شرح الحديث 53 - باب المسح على الخفين - من بلوغ المرام

 

 

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

 

مقدِّمة

المسح لغة: إمرار اليد على الشيء.

وشرعًا: إصابة اليد المبتلَّة بالماء، لحائل مخصوص، في زمنٍ مخصوص.

والخف لغةً: بضمِّ الخاء وتشديد الفاء: واحد الخِفَافِ التي تلبس على الرِّجل، سمِّي بذلك؛ لخفَّته.

وشرعًا: السَّاتر للقدمين إلى الكعبين فأكثر، من جلد وغيره.

وَذُكِرَ بعد الوضوء؛ لأنَّه بَدَلٌ عن غَسْلِ ما تحته.

والمسح رخصة:

والرخصة لغةً: التسهيلُ في الأمر.

وشرعًا: ما ثبَتَ على خلاف دليلٍ شرعيٍّ، لمعارضِ راجح.

وفي الحديث: "إنَّ الله يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رخصه" [رواه ابن خزيمة (3/ 259) وابن حبان (8/ 333)].

والمسح دلَّت عليه الأحاديثُ المتواترة:

قال الحسن البصري: حدَّثني سبعون من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- مسح على خفيه.

وقال الإمام أحمد: ليس في نفسي مِنَ المَسْحِ شيء؛ فيه أربعون___حديثًا عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقال ابن المبارك: ليس بين الصحابة خلافٌ في جواز المسح على الخفين.

ونقل ابن المنذر الإجماعَ على جوازه، واتفق عليه أهل السنَّة والجماعة؛ فهو جائزٌ في الحضر والسفر، للرِّجال والنِّساء؛ تيسيرًا على المسلمين. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 256_257)]

 

وفي "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (11/ 127) لابن عبد البر:

"وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ مِنْ نَحْوِ سِتِّينَ طَرِيقًا." اهـ

 

وفي "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (11/ 137):

"وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَاسْتَفَاضَ وَتَوَاتَرَ وَأَتَتْ بِهِ الْفِرَقُ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَهَذِهِ دَعْوَى لَا وَجْهَ لَهَا وَلَا مَعْنًى.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_، قَالَ:

"أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كُلُّهُمْ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ. وَعَمِلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ، وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ. كُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ." اهـ

 

وفي "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (11/ 141):

"وَلَا أَعْلَمُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا إِلَّا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ خِلَافُهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَحَدًا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَلَا فِي فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رِوَايَةَ جَابِرٍ عَنْ مَالِكٍ وَالرِّوَايَاتُ الصِّحَاحُ عَنْهُ بِخِلَافِهِ وَهِيَ مُنْكَرَةٌ يَدْفَعُهَا مُوَطَّؤُهُ وَأُصُولُ مَذْهَبِهِ." اهـ

 

وفي "العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام" (1/ 167_168) لابن العطار:

"واعلم: أنَّ أحاديث المسح على الخفين، رواها عن النبي - صلى الله عليه وسلم – خلائق____لا يحصَوْن من الصحابة، قال الحسن البصري - رحمه الله -: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين.

واعلم: أنَّه جائزٌ بالإجماع -كما تقدم- في السفر والحضر؛ سواء كان لحاجة، أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازمة لبيتها، والزَّمِنِ الَّذي لا يمشي.

وأنكر جوازه الشيعة، والخوارج؛ ولا يعتد بخلافهم." اهـ

 

وفي "سبل السلام" (1/ 81_82) للأمير الصنعاني:

"قَالَ " أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ": فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِيهِ عَنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ،

وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ:

وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ أَسْمَاءَ مَنْ رَوَاهُ فِي "تَذْكِرَتِه"، فَبَلَغُوا ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا...___قَالَ الْمُصَنِّفُ : قَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ مُتَوَاتِرٌ." اهـ

 

53 - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ _رضي الله عنه_، قَالَ:

"كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_، فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: (دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا)." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. .

 

وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ:

"أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ"، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

 

ترجمة المغيرة بن شعبة الثَّقَفي _رضي الله عنه_:

 

وفي "الأعلام" للزركلي (7/ 277):

"المُغِيرَة بن شُعْبَة (20 ق هـ - 50 هـ = 603 - 670 م):

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثَّقَفي، أبو عبد الله: أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم.

صحابي. يقال له (مغيرة الرأي) . ولد في الطائف (بالحجاز) وبرحها في الجاهلية مع جماعة من بني مالك فدخل الإسكندرية وافدا على المقوقس، وعاد إلى الحجاز. فلما ظهر الإسلام تردد في قبوله إلى أن كانت سنة 5 هـ فأسلم. وشهد الحديبيّة واليمامة وفتوح الشام. وذهبت عينه باليرموك. وشهد القادسية ونهاوند وهمدان وغيرها. وولاه عمر بن الخطاب على البصرة، ففتح عدة بلاد، وعزله، ثم ولاه الكوفة. وأقره عثمان على الكوفة ثم عزله. ولما حدثت الفتنة بين علي ومعاوية اعتزلها المغيرة، وحضر مع___الحكمين.

ثم ولاه معاوية الكوفة فلم يزل فيها إلى أن مات. قال الشعبي: دهاة العرب أربعة: معاوية للأناة، وعمرو بن العاص للمعضلات، والمغيرة للبديهة، وزياد بن أبيه للصغير والكبير.

وللمغيرة 136 حديثا. وهو أول من وضع ديوان البصرة، وأول من سلم عليه بالإمرة في الإسلام."

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ _رضي الله عنه_، قَالَ:

"كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_، فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: (دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا)." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. .

وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ:

"أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ"، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

 

وعن المغيرة بن شُعْبَةَ - رضي الله عنه – قال :

"كُنْتُ مَعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ لَيْلَةٍ في مسير[1]، فَقَالَ لي: «أمَعَكَ مَاءٌ؟»، قلتُ : "نَعَمْ"،

فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى في سَوَادِ اللَّيْلِ،

ثُمَّ جَاءَ فَأفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أخْرَجَهُمَا مِنْ أسْفَلِ الْجُبَّةِ،

فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ[2] لأَنْزَعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» وَمَسحَ عَلَيْهِمَا.[3] متفقٌ عَلَيْهِ.

وفي رواية: "وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الكُمَّيْنِ."[4]

وفي رواية: أنَّ هذِهِ القَضِيَّةَ كَانَتْ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.

 

وفي رواية:

وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ.

قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ[5] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ[6]، ثُمَّ أَهْوَيْتُ، لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ،

فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ، وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ[7]،

فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا»[8]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

[تعليق]: رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (1/ 285_286):

"في شروط المسح، وهي خمسة:

الأول: أن يلبسهما على طهارة.

الثاني: أن تكون الطهارة مائية، وفي الترابية قولان.

الثالث: أن تكون الطهارة كاملة،___

الشرط الرابع: أن يكون اللبس مباحا لِلابس؛ لأنا نقول: لو لبِسَ المُحرِمُ الخفين من غير عذر، أو لبس الإنسان خفين مغصوبين، لم يجز المسح في المسألتين.

