تفسير الآيات في مقدمة باب المجاهدة - رياض الصالحين
11- بابُ المجاهدة |
وقال علي بن محمد الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ) _رحمه الله_ في
"التعريفات" (ص: 204):
"المجاهدة
في اللغة: المحاربة،
وفي
الشرع:
محاربة النفس الأمَّارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في
الشرع." اهـ
التوقيف على
مهمات التعاريف (ص: 297) للمناوي :
"المجاهدة
: مفاعلة من الجهد فَتْحًا وضَمًّا، وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة في العمل،
ويستعمل في المحاربة.
وفي عرف
القوم: (محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع).
وقيل: (حمل
النفس على المشاق البدنية ومخالفة الهوى).
وقيل: (بذل
المستطاع في أمر المطاع)،
وقيل: (بذل
الجد في القصد وصدق الجهد في العهد).
وقيل: (قطع
الراحة، وإن تكثر من القلب جماحه)." اهـ
وقال أبو القاسم
الحسين بن محمد المعروف بـ"الراغب الأصفهاني" (المتوفى:
502هـ) _رحمه الله_ في "المفردات في غريب القرآن"
(ص: 208):
"والجِهادُ
والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو. والجِهَاد ثلاثة أضرب:
* مجاهدة
العدو الظاهر.
* ومجاهدة
الشيطان.
* ومجاهدة
النفس." اهـ
[تعليق]:
قال أبو طاهر محمد بن
يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى: 817 هـ) _رحمه الله_
في "بصائر
ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" (2/ 403):
"والحقّ
أَن يقال: المجاهدة ثلاثة أَضرب:
مجاهدة
العدوّ الظَّاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النَّفْس.
ويدخل الأَضرب
الثلاثة فى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]،
وفى الحديث:
"جاهدوا أَهواءَكم كما تجاهدون أَعداءَكم." [1]
والمجاهدة
تكون باليد واللِّسان. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "جاهدوا الكفَّار
بأَيديكم وأَلسنتكم". اهـ
قال أبو طاهر
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى: 817 هـ)
_رحمه الله_ في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" (2/
402_403):
"وورد فى
القرآن على معان:
الأَول:
مجاهدة
الكفَّار والمنافقين بالبرهان والحجّة،
{جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73]،
{وَجَاهِدْهُمْ
بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] .___
الثانى:
جهاد
أَهل الضَّلالة بالسّيف والقتال،
{وَفَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} [النساء: 95]
{وَجَاهَدُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 218]،
الثالث:
مجاهدة
مع النفس،
{وَمَنْ
جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6].
الرابع:
مجاهدة
مع الشيطان بالمخالفة طمعاً فى الهداية
{وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
الخامس:
جهاد
مع القلب لنيل الوصْل والقُرب {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ
اجْتَبَاكُمْ} [الحج: 78]." اهـ
قال النووي
مصنف "رياض الصالحين" _رحمه الله_ أثناء إيراده بعض الآيات في الباب: قَالَ الله
تَعَالَى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] |
تفسير
الآية:
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[2]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (20/ 63):
"يقول _تعالى
ذكره_:
والذين قاتلوا
هؤلاء المفترين على الله كَذِبًا مِنْ كفارِ قريشٍ، المكذّبين بالحقّ لَمَّا جاءهم
فينا، مُبتغين بقتالهم عُلُوَّ كلمَتِنَا، ونُصرةَ ديْنِنَا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنا)، يقول:
لنوفقنهم
لإصابة الطريق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به
محمدا صلى الله عليه وسلم (وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) يقول:
وإن الله لمع
من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مُصَدّقا رسولَه فيما جاء به من عند الله
بالعونِ له، والنصرةِ على من جاهد من أعدائه." اهـ[3]
تفسير القرطبي
(13/ 364_365) :
"قَوْلُهُ
_تَعَالَى_ : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا)،
أَيْ:
جَاهَدُوا الْكُفَّارَ فِينَا. أَيْ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِنَا.
وَقَالَ
السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فَرْضِ
الْقِتَالِ.
قَالَ ابْنُ
عَطِيَّةَ: فَهِيَ قَبْلَ الْجِهَادِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ جِهَادٌ
عَامٌّ فِي دِينِ اللَّهِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ
بْنُ أَبِي الْحَسَنِ : "الْآيَةُ فِي الْعُبَّادِ".
وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : "هِيَ فِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
بِمَا يَعْلَمُونَ.[4]
وَقَدْ قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ عَلَّمَهُ اللَّهُ
مَا لَمْ يَعْلَمْ".[5]
وَنَزَعَ بعضُ
العلماء إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]،
وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّمَا قَصَّرَ بِنَا عَنْ عِلْمِ مَا جَهِلْنَا
تَقْصِيرُنَا فِي الْعَمَلِ بِمَا عَلِمْنَا، وَلَوْ عَمِلْنَا بِبَعْضِ مَا
عَلِمْنَا، لَأَوْرَثَنَا عِلْمًا لَا تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُنَا، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
وَقَالَ أَبُو
سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ:
لَيْسَ
الْجِهَادُ فِي الْآيَةِ___قِتَالَ الْكُفَّارِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ نَصْرُ
الدِّينِ، وَالرَّدُّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ، وَقَمْعُ الظَّالِمِينَ، وَعِظَمُهُ:
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وَمِنْهُ:
مُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ.
وَقَالَ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ:
(إِذَا
رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا، فَعَلَيْكَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَأَهْلِ
الثُّغُورِ، فَإِنَّ اللَّهَ _تَعَالَى_ يَقُولُ: (لَنَهْدِيَنَّهُمْ)
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ:
(مَعْنَى
الْآيَةِ، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي الْهِجْرَةِ، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ
الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ).
ثُمَّ قَالَ: (مَثَلُ
السُّنَّةِ فِي الدُّنْيَا، كَمَثَلِ الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، مَنْ دَخَلَ
الْجَنَّةَ فِي الْعُقْبَى سَلِمَ، كَذَلِكَ مَنْ لَزِمَ السُّنَّةَ فِي
الدُّنْيَا سَلِمَ).
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:
(وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِي طَاعَتِنَا، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ ثَوَابِنَا).
وَهَذَا
يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِ الطَّاعَةِ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ.
وَنَحْوَهُ
قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
(تَقُولُ
الْحِكْمَةُ مَنْ طَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي فَلْيَطْلُبْنِي فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَنْ يَعْمَلَ بِأَحْسَنَ مَا يَعْلَمُهُ، وَيَجْتَنِبَ أَسْوَأَ مَا يَعْلَمُهُ)."
اهـ
تيسير الكريم
الرحمن (ص: 636) للسعدي :
"{وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا} وهم الذين هاجروا في سبيل الله، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا
مجهودهم في اتباع مرضاته، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي: الطرق الموصلة إلينا،
وذلك لأنهم محسنون.
{وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالعون والنصر والهداية. دل هذا :
* على أن أحرى
الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد،
* وعلى أن من
أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية،
* وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له
من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمورٌ إلهيةٌ، خارجةٌ عن مدرك اجتهاده، وتَيَسَّرَ
له أمْرُ العِلْمِ،
فإن طلب العلم
الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا
خواص الخلق، وهو الجهادُ بالقول واللسان، للكفار
والمنافقين، والجهادُ على تعليم أمور الدين،
* وعلى رد
نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين." اهـ
وَقالَ _تَعَالَى_:
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] |
تفسير
الآية:
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي، شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) _رحمه الله_ في "الجامع
لأحكام القرآن" (10/ 64):
قَوْلُهُ
تَعَالَى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
فِيهِ
مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ : وَهُوَ أَنَّ الْيَقِينَ الْمَوْتُ[6].
أَمَرَهُ
بِعِبَادَتِهِ إِذْ قَصَّرَ عِبَادُهُ فِي خِدْمَتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ
عَلَيْهِ.
فَإِنْ
قِيلَ: فَمَا فائدة قول: (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)،
وَكَانَ قَوْلُهُ :" وَاعْبُدْ رَبَّكَ" كَافِيًا فِي الْأَمْرِ
بِالْعِبَادَةِ.
قِيلَ لَهُ:
الْفَائِدَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ :" وَاعْبُدْ رَبَّكَ"
مُطْلَقًا، ثُمَّ عَبَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَانَ مُطِيعًا،
وَإِذَا قَالَ:
(حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) كَانَ مَعْنَاهُ لَا تُفَارِقْ هَذَا حَتَّى
تَمُوتَ.
