الحديث 24 - بَابُ بِرِّ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ
13_ بَابُ بِرِّ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ 24 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ:
حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: نَزَلَتْ
فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ _تَعَالَى_: *
كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ، وَلَا تَشْرَبَ
حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_: {وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] . *
وَالثَّانِيَةُ : أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا
أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] . وَالثَّالِثَةُ:
أَنِّي
مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقُلْتُ:
"يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي، أَفَأُوْصِيْ
بِالنِّصْفِ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: "الثُّلُثُ؟"
فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا. وَالرَّابِعَةُ
: إِنِّي
شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ
أَنْفِيْ بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_، فَأَنْزَلَ _عَزَّ
وَجَلَّ_ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ." [قال الشيخ
الألباني: صحيح] |
رواة
الحديث :
* حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ (ثقة فاضل: ت 212 هـ)
محمد بن يوسف
بن واقد بن عثمان الضبى مولاهم ، أبو عبد الله الفريابى،
من صغار أتباع التابعين، روى له: خ
م د ت س ق
* قَالَ
: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (ثقة: ت 160 هـ):
إسرائيل بن
يونس بن أبى إسحاق السَّبِيْعِيُّ الْهَمْدَانِي، أبو يوسف الكوفي، من كبار أتباع
التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ:
حَدَّثَنَا سِمَاكٌ (صدوق: ت 123 هـ):
سماك بن حرب
بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية الذهلى البكرى ، أبو المغيرة الكوفى، طبقة تلى
الوسطى من التابعين، روى له: خت م د ت س ق
* عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ (ثقة: (ت : 103 هـ):
مصعب بن سعد
بن أبى وقاص القرشى الزهرى ، أبو زرارة المدنى، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (ت : 55 هـ بـ
العقيق):
سعد بن أبى
وقاص (مالك) بْنِ وُهَيْب بن عبد مناف بْنِ زُهْرَةَ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعْب
القرشي، أبو إسحاق الزُّهْرِيُّ، صحابي جليل _رضي الله عنه_، روى له: خ م د ت
س ق
نص
الحديث:
قَالَ:
نَزَلَتْ
فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ _تَعَالَى_:
* كَانَتْ
أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ، وَلَا تَشْرَبَ
حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَنْزَلَ
اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:
{وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .
* وَالثَّانِيَةُ
: أَنِّي
كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي
هَذَا،
فَنَزَلَتْ:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] .
وَالثَّالِثَةُ:
أَنِّي
مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي،
أَفَأُوْصِيْ بِالنِّصْفِ؟ فَقَالَ: «لَا»،
فَقُلْتُ: "الثُّلُثُ؟"
فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا.
وَالرَّابِعَةُ
: إِنِّي
شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْفِيْ
بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،
فَأَنْزَلَ _عَزَّ
وَجَلَّ_ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ."
الآيات الثلاث
مذكورة في "صحيح مسلم" (4/ 1877/ 43) (رقم: 1748):
عن مُصْعَبُ
بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ [سعد بن أبي وقاص]:
أَنَّهُ
نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ:
"حَلَفَتْ
أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا
تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: "زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ
بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا."
قَالَ: "مَكَثَتْ
ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا، يُقَالُ
لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ
الْآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}
[لقمان: 15]
قَالَ:
وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً،
فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ
حَالَهُ، فَقَالَ: «رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ» فَانْطَلَقْتُ، حَتَّى إِذَا
أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لَامَتْنِي نَفْسِي، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ،
فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ، قَالَ فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ «رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ
أَخَذْتَهُ» قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ _عَزَّ
وَجَلَّ_: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]
قَالَ:
وَمَرِضْتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَتَانِي، فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيْثُ شِئْتُ، قَالَ فَأَبَى،
قُلْتُ: فَالنِّصْفَ، قَالَ فَأَبَى، قُلْتُ: فَالثُّلُثَ، قَالَ فَسَكَتَ،
فَكَانَ، بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا.
قَالَ:
وَأَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: تَعَالَ
نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، قَالَ
فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشٍّ – وَالْحَشُّ: الْبُسْتَانُ - فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ
مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ.
قَالَ:
فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، قَالَ: فَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ
وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ. فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ،
فَجَرَحَ بِأَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخْبَرْتُهُ،
فَأَنْزَلَ
اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِيَّ - يَعْنِي نَفْسَهُ - شَأْنَ الْخَمْرِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}
[المائدة: 90]
شرح
الحديث :
* قال الله
_تعالى_ :
{وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]
* وقال تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]
* وقال _تعالى_:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90]
[تنبيه]:
والآية
الرابعة غير مذكورة في الحديث، وهي قول الله _تعالى_:
{وَلَا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]
ففي "صحيح
مسلم" (4/ 1878/ 45) (رقم: 2413):
حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ
الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ:
"فِيَّ
نَزَلَتْ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}
[الأنعام: 52]،
قَالَ:
نَزَلَتْ فِيْ سِتَّةٍ: أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ
قَالُوا لَهُ: "تُدْنِي هَؤُلَاءِ."
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في "الأدب المفرد" (ص: 22) (رقم : 24)، مسلم في "صحيحه" (4/
1877) (1748)، وأبو داود في "سننه" (3/ 77) (رقم: 2740)، والترمذيّ في
"سننه" – ت. شاكر (5/ 341) (3189)، وأبو عوانة في "المستخرج" –
ط. الجامعة الإسلامية (14/ 230) (رقم : 7052)، وأحمد في "مسنده" (3/
163) (رقم : 1614)، وعبد بن حميد الكشي في "المنتخب" – ت. صبحي
السامرائي (ص: 74) (رقم : 132) والبزار في "البحر الزخار" المشهور
بـ"مسند البزار" (3/ 347) (رقم : 1149)، وابن حبان الْبُسْتِيُّ في "صحيحه"
(15/ 452) (رقم : 6992)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 46) (رقم :
17833)، وفي "شعب الإيمان" (10/ 316) (رقم : 7556)، والطحاوي في "شرح
معاني الآثار" (3/ 279) (رقم : 5369)، والشاشي في "المسند" (1/
140) (رقم : 78).
فالحديث صحيح
: انظر "تخريج مشكاة المصابيح" (3072) للألباني _رحمه الله_
من
فوائد الحديث:
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/ 360):
"* هذا
الحديث يدل على شرف سعد وعلو منزلته، لأن الله _تعالى_ أنزل هذه الآيات في شأنه،
فاستمرت أحكامُها باقيةً إلى يوم القيامة تعود عليه بركتها، ويناله من خيرها،
فمن بركة هذه
القصة: أن الله تعالى أفتى فيها حيث كانت الوصاة قد تقدمت منه سبحانه ببر الوالدين
وتتابعت، وكان حق الله _عز وجل_ أولى في عبادته." اهـ
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/ 361):
"وأما
القصة الثالثة في الخمر، فإنها تدل على أن الله _عز وجل_ شرَّف أمةَ محمدٍ _صلى
الله عليه وسلم_ وأكْرَمَها بأن حرَّم عليها الخمر، لما في الخمر من جِمَاع الإثم،
وإنها داعية إلى سفك دماء، وانتهاك أعراض، وضياع أموال، وتغير عقول، وغير
ذلك." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في
شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (38/ 627_629):
"في
فوائده:
1 - (منها):
بيان فضل سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - حيث نزلت الآيات المذكورة فيه.
2 - (ومنها):
وجوب برّ الوالدين، وإن كانا كافرين بما لا يخالف الشرع.
3 - (ومنها):
حلّ الغنائم خصوصيّةٌ لهذا الأمة، وجواز تنفيل الإمام بعض الغزاة بما يراه.
4 - (ومنها):
جواز الوصيّة، وأنه لا يجوز إلا بالثلث.
5 - (ومنها):
تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة، قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ
اللهُ- :
"هَذِهِ
الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُبَاحًا
مَعْمُولًا بِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُنْكَرُ وَلَا يُغَيَّرُ،
وَأَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَقَرَّ عَلَيْهِ،
وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ النساء" لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَهَلْ كَانَ
يُبَاحُ لَهُمْ شُرْبُ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْكِرُ؟ حَدِيثُ حَمْزَةَ ظَاهِرٌ
فِيهِ حِينَ بَقَرَ خَوَاصِرَ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَبَّ
أَسْنِمَتَهَمَا،
فَأَخْبَرَ
عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَجَاءَ إِلَى
حَمْزَةَ فَصَدَرَ عَنْ حَمْزَةَ لِلنَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_
مِنَ الْقَوْلِ الْجَافِي الْمُخَالِفِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنِ احْتِرَامِ
النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَتَوْقِيرِهِ وَتَعْزِيرِهِ، مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَمْزَةَ كَانَ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِمَا يُسْكِرُ،
وَلِذَلِكَ
قَالَ الرَّاوِي: فَعَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_
أَنَّهُ ثَمِلٌ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمْ
يُنْكِرْ عَلَى حَمْزَةَ وَلَا عَنَّفَهُ، لَا فِي حَالِ سُكْرِهِ، وَلَا بَعْدَ
ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ لَمَّا قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ
لِأَبِي عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجَ عَنْهُ.
وَهَذَا
خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَحَكَوْهُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ
السُّكْرَ حَرَامٌ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ مَصَالِحُ
الْعِبَادِ لَا مَفَاسِدُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَصَالِحِ الْعَقْلُ، كَمَا أَنَّ
أَصْلَ الْمَفَاسِدِ ذَهَابُهُ، فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا يُذْهِبُهُ
أَوْ يُشَوِّشُهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَدِيثُ حَمْزَةَ أَنَّهُ لَمْ
يَقْصِدْ بِشُرْبِهِ السُّكْرَ، لَكِنَّهُ أَسْرَعَ فِيهِ فَغَلَبَهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. انتهى [تفسير القرطبي (6/ 287)].
[تنبيه]:
قال
أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- أيضاً:
"كان
تَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَنَوَازِلَ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّهُمْ
كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شأنها: ((يَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ))
[البقرة: 219]، أَيْ: فِي تِجَارَتِهِمْ،
فَلَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: (لَا حَاجَةَ
لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ)، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُ النَّاسِ،
وَقَالُوا : (نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا)،
فَنَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ" لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "
[النساء: 43]،
فَتَرَكَهَا
بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يَشْغَلُنَا عَنِ
الصَّلَاةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ حَتَّى
نَزَلَتْ:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90]، الْآيَةَ،
فَصَارَتْ
حَرَامًا عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: "مَا حَرَّمَ اللَّهُ
شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ."
وَقَالَ أَبُو
مَيْسَرَةَ:
نَزَلَتْ
بِسَبَبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيُوبَ الْخَمْرِ، وَمَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِهَا،
وَدَعَا اللَّهُ فِي تَحْرِيمِهَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي
الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ، فَقَالَ عُمَرُ:
انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا.___
وَرَوَى أَبُو
دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43]، و"
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ
وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ"] البقرة: 219] نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي
الْمَائِدَةِ" إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ" اهـ
[تفسير القرطبي (6/ 286_287)]." اهـ
وقال الشيخ زيد بن محمد المدخلي (المتوفى 1435 هـ) _رحمه الله_ في
"عون الأحد الصمد" (1/48_49):
"من
المسلم به: أن قضایا نزل القرآن في بيانها، وأشخاصا نزل القرآن بسبب أفعال صدرت
منهم، ومن جملة هؤلاء: سعد بن أبي وقاص، نزلت فيه تلك الآيات التي جاء ذكرها في
هذا الحديث.
وخلاصة ما دل
عليه هذا الحديث:
۱- تحريم
الطاعة لأحد في معصية الله مهما كان حقه عليك .
۲- فيه
دليل على بر الوالدين بالمعروف عندما يكونان مشرکین أو أحدهما استنادا إلى الآية
الكريمة الواردة في الباب.___
3- منقبة
عظيمة لسعد بن أبي وقاص _رضي عنه_ حيث نزلت فيه أربع آيات من القرآن الكريم فيها
بيانُ أحكامٍ شرعيةٍ .
4- عدم جواز
الوصية في مرض الموت إلا إذا توفرت شروطها، ومن شروطها أن تكون بالثلث فأقل."
اهـ
وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله
الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه
الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص 29):
"فقه
الحديث:
1- الحث على
طاعة الوالدين في غير معصية الله
۲- فضل
البر والإحسان مع الوالدين المشرکین .
3- فضل الأمة
المحمدية على سائر الأمم بأن الغنيمة قد أحلت لها دون غيرها
4- استحباب
زيارة المريض
5- تواضع
النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأنه كان يهتم بعيادة المرضى اهتماما بالغًا.
6- عدم جواز
الزيادة على الثلث في الوصية .
۷- إن
الخمر حرام، وفيه مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة ." اهـ
Komentar
Posting Komentar