الشرط الخامس: أن يكون لبس الخفين على الوجه المعتاد عند الناس في لباس الخفاف." اهـ ملخصًا

 

وفي منهاج المسلم (ص: 161) لأبي بكر جابر الجزائري _رحمه الله_ :

"فِي شروطِ المسحِ:

يشترط فيِ المسحِ علَى الخفينِ ومَا فِي معناهمَا، مَا يلي:

1 - أنْ يلبسهمَا علَى طهارةٍ؛ لقولهِ عليهِ الصّلاة والسلام للمغيرةِ بنِ شعبةِ لما أرادَ أنْ ينزعَ خفيِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ليغسلَ رجليهِ فيِ وضوئهِ: "دعهمَا فإني أدخلتهمَا طاهرتينِ".

2 - أنْ يكونَا ساترينِ لمحل الفرضِ.

3 - أنْ يكونَا سميكينِ لَا تبدو البشرةُ منْ تحتهمَا.

4 - أنْ لَا تزيدَ مدة المسحِ علَى اليومِ واللَّيلةِ للمقيمِ، ولَا علَى ثلاثةِ أيَّامٍ بلياليهَا للمسافرِ، لقولِ علي - رضي الله عنه -: "جعلَ رسولُ اللّهِ ثلاثةَ أيام ولياليهن للمسافرِ ويومًا وليلةً للمقيمِ" [م].

5 - أنْ لَا ينزعهمَا بعدَ المسحِ، فلو نزعهمَا وجبَ عليهِ غسلُ رجليهِ وإلا بطلَ وضوؤهُ.

6 - وأما المسح علَى الجبيرةِ فلَا يشترطُ لهُ تقدُّم طهارةٍ، ولَا التوقيتُ بزمنٍ محدَّدٍ وإنمَا يشترطُ لهُ أنْ تكونَ غيرَ زائدةٍ علَى محلِّ الجرحِ إلّا بمَا لَا بدّ منة للربطِ، وأنْ لَا تنزعَ منْ مكانهَا وأنْ لَا يبرأَ الجرحُ، فإنْ سقطتْ أوْ برئَ الجرحُ بطلَ المسحُ ووجبَ الغسلُ."اهـ

 

تنبيه:

 

وقد ألَّف محمد جمال الدين القاسمي (المتوفى: 1332 هـ) _رحمه الله_ كتابًا سماه "المسح على الجوربين والنعلين" – ط. المكتب الإسلامي – بيروت، قدم له العلامة أحمد محمد شاكر، وحققه المحدث ناصر الدين الألباني

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه صحيح البخاري (1/ 52 و 7/ 144) (رقم: 206 و5799)، صحيح مسلم (1/ 230/ 79_80) (رقم: 274)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 251) (رقم: 18196)، سنن الدارمي (1/ 556) (رقم: 740)، مستخرج أبي عوانة (1/ 166 و 1/ 214) (رقم: 489_490 و 699)، المعجم الأوسط (5/ 270) (رقم: 5287)، المعجم الكبير للطبراني (20/ 371 و 20/ 372) (رقم: 864 و 869)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 422) (رقم: 1336_1337)، شرح السنة للبغوي (1/ 454) (رقم: 235).

 

وأما الحديث:

"أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ"، فقد أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 42) (رقم: 165)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 162) (رقم: 97)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 183) (رقم: 550).

 

والحديث ضعيف: ضعفه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 162) (رقم: 521)

 

وفي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (1/ 163):

"وَهَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ غَيْرُ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَا: "لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ رَوَى هَذَا عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَجَاءٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ كَاتِبِ المُغِيرَةِ، مُرْسَلٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ المُغِيرَةُ."

 

وقال الأرنؤوط في تحقيقه وتعليقه على "سنن ابن ماجه" (1/ 346):

"إسناده ضعيف، الوليد بن مسلم -وهو الدمشفي- يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه، ثم إن بين ثور بن يزيد وبين رجاء بن حيوة انقطاعًا." اهـ

 

وقال أبو سليمان جاسم بن سليمان حمد الفهيد الدوسري _حفظه الله_  في "الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام" (1/ 236_238):

"وقد أُعِلّ هذا الإِسناد بأربع علل:

الأولى: الانقطاع بين ثور ورجاء، قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء.

وقال الدارقطني: رواه ابن المبارك عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا ليس فيه المغيرة.

ونقل الأثرم كما في "نصب الراية" (1/ 181 - 182) عن الإِمام___أحمد أنه كان يضعّف هذا الحديث، ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن بن مهدي، فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفسده من وجهين حين قال: (حُدِّثْتُ عن رجاء) وحين أرسل فلم يُسنده. أهـ.

وقال ابن حزم في المحلى (2/ 114) بعد ما روى الحديث من طريق أحمد هذه: "فصحّ أن ثورًا لم يسمعه من رجاء بن حيوة وأنه مرسل لم يُذكر فيه. (المغيرة) ". أهـ.

وقال الترمذي: "وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقالا. ليس بصحيح، لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُذكر فيه (المغيرة) ". أهـ.

وقد أجاب ابن التركماني في الجوهر النقي (حاشية البيهقي: 1/ 291) وابن القيم في تهذيب السنن (1/ 125) عن ذلك بأن الدارقطني (1/ 195) رواه من طريق داود بن رُشيد عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد: ثنا رجاء .. فذكر. فهذا صريح في الاتصال.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 160) متعقبًا: "لكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده عن أحمد بن يحيى الحلواني عن داود بن رشيد فقال: (عن رجاء) ولم يقل: (حدثنا رجاء)، فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بصحة وصله مع ما تقدّم من كلام الأئمة". أهـ.

الثانية: الإِرسال وقد تقدم كلام الأئمة على ذلك في العلة الأولى، وأجاب ابن التركماني عن ذلك بأن الوليد بن مسلم زاد في الحديث ذكر (المغيرة) وزيادة الثقة مقبولة.

وتابعه على ذلك ابن أبي يحيى. كذا أخرجه البيهقي في المعرفة. أهـ.

قلت: ابن أبي يحيى -واسمه: إبراهيم- متهم وروايته هذه عند الشافعي (مختصر المزني: ص 10)،

وتابعه أيضًا عتبة بن___السكن عند تمام وهو متروك كما قال الدارقطني، واتهمه البيهقي بالوضع كما في لسان الميزان (4/ 128)، فعُلِم أن لا فائدة من متابعتهما.

قال ابن القيم (1/ 126): "وقد تفرّد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله، وخالفه من هو أحفظ منه وأجل وهو الإِمام الثبت عبد الله بن المبارك، فرواه عن ثور عن رجاء قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله".

الثالثة: تدليس الوليد بن مسلم، قال ابن حزم عن هذا الخبر (2/ 114): "مُدَلَّس أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين". أهـ.

وقد أجاب ابن القيم وابن التركماني عن ذلك بأن الوليد صرّح بالتحديث في رواية أبي داود، وكذا رواية أحمد والترمذي وابن ماجه، فأُمن بذلك تدليسه.

الرابعة: جهالة كاتب المغيرة قال ابن حزم: "وعلة ثالثة وهي أنه لم يُسمِّ فيه كاتب المغيرة". أهـ. كذا قال بحسب ما وقع في روايته وقد سُمَّي في رواية ابن ماجه: (وَرّادًا) وهو ثقة احتج به الستة.

ونقل ابن أبي حاتم في العلل (1/ 54) عن أبيه أنه قال عن الحديث: "ليس بمحفوظ وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح".

