الحديث السابع والعشرون من أربعين حديثا في التربية والمنهج
الحديث
السابع والعشرون عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا
قال الرجل: (هلك الناس)، فهو أهلكهم." (1) ______________ (1)
أخرجه مسلم. |
تخريج الحديث:
أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/
2024/ 139) (رقم: 2623)، وأبو داود في "سننه" (4/ 296) (رقم: 4983)، ومالك
في "الموطأ" – ت. الأعظمي (5/ 1433) (رقم: 3607)، وأبو داود الطيالسي "المسند"
(4/ 183) (رقم: 2560)، وابن الجعد في "المسند" (ص: 483) (رقم: 3355)، مسند
أحمد في "المسند" – ط. عالم الكتب (2/ 272 و 2/ 342 و 2/ 465 و 2/ 517) (رقم:
7685 و 8514 و 10005 و 10697)، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص: 267)
(رقم: 759)، وأبو عوانة في "المستخرج" = "المسنَد الصَّحيح
المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم" - ط الجامعة الإسلامية (20/ 110) (رقم: 11447)،
والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (12/ 101) (رقم: 4686)، وابن حبان في "صحيحه"
(13/ 74) (رقم: 5762)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"
(6/ 345 و7/ 141)، وفي "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/
186 و 2/ 343) (رقم: 213 و 1910)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9/ 59)
(رقم: 6258)، وفي "الآداب" (ص: 118) (رقم: 285)، والبغوي في "شرح
السنة" (13/ 143) (رقم: 3564_3565).
انظر: "مختصر
صحيح مسلم" للمنذري – ت. الألباني (2/ 481) (رقم: 1823)، و"سلسلة
الأحاديث الصحيحة" (7/ 203) (رقم: 3074) للألباني، و"صحيح الأدب المفرد"
(ص: 284) (رقم: 587)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 134) (رقم: 2960)، "صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (1/ 166 و 1/ 183) (رقم: 608 و 712)، و"تخريج مشكاة
المصابيح" (3/ 1357) (رقم: 4821).
عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي
(المتوفى: 1359هـ) _رحمه الله_ في
"مجالس التذكير من حديث البشير النذير" (ص: 77)
المعنى:
ـ[على الوجه الأول]ـ إذا سمعت الرجل
يقول هلك الناس يعيبهم وينقصهم ويحقر من أمر جماعتهم فقد صار بذلك أعظم هلاكا منهم
لارتكابه معصية كبيرة تعدت إلى غيره وعمتهم وهي معصية الكبر الذي هو احتقار المرء
من عداه، فهذا قد تكبر على جميع الناس فكان عظم هلاكه على حسب عظم معصيته بهذا
العموم في الكبر والاحتقار.
ـ[وعلى الوجه الثاني]ـ إذا سمعت الرجل
يقول هلك الناس يثبطهم ويقنطهم، فهو بذلك التثبيط والتقنيط أيأسهم من رحمة الله
وصدهم عن الرجوع إليه وبالتوبة ودفعهم إلى الاستمرار فيما هم عليه، فأوقعهم بكلمته
تلك في الهلاك: هلاك البؤس والقنوط والاندفاع في الشر." اهـ
وفي "شرح السنة" للبغوي (13/
144_145):
"قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الخطابيُّ:
معنى هَذَا: أَلا يزَال الرجُلُ يعيب
النّاس، وَيذكر مساوئهم، وَيَقُول: قد فسد النّاس وَهَلَكوا وَنَحْو ذَلِكَ مِن
الْكَلَام، وَإِذا فعل الرجل ذَلِكَ، فَهُوَ أهلَكُهُم وأسوَؤُهم حَالا فِيمَا يلْحقهُ
مِن الْإِثْم فِي عيبهم، والإزراء بهم، وَرُبمَا أدَّاه ذَلِكَ إِلَى العُجب
بِنَفسِهِ، وَيرى أَن لَهُ فضلا عَلَيْهِم، وَأَنه خيرٌ مِنْهُم، فيهلِك. [معالم
السنن (4/ 132) للخطابي]
قلتُ: وَرُوِيَ
معنى هَذَا عَن مالكٍ، قَالَ: إِذا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لما يرى فِي النّاس
يَعْنِي فِي أَمر دينهم، فَلَا أرى بِهِ بَأْسا، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا
بِنَفسِهِ، وتصاغرًا للنَّاس، فَهُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي نهي عَنْهُ.