فَإِنْ
قِيلَ: كَيْفَ قَالَ سُبْحَانَهُ : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْيَقِينُ)، وَلَمْ يَقُلْ : أَبَدًا،
فَالْجَوَابُ
أَنَّ الْيَقِينَ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ: أَبَدًا، لِاحْتِمَالِ لَفْظِ الْأَبَدِ
لِلَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِجَمِيعِ الْأَبَدِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا
الْمَعْنَى.
وَالْمُرَادُ
اسْتِمْرَارُ الْعِبَادَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحِ: {وَأَوْصَانِي
بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]." اهـ
وقال أبو
الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
(المتوفى : 774 هـ) _رحمه الله_ في "تفسير القرآن العظيم" – ت. سامي
سلامة (4/ 554):
"وَيُسْتَدَلُّ
مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا
وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، فَيُصَلِّي بِحَسَبِ
حَالِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ _رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا_:
أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ :
"صَلِّ
قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى
جَنْب" [خ (1117)]
وَيُسْتَدَلُّ
بِهَا عَلَى تَخْطِئَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِـ"الْيَقِينِ" الْمُعْرِفَةُ، فَمَتَى وَصَلَ أَحَدُهُمْ إِلَى
الْمَعْرِفَةِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ.
وَهَذَا
كُفْرٌ وَضَلَالٌ وَجَهْلٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ _عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ_، كَانُوا هُمْ وَأَصْحَابُهُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ،
وَأَعْرَفَهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ،
وَكَانُوا
مَعَ هَذَا أَعْبَدَ النَّاسِ وَأَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً وَمُوَاظَبَةً عَلَى
فِعْلِ الْخَيْرَاتِ إِلَى حِينِ الْوَفَاةِ.
وَإِنَّمَا
الْمُرَادُ بِـ(الْيَقِينِ) هَاهُنَا: الْمَوْتُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، وعليه الاستعانة
والتوكل، وهو المسؤول أَنْ يَتَوَفَّانَا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ
وَأَحْسَنِهَا فَإِنَّهُ جواد كريم." اهـ
[تعليق]:
وقال إبراهيم
بن موسى اللخمي الغرناطي، الشهير بـ"الشاطبي" (المتوفى: 790هـ) _رحمه
الله_ في "الاعتصام" – ت. الشقير والحميد والصيني (2/ 64)،
"فَمَنْ
رأَى أَن التَّكْلِيفَ قَدْ يَرْفَعُهُ الْبُلُوغُ إِلَى مَرْتَبَةٍ مَّا مِنْ
مَرَاتِبِ الدِّينِ ـ كَمَا يَقُولُهُ أَهل الْإِبَاحَةِ ـ، كَانَ قَوْلُهُ بِدَعَةً
مُخْرِجَةً عَنِ الدِّينِ." اهـ
وانظر: "فتاوى
شيخ الإسلام ابن تيمية" (2/ 95)، و (7/ 503).
وقال
أبو حامد الغزالي _رحمه الله_ في إحياء علوم الدين (3/ 230):
"وظن
طائفة أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالى
فإذا حصلت المعرفة فقد وصل وبعد الوصول يستغني عن الوسيلة والحيلة فتركوا السعي
والعبادة.
وزعموا
أنه ارتفع محلهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتهنوا بالتكاليف، وإنما التكليف على
عوام الخلق. ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالات هائلة يطول إحصاؤها إلى ما يبلغ نيفاً
وسبعين فرقة.
وإنما
الناجي منها فرقة واحدة، وهي السالكة ما كان عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_
وأصحابُهُ، وهو أن لا يترك الدنيا بالكلية ولا يقمع
الشهوات بالكلية.
أما
الدنيا، فيأخذ منها قدر الزاد، وأما الشهوات، فيقمع منها ما يُخْرِجُ عن طاعة
الشرع والعقلِ. ولا يتبع كل شهوة، ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل، ولا يترك كل
شيء من الدنيا، ولا يطلب كل شيء من الدنيا، بل يعلم مقصودَ كل ما خُلِقَ من الدنيا،
ويحفظه على حد مقصوده. فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة، ومن المسكنِ
ما يحفظ عن اللصوصِ والْحَرِّ والبرْدِ، ومن الكسوة كذلك حَتَّى إِذَا فَرَغَ
الْقَلْبُ مِنْ شُغْلِ الْبَدَنِ، أقبل على الله _تعالى_ بكنه همته، واشتغل بالذكر
والفكرِ طُوْلَ العمر، وَبَقِيَ مُلَازِمًا لِسِيَاسَةِ الشَّهَوَاتِ وَمُرَاقِبًا
لَهَا حَتَّى لَا يُجَاوِزَ حُدُودَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى،
وَلَا
يُعْلَمُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ، إِلَّا بِالِاقْتِدَاءِ بِالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ،
وَهُمُ الصحابة، فإنه _عليه السلام_ لما قال: (الناجي منها واحدةٌ)، قالوا: "يا
رسول الله، ومنْ هُمْ؟" قال: (أهل السنة والجماعة)، فقيل: "ومن أهل
السنة والجماعة؟" قال: (ما أنا عليه وأصحابي)."
وقد
كانوا على النهج القصد وعلى السبيل الواضح الذي فصلناه من قبل فَإِنَّهُمْ مَا
كَانُوا يَأْخُذُونَ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلدِّينِ وَمَا كَانُوا
يَتَرَهَّبُونَ وَيَهْجُرُونَ الدُّنْيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَمَا كَانَ لَهُمْ فِي
الْأُمُورِ تَفْرِيطٌ وَلَا إِفْرَاطٌ بَلْ كَانَ أَمْرُهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ
قَوَامًا وَذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ وَالْوَسَطُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ أحب
الأمور إلى الله تعالى كما سبق ذكره في مواضع والله أعلم." اهـ كلام الغزالي.
فائدة: الحديث الذي أورده الغزالي أخرجه سنن الترمذي
ت شاكر (5/ 26) (رقم: 2641):
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى
أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ
كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ
يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ
مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي
النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»
والحديث
حسن لغيره: صرح بذلك الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة
الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (1/ 404 و 3/ 334) (رقم: 204 و 1348)،
و"صلاة العيدين في المصلى هي السنة" (ص: 46)، صحيح الجامع الصغير
وزيادته (2/ 943) (رقم: 5343).
وَقالَ
تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل:8]
أي انْقَطِعْ إِلَيْه. |
تفسير
الآية :
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[7]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (23/ 687):
"يقول _تعالى
ذكره_:
(وَاذْكُرْ)
يا محمد (اسْمَ رَبِّكَ) فادْعُهُ بِهِ،
(وَتَبَتَّلْ
إِلَيْهِ تَبْتِيلا)، يقول: وانْقَطِعْ إِلَيْهِ انقطاعا لحوائجك وعبادتِك دون
سائرِ الأشياءِ غَيْرِهِ،
وهو من قولهم:
(تبتَّلْتُ هذا الأمْرَ)؛ ومنه، قيل لأمّ عيسى ابن مريم البَتُوْل، لانقطاعها إلى
الله،
ويقال للعابد
المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: (قد تبتل)؛ ومنه الخبر الذي رُوي___عن
النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه نهى عن التبتُّل".
أخرجه الترمذي في سننه (3/ 385)
(رقم : 1082)، و ابن ماجه في سننه (1/ 593) (رقم : 1849): عَنْ سَمُرَةَ:
«أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ»
وصححه الألباني في صحيح الجامع
الصغير وزيادته (2/ 1158) (رقم : 6867)
التبتل الممنوع أو الرهبانية في اللغة الأندونيسية: (selibat) = (asketisisme) = (pertarakan)
وفي "تحفة الأحوذي"
(4/ 171):
قَوْلُهُ نَهَى عَنِ
التَّبَتُّلِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّبَتُّلُ الِانْقِطَاعُ
عَنِ النِّسَاءِ وتَرْكُ النِّكَاحِ وامْرَأَةٌ بَتُولٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ
الرِّجَالِ لَا شَهْوَةَ لَهَا فِيهِمْ وبِهَا سُمِّيَتْ مَرْيَمُ أُمُّ
الْمَسِيحِ عليهما السلام وسميت الفاطمة الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ
زَمَانِهَا فَضْلًا وَدَيْنًا وَحَسَبًا وقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الدُّنْيَا
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى." اهـ
وقال أبو
الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
(المتوفى : 774 هـ) _رحمه الله_ في "تفسير القرآن العظيم" – ت. سامي
سلامة (8/ 255) :
"وَقَوْلُهُ
: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا}
أَيْ :
أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِهِ، وَانْقَطِعْ إِلَيْهِ، وَتَفَرَّغْ لِعِبَادَتِهِ إِذَا
فَرَغْتَ مِنْ أَشْغَالِكَ، وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاكَ،
كَمَا قَالَ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}
[الشَّرْحِ:7]
أَيْ : إِذَا
فَرَغْتَ مِنْ مَهَامِّكَ فَانْصَبْ فِي طَاعَتِهِ وعبَادَته، لِتَكُونَ فَارِغَ
الْبَالِ. قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ بِمَعْنَاهُ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَعَطِيَّةُ، وَالضَّحَّاكُ،
وَالسُّدِّيُّ : {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} أَيْ: أَخْلِصْ لَهُ
الْعِبَادَةَ.