والحاصل: أن الحديث معلول بعلتين قادحتين، وقد ضعفه جماعة من الحفاظ كالشافعي -كما في المجموع (1/ 517) - وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حزم والبغوي في شرح السنة (1/ 463) وابن القيّم والزيلعي في نصب الراية (1/ 181) والحافظ ابن حجر في التلخيص.

 

من فوائد الحديث :

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 441) لابن المنذر النيسابوري :

* "وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَطَهَّرَ فَأَكْمَلَ طُهُورَهُ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ،

* وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، فَأَدْخَلَ الرّجلَ الْمَغْسُولَةَ فِي الْخُفِّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، وَأَدْخَلَهُمَا الْخُفَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يُحْدِثْ." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 259_261) للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام التميمي النجدي :

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - هذا أحدُ أدلَّة جواز المسح على الخفَّيْنِ من النصوص المتواترة، والمسح لمن عليه الخُفَّان أفضلُ من الغَسْلِ، مراعاةً لأصل التشريع، فالفرعُ أفضل من الأصل، وأمَّا مع عَدَمِ اللُّبْسِ فالأفضلُ الغسل، ولا يلبس ليمسح؛ لأنَّ الغسل هو الأصل.

2 - اشتراطُ كمال الطهارة لجوازِ المَسْحِ على الخفين، فلو غَسَلَ إحدى رجلَيْهِ، ثم أدخلها الخفَّ، قبل غسل الأخرَى، لم يجزىء المسح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنِّي أدخلتهما طاهرتين"؛ فهذه علَّةٌ لترك نزع الخفين، وجواز المسح عليهما.___

وبيان علَّة الحكم يحصل منها ثلاث فوائد:

الأولى: اطمئنان القلب بالحكم، وارتياحه إليه.

الثانية: سمو الشريعة الإسلامية، مِنْ أنَّه لا يوجد حكمٌ، إلاَّ وله علَّة وحكمة.

الثالثة: ثبوت الحكم لكلِّ ما ماثَلَ الحكم المعلَّل لعموم العلَّة.

قال شيخ الإسلام: إنَّ العِلَلَ مناطُهَا وتعلُّقها بالمعاني المرادة، لا بالأشخاص، فخصائصُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّما جاءَتْ من أجل أنَّه -صلى الله عليه وسلم- نبي.

3 - قال النووي: إنْ لبس مُحْدِثًا، لم يجزئه المسح إجماعًا.____

4 - أنَّ رواية النسائي تدل على أنَّ المسح يكون على أعلى الخف وأسفله، ولكن ضعَّف أئمةُ الحديث هذه الزيادة، فالصحيحُ: أنَّ المسح يكون على أعلى الخف فقط.

قال الوزير: أجمعوا على أنَّ المسح يختصُّ بظاهر الخف.

قال ابن القيم: لم يصحَّ عنه أنَّه مسح أسفلهما، وإنَّما جاء في حديثٍ منقطع، والأحاديثُ الصحيحةُ على خلافه.

5 - وجوبُ غسل الرجلين في الوضوء؛ لما استقرَّ في نفس الصحابي من نزع الخفين لغسل الرجلين عند الوضوء، وإقرار النَّبي -صلى الله عليه وسلم- له على ذلك، لولا أنَّه يريد المسح عليهما.

6 - أنْ يكون الخف ساترًا لمحلِّ العضو المفروض، وهذا مأخوذٌ من مسمَّى الخف، فإن لم يستر العضو لخَرْقٍ فيه وشق ونحوهما، فالرَّاجحُ: جواز المسح عليه، وَإِنْ ظهر بعضُ العضو، فإنَّ الظاهر تابع للمستور، فإنَّه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً.

7 - الوضوءُ أمام النَّاس لا ينافي الآداب العامة، لاسيما مع الأصحاب والمستخدمين والأتباع.____

8 - تشرُّف المغيرة بن شعبة بخدمة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، مع كونه من أَكْبَرِ بيت في قبيلة ثقيف.

9 - جواز خِدْمَةِ الفاضلِ بتقديمِ حذائِهِ وخلعهما أو حملهما، إذا كانت الخدمةُ لدينه وعلمه، أو لحقِّهِ من أبوَّةٍ أو ولايةٍ عامَّة ونحو ذلك، وأنَّه لا يعتبر مِنَ المخدوم تكبُّرًا على غيره واستهانةً بهم، ما دام الحاملُ على ذلك النظرَ إلى مبدأٍ شريفٍ وَسامٍ، كما أنه لا يعتبر من الخادم ذُلاًّ وإهانةً لنفسه، ما دام الحاملُ له غرضٌ شريفٌ، ومقصدٌ حسنٌ.

10 - توجيهُ الخادمِ إلى الصواب مع بيانِ وجه الحكم؛ ليكونَ أشدَّ طمأنينةً لقلبه، وأفقه لنفسه، وأسرع لقبوله.

11 - الطهارةُ عند كثيرٍ من الفقهاء -ومنهم أصحابنا الحنابلة- لا تكون إلاَّ إذا كانت بالماء، دون التيمُّم؛ فهو عندهم مبيحٌ لا رافع للحدث، وعلى هذا: يشترط لجواز المسح أَنْ تكون الطهارة التي لَبِسَ بعدها الخفين هي طهارة بالماء.

ولكن القول الثاني الذي يعتبر فيه التيمُّم بدلاً من الماء، وقائمًا مقامَهُ في كلِّ شيء، حتَّى في رفع الحدث: فإنَّه يجوز أنْ يمسح ولو كانت الطهارة طهارة تيمُّم، وهو الصحيح.

12 - جواز إعانه المتوضىء على وضوئه بتقريب الماء أو الصبِّ عليه ونحو ذلك، أمَّا غَسْل أعضائه: فلا يكون إلاَّ من حاجة." اهـ

 

وفي "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (3/ 102):

"بَيَان استنباط الْأَحْكَام

* الأول: فِيهِ جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَبَيَان مشروعيته.

* الثَّانِي: احتجت بِهِ الشَّافِعِيَّة على أَن شَرط جَوَاز الْمسْح لبسهما على طَهَارَة كَامِلَة قبل لبس الْخُف، لِأَن الحَدِيث جعل الطَّهَارَة قبل لبس الْخُف شرطا لجَوَاز الْمسْح، وَالْمُعَلّق بِشَرْط لَا يَصح إلاَّ بِوُجُود ذَلِك الشَّرْط.____

* الثَّالِث: من الْأَحْكَام، فِيهِ: خدمَة الْعَالم، وللخادم أَن يقْصد إِلَى مَا يعرف من خدمته دون أَن يَأْمر بهَا.

* الرَّابِع: فِيهِ إِمْكَان الْفَهم عَن الْإِشَارَة ورد الْجَواب بِالْعلمِ على مَا يفهم من الْإِشَارَة، لِأَن الْمُغيرَة أَهْوى لينزع الْخُفَّيْنِ، ففهم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَرَادَ، فَأجَاب بِأَنَّهُ يجْزِيه الْمسْح.

