شرح الحديث الثاني والثلاثين من البهجة للسعدي
الحديث الثاني والثلاثون: تحديد نصاب
زكاة الحبوب والثمار عن أبي سعيد الخدري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه
وسلم_: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أواقٍ مِنَ
الوَرِق صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صدقة." متفق عليه |
تجب
الزكاة في الذهب والفضة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ) [التوبة: 34] ولا يُتَوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب.
ولقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(ما
مِن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له
صفائح من نار، فأُحْمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره،
كلما
بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،
حتى يقضي الله بين العباد) أخرجه مسلم برقم (987)
الفقه
الميسر في ضوء الكتاب والسنة (1/ 128)
يشترط
لوجوب الزكاة في الذهب والفضة الشروط التالية:
1
- بلوغ النصاب: وهو عشرون مثقالاً من الذهب؛ لحديث علي:
(
... وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون
ديناراً وحال عليه الحول ففيها نصف مثقال) ويساوي بالجرامات (85) جراماً.
ونصاب الفضة: مائتا درهم من الفضة لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(ليس
فيما دون خمس أواق صدقة).
والأوقية
أربعون درهماً، فخمس أواق تساوي مائتي درهم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -:
(وفي
الرِّقَة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائةً فليس فيها شيء، إلا أن يشاء
رَبُّها) خ.
وقد
أجمع العلماء على أن نصاب الفضة خمس أواق، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً. [شرح صحيح مسلم (7/ 48)]
2 -
بقية الشروط العامة التي سبقت فيمن تجب عليه الزكاة، وهي: الإسلام، والحرية،
والملك التام، وحَوَلان الحول، وقد سبق الكلام
عليها.
بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الزَّكاةِ للأنواعِ المختلِفةِ
مِن الأموالِ، وبيَّنَ الأنصِبةَ الَّتي تجبُ فيها الزَّكاةُ، والحدَّ الأدْنى
الذي لا تَجبُ فيه.
وفي
هذا الحديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليس على مَن لم
يَملِكْ خَمْسَ أواقٍ مِن الفِضَّةِ زكاةٌ،
والأُوقيَّةُ:
أربعونَ دِرهمًا، والمُرادُ بالدِّرهمِ الخالِصُ مِن الفِضَّةِ، والخمْسُ أواقٍ
تُساوي مِئتَيْ دِرهمٍ، وما زادَ ففي كلِّ أربعينَ دِرهمًا دِرهمٌ، وتَقديرُ ذلك
بالموازينِ الحَديثةِ يُساوي تقريبًا 595 جرامًا من الفِضَّةِ الخالِصةِ.
وليس
على مَن لم يملِكْ خمْسةَ أوسُقٍ مِن الحُبوبِ والثِّمارِ
زكاةٌ، والوَسْقُ: سِتُّونَ صاعًا، فالخَمسةُ أوسُقٍ نِصابُ الزَّكاةِ:
ثَلاثُمِئةِ صاعٍ، ويُساوي تقريبًا 653 كيلو جِرامٍ بالموازينِ الحَديثةِ،
وفي
هذا إشارةٌ إلى أنَّ الفَواكهَ والخَضْراواتِ لا زكاةَ فيها؛ لأنَّها ليستْ ممَّا
يُكالُ كالحبوبِ والثِّمارِ، وأيضًا ليستْ ممَّا يُدَّخَرُ ويُتَّخَذُ قُوتًا،
والزَّكاةُ إنَّما تجبُ في الأقواتِ الَّتي تخرُجُ مِن الأرضِ؛ كالتَّمرِ
والزَّبيبِ والبُرِّ والشَّعيرِ والأرزِ والذُّرةِ، وغيرِ ذلك.
فهذا
الحَديثُ أصلٌ في بيانِ مَقاديرِ أنصِبةِ الأموالِ الَّتي تجبُ فيها الزَّكاةُ،
فنِصابُ الفِضَّةِ مِئَتا دِرهمٍ، ونِصابُ الإبِلِ خمْسةٌ، ونِصابُ الحُبوبِ
والثِّمارِ الَّتي تُكالُ ثلاثمائة صاع.
وليس
على مَن لم يملِكْ خَمْسَ ذَوْدٍ مِن الإبل زَكاةٌ،
والذَّودُ هو أوَّلُ اسمِ جَماعاتِ الإبلِ وهو ما بيْنَ الثَّلاثِ إلى العَشرِ،
فمَن ملَكَ مِن الإبلِ أربعةً فلا شَيءَ فيها، ومَن ملَكَ مِن خمسٍ إلى تِسعٍ
يجِبُ فيها شاةٌ واحِدةٌ، فإذا زادَ هذا النِّصابُ زادتِ الزكاةُ بحَسَبِ
التَّفاصيلِ المذكورةِ في الرِّواياتِ.
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار
ط الوزارة (ص: 76): "اشتمل هذا الحديث على تحديد أنصبة
الأموال الزكوية الغالبة، * والتي تجب فيها الزكاة: الحبوب، والثمار والمواشي من الأنعام
الثلاثة والنقود، وما يتفرع عنها من عروض التجارة. أما زكاة الحبوب والثمار: فإن نص هذا الحديث أن نصابها خمسة
أوسق، فما دون ذلك لا زكاة فيه، والوسق: ستون صاعا بصاع النبي _صلى
الله عليه وسلم_، فتكون الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، فمن بلغت حبوب زرعه أو مغل ثمره هذا
المقدارَ فأكثرَ: فعليه زكاته فيما سقي بمؤونة نصف العشر، وفيما سقي بغير مؤونة
العشر. |
نصف
العشر: 1/20
وأما زكاة المواشي: فليس فيما دون خمس من الإبل شيء.
* فإذا بلغت خمسا: ففيها شاة، * ثم في كل خمس شاة، إلى خمس وعشرين [5
- 25]: فتجب فيها بنت مخاض، وهي التي تم لها
سنة، * وفي ست وثلاثين [36]: بنت لبون، لها سنتان، * وفي ست وأربعين [41]: حِقَّة، لها ثلاثُ سنين، وفي إحدى وستين [61]: جَذَعَةً، لها___أربع سنين، * وفي ست وسبعين [61]: بنتا لبون، * وفي إحدى وتسعين [91]: حقتان، * فإذا زادت على عشرين ومائة [120]:
ففي كل أربعين: بنْتُ لبون، وفي كل خمسين: حقة. |
ففي
"صحيح البخاري" (2/ 118) (رقم: 1454):
أَنَّ
أَنَسًا، حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَتَبَ لَهُ هَذَا
الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا
رَسُولَهُ، «فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا، فَلْيُعْطِهَا
وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا، فَلاَ يُعْطِ،
فِي
أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ
شَاةٌ،
إِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى،
فَإِذَا
بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى،
فَإِذَا
بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ
طَرُوقَةُ الجَمَلِ،
فَإِذَا
بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ،
فَإِذَا
بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ
فَإِذَا
بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ،
فَإِذَا
زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ
مِنَ الإِبِلِ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا،
فَإِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ، فَفِيهَا شَاة." اهـ
وأما نصاب البقر، * فالثلاثون: فيها تبيع أو تبيعة، له سنة، * وفي أربعين مسنة، لها سنتان، * ثم في كل ثلاثين تبيع، * وفي كل أربعين مسنة. |
ففي
"سنن أبي داود" (2/ 101) (رقم: 1576):
عَنْ
مُعَاذٍ:
"أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ
أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، أَوْ
تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً." د س ق
صححه
الألباني في "إرواء الغليل" (3/ 268) (رقم: 795)
وأما نصاب الغنم، * فأقله أربعون [40]، وفيها: شاة، * وفي إحدى وعشرين ومائة [120]: شاتان، * وفي مائتين وواحدة [201]: ثلاث شياه، ثم في كل مائة: شاة، وما بين الفرضين يقال له: " وقص
" في المواشي خاصة، لا شيء فيه، بل هو عفو. |
ففي
"صحيح البخاري" (2/ 118) (رقم: 1454):
وَفِي
صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا:
إِذَا
كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ،
فَإِذَا
زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ،
فَإِذَا
زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ،
فَإِذَا
زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ،
فَإِذَا
كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
وَفِي
الرِّقَّةِ رُبْعُ العُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً،
فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا»
وأما بقية الحيوانات، كالخيل والبغال والحمير وغيرها، فليس
فيه زكاة، إلا إذا أعد للبيع والشراء. وأما نصاب النقود من الفضة، فأقله خمس
أواق، والأوقية: أربعون درهما، فمتى بلغت عنده مائتي درهم، ففيه ربع العشر |
ربع
العشر = 2,5 % = 1/40 = 0,025
وكذلك ما تفرع عن النقدين من عروض
التجارة، وهو كل ما أعد للبيع والشراء لأجل المكسب والربح، فيقوم إذا حال الحول
بقيمة النقود، ويخرج عنه ربع العشر، ولا بد في
جميعها من تمام الحول، إلا الحبوب والثمار، فإنها تخرج زكاتها وقت الحصاد والجذاذ،
قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
[الأنعام: 141] فهذه أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة. وأما مصرفها: فللأصناف الثمانية المذكورين في قوله
_تعالى_: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً
مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]. |
Komentar
Posting Komentar