شرح الحديث 136-138 --- الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن --- شرح صحيح الترغيب

 

136 - (3) [حسن لغيره] ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني أيضاً من حديث العباس بن عبد المطلب

 

نص الحديث:

 

وفي "مسند أبي يعلى الموصلي" (12/ 56) (رقم: 6698):

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

"يَظْهَرُ الدِّينُ، حَتَّى يُجَاوِزَ الْبِحَارَ، وَتُخَاضُ الْبِحَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ. يَقُولُونَ: (قَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ، مَنْ أَقْرَأُ مِنَّا؟ وَمَنْ أَفْقَهُ مِنَّا؟ أَوْ مَنْ أَعْلَمُ مِنَّا؟)

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «هَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ؟» قَالُوا: "لَا."

قَالَ: «أُولَئِكَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 152) (رقم: 450)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (12/ 56) (رقم: 6698)، والبزار في "مسنده" = البحر الزخار (4/ 149) (رقم: 1323)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (12/ 56) (رقم: 6698)، وأبو بكر الشافعي في "الفوائد" الشهير بـ"الغيلانيات" (1/ 281 و 1/ 298) (رقم: 284 و 299) والشجري كما في "ترتيب الأمالي الخميسية" (1/ 98 و 1/ 110) (رقم: 374 و 421).

 

وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" (6/ 352):

"هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، لِضَعْفِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الربذي." اهـ

 

إلا أن الحديث تقوى بالحديث السابق وغيره، فحَسَّنَهُ لأجله الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم: 3230)

 

من فوائد الحديث:

 

1/ فِيه: ذَمِّ الدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ

 

قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى: 840 هـ) _رحمه الله_  في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" (1/ 250):

"17- بَابٌ: فِي ذَمِّ الدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ ." اهـ

 

2/ فيه: التحذير مِنْ زَلِّةِ الْعَالِمِ وَجِدَالِ الْمُنَافِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

 

وقال نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (المتوفى: 807 هـ) في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1/ 186):

"بَابُ: مَا يُخَافُ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ زَلِّةِ الْعَالِمِ وَجِدَالِ الْمُنَافِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ." اهـ

 

3/ فيه: بيان آفاتِ العلم ووعيدِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ

 

وقال المتقي الهندي (المتوفى: 975هـ) _رحمه الله_ في "كنز العمال" (10/ 183):

"الباب الثاني في آفات العلم ووعيد من لم يعمل بعلمه." اهـ

 

4/ فيه: أنَّ الدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَهْوًا وَافْتِخَارًا من الكبائر

 

وقال الهيتمي _رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 158):

"الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَهْوًا وَافْتِخَارًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةٍ."

 

5/ فيه إشارة إلى أن هاجر العمل بالقرآن الكريم وَقُوْدُ النار يوم القيامة

 

وقال أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز _حفظه الله_ في "فتح الرحمن في بيان هجر القرآن" (ص: 261)

"هاجر العمل بالقرآن الكريم وقود النار يوم القيامة." اهـ

 

6/ فيه: إخبارُ رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ بِحَالِ الْقُرَّاءِ بَعْدَهُ

 

وقال محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ) في "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" (10/ 131):

الباب السادس والسبعون: في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال القراء بعده

 

7/ تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره

 

قال القرطبي _رحمه الله_ في "الجامع لأحكام القرآنِ" (1/ 17):

"بَابُ: تحذيرِ أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره." اهـ

 

وقال عبد الباسط بن موسى العَلْمَوِيُّ الدمشقي الشافعيّ (المتوفى: 981 هـ)[1] _رحمه الله_ في "العقد التليد في اختصار الدر النضيد" = المعيد في أدب المفيد والمستفيد (ص: 53):

"الفصل الثاني: في تحذير مَن أراد بعلمه غير الله تعالى نسأل الله العافية.