* الْخَامِس: فِيهِ: أَن من لبس خفيه على غير طَهَارَة انه لَا يمسح عَلَيْهِمَا بِلَا خلاف." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474):

"فِيهِ رَدٌّ عَلَى إِطْلَاقِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لُبْسَ الْإِنْسَانِ غَيْرَ زِيِّ أَهْلِ إِقْلِيمِهِ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ، وَلِذَا قِيلَ: مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ لِحَاجَةٍ، أَوْ لَمْ يَقْصِدِ التَّأَسِّيَ بِالسَّلَفِ فِي عَدَمِ التَّكَلُّفِ، وَتَرْكِ النَّظَرِ إِلَى هَيْئَاتِ الْعَادَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ حَدَثٌ فَأَنَاطُوا بِهِ حُكْمَهُ حَيْثُ لَا حَاجَةَ، وَلَا قَصْدَ لِلتَّأَسِّي، ...

نَعَمْ، لَوْ غَيَّرَ زِيَّهُ عَلَى جِهَةِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ الدَّالَّةِ عَلَى قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْعُرْفِيَّةِ، فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ مُرُوءَتِهِ وَعَدَمِ عَدَالَتِهِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْهَا الْأَكْلُ فِي السُّوقِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُتَدَنِّسِينَ بِالنَّجَاسَةِ الطَّهَّارَةُ كَالْجُوخِ، وَإِنِ اشْتُهِرَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَكَالْجُبْنِ وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِيهِ أَنَافِحَ الْخِنْزِيرِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ خَبَرُ أَحْمَدَ، أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْ حُلَلِ الْحِيرَةِ ; لِأَنَّهَا تُصْبَغُ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ ; قَدْ لَبِسَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَبِسْنَاهُنَّ مَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْخَلَّالِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّ أُبَيًّا قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ لَبِسَهَا نَبِيُّ اللَّهِ، وَرَأَى اللَّهُ مَكَانَهَا، لَوْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا حَرَامٌ لَنَهَى عَنْهَا. فَقَالَ: صَدَقْتَ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، لَكِنَّهُ غَرِيبٌ، أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُتِيَ بِجُبْنَةٍ فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " أَيْنَ يُصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: بِفَارِسَ، أَيْ: أَرْضِ الْمَجُوسِ إِذْ ذَاكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ضَعُوا فِيهَا السِّكِّينَ وَكُلُوا " فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً. فَقَالَ " سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ خُفَّانِ فَلَبِسَهُمَا، وَلَا يَعْلَمُ أَهُمَا ذُكِّيَا أَمْ لَا» ؟ وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَالْفِرَاءِ، مَعَ أَنَّهُمَا كَانَتْ تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْمَجُوسِ، وَذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ الْجُبْنُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُوضَعُ فِيهِ أَنَافِحُ الْمَيْتَةِ. فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي جُبْنِ الْمَجُوسِ هَذَا الْحَدِيثُ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 131)

قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ ضُرُوبٌ مِنْ مَعَانِي الْعِلْمِ،

* مِنْهَا: خُرُوجُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ فِي الْغَزْوِ لِجِهَادِ عَدِوِّهِ وكانت عزوة تبوك آخر عزوة غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِغَزَاةِ الْعُسْرَةِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تَبُوكَ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ أَيْلَةَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا،

قَالَ خَلِيفَةُ:

"وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا فِي غُرَّةِ رَجَبٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ."

* وَفِيهِ: آدَابُ الْخَلَاءِ وَالْبُعْدُ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ."

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 132):

"إِنَّ الْفُقَهَاءَ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَأَنَّ الْأَحْجَارَ رُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ، وَأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا جَائِزٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ،

وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَفِيهِ: إِبَاحَةُ لُبْسِ الضَّيِّقِ مِنَ الثِّيَابِ بَلْ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا مُسْتَحْسَنًا فِي الْغَزْوِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأَهُّبِ وَالِانْشِمَارِ وَالتَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_. وَلِبَاسُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ عِنْدِي لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ." اهـ

 

[تعليق]: وفي تحفة الأحوذي (5/ 391) للمباركفوري:

"قال الحافظ ابن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: "وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ فَلَمْ يَلْبَسْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَتَّةَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّتِهِ وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ." انْتَهَى

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ: وَقَدْ صَارَ أَشْهَرُ النَّاسِ بِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا الْعُلَمَاءُ فَيُرَى أَحَدُهُمْ وَقَدْ يَجْعَلُ لِقَمِيصِهِ كُمَّيْنِ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ جُبَّةً أَوْ قَمِيصًا لِصَغِيرٍ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ يَتِيمٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْفَائِدَةِ إِلَّا الْعَبَثُ وَتَثْقِيلُ الْمُؤْنَةِ عَلَى النَّفْسِ وَمَنْعُ الِانْتِفَاعِ بِالْيَدِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَتَشْوِيهِ الْهَيْئَةِ وَلَا الدِّينِيَّةِ إِلَّا مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَالْإِسْبَالُ وَالْخُيَلَاءُ انْتَهَى

وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الضَّيِّقَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَتَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ هَذَا فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بَابُ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ لُبْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبَّةَ الضَّيِّقَةَ إِنَّمَا كَانَ لِحَالِ السَّفَرِ لِاحْتِيَاجِ الْمُسَافِرِ إِلَى ذَلِكَ وَأَنَّ السَّفَرَ يُغْتَفَرُ فِيهِ لُبْسُ غَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الْحَضَرِ." اهـ

 

وفي "الحاوي للفتاوي" (1/ 84) للسيوطي: "وَقَالَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام: "تَطْوِيلُ الْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِسْرَافٌ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 133)

وَفِيهِ: أَنَّ الْعَمَلَ الْخَفِيفَ فِي الْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ لَا يُوجِبُ اسْتِئنَافَهُ، وَكَذَلِكَ كَلُّ عَمَلٍ إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ آخِذًا فِي طَهَارَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا انْصِرَافًا عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا كَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ،

فَإِنْ أَخَذَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَيْرِ عَمَلِ الْوُضُوءِ، وَتَرَكَهُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا جِدًّا.

فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا فَهُوَ مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ شُغْلًا وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 133)

* وَفِيهِ: أَنْ لَا بَأْسَ بِالْفَاضِلِ مِنَ الرِّجَالِ وَالْعَالِمِ وَالْإِمَامِ أَنْ يُخْدَمَ وَيُعَانَ عَلَى حَوَائِجِهِ،

* وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فَيَتَوَضَّأَ وَذَلِكَ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَتَهَيَّأُ أَنْ يُدْخِلَ الْمُتَوَضِّئُ يَدَهُ فِيهِ،

* وَفِيهِ: إِذَا خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فَوْتُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ مِنْهَا لَمْ يُنْتَظَرِ الْإِمَامُ لَهَا وَلَا غَيْرُهُ فَاضِلًا كَانَ أَوْ عَالِمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ.

* وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: "مَعْلُومٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِيَشْتَغِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ كُلُّهُ"،

وَقَالَ: "لَوْ أُخِّرَتِ الصَّلَاةُ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَأُخِّرَتْ لِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وفضل الصلاة معه إذ قدموا عبد الرحمان بْنَ عَوْفٍ فِي السَّفَرِ."

وَفِيمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي نَظَرٌ!" اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 134_135) :

* "وَفِيهِ: أَنَّ تَحَرِّي الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُقَدِّمُوا إِمَامًا بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَالِي،

* وَمِنْهَا: أَنْ يَأْتَمَّ الْإِمَامُ وَالْوَالِي مَنْ كَانَ بِرَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ،

* وَمِنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم صلى مع عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ رَكْعَةً وَجَلَسَ مَعَهُ فِي الْأُولَى ثم قام فقضى.

