رضوان المدني الشافعي (المتوفى: 1346هـ) في "مختصر فتح رب الأرباب بما
أهمل في لب اللباب من واجب الأنساب" (ص: 7): "البرماوي: البرما بلد
بالمنوفية من مصر ويقال لها برمة." اهـ
[5] المؤلف:
عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ (المتوفى:
1293هـ)
Komentar
Posting Komentar