اعلم أن ما ذكر في فضل طلب العلم إنما هو لمن أراد به وجه الله، لا لغرض من الدنيا، وإلا فهو مذموم." اهـ

 

المدخل لابن الحاج (1/ 7):

"قَالَ عُلَمَاؤُنَا _رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ_:

الْإِخْلَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ جَوَارِحَ ظَاهِرَةً وَجَوَارِحَ بَاطِنَةً فَعَلَى الظَّاهِرَةِ الْعِبَادَةُ وَالِامْتِثَالُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5] ،

وَعَلَى الْبَاطِنَةِ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مُخْلِصَةً فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]

فَالْأَصْلُ الَّذِي تَتَفَرَّعُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ عَلَى أَنْوَاعِهَا هُوَ الْإِخْلَاصُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَعَلَى هَذَا الْجَوَارِحُ الظَّاهِرَةُ تَبَعٌ لِلْبَاطِنَةِ،

فَإِنْ اسْتَقَامَ الْبَاطِنُ اسْتَقَامَ الظَّاهِرُ جَبْرًا، وَإِذَا دَخَلَ الْخَلَلُ فِي الْبَاطِنِ دَخَلَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ وَكُلِّيَّتُهُ فِي تَخْلِيصِ بَاطِنِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ إذْ أَنَّ أَصْلَ الِاسْتِقَامَةِ مِنْهُ تَتَفَرَّعُ، وَهُوَ مَعْدِنُهَا." اهـ

 

7/ فيه: بيانُ أَخْلَاقَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يُرِيدُ بِهِ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_

 

وقال أبو بكر الآجري _رحمه الله_ في "أخلاق أهل القرآن" (ص: 87_89):

"بَابُ: أَخْلَاقِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يُرِيدُ بِهِ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_،