* وفيه: فضل عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ إِذْ قَدَّمَهُ جَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِصَلَاتِهِمْ بَدَلًا مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

* وَفِيهِ: صَلَاةُ الْفَاضِلِ خَلْفَ الْمَفْضُولِ[9]،

* وَفِيهِ: حَمْدُ مَنْ بَدَّرَ إِلَى أَدَاءِ فَرْضِهِ وَشُكْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَحْسِينُ فِعْلِهِ.

* وَفِيهِ: الْحُكْمُ الْجَلِيلُ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَخْذُولٌ أَوْ مُبْتَدِعٌ خَارِجٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ.

 لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ إِلَّا قَوْمًا ابْتَدَعُوا، فَأَنْكَرُوا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالُوا : "إِنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَعَسَى الْقُرْآنُ نَسَخَهُ."

وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كِتَابَ اللَّهِ، بَلْ بَيَّنَ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ فِي قَوْلِهِ :

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44]،

وَقَالَ : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [النساء: 65]، الآية.___

وَالْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَازَ عَلَيْهِمْ جَهْلُ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ الْخِذْلَانِ." اهـ[10]

 

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 112) لابن دقيق العيد القشيري :

"مُخْتَصَرُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَدْ تَكَثَّرَتْ فِيهِ____الرِّوَايَاتُ، وَمِنْ أَشْهَرِهَا: رِوَايَةُ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ أَصَحِّهَا: رِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ - بِفَتْحِ الْبَاء وَالْجِيمِ مَعًا -.

وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ،

وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ إنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، كَانَ جَوَازُ الْمَسْحِ ثَابِتًا مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ، وَإِنْ كَانَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ مُتَقَدِّمًا كَانَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، فَيُنْسَخُ بِهَا الْمَسْحُ، فَلَمَّا تَرَدَّدَ الْحَالُ تَوَقَّفَتْ الدَّلَالَةُ عِنْدَ قَوْمٍ، وَشَكُّوا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ،

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ قَالَ: "قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَكِنْ أَقَبْلَ الْمَائِدَةِ أَمْ بَعْدَهَا؟ " إشَارَةً مِنْهُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ،

فَلَمَّا جَاءَ حَدِيثُ جَرِيرٍ مُبَيِّنًا لِلْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، زَالَ الْإِشْكَالُ،

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ»

وَهُوَ أَصْرَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْ جَرِيرٍ " وَهَلْ أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؟ "، وَقَدْ اشْتَهَرَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى عُدَّ شِعَارًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَعُدَّ إنْكَارُهُ شِعَارًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ." اهـ

 

الحديثان المشار إليهما ذكرهما قبل في في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 112) :

"الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» ،

الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَالَ، وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 158):

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ:

* أَنَّهُ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَقَضَى مَا فَاتَهُ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عليه.___

* وَفِيهِ: أَنَّ الرَّجُلَ الْعَالِمَ الْخَيِّرَ الْفَاضِلَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْتَمَّ فِي صَلَاتِهِ بِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَأَنَّ إِمَامَةَ الْمَفْضُولِ جَائِزَةٌ بِحَضْرَةِ الْفَاضِلِ إِذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا أَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 309) :

"قَالَ بن بَطَّالٍ[11] :

"فِيهِ: خِدْمَةُ الْعَالِمِ، وَأَنَّ لِلْخَادِمِ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ عَادَةِ مَخْدُومِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ، وَفِيهِ : الْفَهْمُ عَنِ الْإِشَارَةِ وَرَدُّ الْجَوَابِ عَمَّا يُفْهَمُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ فَقَالَ : (دَعْهُمَا)." اهـ

 

[تعليق]: وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 312):

"قال المهلب: فى حديث المغيرة خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من خدمته دون أن يؤمر بها، لقوله : (ثم أهويت لأنزع خفيه) -.

قال غيره: وفيه إمكان الفهم عن الإشارة، ورد الجواب بالعلم على ما يفهم من الإشارة، لأن المغيرة أهوى لينزع الخفين، ففهم عنه (صلى الله عليه وسلم) ما أراد فأفتاه بأنه يجزئه المسح." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 310):

"فَائِدَةٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ لَا مَدْخَلَ لِلْغُسْلِ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ.

فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ أَعَادَ الْوُضُوءَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا." اهـ

 

[تعليق]: رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (1/ 285_286):

"في شروط المسح، وهي خمسة:

الأول: أن يلبسهما على طهارة.

الثاني: أن تكون الطهارة مائية، وفي الترابية قولان.

الثالث: أن تكون الطهارة كاملة،___

الشرط الرابع: أن يكون اللبس مباحا لِلابس؛ لأنا نقول: لو لبِسَ المُحرِمُ الخفين من غير عذر، أو لبس الإنسان خفين مغصوبين، لم يجز المسح في المسألتين.

الشرط الخامس: أن يكون لبس الخفين على الوجه المعتاد عند الناس في لباس الخفاف." اهـ ملخصًا

 

وفي منهاج المسلم (ص: 161) لأبي بكر جابر الجزائري _رحمه الله_ :

"فِي شروطِ المسحِ:

يشترط فيِ المسحِ علَى الخفينِ ومَا فِي معناهمَا، مَا يلي:

1 - أنْ يلبسهمَا علَى طهارةٍ؛ لقولهِ عليهِ الصّلاة والسلام للمغيرةِ بنِ شعبةِ لما أرادَ أنْ ينزعَ خفيِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ليغسلَ رجليهِ فيِ وضوئهِ: "دعهمَا فإني أدخلتهمَا طاهرتينِ".

2 - أنْ يكونَا ساترينِ لمحل الفرضِ.

3 - أنْ يكونَا سميكينِ لَا تبدو البشرةُ منْ تحتهمَا.

4 - أنْ لَا تزيدَ مدة المسحِ علَى اليومِ واللَّيلةِ للمقيمِ، ولَا علَى ثلاثةِ أيَّامٍ بلياليهَا للمسافرِ، لقولِ علي - رضي الله عنه -: "جعلَ رسولُ اللّهِ ثلاثةَ أيام ولياليهن للمسافرِ ويومًا وليلةً للمقيمِ" [م].

5 - أنْ لَا ينزعهمَا بعدَ المسحِ، فلو نزعهمَا وجبَ عليهِ غسلُ رجليهِ وإلا بطلَ وضوؤهُ.