وَقيل: هُم
الّذين يؤيسون الناسَ مِن رَحْمَة الله، يَقُولُونَ: هلك النّاس، أَي: استوجبوا
النَّار والخلودَ فِيهَا بسوءِ أَعْمَالهم، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ، فَهُوَ أهلكَهم
بِفَتْح الْكَاف أَي: أوجب لَهُم ذَلِكَ." اهـ
وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (7/ 3029):
"وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ
الْبِدَعِ الَّذِينَ يُؤْيِسُونَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَيُوجِبُونَ
الْخُلُودَ بِذُنُوبِهِمْ إِذَا قَالُوا ذَلِكَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ، فَهُمْ أَهْلَكُهُمْ أَيْ: هُمْ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ
أَنْجَسُ مِنَ الْمُؤْمِنَ الْفَاسِقِ." اهـ
وفي "كشف المشكل من حديث الصحيحين"
(3/ 560) لابن الجوزي:
"((أهلكهم)) على وَجْهَيْن:
* أَحدهمَا: بِضَم الْكَاف،
وَالْمعْنَى: هُوَ أَشَّدهم هَلَاكًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لأحد
مَعْنيين: إِمَّا للإزراء عَلَيْهِم والإحتقار لَهُم وتفضيل نَفسه، أَو للْقطع
عَلَيْهِم بِاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة، فَكَأَنَّهُ يقنطهم من رَحْمَة الله.
* وَالْوَجْه الثَّانِي: بِفَتْح
الْكَاف، على معنى: هُوَ الَّذِي يحكم عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ بِرَأْيهِ لَا
بِدَلِيل من أَدِلَّة الشَّرْع.
وَالْأول أظهر وَأشهر." اهـ
مجالس التذكير من حديث البشير النذير
(ص: 76)
روي بوجهين ثابتين، الأول فهو أهلكهم
برفع الكاف: اسم تفضيل، والثاني بفتح الكاف فعل ماض.
فيض القدير (1/ 378):
"قال النووي: والمشهور الرفع ويؤيده
رواية أبي نعيم فهو من أهلكهم." اهـ
ففي "حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء" (7/ 141)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "إِذَا قَالَ الْمَرْءُ: هَلَكَ
النَّاسُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلَكِهِمْ."
قال
الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعون حديثا في
التربية والمنهج" (ص 58): *
فيه: ذم التشاؤم وتقنيط النفس. *
وفيه: أن المتشائم يحرم نفسه وغيره من الخير. *
وفيه: الحذر من تزكية النفس. *
وفيه: أن داعي الخير لا يحقر جهدًا يستطيع تقديمه ولو كان يسيرًا. وهذا
القول مذموم إذا قاله مدحًا لنفسه وتنقصًا لغيره، بخلاف ما لو قاله من باب التحزن. قال
الإمام النووي _رحمه الله تعالى_ بعدما ساق هذا الحديث ما نصه: "وهذا
النهي لمن قال ذلك عُجبا بنفسه و تصاغر الناس وارتفاعا عليهم، فهذا هو الحرام،
وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص ر دينهم وقاله تحزنا عليهم وعلى الدين فلا
بأس به. هكذا فسَّره العلماء ،وفصَّلوه، وتمن قاله من الأئمة الأعلام مالك بن
والخطابي، والحميدي، وآخرون» (٢). ______________ (۲) رياض الصالحين» (٢/ ١٠٩٣). |
وفي "رياض الصالحين" – ط. الرسالة
(ص: 451)
وهذا النَّهي لمنْ قالَ ذلكَ عجْباً
بِنفْسِهِ، وتصاغُراً للناسِ، وارْتِفاعاً علَيْهمْ، فهَذَا هُو الحَرامُ، وَأمَّا منْ قالهُ لِما يَرَى في النَّاسِ مِن نقْصٍ في
أمْر دينِهِم، وقَالهُ تَحزُّناً علَيْهِمْ، وعَلَى الدِّينِ، فَلاَ بَأسَ بهِ.
هَكَذا فَسَّرهُ العُلماءُ وفصَّلوهُ،
ومِمنْ قالَه مِنَ الأئمةِ الأعْلام: مالكُ ابنُ أنسٍ، والخَطَّابيُّ، والحميدِيُّ
وآخرونَ، وَقَدْ أوْضَحْته في كتاب"الأذْكَارِ".
شرح النووي على مسلم (16/ 175)
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
هَذَا الذَّمَّ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِزْرَاءِ عَلَى
النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ وَتَقْبِيحِ
أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ سِرَّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ.
قَالُوا:
فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا
لِمَا يَرَى فِي نَفْسِهِ، وَفِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ،
فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: لَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ _صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا،
هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ
وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لا
يزال الرجل يعيب الناس وتذكر مَسَاوِيَهُمْ وَيَقُولُ فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا
وَنَحْوَ ذَلِكَ. فإذا فعل___ذَلِكَ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَسْوَأُ حَالًا
مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْإِثْمِ فِي عَيْبِهِمْ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ
وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ
خَيْرٌ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 345)
قَالَ إِسْحَاقُ*: قُلْتُ لِمَالِكٍ:
مَا وَجْهُ هَذَا؟ فَقَالَ: إِمَّا رَجُلٌ كَفَّرَ النَّاسَ فَظَنَّ أَنَّهُ
خَيْرُهُمْ فَازْدَرَاهُمْ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَإِمَّا رَجُلٌ حَزِنَ لِمَا
رَأَى فِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فَأَحْزَنَهُ ذَهَابُ أَهْلِ الْخَيْرِ فَقَالَ
هَذَا الْقَوْلَ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ
أَوْ نَحْوَهَا مِنَ الْقَوْلِ." اهـ
* إِسْحَاقُ: إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى
الطَّبَّاعُ (صدوق: المتوفى: سنة 214 هـ).
إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي، أبو
يعقوب ابن الطباع، من صغار أتباع التابعين، روى له: م ت س ق.
وقال البيهقي في "شعب الإيمان"
(9/ 59):
"وَزَادَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ فِي
رِوَايَتِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ عِنْدِي يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ مُعْجَبًا
بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِثْلُهُ ".
الاستذكار (8/ 549_550):
"قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:
"إِنَّ تَفَقُّهَ الرَّجُلِ كُلَّ
الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ
- ثُمَّ يَعُودُ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَكُونُ لَهَا أَشَدُّ مَقْتًا."
قَالَ ضَمْرَةُ بْنَ رَبِيعَةَ عَنْ
صَدَقَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ:
"قَالَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَعْمَلَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، فَأَنْزِلِ النَّاسَ مَنْزِلَةَ الْبَقَرِ
إِلَّا أَنَّكَ لا تحقرهم."___
قَالَ أَبُو عُمَرَ:
يَقُولُ: أَنْزِلْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ
لَا يُمَيِّزُ وَلَا يَحْصُلُ وَلَا تَحْتَقِرْهُمْ.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ:
"إِذَا لَبِسْتَ ثَوْبًا،
فَظَنَنْتَ أَنَّكَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْكَ فِي غَيْرِهِ، بِئْسَ الثَّوْبُ هُوَ
لَكَ."
قَالَ مُسْلِمٌ:
"وَكَفَى بِالْمُسْلِمِ مِنَ
الشَّرِّ أَنْ يَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخِيهِ." اهـ
وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر
المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (41/ 137):
"في فوائده:
1 - (منها): بيان النهي عن قول "هلك
الناس"؛ لأنه يؤدي إلى تعظيم النفس، واحتقار لغيره.
2 - (ومنها): أن من آداب الداعي إلى الله
تعالى أن يكون وسطاً، فلا يحمل الناس على القنوط من رحمة الله تعالى، ولا يحملهم
على الرجاءِ الْمُفَرِّطِ الذي يؤدّي إلى التساهل في أمر الله تعالى ونهيه.
3 - (ومنها): الحثّ على التواضع، وعدم رؤية
النفس، وسوء الظنّ بالآخرين، بل الحقّ أن يكون متّهماً نفسه بالتقصير، واستحقاق
الهلاك لولا فضل الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فيكون محبّاً للناس، متواضعاً لهم، محترماً
لهم ذامّاً لنفسه؛ لأنها أمارة بالسوء،
وإلى هذا يشير الشاطبيّ -رَحِمَهُ
اللهُ- في "حرز الأماني" ["حرز الأماني" ص 15]، حيث قال:
هُوَ الْمُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى
النَّاسِ كُلِّهِمْ ... قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤمَّلَا
يَعُدُّ جَمِيعَ النَّاس مَوْلًى
لِأَنَّهُمْ ... عَلَى مَا قَضَاهُ اللهُ يُجْرُونَ أَفْعَالاً
يَزى نَفْسَهُ بِالذًمِّ أَوْلَى
لِأَنَّهَا ... عَلَى الْمَجْدِ لَمْ تَلْعَقْ مِنَ الصَّبْرِ وَالأَلَا
وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ
يُقْصِيهِ أَهْلُهُ ... وَمَا يَأْتَلِي فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلَا." اهـ
الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 89)
قال بعض الرواة: لا أدري أهلكهم بالرفع
أو أهلكهم بالنصب)].
* في هذا الحديث من الفقه: أنه ينبغي للإنسان
لا يقنط من رحمة الله، ولا يرى أن ظل الجود يقلص عن شمول الخلق، فإذا قال: هلك
الناس؛ فإنه قول منذر بيأسه لهم من رحمة الله تعالى، فهو أهلكهم (برفع الكاف).
ومن رواه بالنصب، فالمعنى: أنه هو الذي
أهلكهم بزعمه، فأما هم فلم يهلكوا،
* على أن أخلاق المؤمنين أن يكون المؤمن
خائفا على نفسه، راجيا لغيره، بخلاف حال قائل هذا القول، بل لو أبغض معاصيهم وأحب
لهم الخير؛ لكان ذلك أصلح لهم وله." اهـ
وقال عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي
(المتوفى: 1359 هـ) _رحمه الله_ مجالس التذكير من حديث البشير النذير (ص: 77_78):
"الأحكام:
ـ[على الوجه الأول]ـ لا يجوز الحكم على
عموم الناس بالشر والفساد ولو كان ذلك ظاهراً بينهم فاشيا فيهم لأنه حكم بدون علم.
وظن سوء بمن قد يكون في غمار الناس على خلاف ما عليه أكثرهم. هذا إذا حكم حكما
لمجرد الإخبار فأحرى وأولى إذا زاد على ذلك تحقيرهم.
ـ[وعلى الوجه الثاني]ـ لا يجوز لمن رآى
الناس في حالة سيئة أن يقنطهم من رحمة الله وإمكان تدارك أمرهم واصلاح حالهم. هذا
إذا كان يحمله على ذلك ما تعظمه من سوء حالهم___في ظاهر أكثرهم وأحرى وأولى إذا
كان يحمله على ذلك صدهم وتثبيطهم عن التوبة والأخذ بأسباب الإصلاح.." اهـ
مجالس التذكير من حديث البشير النذير
(ص: 78)
كان الحديث الشريف مفيدا لعدم الجواز
لما ذكر -لأنه سيق مساق الذم لهذا القول ووصف قائله بأنه أعظم الناس هلاكا أو أوقع
الناس في الهلاك وما أدى إلى أحد هذين لا يكون إلا ممنوعا.
ويؤيد هذا الحديث في المنع الأدلة
الدالة على منع الحكم بدون علم. وظن السوء بالناس وتحقيرهم وتقنيطهم عن الخير
وصدهم عنه." اهـ
مجالس التذكير من حديث البشير النذير
(ص: 78_79):
"الآداب:
ـ[على الوجه الأول]ـ على من يريد أن
يرشد المسلمين ويعمل لإصلاح حالهم أن ينظر إليهم بعين الشفقة والحنانة لا بعين
الزراية والاحتقار.___
فإن الشفوق تدفعه شفقته إلى المبالغة في
العناية بتتبع الأدواء واستقصاء أنواع العلاج. بخلاف الزاري المحتقر فإنه يترفع
بنفسه عن الناس ويتركهم فيما هم عليه، وإن باشر شيئا من معالجتهم فإنه يباشره من
استثقال واشمئزاز لا يصل معهما إلى داء الأمة شيء من علاجه ولن يستطيع هو معهما
صبرا على الاستمرار في عمله أو على إتقان القليل منه.
على أن الشفوق تشعر نفوس الأمة منه بتلك
الشفقة فتقابله بمثلها وبالامتثال لما يأتيها منه لمعالجتها واثقة منه بنصحه
منقادة لإرشاده راجية نيل الخير على يده، والزاري المحتقر تشعر منه الأمة بذلك
فتقابله بمثله وتنقبض نفوسها عنه وتقوي ريبتها في قوله وفعله وقد تصارحه ببعضه
فتؤدي الحال بينهما إلى العداوة والمقاطعة. ويكون خيرا له لو تركهم من أول الأمر
وشأنهم.
ـ[وعلى الوجه الثاني]ـ على مرشدي
المسلمين أن يعانوا أدواءهم بالعلاجات النافعة ويشخصوها لهم عند الحاجة بالعبارات
الرقيقة المؤثرة، في رفق وهوادة مجتنبين كل ما فيه تقنيط أو تثبيط. وأن يعرفوهم
بأنهم- وإن ساءت نواح من أحوالهم- فهنالك نواح ما تزال صالحة. وهنالك علاجات من
الإسلام قريبة ناجعة، وأن يعرفوا ما فيهم من فضائل وما لهم من مجد، وما لهم بهذا
الإسلام من قدر وعز ليثيروا فيهم النخوة ويبعثوهم على العمل والخير. وإذا ذكروا
لهم سيئاتهم ذكروا لهم قرب السبيل إلى النجاة منها بالإقلاع عنها فيسرعون بالتوبة
والإنابة." اهـ
مجالس التذكير من حديث البشير النذير
(ص: 80)
هذا الحديث أصل عظيم في التربية المبنية
على علم النفسية البشرية فإن النفوس عندما تشعر بحرمتها وقدرتها على الكمال تنبعث
بقوة ورغبة وعزيمة لنيل المطلوب. وعندما تشعر بحقارتها وعجزها تقعد عن العمل وترجع
إلى أحط دركات السقوط.
فجاء هذا الحديث الشريف يحذر من تحقير
الناس وتقنيطهم وذلك يقتضي أن المطلوب هو احترامهم وتنشيطهم.
وهذا الأصل العظيم الذي دل عليه هذا
الحديث الشريف يحتاج إليه كل مرب سواء أكان مربيا للصغار أم للكبار، وللأفراد أم
للأمم، إذ التحقير والتقنيط وقطع حبل الرجاء قتل للنفوس نفوس الأفراد والجماعات
وذلك ضد التربية، والاحترام والتنشيط وبعث الرجاء إحياء لها وذلك هو غرض كل مرب
ناصح في تربيته.
فاللهم صل على هذا النبي الكريم العظيم
الرحيم الذي علمته ما لم يكن يعلم وكان فضلك عليه وعلينا به عظيما، فكم من علوم
وأسرار انطوت عليها أحاديثه الشريفة قد أتت على ما لم تعرفه البشرية إلا بعد حين،
ولا عجب فهو الذي أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا. صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم." اهـ
Komentar
Posting Komentar