وَقَالَ
الْحَسَنُ: اجْتَهِدْ وَبَتِّلْ إِلَيْهِ نَفْسَكَ." اهـ
زفي "زاد
المسير في علم التفسير" (4/ 462) لابن الجوزي:
"قوله _عزّ
وجلّ_: (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي: فادأبْ في العمل، وهو من النَّصْب.
والنَّصب: التعبُ، الدَّؤوب في العمل. وفي معنى الكلام
ستة أقوال:
أحدها:
فإذا
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، قاله ابن مسعود. والثاني:
فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، قاله ابن عباس، والضحاك، ومقاتل. والثالث: فإذا فرغت من جهالة عدوّك فانصب لعبادة ربّك،
قاله الحسن وقتادة.
والرابع:
فإذا
فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك، قاله مجاهد. والخامس:
فإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، قاله الشّعبيّ والزّهريّ. والسادس: إذا صح بدنك فاجعل صحتك نَصباً في العبادة،
ذكره عليّ بن أبي طلحة." اهـ
وقال محمد جمال الدين بن محمد الحلاق القاسمي
(المتوفى: 1332 هـ) _رحمه الله_ في "محاسن التأويل" (9/ 342):
"وَتَبَتَّلْ
إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أي أخلص إليه، بتجريد النفس عن غيره، إخلاصا عظيما." اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى:
1376 هـ) _رحمه الله_ في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 893):
"{وَاذْكُرِ
اسْمَ رَبِّكَ} شامل لأنواع الذكر كلها {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} أي:
انقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب
عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكلِّ ما يقرب إليه، ويدني من رضاه." اهـ
وقال محمد
الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي، المعروف بـ"ابن
عاشور المالكي" (المتوفى : 1393 هـ) _رحمه الله_ في "التحرير
والتنوير" (29/ 265_266):
"وَالتَّبَتُّلُ:
شِدَّةُ الْبَتْلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ تَبَتَّلَ الْقَاصِرُ الَّذِي هُوَ مُطَاوع
بتّله ف تَبَتَّلْ وَهُوَ هُنَا لِلْمُطَاوَعَةِ الْمَجَازِيَّةِ يُقْصَدُ مِنْ
صِيغَتِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ فَعَلَهُ
غَيْرُهُ بِهِ فَطَاوَعَهُ،
وَالتَّبَتُّلُ:
الِانْقِطَاعُ
وَهُوَ هُنَا انْقِطَاعٌ مَجَازِيٌّ، أَيْ: تَفَرُّغُ
الْبَالِ وَالْفِكْرِ إِلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ، فَكَأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنِ
النَّاسِ وَانْحَازَ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ فَعُدِّيَ بِ «إِلَى» الدَّالَّةِ
عَلَى الِانْتِهَاءِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
مَنَارَةُ
مَمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ وَالتَّبْتِيلُ: مَصْدَرُ بَتَّلَ الْمُشَدَّدِ
الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ مِثْلَ التَّقْطِيعِ.___
وَجِيءَ
بِهَذَا الْمَصْدَرِ عِوَضًا عَنِ التَّبَتُّلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ حُصُولَ
التَّبَتُّلِ، أَيِ الِانْقِطَاعِ يَقْتَضِي التَّبْتِيلَ أَيِ الْقَطْعَ.
وَلَمَّا كَانَ التَّبْتِيلُ قَائِمًا بِالْمُتَبَتِّلِ تَعَيَّنَ أَنَّ
تَبْتِيلَهُ قَطْعُهُ نَفْسَهُ عَنْ غَيْرِ مَنْ تَبَتَّلَ هُوَ إِلَيْهِ
فَالْمَقْطُوعُ عَنْهُ هُنَا هُوَ مَنْ عَدَا اللَّهِ تَعَالَى فَالْجَمْعُ بَيْنَ
تَبَتَّلْ وتَبْتِيلًا مُشِيرٌ إِلَى إِرَاضَةِ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ
التَّبَتُّلِ. وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ وَفَاءٌ بِرَعْيِ الْفَوَاصِلِ الَّتِي
قَبْلَهُ.
وَالْمُرَادُ
بِالِانْقِطَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، انْقِطَاعٌ
خَاصٌّ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنْ قِيَامِ
اللَّيْلِ وَمَهَامِّ النَّهَارِ فِي نَشْرِ الدَّعْوَةِ وَمُحَاجَّةِ
الْمُشْرِكِينَ.
وَلِذَلِكَ
قِيلَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى اللَّهِ، فَكُلُّ
عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْمَالِ
الْحَيَاةِ فَهُوَ لِدِينِ اللَّهِ، فَإِنَّ طَعَامَهُ وَشَرَابه ونومه
وشؤونه لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى نَشْرِ دِينِ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ
مُنْعِشَاتُ الرُّوحِ الْبَرِيئَةِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلَ الطِّيبِ، وَتَزَوُّجِ
النِّسَاءِ، وَالْأُنْسِ إِلَى أَهْلِهِ وَأَبْنَائِهِ وَذَوِيهِ، وَقَدْ قَالَ:
«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ» [صحيح: س].[8]
وَلَيْسَ
هُوَ التَّبَتُّلَ الْمُفْضِيَ إِلَى الرَّهْبَانِيَّةِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ
النِّسَاءِ وَعَنْ تَدْبِيرِ أُمُورِ الْحَيَاةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُلَاقِي
صِفَةَ الرِّسَالَةِ.
وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ فِي «الصَّحِيحِ» «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ
التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا»[9]،
يَعْنِي رَدَّ
عَلَيْهِ اسْتَشَارَتَهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ النِّسَاءِ.
وَمِنْ
أَكْبَرِ التَّبَتُّلِ إِلَى اللَّهِ: الِانْقِطَاعُ
عَنِ الْإِشْرَاكِ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ قَوْلَهُ:
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا بِقَوْلِهِ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [المزمل: 9].
وَخُلَاصَةُ
الْمَعْنَى: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَأْمُورٌ أَنْ لَا تَخْلُوَ أَوْقَاتُهُ عَنْ إِقْبَالٍ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ
وَمُرَاقَبَتِهِ وَالِانْقِطَاعِ لِلدَّعْوَةِ لِدِينِ الْحَقِّ،
وَإِذْ قَدْ
كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ غَيْرَ غَافِلٍ
عَنْ هَذَا الِانْقِطَاعِ بِإِرْشَادٍ مِنَ اللَّهِ كَمَا أَلْهَمَهُ التَّحَنُّثَ
فِي غَارِ حِرَاءَ ثُمَّ بِمَا أَفَاضَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ.
فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ)
مُرَادٌ بِهِ الدَّوَامُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ
فِيمَا قَبْلُ." اهـ
وَقالَ
تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً
يَرَهُ} [الزلزلة:7] |
تفسير
الآية:
فتح البيان في
مقاصد القرآن (15/ 345) للقنوجي :
"قال
مقاتل: "نزلت في رجلين:
كان أحدهما: يأتيه
السائل، فيستقل أن يعطيه التمرة والْكِسْرَةَ والْجَوَزَةَ،
وكان الآخر: يتهاون
بالذنب اليسير، كالكذبة والغيبة والنظرة، ويقول: (إنما أوعد الله النار على
الكفارين)." اهـ
وفي "فتح
البيان في مقاصد القرآن" (15/ 344) للقنوجي :
"وقال
بعض أهل اللغة: أن الذرة هو أن يضرب الرجل بيده
على الأرض فما علق من التراب فهو ذرة،
وقيل: الذر ما
يرى في شعاع الشمس من الهباء، والأول أولى." اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى:
1376 هـ) _رحمه الله_ في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 932):
"{فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ}
وهذا شامل عام
للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، وجوزي عليها
فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال _تعالى_ :
{يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ
سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30]،
{مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49]،
وهذه الآية
فيها غاية الترغيبِ في فعل الخير، ولو قليلا؛ والترهيب من فعل الشر، ولو حقيرًا." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 87) :
"في هذا
الآية: تشويق لتقديم العمل الصالح بين يديه ليجد ثوابه عند قدومه على ربه."
اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (11/ 661):
"فَمَنْ
كَانَ مُؤْمِنًا، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا لِوَجْهِ اللَّهِ _تَعَالَى_، فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَظْلِمُهُ، بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ مِنْ
الْمُحَرَّمِ الْيَسِيرِ، فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ، وَيُرْجَى لَهُ
مِنْ اللَّهِ التَّوْبَةُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_:
{وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102]
وَإِنْ مَاتَ،
وَلَمْ يَتُبْ، فَهَذَا أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ. هُوَ أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ
حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ. لَا يُشْهَدُ لَهُ بِجَنَّةِ وَلَا نَارٍ، بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُمْ
يَقُولُونَ: (إنَّهُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً، أُحْبِطَتْ جَمِيعُ حَسَنَاتِهِ)،
وَأَهْلُ
السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْإِحْبَاطِ، بَلْ أَهْلُ
الْكَبَائِرِ مَعَهُمْ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، وَأَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ _تَعَالَى_."
اهـ
وَقالَ
تَعَالَى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أجرًا} [المزمل: 20] |
تفسير
الآية :
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[10]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (23/ 700):
"وقوله:
(وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)
يقول: وما
تقدّموا - أيها المؤمنون - لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في
سبيل الله، أو غيرِ ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عملٍ بطاعة الله من صلاة أو
صيام أو حجّ، أو غير ذلك من أعمال الخيرِ في طلب ما عند الله، (تجدوه عند الله) يوم القيامة في معادكم، هو خيرا لكم مما
قدمتم في الدنيا، وأعظم منه ثوابا: أي ثوابه أعظم من ذلك الذي قدّمتموه لو لم
تكونوا قدّمتموه." اهـ
وفي
"التحرير والتنوير" (29/ 288) لابن عاشور:
"وَالْخَيْرُ: هُوَ مَا وَصَفَهُ الدِّينُ بِالْحُسْنِ
وَوَعَدَ عَلَى فِعْلِهِ بِالثَّوَابِ.
وَمعنى (تَجِدُوهُ): تَجدوا جَزَاءَهُ وَثَوَابَهُ، وَهُوَ
الَّذِي قَصَدَهُ فَاعِلُهُ، فَكَأَنَّهُ وَجَدَ نَفْسَ الَّذِي قَدَّمَهُ،
وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ
عِوَضِ الشَّيْءِ وَجَزَائِهِ بَاسْمِ الْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَالْمُجَازَى
بِهِ." اهـ
أبو البقاء عبد الله بن
الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ) في "التبيان
في إعراب القرآن" (2/ 1248):
"قَوْلُهُ
تَعَالَى: (هُوَ خَيْرًا) : هُوَ فَصْلٌ، أَوْ بَدَلٌ، أَوْ تَوْكِيدٌ، وَ
«خَيْرًا» : الْمَفْعُولُ الثَّانِي." اهـ
وفي "تيسير
الكريم الرحمن" (ص: 895) للسعدي :
"وليعلم
أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا، وما عليها في دار
النعيم المقيم، من اللذات والشهوات، وأن الخير والبر في هذه الدنيا، مادة الخير
والبر في دار القرار، وبذره وأصله وأساسه،
فواأسفاه على
أوقات مضت في الغفلات، وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات، وواغوثاه
من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها."
اهـ
وَقالَ
تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ
بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273] والآيات في
الباب كثيرة معلومة. |
تفسير
الآية :
وفي "تفسير
أبي السعود" = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (1/ 265)
{وَمَا
تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} فيجازيكم بذلك أحسن جزاء فهو
ترغيبٌ في التصدق لاسيما على هؤلاء
فتح البيان في
مقاصد القرآن (2/ 136):
"(وما
تنفقوا من خير فإن الله به عليم) أي يعلم مقادير الإنفاق يجازي عليه،
وفيه: حث على
الصدقة والإنفاق في الطاعة لا سيما على هؤلاء." اهـ
وفي "التحرير
والتنوير" (3/ 77):
"أُعِيدَ
التَّحْرِيضُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَذُكِرَ مَرَّةً رَابِعَةً،
وَقَوْلُهُ : (فَإِنَّ
اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ
يُكْنَى بِهِ عَنْ أَثَرِهِ كَثِيرًا، فَلَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ مُرَغَّبًا
فِيهِ مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ عِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا لِلْمُسْلِمِينَ،
تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِهِ، أَنَّهُ عَلِيمٌ
بِامْتِثَالِ الْمُنْفِقِ، أَيْ فَهُوَ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ إِذْ لَا يَمْنَعُهُ
مِنْهُ مَانِعٌ بَعْدَ كَوْنِهِ عَلِيمًا بِهِ، لِأَنَّهُ قَدِيرٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَصَلَ
بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ مِنَ التَّحْرِيضِ مَا أَفَادَ
شِدَّةَ فَضْلِ الْإِنْفَاقِ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُنْفِقِ، وَصِلَةٌ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَنَوَالُ الْجَزَاءِ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ فِي
علم الله." اهـ
قلت:
إعادة
التحريض يظهر من خلال عدة آيات قبلها:
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ
نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ
الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي
الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ
لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا
مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)} [البقرة: 270 - 273]
[1] ما وقفت عليه مسندا، والله أعلم.
[2] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
[3] وفي زاد المسير في علم التفسير (3/ 414) لابن الجوزي :
"(وَالَّذِينَ
جاهَدُوا فِينا) أي : قاتلوا أعداءنا لأجلنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي:
لَنُوَفّقَنَّهم لإِصابة الطريق المستقيمة وقيل: لَنَزِيدنَّهم هِدايَة وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالنُّصرة والعون. قال ابن عباس: يريد
بالمُحْسِنِين: الموحِّدين وقال غيره: يريد المجاهدين." اهـ
[4] وفي "تفسير ابن كثير" ت سلامة (6/ 296):
"قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحَواري،
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ _مِنْ أَهْلِ عَكَّا_ فِي
قَوْلِ اللَّهِ : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
قَالَ
: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، يَهْدِيهِمْ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ.
قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ
الدَّارَانِيَّ فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ : "لَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ أُلْهِمَ
شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ فِي الْأَثَرِ،
فَإِذَا سَمِعَهُ فِي الْأَثَرِ عَمِلَ بِهِ"، وَحَمِدَ اللَّهَ حِينَ
وَافَقَ مَا فِي نَفْسِهِ." اهـ
[5] وهو حديث موضوع أخرجه أبو نعيم،
والظاهر أنه من الإسرائيليات!
وفي
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (10/ 15) :
"قَالَ
الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا
الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَوَهِمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ هَذَا الْإِسْنَادَ عَلَيْهِ لِسُهُولَتِهِ
وَقُرْبِهِ، وَهَذَا الحَدِيثُ لَا يُحْتَمَلُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ
بِنِ حَنْبَلٍ." اهـ
وفي
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 330) للسخاوي :
"وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوهُ حَدِيثًا وَحَمَلَهُمُ الشَّرَهُ وَمَحَبَّةُ الظُّهُورِ
عَلَى ادِّعَاءِ سَمَاعِهِ، وَهُمْ صِنْفٌ مِنَ الْوَضَّاعِينَ.
كَمَا
وَضَعَ بَعْضُهُمْ حِينَ سَمِعَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ
التَّابِعِينَ مِمَّا نَسَبَهُ لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامِ -: " مَنْ
عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "
فَتَوَهَّمَهُ - كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ
أَبِي الْحِوَارِيِّ مِنْ (الْحِلْيَةِ) - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ لَهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سَنَدًا، وَهُوَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ لِسُهُولَتِهِ وَقُرْبِهِ،
وَجَلَالَةُ الْإِمَامِ تَنْبُو عَنْ هَذَا." اهـ
[6] وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 553_554) :
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} قَالَ: الْمَوْتُ، وَهَكَذَا
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُ.
وَالدَّلِيلُ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُمْ
قَالُوا: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى
أَتَانَا الْيَقِينُ} [الْمُدَّثِّرِ: 43-47]
وَفِي
الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،
عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ -امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ
-وَقَدْ مَاتَ -قُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي
عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الله أكرمه؟ "
فَقُلْتُ:
بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ فَقَالَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ
جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ". [خ (رقم :
1243)]." اهـ
[7] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
[8] أخرجه النسائي في "سننه" (7/ 61) (رقم: 3939_3940)،
وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 599) (رقم:3124) عن
أنس بن مالك _رضي الله عنه_
[9] أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 4) (رقم : 5073)، ومسلم في صحيحه (2/
1020) (رقم : 1402)
[10] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
Komentar
Posting Komentar