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِلدُّنْيَا وَلِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا , فَإِنَّ مِنْ أَخْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِحُرُوفِ الْقُرْآنِ , مُضَيِّعًا لِحُدُودِهِ , مُتَعَظِّمًا فِي نَفْسِهِ , مُتَكَبِّرًا عَلَى غَيْرِهِ , قَدِ اتَّخَذَ الْقُرْآنَ بِضَاعَةً , يَتَآكَلُ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ , وَيَسْتَقْضِي بِهِ الْحَوَائِجَ يُعَظِّمُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا وَيُحَقِّرُ الْفُقَرَاءَ , إِنْ عَلَّمَ الْغَنِيَّ رَفَقَ بِهِ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ , وَإِنْ عَلَّمَ الْفَقِيرَ زَجَرَهُ وَعَنَّفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دُنْيَا لَهُ يُطْمَعُ فِيهَا , يَسْتَخْدِمُ بِهِ الْفُقَرَاءَ , وَيَتِيهُ بِهِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ , إِنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ , أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ لِلْمُلُوكِ , وَيُصَلِّيَ بِهِمْ؛ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُمْ , وَإِنْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ الصَّلَاةَ بِهِمْ , ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِقِلَّةِ الدُّنْيَا فِي أَيْدِيهِمْ , إِنَّمَا طَلَبُهُ الدُّنْيَا حَيْثُ كَانَتْ , رَبَضَ عِنْدَهَا , يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِالْقُرْآنِ , وَيَحْتَجُّ عَلَى مَنْ دُونَهُ فِي الْحِفْظِ بِفَضْلِ مَا مَعَهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ , وَزِيَادَةِ الْمَعْرِفَةِ بِالْغَرِيبِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ , الَّتِي لَوْ عَقَلَ لَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقْرَأَ بِهَا فَتَرَاهُ تَائِهًا مُتَكَبِّرًا , كَثِيرَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ , يَعِيبُ كُلَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ كَحِفْظِهِ , وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْفَظُ كَحِفْظِهِ طَلَبَ عَيْبَهُ مُتَكَبِّرًا فِي جِلْسَتِهِ , مُتَعَاظِمًا فِي تَعْلِيمِهِ لِغَيْرِهِ , لَيْسَ لِلْخُشُوعِ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ , كَثِيرَ الضَّحِكِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ , يَشْتَغِلُ عَمَّنْ يَأْخُذُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ مَنْ جَالَسَهُ , هُوَ إِلَى اسْتِمَاعِ حَدِيثِ جَلِيسِهِ أَصْغَى مِنْهُ إِلَى اسْتِمَاعِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ , يُوَرِّي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمِعْ حَافِظًا , فَهُوَ إِلَى كَلَامِ النَّاسِ أَشْهَى مِنْهُ إِلَى كَلَامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ , لَا يَخْشَعُ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَلَا يَبْكِي , وَلَا يَحْزَنُ , وَلَا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْفِكْرِ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْهِ , وَقَدْ نُدِبَ إِلَى ذَلِكَ , رَاغِبٌ فِي الدُّنْيَا وَمَا قَرَّبَ مِنْهَا , لَهَا يَغْضَبُ وَيَرْضَى , إِنْ قَصَّرَ رَجُلٌ فِي حَقِّهِ , قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ لَا يُقَصَّرُ فِي حُقُوقِهِمْ , وَأَهْلُ الْقُرْآنِ تُقْضَى حَوَائِجُهُمْ , يَسْتَقْضِي مِنَ___النَّاسِ حَقَّ نَفْسِهِ , وَلَا يَسْتَقْضِي مِنْ نَفْسِهِ مَا لِلَّهِ عَلَيْهَا , يَغْضَبُ عَلَى غَيْرِهِ , زَعَمَ لِلَّهِ , وَلَا يَغْضَبُ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَ , مِنْ حَرَامٍ أَوْ مِنْ حَلَالٍ , قَدْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ , إِنْ فَاتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ , حَزِنَ عَلَى فَوْتِهِ لَا يَتَأَدَّبُ بِأَدَبِ الْقُرْآنِ , وَلَا يَزْجُرُ نَفْسَهُ عَنِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , لَاهٍ غَافِلٌ عَمَّا يَتْلُو أَوْ يُتْلَى عَلَيْهِ , هِمَّتُهُ حِفْظُ الْحُرُوفِ , إِنْ أَخْطَأَ فِي حَرْفٍ سَاءَهُ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَنْقُصَ جَاهُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ , فَتَنْقُصَ رُتْبَتُهُ عِنْدَهُمْ , فَتَرَاهُ مَحْزُونًا مَغْمُومًا بِذَلِكَ , وَمَا قَدْ ضَيَّعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْقُرْآنُ أَوْ نَهَى عَنْهُ , غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِهِ , أَخْلَاقُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِ أَخْلَاقُ الْجُهَّالِ , الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ , لَا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ إِذْ سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] , فَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ طَلَبَ الْعِلْمِ لِمَعْرِفَةِ مَا نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْتَهِيَ عَنْهُ , قَلِيلُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , كَثِيرُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِيُكْرِمُوهُ بِذَلِكَ , قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ , ثُمَّ رَسُولُهُ لِيَأْخُذَ الْحَلَالَ بِعِلْمٍ , وَيَتْرُكَ الْحَرَامَ بِعِلْمٍ , لَا يَرْغَبُ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ النِّعَمِ , وَلَا فِي عِلْمِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ , تِلَاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى كِبْرِهِ فِي نَفْسِهِ , وَتَزَيُّنٍ عِنْدَ السَّامِعِينَ مِنْهُ , لَيْسَ لَهُ خُشُوعٌ , فَيَظْهَرَ عَلَى جَوَارِحِهِ , إِذَا دَرَّسَ الْقُرْآنَ , أَوْ دَرَسَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ هِمَّتُهُ مَتَى يَقْطَعُ , لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى يَفْهَمُ , لَا يَتَفَكَّرُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ بِضُرُوبٍ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ , وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِرِضَا الْمَخْلُوقِينَ , وَلَا يُبَالِي بِسَخَطِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , يُحِبُّ أَنْ يُعْرَفَ بِكَثْرَةِ الدَّرْسِ , وَيُظْهِرُ خَتْمَهُ لِلْقُرْآنِ لِيَحْظَى عِنْدَهُمْ , قَدْ فَتَنَهُ حُسْنُ ثَنَاءِ مَنْ جَهِلَهُ يَفْرَحُ بِمَدْحِ الْبَاطِلِ , وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ أَهْلِ الْجَهْلِ , يَتَّبِعُ هَوَاهُ فِيمَا تُحِبُّ نَفْسُهُ , غَيْرُ مُتَصَفِّحٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ , إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْرِئُ , غَضِبَ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ إِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالصَّلَاحِ كَرِهَ ذَلِكَ , وَإِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ بِمَكْرُوهٍ سَرَّهُ ذَلِكَ , يَسْخَرُ بِمَنْ دُونَهُ , وَيَهْمِزُ بِمَنْ فَوْقَهُ يَتَتَبَّعُ عُيُوبَ أَهْلِ الْقُرْآنِ؛ لِيَضَعَ مِنْهُمْ , وَيَرْفَعَ مِنْ نَفْسِهِ , يَتَمَنَّى أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ وَيَكُونَ هُوَ الْمُصِيبُ___

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ , وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ , إِنْ أَظْهَرَ عَلَى نَفْسِهِ شِعَارَ الصَّالِحِينَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ , وَقَدْ ضَيَّعَ فِي الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ , وَرَكِبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ مَوْلَاهُ , كُلُّ ذَلِكَ بِحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا قَدْ فَتَنَهُ الْعُجْبُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ , وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

137 - (4) [حسن لغيره] وعن [أم الفضل أم] (1) عبدِ اللَه بنِ عباس _رضي الله عنهما_ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

أنّه قام ليلةً بمكةَ من الليلِ فقال:

"اللهم هل بلّغتُ؟ (ثلاثَ مرات) ".

فقامَ عمرُ بنُ الخطابِ -وكان أوّاهاً (2) - فقال: اللهم نَعَمْ، وحرَّضْتَ، وجَهَدْتَ، ونَصَحتَ.

فقال:

"ليَظهرَنَّ الإيمانُ حتى يُرَدَّ الكفرُ إلى مواطِنِه، ولَتُخاضَنَّ البحارُ بالإسلام، وليأتيَنَّ على الناسِ زمانٌ يتعلمون فيه القرآن، يتعلّمونَه وَيقرؤونَه، ثم يقولون: (قد قرأْنا وعلِمْنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا؟)

فهل في أولئك من خيرٍ؟

قالوا: يا رسول الله! مَن أولئك؟ قال:

"أولئك منكم، وأولئك هم وَقودُ النار".

رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن -إن شاء الله تعالى-.

 

(قال الحافظ): "وستأتي أحاديث تُنْتَظم في سلك هذا الباب؛ في الباب بعده إن شاء الله تعالى".

__________

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 166)

__________

(1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "معجم الطبراني الكبير" (25/ 27 - 28)، وفي "مجمع الزوائد" (1/ 186): "أم الفضل وعبد الله. ." وهو خطأ مطبعي، وقال: "ورجاله ثقات؛ إلا أن (هند بنت الحارث الخثعمية) التابعية؛ لم أر من وثقها ولا جرحها"!

قلت: ذكرها ابن حبان في "الثقات" (5/ 517)، وخرجت حديثها هذا في "الصحيحة" (3230)، وقويته بحديث عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب اللذين قبله.

(2) (الأوّاه): المتأوِّه: المتضرع. وقيل: هو الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء، كما في "النهاية".

والقول الأخير هو أحد الأقوال التي قِيْلَتْ في تفسير قوله _تعالى_: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]،

وهو الذي اختاره ابن جرير. انظر "تفسير ابن كثير" (2/ 394 - 395).

 

ترجمة لبابة بنت الحارث الهلالية

 

الأعلام للزركلي (5/ 239)

لُبَابَة الكُبْرى

(000 - نحو 30 هـ = 000 - نحو 650 م)

لبابة بنت الحارث الهلالية، الشهيرة بأم الفضل: زوجة العباس بن عبد المطلب. من نبيلات النساء ومنجباتهن. ولدت من العباس سبعة، أحدهم " عبد الله بن عباس

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1908)

هي أم الفضل أخت ميمونة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوجة العباس بْن عبد المطلب، وأم أكثر بنيه. يقال: إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، فكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزورها ويقيل عندها. وروت عنه أحاديث كثيرة، وكانت من المنجبات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وبه كانت تكنى ويكنى زوجها العباس أَيْضًا أَبُو الفضل- وعَبْد اللَّهِ الفقيه، وعبيد اللَّه الفقيه، ومعبد، وقثم، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأم حبيبة سابعة-

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1908)

وأخوات أم الفضل لأبيها وأمها ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولبابة الصغرى، وعصمة، وعزة، وهزيلة، أخوات لأب وأم، كلهن بنات الحارث بْن حزن الهلالي

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 315)

قَدِيْمَةُ الإِسْلاَمِ، فَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ.

أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) .

فَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمَا أَسْلَمَا قَبْلَ العَبَّاسِ، وَعَجِزَا عَنِ الهِجْرَةِ.

وَكَانَتْ أُمُّ الفَضْلِ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ، تَحَوَّلَ بِهَا العَبَّاسُ بَعْدَ الفَتْحِ إِلَى المَدِيْنَةِ.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (3/ 104) (رقم: 1899)، ابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 603) (رقم: 3229)، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 250 و 25/ 27) (رقم: 13019 و 43)

 

والحديث حسن: حسنه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 700) (رقم: 3230)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

11 - (الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة،(1) والترغيب في تركه للمُحِقِّ والمبطل).

 

138 - (1) [حسن لغيره] عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"مَن تَرَكَ المِراءَ، وهو مُبطلٌ، بُنِيَ له بيتٌ في رَبَضِ الجنة. ومَن تركه، وهو مُحِقٌّ، بُني له في وسَطها. ومن حسَّن خُلُقَه، بُنِيَ له في أعلاها".

رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه والبيهقي،

وقال الترمذي: "حديث حسن".(2)

(رَبَض الجنة) هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة: وهو ما حولها.

__________

(1) (المراء): الجدال، والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة، ويقال للمناظرة: مماراة؛ لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. والمرية: التردد في الأمر.

و(المخاصمة): المنازعة، يقال خاصمه أي: نازعه. و (المحاجَّة): المغالبة.

(2) هذا يوهم أن جميع المذكورين أخرجوه باللفظ المذكور عن أبي أمامة؛ والواقع أنه لم يخرجه عنه منهم سوى أبي داود بنحوه، وإسناده يحتمل التحسين،

ولفظه:

"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".

وأخرجه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"،

وإنما أخرجه بنحو اللفظ المذكور ابن ماجه والترمذي _وحسنه_، عن أنس بن مالك،

والأقرب إلى اللفظ المذكور حديث معاذ الآتي بعده. وقد تكلمت على أسانيدها في "الصحيحة" (273).

ومما سبق يتبين أن المؤلف _عفا الله عنا وعنه_ ركّب متناً، لا أصل له من أحاديث، ولم يتنبه لذلك الحافظ الناجي، فمر عليه، فضلاً عن المقلدين الثلاثة!

 

ترجمة أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_:

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 359) (رقم: 52): "أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع): صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزِيلُ حِمْصَ. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً. " اهـ

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1602)

سكن أَبُو أمامة الباهلي مصر، ثم انتقل منها إِلَى حمص فسكنها، ومات بها، وَكَانَ من المكثرين فِي الرواية عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكثر حديثه عند الشاميين.

 

إكمال تهذيب الكمال (6/ 367) (رقم: 2499): "(ع) صدي بن عجلان بن وهب (ويقال: ابنِ عَمْرٍو) أبو أمامة الباهلي. وباهلة: هم بنو سعد مناة ومعن ابني مالك بن أعصر بن سعد بن قيس غيلان بن مضر.

 

مختصر تاريخ دمشق (11/ 77)

سكن أبو أمامة الشام، وسكن حمص، وهو الصدي بن عجلان بن وهب بن عَريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن مَعْن بن مالك بن أعصُر. من أهل الشام.

 

مختصر تاريخ دمشق (11/ 78)

نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان.