6 - وأما المسح علَى الجبيرةِ فلَا يشترطُ لهُ تقدُّم طهارةٍ، ولَا التوقيتُ بزمنٍ محدَّدٍ وإنمَا يشترطُ لهُ أنْ تكونَ غيرَ زائدةٍ علَى محلِّ الجرحِ إلّا بمَا لَا بدّ منة للربطِ، وأنْ لَا تنزعَ منْ مكانهَا وأنْ لَا يبرأَ الجرحُ، فإنْ سقطتْ أوْ برئَ الجرحُ بطلَ المسحُ ووجبَ الغسلُ."اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 310):

"فَائِدَةٌ أُخْرَى :

لَمْ يُخْرِجِ الْبُخَارِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى تَوْقِيتِ الْمَسْحِ وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فَقَالَ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَخْلَعْ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ التَّوْقِيتَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَفِي الْبَابِ عَن أبي بكرَة وَصَححهُ الشَّافِعِي وَغَيره." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (3/ 170)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِأَنْ يُفْرِغَ مِنَ الْوُضُوءِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ إِدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُدْخِلَتْ وَهِيَ طَاهِرَةٌ

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا وَغَسَلَ الْيُسْرَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا لَمْ يَصِحَّ لُبْسُ الْيُمْنَى، فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهَا وَإِعَادَةِ لُبْسِهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَزْعِ الْيُسْرَى لِكَوْنِهَا أُلْبِسَتْ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ

وَشَذَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْجَبَ نَزْعَ الْيُسْرَى أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ يَجُوزُ اللُّبْسُ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ يُكْمِلُ طَهَارَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 5) لأبي العباس القرطبي :

"وفيه حجة للجماعة: في جواز صب الماء على المتوضئ." اهـ

 

وفي "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (1/ 309):

"وهذا تعليم منه (صلى الله عليه وسلم) السبب الذى يبيح المسح على الخفين، وهو إدخاله لرجليه وهما طاهرتان بطهر الوضوء." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 490) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي :

"في الحديث : استحباب الإبعاد لقضاء الحاجة، وجواز لبس الصوف.

وفيه : مشروعية مسح الخفين إذا لبسهما على طهارة." اهـ

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 217) للقاضي البيضاوي:

"وقوله _عليه السلام_ : " دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين " يدل على أن العلة المجوزة لإبقائهما والمسح عليهما لبسهما على الطهارة." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 443) للزيداني :

"وهذا دليلٌ على أن تحصيل أسباب الصلاة من الوضوء وغيره يستحبُّ قبل دخول الصلاة." اهـ[12]

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 444)

"فلما رجع"؛ أي: فلما رجع من قضاء الحاجة "أخذت"؛ أي: طفِقْتُ أُهريق؛ أي: أصبُّ على يديه.

وهذا دليلٌ على أن صبَّ الماء على يد المتوضَّئ ليتوضَّأ جائز.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 444)

"فضاق كمُّ الجبة" بحيث لا يقدر أن يخرج يده إلى المرافق عن كُمِّ الجبة من غايةِ ضيقِ الكم.

وهذا دليلٌ على أن الكمَّ الضيِّقَ سنة.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 444):

"قوله: "دعهما"؛ أي: اتركهما ولا تنزعهما عن رجليَّ "فإني أدخلْتُهما طاهرتين"؛ يعني: لبستهما في حالةِ كونِ قدميَّ طاهرتين، يعني: كنت على وضوءٍ كامل حين لبستهما، فيجوز المسحُ عليهما.

وهذا دليلٌ على أن المسح على الخفين إنما يجوز إذا لبس الخفين على وضوء كامل.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 444_445)

"يصلِّي بهم"؛ أي: كان عبد الرحمن بن عوف إمامَهم، وقد جاء في رواية أخرى: أن رسول الله - عليه السلام - قال لهم بعد الفراغ من الصلاة: "أحسنتم، صلُّوا الصلاة لوقتها"؛ يعني: إذا دخل وقت الصلاة صلُّوا الصلاة لوقتها، ولا تؤخِّروا الصلاة لانتظار الإمام، وتركُ انتظار الإمام إنما يستحبُّ إذا علموا أن الإمام يجيء بعد مضي زمان كثير، ولم يعلموا متى يجيء الإمام،

أما___إذا علموا مجيء الإمام في زمانٍ يسيرٍ يستحبُّ انتظاره، وإن كان موضع الإمام قريبًا من المسجد يستحبُّ إعلامه وقتَ الصلاة.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 445)

"فأدرك النبي - عليه السلام - إحدى الركعتين معه"، يعني: اقتدى النبي - عليه السلام - بعبد الرحمن في ركعتهم الباقية، وهذا دليل على أن اقتداء الأفضل بمن دونه جائز إذا علم الإمام أركان الصلاة.

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 359_360) لابن الملقن:"

في أحكامه:

الأول: جواز المسح على الخفين، وقد سلف في الباب قبله.

الثاني: اشتراط الطهارة في اللبس وبه قَالَ الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق

واستدل بعضهم بقوله: فمسح عليهما على أن المشروع هو مسح___الأعلى؛ لأن لفظ على ظاهر في ذَلِكَ.

وفيه: تعليم السبب المبيح للمسح على الخف.

وفيه -كما قَالَ المهلب-: المسح في السفر من غير توقيت، وهو مذهب الليث في حقه وحق المقيم، وروي عن جماعة من الصحابة، وحكي عن مالك أيضًا،

وقال الكوفيون والشافعي وأحمد: يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وهو مشهور مذهب مالك، وعنه رواية أنه مؤقت للحاضر دون المسافر، والثابت في السنة التوقيت، وما قابله فمستضعف." اهـ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 360)

وفيه أيضا: خدمة العالم وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من خدمته. دون أن يؤمر بها.

وفيه أيضًا: الفهم بالإشارة ورد الجواب عنها؛ لأن المغيرة لما أهوى للنزع فهم منه - صلى الله عليه وسلم - ما أراد فأفتاه بإجزاء المسح.

 

اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (2/ 279) لشمس الدين البِرْماوي :

وأنَّ مَن ليسَ على طُهر لا يَمسحُ، حتى يتَوَضَّأ كاملًا، ثم يلبَسُ، فلو غَسلَ رِجلَيه وأدخَلَهما الخُفَّ، ثم أكمَلَ الوُضوءَ لا يمسحُ عليهما، وجوَّزَ ذلك أبو حنيفةَ، أي: بناءً على عَدَم التَّرتيب، وإلا فغَسلُهُما لَغوٌ، والحديثُ يردُّه، حيثُ جعلَ العلَّة اللُّبسَ على طَهارةٍ.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474) للقاري :

(عَلَى يَدَيْهِ) الْكَرِيمَتَيْنِ (مِنَ الْإِدَاوَةِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الطَّهَارَةِ، سِيَّمَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِفَادَةُ وَالِاسْتِفَادَةُ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474)

( «جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ» ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ مُسْتَحَبٌّ[13]

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474) للقاري:

( «فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ» ) أَيْ: ذَيْلَهَا (عَلَى مَنْكِبَيْهِ)

فِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ إِزَارٌ أَوْ قَمِيصٌ، وَإِلَّا لَظَهَرَتِ الْعَوْرَةُ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 475):

(فَلَمَّا سَلَّمَ) أَيِ: الْإِمَامُ (قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَدَاءِ مَا سَبَقَ (وَقُمْتُ مَعَهُ) أَيْ: لِأَنِّي كُنْتُ مَسْبُوقًا أَيْضًا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ إِلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ عَمْدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا يَجِبُ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ اهـ.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110) للعثيمين:

"(دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما)

ففي هذا: دليل واضح على أن الإنسان الذي عليه جوارب، أو عليه خفان؛ أن الأفضل أن يمسح عليهما ولا يغسل رجليه." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 277):

"وانطلق حتى توارى في سواد الليل لأنه _عليه الصلاة والسلام_ أشد الناس حياء، فلا يحب أن يراه أحد وهو جالس علي قضاء حاجته وإن لم تر عورته.

وهذا من كمال الأدب، أنك إذا أردت أن تقضي حاجتك فابعد عن الناس حتى تتوارى عنهم لا من أجل ألا يروا عورتك لأن ستر العورة واجب

ولا يجوز أن تتكشف أمام الناس لكن هذا فوق ذلك يعني الأفضل ألا يرى الإنسان وهو على حاجته وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لأن هديه أكمل الهدى." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 277_278):

"وكان عليه جبةٌ من صوف ضيقةُ الأكمام____لبسها _عليه الصلاة والسلام_، لأن الوقت كان باردا، لأن تبوك قريبةٌ من الشام باردةٌ، فلذلك كان عليه هذه الجبة _عليه الصلاة والسلام_." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 278)

ففي هذا الحديث عدة فوائد:

منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يناله ما ينال البشر من الأمور الطبيعية يبرد كما يبرد الناس ويحترُّ كما يحتر الناس،

ولهذا رآه مرة معاوية وقد فك أزرار القميص، لأنه _والله أعلم_ كان محترا، ففَكَّ الأزرارَ، فظن معاوية _رضى الله عنه_ أن هذا من السنة، وهو ليس من السنن المطلقة،

لكن من السنة إذا كان فيه تخفيف على البدن لأن___كل ما يخفف عن البدن فهو خير فإذا كان الإنسان محترا وأراد أن يفتح الأزرار الأعلى والذي يليه فلا بأس ويكون هذا من السنة أما بدون سبب فإنه ليس من السنة لأنه لو كان من السنة لكان وضع الأزرار عبثا لا فائدة منه والدين الإسلامي ليس فيه شيء عبث فكله جد." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 279_280)

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يتوقى ما يؤذيه من حر أو برد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بل الأفضل للإنسان أن يتوقى ما يؤذيه لأن هذا من تمام الرعاية للنفس حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: الكل إذا خفت أن يؤذيك صار حراما عليك الأكل الذي هو الغذاء إذا خفت أن يؤذيك إما بكثرته وإما بكونك أكلت قريبا فتخشى أن تتأذى بالأكل الجديد فإنه يحرم عليك بمعنى أنك تأثم إذا أكلته لأن الإنسان يجب أن يرعى نفسه حق الرعاية ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز أن يمسح على حائل سوى الخفين أو العمامة فلو كان على الإنسان ثوب ضيق الأكمام ولا تخرج اليد إلا بصعوبة وقال : أمسح على هذا الثوب كما أمسح على الخف قلنا: هذا لا يجوز لابد أن تحرج يدك حتى تغسلها حتى لو فرض أنها لم تخرج إلا بشق الكم فإنه يشق حتى يؤدي الإنسان ما___فرض الله عليه من غسل اليد فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 280)

ومن فوائد الحديث : بيان جهل بعض الناس الذين يظنون أن ما يسمى بالمانيكير مثل الخفين إذا وضعته المرأة على طهارة تغسلها يوما وليلة.

وهذا خطأ ليس بصحيح، فالمانيكير يجب أن يزال عند الوضوء حتى يصل الماء إلى الأظافر وأطراف الأصابع.

ومن فوائد هذا الحديث : جواز استخدام الأحرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان المغيرة يخدمه ولكن لاشك أن خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم شرف كل يفخر بخدمة الرسول عليه الصلاة والسلام وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خدم من الأحرار كعبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأنس بن مالك وغيرهما فالمغيرة كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث : جواز إعانة المتوضئ على وضوءه يعني تصب عليه أو تقرب له الإناء وما أشبه ذلك وكذلك لو فرض أنه يستطيع أن يغسل أعضاءه فاغسلها أنت فلو فرض أن في يده كسرا أو شلالا أو ما أشبه ذلك فلا حرج أن تغسل أعضاءه أنت.

ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان إذا كان لابسا خفين أو جوارب على طهارة فإنه يمسح عليهما وأن المسح أفضل من___أن يخلعهما ويغسل قدميه لأن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال: (دعْهما)، أي: اتْرُكْهما لا تخلعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما.

ومن فوائد هذا الحديث : ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المسح على الخفين يكون مرة واحدة على القدمين إذ أن المغيرة لم يذكر أنه بدأ باليمنى قبل اليسرى فاستنبط بعض العلماء من ذلك أن المسح على الخفين يكون باليدين جميعا مرة واحدة،

ولكن لا حرج أن الإنسان يفعل هذا أو يمسح على الرجل اليمنى قبل اليسرى لأن المسح بدل عن الغسل والغسل تقدم فيه اليمنى على اليسرى والبدل له حكم المبدل، فإن فعل الإنسان هذا أو هذا فلا حرج والأمر في هذا واسع.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين، إلا إذا كان لبسهما على طهارة فإن لبسهما على غير طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ويغسل قدميه. ومنه فوائد أخرى

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 51) للشيخ عبد الله آل بسام التميمي النجدي:

"ما يؤخذ من الحديث:

1- مشروعية المسح على الخفين عند الوضوء، والمسح يكون مرة واحدة باليد ويكون على أعلى الخف دون أسفله كما جاء في الآثار.

2- اشتراط الطهارة للمسح على الخفين. وذلك بأن تكون الرجلان على طهارة قبل دخولهما في الخف.

3- استحباب خدمة العلماء والفضلاء.

4- جاء في بعض روايات هذا الحديث أن ذلك في غزوة تبوك لصلاة الفجر." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (1/ 275_276) للشيخ حمزة محمد قاسم المصري :

ويستفاد منه ما يأتي:

أولاً : أن المسح على الخفين رخصة شرعية وسنة

نبوية ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - مسح خفيه بعد نزول آية الوضوء،

فدل ذلك على أن المسح عليهما باقٍ لم تنسخه الآية المذكورة، خلافاً للخوارج.

ثانياً : أن من أهم شروط المسح على الخفين. أن يلبسهما على طهارة لقوله - صلى الله عليه وسلم - " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين "

ويشترط أن تكون طهارة مائية كاملة " عند الجمهور " وأجاز أبو حنيفة والمزني والثوري المسح عليهما ولو كانت الطهارة ناقصة، فلو غسل إحدى قدميه وأدخلها، ثم غسل الأخرى___وأدخلها جاز، وأما بقية الشروط فهي أن يكون الخف من جلد ساتراً للكعبين صحيحاً مباحاً، ويحدد المسح عند الجمهور بيوم وليلة خلافاً لمالك حيث أطلق مدة المسح بلا حد." اهـ

 

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 113) لمحمود السبكي _رحمه الله_:

"(فقه الحديث) :

* دلّ الحديث على مشروعية خدمة الصغير للكبير،

* وعلى مشروعية لُبْس الضيق من الثياب الذى لا يصف العورة، لا سيما في السفر فإنه أعون بخلاف ما يصف العورة كالبدل الإفرنجية فإنه يكره لبسها،

* وعلى مشروعية المسح على الخفين،

* وعلى اشتراط الطهارة لصحة المسح عليهما،

* وعلى أنه لا يصح الوضوء إلا بتعميم غسل اليدين إلى المرفقين، ولا يكفى فيه غسل ما ظهر منهما ومسح ما ستر بالكمّ ولو ضيقا، ولذا أخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده من تحت الجبة ولم يكتف بالمسح على ما بقى من ذراعيه،

* وعلى جواز الانتفاع بثياب الكفار ما لم تتحقق نجاستها، لأنه _صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم_ لبس الجبة الرّومية." اهـ

 

مستخرج أبي عوانة (1/ 166):

"بَيَانُ حَظْرِ الْخَلَاءِ فِي طُرُقِ النَّاسِ وَظِلِّهِمْ وَإِيثَارِ التَّبَاعُدِ بِهِ مِنَ النَّاسِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى إِيجَابِ الِارْتِيَادِ لِلْبَوْلِ وَالِاسْتِنْثَارِ مِنْهُ." اهـ



[1]  وفي شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 280) : "في رجب سنة تسع في غزوة تبوك." اهـ

[2]  وفي فتح الباري لابن حجر (1/ 309) :

"قَوْلُهُ (فَأَهْوَيْتُ) أَيْ : مَدَدْتُ يَدِيَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : "أَهْوَيْتُ بِالشَّيْءِ، إِذَا أَوْمَأْتُ بِهِ." وَقَالَ غَيْرُهُ : "أَهْوَيْتُ : قَصَدْتُ الْهَوَاءَ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقعُود." وَقيل : "الْأَهْوَاء : الامالة." اهـ

[3]  وفي "العدة" في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 167) :

"وقول المغيرة: (فَمَسَحَ عَلَيهمَا) :

فيه إضمارٌ، تقديره: فأحدثَ، فمسحَ عليهما؛ لأنَّ وقتَ جواز المسح بعدَ الحديث، ولا يجوزُ قبله؛ لأنَّه على طهارة الغسل.

والحدثُ المجوِّزُ للمسح: ما ينقض الوضوء من البول والغائط، والنوم، ونحوها؛ لا ما يوجب الغسل، وذلك ثابت في حديث صفوانَ بنِ عَسَّال -بالعين والسين المشددة المهملتين-، والله أعلم." اهـ

[4]  وفي ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (3/ 163) للشيخ محمد بن علي الأثيوبي : "(ضيفة الكمين) تثنية كم بضم الكاف، وتشديد الميم، قال في المعجم: الكم مدخل اليد، ومخرجها من الثوب، جمعه أكمام، وكِمَمَة." اهـ

[5]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 473)

(قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْقَامُوسِ: بَرَزَ بُرُوزًا أَيْ: خَرَجَ إِلَى الْبَرَازِ كَتَبَرَّزَ، وَفِي النِّهَايَةِ الْبَرَازُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ، فَكَنَوْا بِهِ عَنْ قَضَاءِ الْغَائِطِ كَمَا كَنَوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّزُونَ فِي الْأَمْكِنَةِ الْخَالِيَةِ مِنَ النَّاسِ، وَبِالْكَسْرِ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَائِطِ اهـ. وَعَلَى كُلٍّ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: خَرَجَ إِلَى التَّبَرُّزِ وَهُوَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، بَلْ مَعْنَى تَبَرَّزَ هُنَا خَرَجَ وَذَهَبَ عَلَى التَّجْرِيدِ ; لِقَوْلِهِ: (قِبَلَ الْغَائِطِ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ: جَانِبَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْغَائِطُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ." اهـ

[6]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474) للقاري :

"(فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ) وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِرُبُعِ الرَّأْسِ لِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (وَعَلَى الْعِمَامَةِ» ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، فِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ دُونَ الرَّأْسِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ." اهـ

[7]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 476) :

"وَتَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي صَلَاتِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ; لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَضِيَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ رَكَعَ رَكْعَةً، فَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّقَدُّمَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ قَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ، نَعَمْ وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مَعَ الْإِشَارَةِ لَهُ بِعَدَمِ التَّأَخُّرِ تَأَخَّرَ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ،

فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَذَكَّرَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ يَضُرُّ بِالْقَوْمِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَأَبَا بَكْرٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَأَخُّرِهِ فَتَأَخَّرَ،

وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ - وَهُوَ الْأَحْسَنُ -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَهِمَ أَنَّ سُلُوكَ الْأَدَبِ أَوْلَى مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ فَهِمَ أَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ أَوْلَى،

وَلَا شَكَّ : أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْرٍ عُلِمَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّهُ لِرِعَايَةِ حَالِ الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ، فَفِي الِامْتِثَالِ إِيهَامُ إِخْلَالٍ بِكَمَالِ الْأَدَبِ مَعَ الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الِامْتِثَالِ أَدَبٌ أَيُّ أَدَبٍ، وَفِي إِيثَارِ الْأَدَبِ إِظْهَارُ رِعَايَةِ حَالِ الْأَمْرِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ حَالِ الْمَأْمُورِ بِكُلِّ وَجْهٍ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى وَأَكْمَلَ،

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْفَرَحِ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عَنِ التَّأَخُّرِ، وَلِلْمُبَالَغَةِ فِي امْتِنَاعِهِ عَنِ التَّقَدُّمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

[8]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 476)

وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا: " أَحْسَنْتُمْ، صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» [م (رقم : 274)] " يَعْنِي لَا تُؤَخِّرُوهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِانْتِظَارِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ انْتِظَارِهِ إِذَا مَضَى زَمَانٌ كَثِيرٌ إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى يَجِيءُ، أَمَّا إِذَا عَلِمُوا فَيُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ إِعْلَامُهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ.

[9]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 475) :

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْأَفْضَلِ بِالْمَفْضُولِ إِذَا عَلِمَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِصْمَةِ لِلْإِمَامِ خِلَافًا لِلْإِمَامِيَّةِ." اهـ

[10]  وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 160_161) بإسناده:

* عن "مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :

"كَانَ أَبِي لَا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِ إِلَّا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُوَ السُّنَّةُ وَاتِّبَاعُهَا أَفْضَلُ،

* عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ قَالَ : "مَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَإِنِّي لَأَحْسَبُ تَرْكَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ."

* وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَنْبَأَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَنْبَأَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ :

"مَسَحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ___عَلَى الْخُفَّيْنِ فَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ رَغْبَةً عَنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ."

* قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغَيرَةَ قَالَ :

"كَانَ إِبْرَاهِيمُ فِي سَفَرٍ فَأَتَى عَلَيْهِمْ يَوْمٌ حَارٌّ فَقَالَ لَوْلَا خِلَافُ السُّنَّةِ لَتَرَكْتُ الْخُفَّيْنِ." اهـ

وفي فتاوى أركان الإسلام (ص: 228) للعثيمين :

"ما حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطاً للطهارة؟

الجواب: هذا خلاف السنة، وفيه تشبه بالروافض الذين لا يجيزون المسح على الخفين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة حينما أراد نزع خفيه قال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) (1) . ومسح عليهما." اهـ

[11]  وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 312) : "قال المهلب : فى حديث المغيرة خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من خدمته دون أن يؤمر بها، لقوله : (ثم أهويت لأنزع خفيه) -. قال غيره : وفيه إمكان الفهم عن الإشارة، ورد الجواب بالعلم على ما يفهم من الإشارة، لأن المغيرة أهوى لينزع الخفين، ففهم عنه (صلى الله عليه وسلم) ما أراد فأفتاه بأنه يجزئه المسح." اهـ

[12]  وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 474) : "(قَبْلَ الْفَجْرِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى تَهَيُّؤِ أَسْبَابِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا." اهـ

[13] على الأقل أن لبسه مباح، لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين