شرح الحديث 39-41 من صحيح الترغيب
صحيح الترغيب والترهيب (1/ 124) 39 - (3) [صحيح لغيره] وروي عن جبير بن مطعم قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الجُحْفَة)[1] فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟! ". قلنا: بلى. قال: "فأبْشِروا، فإنّ هذا القرآنَ طرفُه بيدِ الله، وطرفُه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنكم لنْ تهلِكوا، ولن تضلّوا بعده أبداً". رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و"الصغير". |
ترجمة صحابي الحديث:
قال المزي في تهذيب الكمال :
( خ م د ت س ق ) : جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القرشى، النوفلى : أبو محمد المدني ، له صحبة.
قدم على النبى صلى الله عليه وسلم، المدينة فى فداء أسارى بدر، و هو مشرك، ثم أسلم بعد ذلك، قبل عام خيبر، و قيل : يوم الفتح. اهـ
و قال المزى :
قال الزبير بن بكار : فولد مطعم بن عدي :
* جبيرا، أسلم، وروى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وكان يؤخد عنه النسب، و هو أحد الذين دفنوا عثمان بن
عفان، وهو صلى عليه ، * وسعيدا الأكبر ، * وعروة ، * والوليد، * وسعيدا الأصغر: بني مطعم بن عدي،
وأمهم : أم جميل بنت شعبة بن عبد الله بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى ، وأمها: أم حبيب بنت العاص بن أمية .
و ذكره محمد بن سعد فى الطبقة الثالثة ، قال : و كان أبوه مطعم بن عدى من أشراف قريش ، و كان كافا عن أذى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أسارى بدر : " لو كان مطعم بن عدى حيا ، لوهبت له هؤلاء النتنى" .
وذلك ليد كانت لمطعم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أجاره حين رجع من الطائف ،
وقام فى نقض الصحيفة التى كتبت قريش على بنى هاشم ، حين حصروا فى الشعب ، وكان مبقيا فى نفسه ، لم يكن يشرف لعداوة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، ولا يؤذيه ، و لا يؤذى أحدا من المسلمين، كما كان يفعل غيره.
ومدحه أبو طالب فى قصيدة له قالها ،
وتوفى مطعم بن عدى بمكة ، بعد هجرة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بسنة، ودفن بالحُجُوْنِ، مقبرةِ أهل مكة ، وكان يومُ توفي ابْنَ بِضْعٍ وتِسْعِيْنَ سَنَةً، وكان يكنى (أبا وهب)،
من مناقب جبير:
قال مصعب بن عبد الله الزبيرى : "كان من حلماء قريش ، و ساداتهم ، و كان يؤخذ عنه النسب."
و قال محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن شيخ من الأنصار ، من بنى زريق : "كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش ، و للعرب قاطبة ، وكان يقول : إنما أخذت النسب من أبى بكر الصديق. وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب."
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 2 / 64 :
حكى ابن عبد البر : أنه أول من لبس الطيلسان بالمدينة .
و قال العسكرى : كان جبير بن مطعم أحدَ من يتحاكم إليه، و قد تحاكم إليه عثمان و طلحة فى قضيةٍ." اهـ
أولاده:
و قال أحمد بن عبد الله ابن البرقى : وَلَدَ جبيرُ بْنُ مطعمٍ :
* محمد الأكبر، * دَرَج، * ومحمد الأصغر، * وأم كلثوم (كانت عند سليمان بن صُرَد الخزاعي) فولدت له .
عدة أحديثه:
جاء عنه من الحديث نحوٌ من عشرين، روى له الجماعة . اهـ .
وفاته:
و توفى بالمدينة، سنة تسع و خمسين (59 هـ).
وكذلك قال خليفة بن خياط ، و الهيثم بن عدى ، فى تاريخ وفاته .
تخريج الحديث :
أخرجه البزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (8/ 346) (رقم : 3421)، والطبراني في "المعجم الصغير" (2/ 209) (رقم : 1044)، وفي "المعجم الكبير" (2/ 126) (رقم : 1539)، والمروزي في "السنة" (ص: 34) (رقم : 113)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (2/ 229) (رقم : 1533).
============================
صحيح الترغيب والترهيب (1/ 124) 40 - (4) [صحيح] وعنه أيضاً [يعني ابن عباس]: أن رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ خطب الناس في حَجَة الوَداع فقال: "إنّ الشيطانَ قد يَئسَ أن يُعبدَ بأرضِكم، ولكنْ رَضِيَ أنْ يطاعَ فيما سوى ذلك مما تَحاقَرون من أعمالِكم، فاحذَروا، إني قد تركتُ فيكم ما إنْ اعتصمتُم به فلن تضلّوا أبداً، كتابَ الله، وسنةَ نبيه" الحديث. رواه الحاكم، وقال : "صحيح الإسناد، احتجَّ البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بأبي أُوَيْس، وله أصل في (الصحيح) ". |
ترجمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:
قال المزي في تهذيب الكمال :
( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى ، أبو العباس المدنى، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يقال له الحبر، والبحر، لكثرة علمه ، دعا له النبى صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين .
وفي صحيح البخاري (1/ 41) (رقم : 143)، و صحيح مسلم (4/ 1927) (رقم : 2477) : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ : (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)»
مصنف ابن أبي شيبة (6/ 383) (رقم : 32220) : عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود قال : «نِعْمَ، تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ»
ولد فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين .
و قال غير واحد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "توفى النبى _صلى الله عليه وسلم_، وأنا ابن عشر سنين."
الأعلام للزركلي (4/ 95) للزِّرِكْلِيِّ:
وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها. له في الصحيحين وغيرهما (1660) حديثا.
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 138)
وابنُ عباس من أكثرِ الصحابة حديثًا، رُوي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألفُ حديثٍ، وست مئةِ حديثٍ، وستون (1660) حديثًا، اتَّفق البخاريُّ ومسلم على خمسة وتسعين (95)، وانفردَ البخاريُّ بمئةٍ وعشرين (120)، ومسلم بتسعةٍ وأربعين (49)." اهـ
و قال أبو نعيم ، و أبو بكر بن أبى شيبة ، و يحيى بن بكير فى آخرين : مات سنة ثمان و ستين (68) هـ.
زاد يحيى [بن بكير] : "وهو ابن إحدى أو اثنتين و سبعين (72 سنة)، وصلى عليه محمد ابن الحنفية."
وقال [يعني: يحيى بن بكير]: (اليوم مات رباني هذه الأمة ، ومات بالطائف).
و مناقبه و فضائله كثيرة جدا . روى له الجماعة . اهـ .
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 137)
وقال القاسمُ بن محمد ومجاهد: ما سمعت فُتيا أحسنَ من فُتيا ابن عبَّاس، إلا أن يقولَ قائل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – [رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 179)، وابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 386)]
وقال طاوس: أدركتُ خمسَ مئةٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه، لم يزلْ يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله [انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 935)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 351)]
وقال يزيدُ بنُ الأصم: خرج مُعاوية حاجًّا معه ابنُ عباسِ، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباسٍ موكب ممن يطلبُ العلم [رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 983)]
وقال مسروق: كنتُ إذا رأيتُ ابنَ عباس قلتُ: أجملُ الناس، فإذا تكلم، قلتُ: أفصحُ (4) الناس، وإذا تحدث، قلتُ: أعلمُ الناس." [رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 179)، وعبد الله بن الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 960)، لكن عن الأعمش.]
وقال أبو وائل شقيق: خَطَبَنا ابنُ عباس وهو على الموسم، فافتتح سورةَ النور، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيتُ ولا سمعتُ كلامَ رجلٍ مثله، لو سمعته فارس والرُّوم والتُّرك لأسلمت." [رواه الحاكم في "المستدرك" (6290)، وعبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 980)]
وقال عمرُو بنُ دينار: ما رأيت مجلسًا أجمعَ لكل خيرٍ من مجلس ابنِ عباس؛ الحلال والحرام والعربية والأنساب، وأحسبه قال: والشِّعر." [رواه عبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 954)]
وقال عُبيدُ الله بنُ عباس: ما رأيتُ أحدًا كان أعلمَ بالسنة، ولا أجلدَ رأيًا، ولا أثقبَ نظرًا من ابن عباس." [رواه عبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 971)]
ولقد كان عمرُ - رضي الله عنه - يُعِدُّه للمعضلات، مع اجتهادِ عمرَ ونظرِه للمسلمين.
نص الحديث:
المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 171) (رقم: 318) :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ بِأَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ.
إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ مُسْلِمٌ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَرْجِعُوا مِنْ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»
شرح الحديث:
ورد ما يبين معنى الحديث في صحيح مسلم (4/ 2166) (رقم: 2812): عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
وفي السنن الكبرى للنسائي (4/ 193) (رقم: 4085)،
عن عَمْرٍو بن الأحوص _رضي الله عنه_، قَالَ:
شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍّ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْقِرُونَ مِنَ أَعْمَالِكُمْ فَيَرْضَى، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ يُوضَعُ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا يُظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ مَا أَضَعُ مِنْهَا دَمَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ - أَلَا يَا أُمَّتَاهُ هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (10/ 111) (رقم: 11149)، وابن ماجه في سننه (2/ 1015) (رقم: 3055)
وفي مسند الروياني (2/ 410) (رقم: 1416):
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَ بِبِلَادِكُمْ آخِرَ الزَّمَانِ، وَقَدْ يَرْضَى مِنْكُمْ بِمُحَقَرَاتِ الْأَعْمَالِ فَاحْذَرُوا عَلَى دِينِكُمْ بِمُحَقَرَاتِ الْأَعْمَالِ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1843)
قَوْلُهُ: (فِيمَا تَحْتَقِرُونَ) أَيْ مِمَّا يَتَهَجَّسُ فِي خَوَاطِرِكُمْ، وَتَتَفَوَّهُونَ عَنْ هَنَّاتِكُمْ وَصَغَائِرِ ذُنُوبِكُمْ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى هَيْجِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ،
كَقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحَرُّشِ بَيْنَهُمْ)." اهـ[2]
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُري _رَحِمَهُ اللَّهُ_ في الشريعة (5/ 2219)
"ثُمَّ ذَكَرَ الْخُطْبَةَ بِطُولِهَا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: «أَلَا وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا , كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»،
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ بَلَغْتُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»." اهـ
تخريج الحديث :
أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 171) (رقم : 318) والبيهقي في "الاعتقاد" (ص: 228)، وفي "دلائل النبوة" (5/ 449)، والخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (3/ 1425) (رقم: 808)
من فوائد الحديث:
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الملقب بـ"أبا بطين" (المتوفى: 1282هـ) في "دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث" (ص: 35):
"قال غير واحد من المفسرين: إن المشركين كانوا يطمعون في عودة المسلمين إلى دينهم. فلما قوي الإسلام وانتشر يئسوا من رجوعهم عن الإسلام إلى الكفر، وهذا معنى إياس الشيطان لما رأى من ظهور الإسلام وانتشاره وتمكنه من القلوب ورسوخه فيها، وعلى هذا فلا يدل الحديث: أن الشيطان يئس من وجود شرك في جزيرة العرب أبد الآبدين.
ويدل لما ذكرنا ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رنّ إبليس رنّة اجتمع إليه جنوده فقال: ايئسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم فافشوا فيهم النوح
وقال شيخنا العباد في "شرح سنن أبي داود" – الشاملة (477/ 14):
"لا تحصل العبادة له مطلقاً؛ ولا تحصل الردة الكلية التي لا يبقى أحد دون أن يرتد، فإن الجزيرة يبقى فيها الإسلام، ولا ينقطع منها حتى إن وجد فيها من خرج وارتد عن الإسلام." اهـ
شرح النووي على مسلم (17/ 156):
"هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ،
وَمَعْنَاهُ: أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا." اهـ
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 180):
"فإبليس عدو الله يسعى في إطفاء نور الله وتوحيده، ويُغْرِيْ بذلك أولياءَهُ من الكفار والمنافقين. فلما عجز عن ذلك بنصر الله نبيَّه وإظهارِ دينه على الدين كله، رضي بإلقاء الفتن بين المسلمين، واجتزى منهم بمحقرات الذنوب حيث عجز عن ردهم عن دينهم." اهـ
قلت: ففي صحيح مسلم (2813) : عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً".
والحديث دليل على أن إبليس قد أيس من عبادة المسلمين كلهم له، لكن لا ييأس من فتنتهم بأنواع من المعاصي. فبعث بذلك سراياه وجنوده لفتنتهم، والله أعلم.
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 180)
ولم يعظم على إبليس شيء أكبر من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانتشار دعوته في مشارق الأرض ومغاربها فإنه أيس أن تعود أمته كلهم إلى الشرك الأكبر." اهـ
[1] بين الجحفة وبين مكة: 191 كم
وفي معجم البلدان (2/ 111): "الجُحْفَةُ (بالضم ثم السكون، والفاء): كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على المدينة، فإن مرّوا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة، وكان اسمها مهيعة،
وإنما سميت (الجحفة) لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام، وهي الآن خراب، وبينها وبين ساحل الجار نحو ثلاث مراحل، وبينها وبين أقرن موضع من البحر ستة أميال، وبينها وبين المدينة ست مراحل، وبينها وبين غدير خمّ ميلان، وقال السكري: الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة، والجحفة أول الغور إلى مكة، وكذلك هي من الوجه الآخر إلى ذات عرق، وأول الثغر من طريق المدينة أيضا الجحفة
[2] تحفة الأحوذي (6/ 57): "قال القارىء: "وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَةَ الشَّيْطَانِ عَامَّةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الْكُفْرِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِعِبَادَةِ الصَّنَمِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُصَلِّينَ لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى انْتَهَى
Komentar
Posting Komentar