 

الأعلام للزركلي (3/ 203):

"صُدَيّ بن عَجْلان (000 - 81 هـ = 000 - 700 م)

صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة: صحابي. كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص. وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. له في الصحيحين 250 حديثا." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (6/ 369):

"وفي «الاستيعاب»: "كان من المكثرين في الرواية. وذكره ابن منده في «الأرداف»." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360):

"وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ." اهـ[2]

 

كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ) _رحمه الله_ في "بغية الطلب فى تاريخ حلب" (10/ 4328):

"أبو أمامة الباهلي: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه صدي بن عجلان، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، تقدم ذكره." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.

قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ) .

فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ يُلْفَوْنَ إِلاَّ صِيَاماً." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 363)

قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 736)

"توفي سنة إحدى وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. ويقَالَ: مات سنة ست وثمانين.[3]

قَالَ سفيان بن عيينة: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقى بالشام من أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: قد بقى بالشام بعده عبد الله بن بسر، هو آخر من مات بالشام من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." اهـ

 

الطبقات الكبرى ط دار صادر (7/ 412)

قَالُوا: وَتُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ بِالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسِتِّينَ سَنَةً

 

تاريخ دمشق لابن عساكر (24/ 75)

عبد الصمد بن سعيد القاضي قال في تسمية من نزل حمص من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبو أمامة صدي بن عجلان سكن حمص ثم سلس بوله فاستأذن الوالي إلى أن يصير إلى دنوة، فأذن له، فمات بها، وخلف ابنا يقال له المغلس

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 1022)

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جَابِرٍ، عَنْ مَوْلاةٍ لِأَبِي أُمَامَةَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو أُمَامَةَ يُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَلا يَقِفَ بِهِ سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عندنا إِلا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ، فَوَقَفَ بِهِ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ دِينَارًا، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، قُلْتُ: "لَمْ يَبْقَ لَنَا شَيْءٌ."

ثُمَّ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِه صَائِمًا، فَرَقَقْتُ لَهُ، وَاقْتَرَضْتُ لَهُ ثَمَنَ عَشَاءٍ، وَأَصْلَحْتُ فِرَاشَهُ، فَإِذَا تَحْتَ الْمِرْفَقَةِ ثَلاثُمِائَةِ دِينَارٍ،

فَلَمَّا دَخَلَ وَرَأَى مَا هَيَّأْتُ لَهُ حَمَدَ اللَّهَ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ تَعَشَّى، فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ جِئْتَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ بِمَوْضِعِ مَضْيَعَةٍ،

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: "الذَّهَبُ". وَرَفَعْتُ الْمِرْفَقَةَ، فَفَزِعَ لِمَا رَأَى تَحْتَهَا وَقَالَ: مَا هَذَا وَيْحَكِ! قُلْتُ: لا عِلْم لِي. فَكَثُرَ فَزَعُهُ." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360_361):

"عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:

أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم، فَرَحَّبُوا بِي، فَقُلْتُ:

جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

فَكَذَّبُوْنِي، وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَنِمْتُ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبتُ، فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي.

فَقَالَ القَوْمُ: [أَتَاكُم] رَجُلٌ مِنْ___أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم، فَرَدَدْتُمُوْهُ؟

قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي.

فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي؛ فآمَنُوا." اهـ

نص الحديث:

 

"مَن تَرَكَ المِراءَ، وهو مُبطلٌ، بُنِيَ له بيتٌ في رَبَضِ الجنة. ومَن تركه، وهو مُحِقٌّ، بُني له في وسَطها. ومن حسَّن خُلُقَه، بُنِيَ له في أعلاها".

رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي:

"حديث حسن".

 

تنبيه:

 

سنن الترمذي - ت شاكر (4/ 358)

1993 - حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكَرِّمٍ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ - وَهُوَ بَاطِلٌ -، بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ. وَمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ - وَهُوَ مُحِقٌّ -، بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ، بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا»

وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 19) (رقم: 51) عن ابن أبي فديك به

 

سنن أبي داود (4/ 253):

4800 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْجَمَاهِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ، وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»

 

المعجم الكبير للطبراني (20/ 110)

217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْقَصَّاصُ، ثنا عِيسَى بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَحَسُنَ خُلُقُهُ»

 

حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 552 و 556) (رقم: 273)، وقال _رحمه الله_ عن حديث معاذ أثناء تحسينه حديث أبي أمامة:

"وجملة القول: أن هذا الإسناد ضعيف، ولكن ليس شديد الضعف، فيصلح شاهدا لحديث أبي أمامة، فيرتقي به إلى درجة الحسن. والله أعلم." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 153)

وقوله: (ومن ترك المراء) أي: الجدال والخصومة، (وهو محق) أي: مع أن الحق في جانبه يتركه كسرًا لنفسه كيلا تترفع نفسه على خصمه بظهور فضله، وينكسر قلب خصمه بعجزه وإفحامه، وهذا إنما يجوز إذا لم يكن متعلقًا بأمر ديني، ولم يقع فيه خلل بسكوته، أو يتوقع ظهور الحق بالآخرة بوجه آخر، وقد يسكت الخصم الألد بإبانة الكلام والسكوت والأعراض، وينفع ذلك في ظهور الحق ما لم ينفع المراء والجدال

 

المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 179):

"من تركَ الكذبَ في حال كونهِ باطلًا يستحقُّ الأجرَ وإن لم يكنِ الكذبُ كما ذكر في الإصلاح بينَ الخَصْمَين، فالإتيانُ بمثلِ ذلك الكذبِ يوجبُ الأَجْرَ، فلا يُستَحبُّ تركُه.

 

[تعليق]:

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3120)

من ترك الكذب في قوله طوعا وإرادة واتباع للصدق، ورأي أن الصدق أحق أن يتبع، والكذب باطل لا يجوز اتباعه.

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3120)

من ترك الكذب، والحال أنه عالم ببطلانه في أمور الدين، لكن سنح له فيه منفعة دنيوية، فيتركها كسرا لهواه وإيثارا لرضى الله على رضاه، بنى له بيت في ربض الجنة.

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 26)

فَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا» وَرَخَّصَ فِي الْكَذِبِ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَرْبِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَكَذِبِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 179)

من ترك المجادلةَ مع أنَّ ما يقولُه حَقٌّ فقد استحقَّ أن يَسْكُنَ في وَسَطِ الجَنَّة." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3120):

"قال الشيخ أبو حامد:

المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما لفظا أو معنى أو في قصد التكلم، وترك المراء بترك الإنكار والإعراض.

فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به، وإن كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (5/ 244)

"بني له في وسط الجنة" نيلُه وسطَها بترك المراء مع أنه محق؛ لتركه كسر قلب مَن يجادله، ورفعة نفسه وإظهار فضله.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3035)

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُلُقَ مُكْتَسَبٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَرِيزِيًّا. وَمِنْهُ: خَبَرٌ صَحِيحٌ: «اللَّهُمَّ حَسِّنْ خُلُقِي كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي» ، وَكَذَا خَبْرُ مُسْلِمٍ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ» .

 

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 153)

وحسن الخلق شامل لجميع الحمايد والكمالات، وأكثر ما يستعمل حسن الخلق في العرف في لين الجانب وطلاقة الوجه والبشاشة.



[1]  وفي "الأعلام" للزركلي (3/ 270_271):

"العَلْمَوي (000 - 981 هـ = 000 - 1573 م): عبد الباسط بن موسى بن محمد بن إسماعيل العلموي ثم الموقت: واعظ دمشقي شافعيّ كان يعظ في الجامع الأموي وتوفي بدمشق. له (المعيد في أدب المفيد والمستفيد - ط) اختصره من (الدر النضيد) للبدر محمد الغزي، و (العقد التليد في اختصار الدر النضيد - خ) في___شستربتي و(مختصر تاريخ النعيمي - خ) في الظاهرية (الرقم 7919)." اهـ

[2]  وفي مختصر تاريخ دمشق (11/ 78):

"قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك." اهـ

[3]  وهذا الأخير رجحه الذهبي قائلا في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 1023): "قَالَ الْمَدَائِنِيُّ، وَخَلِيفَةُ وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. وَشَذَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين