شرح الحديث 95 من رياض الصالحين
[95] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه -
قَالَ: "قَالَ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_: «إنَّ الله _تَعَالَى_
قَالَ: (مَنْ عَادَى ليَ
وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ
إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزالُ
عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا
أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي
يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا،
وَإنْ سَألَنِي
أعْطَيْتُهُ، وَلَئِن اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ)». رواه
البخاري. معنى
«آذنته» : أعلمته بأني محارِب لَهُ. وقوله:
«استعاذني» رُوِيَ بالباءِ ورُوِيَ بالنون. |
ترجمة أبي
هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
اختلف فِي اسمه واسم
أبيه اختلافا كثيرا،
فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن
ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن
سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن
الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.
وفي تهذيب الكمال في
أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :
"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو
الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية
فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
اهـ
وذكر أَبُو القاسم
الطبراني: أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي تهذيب الكمال في
أسماء الرجال (34/ 377) :
"وَقَال عَمْرو
بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام
خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ
وفي تهذيب الكمال في
أسماء الرجال (34/ 378)
قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة،
وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو الحسن
المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي:
مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين." اهـ
وفي تاريخ الإسلام ت
بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ : "رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة
رَجُلٌ أَوْ أكثر." اهـ
قلت:
روي لَهُ نَحْو من
خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة
وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)،
ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه
(8/ 105) (رقم : 6502)، صحيح ابن حبان في صحيحه (2/ 58) (رقم : 347)، والبيهقي في السنن
الكبرى (10/ 370) (رقم : 20980)، واللالكائي في كرامات الأولياء - من شرح أصول
اعتقاد أهل السنة والجماعة (9/ 99) (رقم : 43)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء (1/ 4).
شرح
الكلمات :
وعن أَبي هريرة - رضي
الله عنه - قَالَ:
"قَالَ رَسُول
الله _صلى الله عليه وسلم_:
«إنَّ الله _تَعَالَى_
قَالَ:
(مَنْ عَادَى ليَ
وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ،
فتح الباري لابن حجر
(11/ 342)
الْمُرَادُ بِـ(وَلِيِّ
اللَّهِ): الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي
عِبَادَتِهِ.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ
وُجُودُ أَحَدٍ يُعَادِيهِ، لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنَ
الْجَانِبَيْنِ، وَمَنْ شَأْنِ الْوَلِيِّ الْحِلْمُ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ يَجْهَلُ
عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ
وَالْمُعَامَلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَثَلًا، بَلْ قَدْ تَقَعُ عَنْ بُغْضٍ
يَنْشَأُ عَنِ التَّعَصُّبِ كَالرَّافِضِيِّ فِي بُغْضِهِ لِأَبِي بَكْرٍ
وَالْمُبْتَدِعِ فِي بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ،
فَتَقَعُ
الْمُعَادَاةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْوَلِيِّ فَلِلَّهِ
تَعَالَى وَفِي اللَّهِ. وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ فَلِمَا تَقَدَّمَ،
وَكَذَا الْفَاسِقُ
الْمُتَجَاهِرُ بِبُغْضِهِ الْوَلِيَّ فِي اللَّهِ وَبِبُغْضِهِ الْآخَرَ
لِإِنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَمُلَازَمَتِهِ لِنَهْيِهِ عَنْ شَهَوَاتِهِ وَقَدْ
تُطْلَقُ الْمُعَادَاةُ وَيُرَادُ بِهَا الْوُقُوعُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ
بِالْفِعْلِ وَمِنَ الْآخَرِ بِالْقُوَّةِ
وَمَا تَقَرَّبَ
إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ،
وَمَا يَزالُ عَبْدِي
يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
فَإِذَا أحْبَبْتُهُ،
كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ،
ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا،
وَإنْ سَألَنِي
أعْطَيْتُهُ، وَلَئِن اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ)». رواه
البخاري.
تطريز رياض الصالحين
- (ص / 260)
الولي: هو من تقرب
إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (23 / 89)
الْوَلِيّ: هُوَ
الْعَالم بِاللَّه المواظب على طَاعَته المخلص فِي عِبَادَته. فَإِن قلت: قَوْله:
(عادى) من المعاداة وَهُوَ من بَاب المفاعلة الَّتِي تقع من الْجَانِبَيْنِ، وَمن
شَأْن الْوَلِيّ الْحلم والاجتناب عَن المعاداة والصفح عَمَّن يجهل عَلَيْهِ.
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري - (23 / 90)
وَقَالَ الْخطابِيّ :
هَذِه أَمْثَال وَالْمعْنَى: وَالله أعلم توفيقه فِي الْأَعْمَال الَّتِي
بَاشَرَهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاء وتيسير الْمحبَّة لَهُ فِيهَا بِأَن يحفظ جوارحه
عَلَيْهِ ويعصمه من مُوَافقَة مَا يكره الله تَعَالَى من الإصغاء إِلَى اللَّهْو
مثلا، وَمن النّظر إِلَى مَا نهى عَنهُ، وَمن الْبَطْش بِمَا لَا يحل لَهُ، وَمن
السَّعْي فِي الْبَاطِل بِرجلِهِ، أَو بِأَن يسْرع فِي إِجَابَة الدُّعَاء،
والإلحاح فِي الطّلب وَذَلِكَ أَن مساعي الْإِنْسَان إِنَّمَا تكون بِهَذِهِ
الْجَوَارِح الْأَرْبَع.
فتح القوي المتين في
شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 114)
هذا الحديث من الأحاديث
القدسية التي يرويها الرسول * عن ربِّه، وقد أفرد الشوكاني شرحه في كتاب سمَّاه ((
قطر الوَلْي بشرح حديث الولي ))،
وأولياء الله عزَّ
وجلَّ هم المؤمنون المتَّقون، كما قال تعالى:
{أَلَا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [يونس: 62، 63]،
ومعنى (( آذنتُه
بالحرب )) أعلمته أنَّني محاربٌ له، وهو يدلُّ على خطورة معاداة أولياء الله،
وأنَّه من الكبائر." اهـ
جامع العلوم والحكم
محقق - (40 / 8)
وقوله : (( وما
تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ
بالنَّوافل حتّى أحبَّه )) (2) : لمَّا ذكر أنَّ معاداة أوليائه محاربةٌ له ، ذكر
بعد ذلك وصفَ أوليائه الذين تحرُم معاداتُهُم ، وتجب موالاتُهم ، فذكر ما يتقرَّب
به إليه ، وأصلُ الولاية : القربُ ، وأصلُ العداوة : البعدُ ، فأولياء الله هُمُ
الذين يتقرَّبون إليه بما يقرِّبهم منه ، وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم
المقتضية لطردهم وإبعادهم منه ، فقسم أولياءه المقربين إلى قسمين :
أحدهما : من تقرَّب
إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وتركَ المحرَّمات ؛ لأنَّ ذلك
كُلَّه من فرائضِ اللهِ التي افترضها على عباده .
والثاني : من تقرَّب
إليه بعدَ الفرائضِ بالنوافل ، فظهر بذلك أنَّه لا طريق يُوصِلُ إلى التقرُّب إلى
الله تعالى ، وولايته ، ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله ، فمنِ ادَّعى
ولايةَ الله ، والتقرُّب إليه ، ومحبَّته بغير هذه الطريق ، تبيَّن أنَّه كاذبٌ في
دعواه ، كما كان المشركون يتقرَّبُون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدونَه مِنْ
دُونِه ، كما حكى الله عنهم أنَّهم قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ
زُلْفَى } (1) ، وكما
حكى عن اليهود والنَّصارى أنَّهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ } (2)
مع إصرارهم على تكذيبِ رُسله ، وارتكاب نواهيه ، وترك فرائضه
فلذلك ذكرَ في هذا
الحديث أنَّ أولياء الله على درجتين :
أحدهما : المتقرِّبُون
إليه بأداءِ الفرائض ، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين ، وأداء الفرائض أفضلُ
الأعمال كما قال عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - : أفضلُ الأعمال أداءُ ما
افترضَ اللهُ ، والوَرَعُ عمّا حرَّم الله ، وصِدقُ النيّة فيما عند الله - عز وجل
- . وقال عمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته : أفضلُ العبادة أداءُ الفرائض ، واجتنابُ
المحارم (3) ، وذلك
لأنَّ الله - عز وجل - إنَّما افترض على عباده هذه الفرائض لِيُقربهم منه ،
ويُوجِبَ لهم رضوانه ورحمته .
جامع العلوم والحكم
محقق - (40 / 10)
وأعظمُ فرائضِ البدن
التي تُقرِّب إليه : الصلاةُ ، كما قال تعالى : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } (1) ،
وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو
ساجدٌ )) (2) ، وقال : (( إذا كان أحدُكم يُصلي ، فإنَّما يُناجي ربَّه ، أو ربُّه
بينَه وبينَ القبلة )) (3) . وقال : (( إنَّ اللهَ يَنصِبُ وجهه لوجه عبده في
صلاته ما لم يلتفت )) (4) .
جامع العلوم والحكم
محقق - (40 / 16)
ومن أعظم ما يُتقرَّب
به العبد إلى الله تعالى مِنَ النَّوافل : كثرة تلاوة القرآن ، وسماعهُ بتفكُّر
وتدبُّرٍ وتفهُّمٍ ، قال خباب بن الأرت لرجل : تقرَّب إلى الله ما استطعتَ ، واعلم
أنَّك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامه (1) .
جامع العلوم والحكم
محقق - (40 / 20)
قوله : (( فإذا
أحببتُه ، كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصرُ به ، ويدَه التي يبطش بها
، ورجلَه التي يمشي بها )) (2) ، وفي بعض الروايات : (( وقلبَه الذي يعقل به ،
ولسانه الذي ينطق به )) (3) .
المراد بهذا الكلام :
أنَّ منِ اجتهدَ بالتقرُّب إلى الله بالفرائضِ ، ثمَّ بالنوافل ، قَرَّبه إليه ،
ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصيرُ يَعبُدُ الله على الحضورِ
والمراقبة كأنه يراه ، فيمتلئُ قلبُه بمعرفة الله تعالى ، ومحبَّته ، وعظمته ،
وخوفه ، ومهابته ، وإجلاله ، والأُنس به ، والشَّوقِ إليه ، حتّى يصيرَ هذا الذي
في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة_____
ولا يزالُ هذا الذي
في قلوب المحبين المقرَّبين يقوى حتّى تمتلئ قلوبُهم به ، فلا يبقي في قلوبهم
غيرُه ، ولا تستطيع جوارحُهُم أنْ تنبعثَ إلا بموافقة ما في قلوبهم ، ومن كان
حالُه هذا ، قيل فيه : ما بقي في قلبه إلا الله ، والمراد معرفته ومحبته وذكره ،
مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (7 / 390)
وقال الطوفي: اتفق
العلماء ممن يعتد بقوله إن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وعنايته حتى
كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها،
مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (7 / 391)
فلا متمسك فيه
للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث، ولئن سألني ولئن
استعاذني فإنه كالصريح في الرد عليهم كذا في الفتح.
فوائد
الحديث :
تطريز
رياض الصالحين - (ص / 261)
وفي الحديث: وعيد
شديد لمن عادى وليًّا من أولياء الله.
وفيه: أنّ أحب
الأعمال إلى الله أداء فرائضه، وأنَّ كثرة النوافل توجب محبة الله للعبد، وقربه،
فيرتقي إلى درجة الإحسان، فيمتلأ قلبه بمعرفة الله تعالى، وعظمته، وخوفه، ورجائه،
فإن نطق: نطق بالله، وإنْ سمع: سمع به، وإنْ نظر نظر به، وإنْ بطش: بطش به. قال
الله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم
مُّحْسِنُونَ}
فيض الباري شرح
البخاري - (7 / 227) للكشميري
والذي تبيَّن لي أن
القربَ في الفرائض أَزْيَدُ وأكملُ، فإنه يَجْلِبُ المحبوبيةَ له تعالى من أوَّل
الأمر. بخلاف القُرْب في النوافل، فإنها تَجْلِبُ المحبوبيةَ تدريجاً، وإن كانت
ثمرتُها في الانتهاء أيضاً هي المحبوبيةُ. ولكن ما يَحْصُلُ من النوافل آخراً
يَحْصُلُ من الفرائضِ أوَّلاً، فأنَّى يستويان وإليه تُرْشِدُ ألفاظُ الحديث،
فإنَّه قال في الفرائض: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ
عليه»، فجعل مفروضَه أحبَّ إليه من أوَّل الأمر، وجعل ثمرتَه القربَ. بخلاف
النوافل، فإنَّ القُرْبَ منها تدريجيٌّ، يتدرَّجُ العبدُ إليه شيئاً فشيئاً.
وبالجملةِ أنَّهما في النتيجة سواء، وهي المحبوبيةُ، غير أنَّها تْحْصُلُ بالفرائض
أوَّلاً، وبالنوافل ثانياً.
شرح صحيح البخارى ـ
لابن بطال - (10 / 212)
وفى حديث أبى هريرة
من معنى الباب أن التقرب إلى الله بالنوافل حتى تستحق المحبة منه تعالى لا يكون
ذلك إلا بغاية التواضع والتذلل له .
شرح صحيح البخارى ـ
لابن بطال - (10 / 212)
وفيه أن النوافل إنما
يزكو ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وأداها .
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (4 / 1544)
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
مَا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ، إِذْ مُحَارَبَةُ
اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَدُلُّ عَلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ، لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ
اللَّهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا.
فتح القوي المتين في
شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 114)
قوله: (( وما تقرَّب
إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِمَّا افترضت عليه )) في هذه الجملة وما بعدها بيان
أنَّ ولاية الله إنَّما تحصل بالتقرُّب إليه بأداء الفرائض، والإتيان مع ذلك
بالنوافل، وهو يدلٌُّ على أنَّ التقرُّبَ بأداء الفرائض أحبُّ إلى الله من
النوافل؛ لأنَّ في ذلك فعل ما أوجب الله وترك ما حرَّم الله، والآتي بالواجبات
التارك للمحرَّمات هو المقتصد، ومَن أتى بها وأتى بالنوافل معها فهو السابق
بالخيرات.
فتح القوي المتين في
شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 115)
قوله: (( ولا يزال
عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه )) إلخ، النوافل هي الإتيان بالأعمال
الصالحة زيادة على الفرائض، وفعلها مع الاستمرار عليها يجلب محبَّة الله عزَّ
وجلَّ، وإذا حصلت له المحبَّة ظفر بتسديد الله في تصرفاته، فلا يسمع إلاَّ ما هو
حق، ولا يرى إلاَّ ما هو حق، ولا ينال إلاَّ ما هو حق، ولا يَمشي إلاَّ إلى ما هو
حق، وأكرمه الله بإجابة دعوته إذا دعاه، وإعاذته مِمَّا استعاذه منه.
فتح القوي المتين في
شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 115)
مِمَّا يُستفاد من
الحديث:
1 ـ بيان فضل أولياء
الله، وشدَّة خطر معاداتهم.
2 ـ أنَّ ولايةَ الله
عزَّ وجلَّ تحصل بأداء الفرائض وفعل النوافل.
3 ـ أنَّ أحبَّ ما
يُتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ به أداء الفرائض.
4 ـ إثبات صفة
المحبَّة لله عزَّ وجلَّ.
5 ـ تفاوت الأعمال في
محبَّة الله إيَّاها.
6 ـ أنَّ فعل النوافل
بعد أداء الفرائض يجلب محبَّة الله عزَّ وجلَّ.
7 ـ أنَّ من ظفر
بمحبَّة الله عزَّ وجلَّ سدَّده في سمعه وبصره وبطشه ومشيه.
8 ـ أنَّ محبَّة الله
عزَّ وجلَّ تجلب للعبد إجابة دعائه وإعاذته مِمَّا يخاف.
9 ـ أنَّ ثوابَ الله
عزَّ وجلَّ للعبد يكون بإجابة مطلوبه والسلامة من مرهوبه.
التحفة الربانية في
شرح الأربعين حديثا النووية-إسماعيل بن محمد الأنصاري - (39 / 1)
يستفاد منه :
1-أن الله سبحانه
وتعالى قدم الإعذار إلى كل من عادى وليا أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة .
ولا يدخل في ذلك ما تقتضيه الأحوال في بعض المرات من النزاع بين وليين لله تعلى في
محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق غامض ، فإن هذا قد وقع بين كثير من أولياء الله
عز وجل .
2-أن أداء الفرائض هو
أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وذلك لما فيها من إظهار عظمة الربوبية ، وذل
العبودية .
3-أن النافلة إنما
تقبل إذا أديت الفريضة ، لأنها لا تسمى نافلة إلا إذا قضيت الفريضة .____
4-أن أولياء الله
تعالى هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه ، فظهر بذلك بطلان دعوى أن هناك طريقا
إلى الولاية غير التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها .
5-أن من أتى بما وجب
عليه ، وتقرب بالنوافل وفقه الله بحيث لا يسمع ما لم يأذن به الشرع ، ولا يبصر ما
لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له الشرع في مدها إليه ، ولا
يسعى إلا فيما أذن له في السعي إليه . وهذا هو المراد بقوله : (( كنت سمعه إلخ ))
لا ما يذكره الاتحادية و الحلولية . تعالى الله عن قولهم .
6-أن من كان بالمنزلة
المذكورة صار مجاب الدعوة .
7-أن العبد ولو بلغ
أعلى الدرجات لا ينقطع عن الطلب من ربه لما في ذلك من الخضوع له ، وإظهار العبودية
.
الفوائد المستنبطة من
الأربعين النووية - البراك - (1 / 62)
الحديث أصل في فضل الولي
والولاية، وفيه من الفوائد
1- أن من العباد من يكون
ولياً لله ومن يكون عدواً، والولي كل مؤمن تقي،
2- وجوب موالاة أولياء
الله ومعاداة أعدائه.
3- أن موالاة أولياء الله
تتضمن التواضع لهم.
4- تحريم معاداة أولياء
الله.
5- غيرة الله لأوليائه
وكرامتهم عنده.
6- أن عداوة ولي من أولياء
الله سبب لعداوة الله وحربه، والمعاداة : البغض وإرادة إلحاق الأذى والضرر والسعي في
ذلك، فإن كان لدين ولي الله فهو كفر، وإن كان لغير ذلك وكان بغير حق فهو كبيرة، وإن
كان بحق فمكروه، كالعداوة الناشئة عن خصومة.
7- الوعد بنصر الله لوليه.
8- إعلان الله الحرب على
من يعادي ولياً من أوليائه ومن حاربه الله أدركه وأهلكه.
9- التحذير من معاداة
أولياء الله.
10- أن الولاية تحصل بتحقيق
العبادة، وذلك بالتقرب إلى الله بمحابه.
11- أن الأعمال الصالحة
سبب لمحبة الله لعبده.
12- تفاضل أولياء الله
في حظهم من هذه المحبة.
13- إثبات المحبة لله.______
14- أن الفرائض أفضل من
النوافل في الجملة.
15- أن الأعمال الصالحة
كلها محبوبة لله، وبعضها أحب إليه من بعض، وأحبها الفرائض.
16- أن العبادات منها
الفرض ومنها النفل.
17- أن أولياء الله صنفان
:
الأول: مقتصرون على فعل
الفرائض وترك المحارم وهم المقتصدون وأصحاب اليمين، ويدل عليه قوله : " وما تقرب
إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ".
الثاني : المتقربون بالنوافل
بعد الفرائض، وهم المقرَّبون والمسارعون في الخيرات، ويدل عليه قوله : " ولا يزال
عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ".
18- أن إكثار العبد من
النوافل ومداومته عليها سبب لمحبة الله تعالى له محبة خاصة، ففيه:
19- الحث على كثرة النوافل.
20- أن العبد فقير إلى
الله لا يستغني عن عطاء ربه، مهما بلغ في الولاية، ولهذا مدح الله أنبياءه بدعائهم
إياه، فقال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
} [الأنبياء: 90]
21- أن أثر هذه المحبة
تسديد الله للعبد وحفظ جوارحه عن المحارم والفضول، فلا يتصرف العبد بجوارحه إلا على
وفق الشرع، وهذا معنى قوله : "كنت سمعه وبصره ويده ورجله ". ومعنى ذلك أنه
سبحانه المصرف لها بموجَب أمره الشرعي وأمره الكوني، كما قال في الحديث " انا
الدهر، أقلب ليله ونهاره " (م) .
22- أن من آثار هذه المحبة
الخاصة إجابة دعائه وإعطاءه سؤله وإعاذته مما استعاذ منه.
23- أن الدعاء سبب لحصول
المطالب، ففيه:
24- الرد على الصوفية
القائلين بأن الدعاء ونحوه من الأسباب ينافي التوكل.
25- تواضع المؤمن لربه
بافتقاره إليه وإنزال حوائجه به.
26- أن الولي مستجاب الدعوة.
27- أن الدعاء سبب لجلب
المطلوب ودفع المكروه.
هذا وتمام الحديث عند
البخاري في صحيحه :
" وما
ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته " (خ)
.
فيه فوائد :
28- جواز إضافة التردد
إلى الله مقروناً بتفسيره، ومعنى التردد في حق الله تعارض إرادتين مع كمال العلم بمقتضى
الحكمة، وبما سيكون، بخلاف تردد المخلوق الذي هو نقص، فمنشؤه الجهل بالمصلحة وبعواقب
الأمور.
وتعارض الإرادتين في هذا
الحديث : كراهته تعالى لمساءة المؤمن ومشيئته لقبض نفسه.
29- أن كراهة المسلم للموت
لا يُذم به، لأنها جِبلِّيَّة، وليس ذلك من قبيل كراهة لقاء الله، كما جاء في الحديث
: " من كره لقاء الله كره الله لقاءه" (2) فذاك حين المعاينة.
30- أن الله يكره ما يسوء
وليَّه، ولكنه تعالى يفعل ما تقتضيه حكمته البالغة.
31- أن الموت حتم على
كل نفس لا مفر منه، كما قال تعالى :
{كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]
{أَيْنَمَا تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]
32- إثبات الأفعال الاختيارية
في حقه تعالى.
33- ترجيح أعلى المصلحتين
بتفويت أدناهما." اهـ
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 139)
هذا حديث جليل ، أشرف
حديث في أوصاف الأولياء ، وفضلهم ومقاماتهم .
فأخبر أن معاداة
أوليائه معاداة له ومحاربة له . ومن كان متصديا لعداوة الرب ومحاربة مالك الملك
فهو مخذول ، ومن تكفل الله بالذب عنه فهو منصور ، وذلك لكمال موافقة أولياء الله
لله في محابه ، فأحبهم وقام بكفايتهم ، وكفاهم ما أهمهم .
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 139)
ذكر صفة الأولياء
الصفة الكاملة ، وأن أولياء الله هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض والنوافل
أولا : من صلاة وصيام وزكاة وحج ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وجهاد ، وقيام
بحقوقه وحقوق عباده الواجبة ____ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب إليه
بالنوافل ، فإن كل جنس من العبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافل فيها فضائل عظيمة
تكمل الفرائض ، وتكمل ثوابها .
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 140)
فأولياء الله قاموا
بالفرائض والنوافل ، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه ، ووفقهم
وسددهم في جميع حركاتهم ، فإن سمعوا سمعوا بالله ، وإن أبصروا فلله ، وإن بطشوا أو
مشوا ففي طاعة الله .
ومع تسديده لهم في
حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة : إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم ، وإن استعاذوه
من الشرور أعاذهم .
ومع ذلك لطف بهم في
كل أحوالهم ، ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياؤه ، لأنهم يكرهونه
لمشقته وعظمته ، والله يكره مساءتهم ، ولكن لما كان القضاء نافذا كان لا بد لهم
منه .
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 140)
فبين في هذا الحديث
صفة الأولياء ، وفضائلهم المتنوعة ، وحصول محبة الله لهم التي هي أعظم ما تنافس
فيه المتنافسون ، وأنه معهم وناصرهم ، ومؤيدهم ومسددهم ، ومجيب دعواتهم .
ويدل هذا الحديث على
: إثبات محبة الله ، وتفاوتها لأوليائه بحسب مقاماتهم .
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 141)
ووصف النبي صلى الله
عليه وسلم لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل ، مطابق لوصف الله لهم
بالإيمان والتقوى في قوله :
{ أَلَا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }{ الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } . [ يونس : 62 ، 63 ]
فكل من كان مؤمنا
تقيا كان لله وليا ؛ لأن الإيمان يشمل العقائد ، وأعمال القلوب والجوارح ، والتقوى
ترك جميع المحرمات .
بهجة قلوب الأبرار
وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 141)
ويدل على أصل عظيم :
وهو أن الفرائض مقدمة على النوافل . وأحب إلى الله وأكثر أجرا وثوابا ، لقوله : «
وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه » ، وأنه عند التزاحم يتعين تقديم
الفروض على النوافل .
جامع العلوم والحكم
محقق - (40 / 7)
فأولياءُ الله تجبُ
موالاتُهم ، وتَحرُمُ معاداتُهم ، كما أنَّ أعداءهُ تجبُ معاداتُهم ، وتحرم
موالاتُهم ، قال تعالى : { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ }
(2) ، وقال : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ
يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ } (3)
، ووصف أحبَّاءهُ الذين يُحبهم ويُحبونه بأنَّهم أذلَّةٌ على المؤمنين ، أعزَّةٌ
على الكافرين
مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (7 / 388)
قال الفاكفاني: هذا
تهديد شديد لأن من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لأن من كره من أحب الله
خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة
ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله
مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (7 / 389)
قال الطوفي: الأمر
بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشترك مع الفرائض
في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريباً
وأيضاً الفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الإتيان بالفرائض على الوجه
المأمور به امتثال الأمر واحترام الأمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة
الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل
مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح - (7 / 389)
وقال ابن هبيرة: يؤخذ
قوله من قوله ما تقرب إلى آخره إن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما
سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفرائض فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن
أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقريب وقد تبين بذلك إن
المراد من التقرب بالنوافل إن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها
حجة الله البالغة -
(2 / 52)
إذا أحب اللّه عبداً
، ونزلت محبته في الملأ الأعلى ، ثم نزل له القبول في الأرض ، فخالف هذا النظام
أحد ، وعاداه ، وسعى في رد أمره وكبت حاله انقلبت رحمة اللّه بهذا المحبوب لعنة في
حق عدوه ، ورضاه به سخطاً في حقه ، وإذا تدلى الحق إلى عباده بإظهار شريعة وإقامة
دين ، وكتب في حظيرة القدس تلك السنن والشرائع كانت هذه السنن والقربات أجلب شيء
لرحمة اللّه وأوفقه برضا اللّه ، وقليل هذه كثير ، ولا يزال العبد يتقرب إلى اللّه
بالنوافل زيادة على الفرائض حتى يحبه اللّه ، وتغشاه رحمته ، وحينئذ يؤيد جوارحه
بنور إلهي ، ويبارك فيه ، وفي أهله وولده وماله ، ويستجاب دعاؤه ، ويحفظ من الشر ،
وينصر ، وهذا القرب عندنا يسمى بقرب الأعمال ، والتردد هاهنا كناية عن تعارض
العنايات فإن الحق له عناية بكل نظام نوعي وشخصي ، وعنايته بالجسد الإِنساني تقضي
القضاء بموته ومرضه وتضييق الحال عليه ، وعنايته بنفسه المحبوبة تقتضي إفاضة
الرفاهية من كل جهة عليه وحفظه من كل سوء."
Komentar
Posting Komentar