شرح الحديث 94 - باب المبادرة إلى الخيرات - رياض الصالحين
[94]
الثامن : عَنْهُ: أن
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَومَ خيبر: «لأُعْطِيَنَّ
هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفتَحُ اللهُ عَلَى
يَدَيهِ». قَالَ
عُمَرُ _رضي الله عنه_: "مَا
أحبَبْتُ الإِمَارَة إلا يَومَئِذٍ، فَتَسَاوَرتُ لَهَا رَجَاءَ أنْ أُدْعَى
لَهَا، فَدَعا رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ علِيَّ
بْنَ أَبِيْ طَالِبٍ _رضي الله عنه_، فَأعْطَاهُ إيَّاهَا، وَقالَ:
«امْشِ وَلا تَلتَفِتْ حَتَّى يَفتَح اللهُ عَلَيكَ». فَسَارَ
عليٌّ شيئاً، ثُمَّ وَقَفَ ولم يلتفت فصرخ: "يَا رَسُول الله، عَلَى ماذا
أُقَاتِلُ النّاسَ؟" قَالَ:
«قاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمداً رسولُ
الله، فَإِذَا فَعَلُوا ذلك فقَدْ مَنَعوا مِنْكَ دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
إلا بحَقِّهَا، وحسَابُهُمْ عَلَى الله» رواه مسلم. «فَتَسَاوَرْتُ» هُوَ بالسين المهملة: أي وثبت متطلعاً. |
ترجمة أبي
هريرة الدوسي _رضي الله عنه_ :
اختلف فِي اسمه واسم
أبيه اختلافا كثيرا،
فقيل: اسمه عبد
الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن
عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس
بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ
بن مالك ابن نصر بْن الأزد.
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال: كَانَ
اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت
بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت:
هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو القاسم
الطبراني: أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 377):
"وَقَال عَمْرو
بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة
سبع."اهـ
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 378):
"قال سفيان بْن
عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو الحسن
المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي:
مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين." اهـ
وفي تاريخ الإسلام ت
بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت: روي لَهُ نَحْو
من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها: ثلاث مائة
وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)،
ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص الحديث وشرحه:
الثامن
: عَنْهُ[1]
:
أن
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَومَ خيبر:
«لأُعْطِيَنَّ
هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ»
قَالَ
عُمَرُ _رضي الله عنه_:
"مَا
أحبَبْتُ الإِمَارَة إلا يَومَئِذٍ، فَتَسَاوَرتُ لَهَا رَجَاءَ أنْ أُدْعَى
لَهَا، فَدَعا رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ علِيَّ بْنَ أَبِيْ طَالِبٍ _رضي
الله عنه_، فَأعْطَاهُ إيَّاهَا،
وَقالَ
: «امْشِ وَلا تَلتَفِتْ حَتَّى يَفتَح اللهُ عَلَيكَ» .
فَسَارَ
عليٌّ شيئاً ثُمَّ وَقَفَ ولم يلتفت فصرخ: "يَا رَسُول الله، عَلَى ماذا
أُقَاتِلُ النّاسَ؟"
قَالَ:
«قاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمداً رسولُ الله،
فَإِذَا فَعَلُوا ذلك فقَدْ مَنَعوا مِنْكَ دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا
بحَقِّهَا، وحسَابُهُمْ عَلَى الله» رواه مسلم.
«فَتَسَاوَرْتُ» هُوَ بالسين المهملة: أي وثبت متطلعاً.
وفي
رواية عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي
الله عنه - :
أنَّ
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يوم خَيبَر:
«لأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ غَداً رجلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيهِ، يُحبُّ اللهَ وَرَسولَهُ،
ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ»،
فَبَاتَ
النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ
يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رسولِ الله _صلى الله عليه
وسلم_، كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا. فَقَالَ: «أينَ عَلِيُّ بنُ أَبي طالب؟»،
فقيلَ:
"يَا رسولَ الله، هُوَ يَشْتَكي عَيْنَيهِ." قَالَ: «فَأَرْسِلُوا
إِلَيْه»
فَأُتِيَ
بِهِ، فَبَصَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم – في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ،
فَبَرِئَ حَتَّى كأنْ لَمْ يكُن بِهِ وَجَعٌ، فأعْطاهُ الرَّايَةَ.
فقَالَ
عَليٌّ _رضي الله عنه_: "يَا رَسُول اللهِ، أقاتِلُهمْ حَتَّى يَكُونُوا
مِثْلَنَا؟"
فَقَالَ:
«انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى
الإسْلاَمِ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى
فِيهِ، فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيرٌ لَكَ مِنْ
حُمْرِ النَّعَم» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله:
«يَدُوكُونَ» : أي يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ.
وقوله: «رِسْلِكَ» بكسر الراءِ وبفتحها لغتانِ، والكسر أفصح.
تخريج الحديث :
أخرجه
مسلم في "صحيحه" (4/ 1871)، وأحمد في "مسنده" (14/ 540) (رقم
: 8990)، أبو داود الطيالسي في "مسنده" (4/ 187) (رقم : 2563) (رقم : 2405)،
وأبو عَوانة في "مستخرجه" – ط. الجامعة الإسلامية (18/ 477) (رقم : 10604)،
وسعيد بن منصور الخُراساني في "سننه" (2/ 215) (رقم : 2474)، والنسائي
في "السنن الكبرى" (7/ 414) (رقم : 8350 و 8549)، وغيرهم.
من فوائد الحديث[2]
:
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 87):
"في
هذا الحديث: الحث على المبادرة إلى ما أمر به، والأخذ بظاهر الأمر وترك الوجوه
المحتملات إذا خالفت الظاهر لأنَّ عليَّا وقف ولم يلتفت." اهـ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 142):
"في
هذا الحديث: بيانُ فضل الدعاء إلى الهدى، وعظيمِ أجرِ من اهْتَدَى بسببه أحدٌ."
اهـ
وقال محمد علي
بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى: 1057هـ) _رحمه الله_ في
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (1 / 371):
"وفي
الحديث: الدعاءُ إلى الإسلام قبل القتال. ومذهبُنا ومذهب آخرين إن كان القوم ممن
لم تبلغهم دعوةُ الإسلام، وجب إنذارُهم قبلَ القتالِ." اهـ
فتح
الباري- تعليق ابن باز - (7 / 72)
وقوله
في الحديثين: (إن عليًّا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)،
أراد
بذلِكَ وجودَ حقيقةِ الْمَحَبَّةِ، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.
وفي
الحديث تلميح بقوله _تعالى_ : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]،
فكأنه
أشار إلى أن عليا تامُّ الاتباعِ لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حتى اتصف بصفة
محبة الله له،
ولهذا
كانت محبتُه علامةَ الإيمان، وبغضُه علامةَ النفاقِ،
كما
أخرجه مسلم من حديث علي نفسه قال :
"والذي
فَلَقَ الْحَبَّةَ، وبرأ النسمة، إنَّهُ لَعَهِدَ النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ أن
لا يحبك، إلا مؤمن، ولا يُبْغِضُكَ، إلاَّ مُنَافِقٌ" اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (15/178_179):
"وَقَدْ
سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ تَشْبِيهَ أُمُور الْآخِرَة بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا
هُوَ لِلتَّقْرِيبِ مِنْ الْأَفْهَام، وَإِلَّا فَذَرَّةٌ مِنْ الْآخِرَة
الْبَاقِيَة خَيْرٌ مِنْ الْأَرْض بِأَسْرِهَا، وَأَمْثَالِهَا مَعَهَا لَوْ
تُصُوِّرَتْ.
وَفِي
هَذَا___الْحَدِيث: بَيَان فَضِيلَة الْعِلْم، وَالدُّعَاءِ إِلَى الْهُدَى،
وَسَنِّ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ." اهـ
وقال شيخنا عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود"
– تفريغ الشاملة (1 / 2):
"وهذا
يدل على فضل نشر العلم، وأن من اهتدى على يديه إنسان فهو خير له من حمر النعم."
اهـ
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله
في "فيض القدير" (5 / 259):
"وذلك
لأنَّ الهدى على يديه شعبة من الرسالة، لأن الرسل إنما بُعِثَتْ لِتُؤَدِّيَ عن
الله، فإذا ورَد القيامةَ، فله حظٌّ من ثواب الرسلِ، فإنه إنما هداه بما جاءت به
الرسلُ عن الله. والرسل أقرب الخلق إلى الله في دار الإسلام في الدرجات، فمَنْ دون
الرسل،
إذا
كان داعِيًا إلى الله، فهدى به عبْدًا، فقد حاز من ثواب الرسل حظًّا من الكرامة،
ومن يحصي من ثواب الرسل شيئا، فهو خير له مما طلعت عليه الشمس وغربت يعني فأنفقه
كله في سبيل الله." اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3 / 1094):
"وقوله:
(لأعطين الرَّاية رجلاً، يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله)؛
الكلام
إلى آخره، فيه: دليلان على صحة نبوة نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_، وهي: إخباره
عن فتْحِ خيبرَ، ووقوعُهُ على نحو ما أخبر، وبُرْءُ رَمَدِ عَيْنِ عليٍّ _رضى الله
عنه_ على فَوْرِ دعاء النبي _صلى الله عليه وسلم_.
وفي
غير "كتاب مسلم": (أنه مسح على عَيْنَيْ عَلِيٍّ _رضى الله عنه_، ورقاه).
اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3 / 1094):
"وفيه
من الفقه: جواز المدح بالحق إذا لم تُخْشَ على الممدوح فِتْنةٌ. وقد تقدَّم القول
في محبة الله.
وفيه:
ما يدل على أن الأولى بدفع الراية إليه من اجتمع له الرئاسة، والشجاعة، وكمال
العقل." اهـ
وقال أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ،
الأنصاريُّ القرطبيُّ (المتوفى: 656 هـ) _رحمه
الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3 / 1096):
"وقوله:
(فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النَّعم)؛ حضٌّ عظيمٌ على تعليمِ العلْمِ وبثِّهِ في الناس، وعلى الوعظ والتذكير بالدار الآخرة والخير،
وهذا
كما قال في الحديث الآخر : (إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير).
والهداية:
الدَّلالة والإرشاد." اهـ
وعن
أبي أمامة قال:
"ذُكِرَ
لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ رجلانِ: أحدُهما عابد، والآخر عالم.
فقال
_عليه أفضل الصلاة والسلام_: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم."
ثم
قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
"إن
الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على
معلم الناس الخير". رواه الترمذي، وحسنه
الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1 / 19) (رقم : 81).
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى
: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (17 / 428):
"إنَّ
إِيْجَادَ مُؤْمِنٍ واحدٍ خيْرٌ من إِعْدَامِ أَلْفِ كافِرٍ على ما صرح به ابن
الهمام في أول "كتاب النكاح" معللا به على وجه تقديمه على كتاب السير
والجهاد." اهـ
وقال
سليمان بن خلف التُّجِيْبِيُّ[3]
القرطبي، الشهير بـ"أبي الوليد الباجي" الأندلسي
(المتوفى: 474 هـ) _رحمه الله_ "المنتقى شرح الموطإ" (3 / 199):
"لَمْ
يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ
عَلَى ضَرْبَيْنِ : طَائِفَةٌ قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَطَائِفَةٌ لَمْ
تَبْلُغْهُمْ." اهـ
وقال
سليمان بن خلف التُّجِيْبِيُّ[4]
القرطبي، الشهير بـ"أبي الوليد الباجي" الأندلسي
(المتوفى: 474 هـ) _رحمه الله_ "المنتقى شرح الموطإ" (3 / 898):
"فَوَجْهُ
الدَّلِيلِ مِنْهُ: أَنَّهُ قَالَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: (عَلَى
رِسْلِك، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ). وَهَذَا نَصٌّ،
وَوَجْهٌ
آخَرُ أَنَّهُ قَالَ: (فَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا)
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ _رَحِمهُ اللَّهُ_:
"وَظَاهِرُ
هَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ فَيَهْتَدُونَ." اهـ
التمهيد - (2 / 218)
"هذا
حديث ثابت في خيبر: أنهم لم يُقَاتِلْهُمْ حينئذ حتى دعاهم، وهو شيء، قصر عنه أنسٌ
في حديثه، وذكَره سهْلٌ بْنُ سعْدٍ،
وقد
روى عن أنس:
(أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر عليا أن لا يقاتل___قوما حتى يدعوهم)،
رواه
ابن عيينة عن عمر بْنِ ذرٍّ عنِ ابْنِ أخِيْ أنس بن مالك عن عمِّهِ، وخالف أبو
إسحاق الفزاري ابن عيينة في إسناد هذا الحديث. وابن عيينة أحفظ _إن شاء الله_.
قال
أبو عمر:
فلهذه
الآثار، قلنا أن الدعاء أحسن وأصوبُ، فإن أغار عليهم، ولم يَدْعُهُمْ، ولم يُشْعِرْهم،
وكانوا قد بلغتهم الدعوةُ، فمباح جائز، لما رواه نافع عن ابن عمر:
أنّ
النبي _صلى الله عليه و سلم_ أغار على بني المصطلق، وهم غارون، وأنعامُهُمْ على
الماءِ، فقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وسبى ذريتَهم، وكانت فيهم جويرية." اهـ
غذاء الألباب شرح منظومة الآداب (ط. الكتب العلمية ) - (1 / 37)
فَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشَرَفِ مَنْزِلَةِ أَهْلِهِ،
بِحَيْثُ إذَا اهْتَدَى رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالْعَالِمِ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ
مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ جِيَادُهَا وَأَشْرَفُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، فَمَا
الظَّنُّ بِمَنْ يَهْتَدِي كُلَّ يَوْمٍ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ؟" اهـ
غذاء
الألباب شرح منظومة الآداب ( ط. الكتب العلمية ) - (2 / 373)
(
مطلب النَّاسُ فِي الْعُزْلَةِ وَالاخْتِلاطِ عَلَى ضَرْبَيْنِ )
قَالَ
الإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ:
وَفَصْلُ
الْخِطَابِ فِي الْعُزْلَةِ وَالاخْتِلاطِ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
عَالِمٌ، وَعَابِدٌ.
فَالْعَالِمُ: لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقَطِعَ
عَنْ نَفْعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ خَلْفُ الأَنْبِيَاءِ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ
هِدَايَةَ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ.
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ لِعَلِيٍّ _رضي الله
عنه_:
(لأَنْ
يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ).
قَالَ:
فَمَتَى
جَاءَ الشَّيْطَانُ، فَحَسَّنَ لِلْعَالِمِ الانْقِطَاعَ عَنْ الْخَلْقِ جُمْلَةً،
فَذَاكَ خَدِيعَةٌ مِنْهُ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَعْتَزِلَ شَرَّ مَا
يُؤْذِي، وَيَبْرُزُ لِمَنْ يَسْتَفِيدُ. فَظُهُورُهُ أَفْضَلُ مِنْ اخْتِفَائِهِ.
وَالْعَابِدُ: إنْ كَانَ عَابِدًا، لا يُنَافَسُ فِي
هَذَا، فَإِنَّ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ شَغَلَتْهُ الْعِبَادَةُ، كَمَا رُوِيَ: أَنَّ
الْحَسَنَ رَأَى رَجُلا مُتَعَبِّدًا، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ
اللَّهِ، مَا مَنَعَك مِنْ مُجَالَسَةِ النَّاسِ؟" فَقَالَ: مَا أَشْغَلَنِي
عَنْ النَّاسِ."
قَالَ:
"فَمَا مَنَعَك أَنْ تَأْتِيَ الْحَسَنَ؟" قَالَ: "مَا أَشْغَلَنِي
عَنْ الْحَسَنِ."
قَالَ:
"فَمَا الَّذِي أَشْغَلَك؟" قَالَ: "إنِّي أُمْسِي وَأُصْبِحُ
بَيْنَ ذَنْبٍ وَنِعْمَةٍ، فَرَأَيْت أَنْ أُشْغِلَ نَفْسِي بِهِ بِالاسْتِغْفَارِ
لِلذَّنْبِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى النِّعْمَةِ."
فَقَالَ
لَهُ: "أَنْتَ عِنْدِي أَفْقَهُ مِنْ الْحَسَنِ."
وَمِنْ
الْقَوْمِ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّةُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، فَلا يَحْصُلُ
لَهُ أُنْسٌ، وَلا طِيبُ عَيْشٍ إلا بِانْفِرَادِهِ بِرَبِّهِ، فَمِثْلُ هَؤُلاءِ
عُزْلَتُهُمْ أَصْلَحُ لَهُمْ .
نَعَمْ
لا يَنْبَغِي أَنْ تَشْغَلَهُمْ الْعُزْلَةُ عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَمُجَالَسَةِ
الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ مَنَعَتْهُمْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ.
وَعَلَى
كُلِّ حَالٍ، الْعُزْلَةُ حَمِيَّةٌ وَسُلَّمٌ لِلسَّلامَةِ، وَلَكِنْ لا بُدَّ
مِنْ مَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ لِيعْبدَ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ." اهـ[5]
[انظر: "التبصرة" (2 / 314_315)]
تلبيس
إبليس - (1 / 195):
"ومِن
تلبيسه على الزهاد: احتقارُهم العلماءَ وذمُّهم إياهم،
فهم
يقولون: (المقصود العمل)،
ولا
يفهمون أن العلم نور القلب، ولو عرفوا مرتبة العلماء في حفظ الشريعة وأنها مرتبة
الأنبياء لعدوا أنفسهم كالبكم عند الفصحاء، والعمي عند البصراء.
والعلماء
أدلة الطريق، والخلْقُ وراءَهم." اهـ
وفي
"طريق الهجرتين وباب السعادتين" ( ص : 353)
لابن القيم:
"ولو
لم يكن من فضلها وشرفها إلا أن كل من علَّم بتعليمهم وإرشادهم أو علَّم غيره شيئاً
من ذلك، كان له مثل أجره ما دام ذلك جارياً فى الأمة على آباد الدهور،
وقد
صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلى بن أبى طالب: "والله لأن يهدى
الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
وقال
العثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1 / 204):
"وفيه
أيضا من الفوائد:
* أنه
ينبغي نصب الرايات في الجهاد وهي الأعلام وأن يجعل لكل قوم راية معينة يعرفون بها
كما سبقت الإشارة إليه،
* وفيه
أيضا من الفوائد: تحري الإنسان للخير والسبق إليه، لأن الصحابة جعلوا في تلك
الليلة يدوكون ليلتهم يعني يدوكون في ليلتهم فهي منصوبة على الظرفية يعني أنهم
يبحثون من يكون.
* وفيه
أيضا أن الإنسان قد يعطى الشيء من غير أن يخطر له على بال، وأنه يحرم من كان
متوقعا أن يناله هذا الشيء لأن علي بن أبي طالب كان مريضا في عينيه ولا أظن أنه
يخطر بباله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيعطيه الراية ومع ذلك أدركها، ففضل
الله تعالى يؤتيه من يشاء والله الموفق ." اهـ
فتاوى
السبكي - (2 / 340_341):
"فرأينا
قوله _صلى الله عليه وسلم_ ذلك في هذه الحالة يشير إلى أن المقصود بالقتال:
إنما
هو الهداية والحكمة تقتضي ذلك، فإن المقصود هداية الخلق ودعاؤهم إلى التوحيد
وشرائع الإسلام وتحصيل ذلك لهم ولأعقابهم إلى يوم القيامة.
فلا
يعدله شيء فإن أمكن ذلك بالعلم والمناظرة وإزالة الشبهة فهو أفضل، ومن هنا نأخذ أن
مداد العلماء أفضل من دم الشهداء.
وإن
لم يمكن إلا بالقتال، قاتلنا إلى إحدى ثلاث غايات :
* إما
هدايتهم وهي الرتبة العليا وإما أن نستشهد دونهم وهي رتبة متوسطة في المقصود
ولكنها شريفة لبذل النفس فهي من حيث بذل النفس التي هي أعز الأشياء أفضل من حيث
إنها وسيلة لا مقصود مفضولة والمقصود إنما هو إعلاء كلمة الله _تعالى _.
* وإما
قتل الكافر، وهي الرتبة الثالثة، وليست مقصودة، لأنها تفويت___نفس يترجى أن تؤمِنَ
وأَنْ تَخْرُجَ مِنْ صُلْبِهَا من يؤمن، ولكنه هو الذي قتل نفسه بإصراره على الكفر.
فلما
بذل الشهيد نفسه التي هي أعز الأشياء إليه وباعها لله _تعالى_ طلبا لإعلاء كلمته،
فاقتطع دونها.
ويعينه
_تعالى_ ما يتحمل المتحملون من أجله ولا شيء أعظم مما يتحمله الشهيد جازاه سبحانه
وتعالى وهو أكرم الأكرمين بما تقصر عقول البشر عنه." اهـ
المفاتيح
في شرح المصابيح (6/ 221) للزيداني :
"هذا
الحديث دليلٌ على فضيلة عليٍّ - رضي الله عنه -." اهـ[6]
شرح
المصابيح لابن الملك (6/ 438) :
"وهذا
يدل على أن تعليم علمٍ يُهتدَى به خيرٌ من بذل المال وإطعام الطعام صدقةً."
شرح
رياض الصالحين (2/ 47) للعثيمين :
(قاتلهم
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ؛
هذه
الكلمة كلمة عظيمة، ولو وزنت بها السماوات والأرض لرجعت بالسماوات والأرض، هذه
الكلمة يدخل بها الإنسان من الكفر الإسلام، فهي باب الإسلام : "شهادة أن لا
إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله." اهـ
[1] يعني : أبا هريرة _رضي الله عنه_.
[2] والفوائد مستنبطة من الحديثين : حديث أبي هريرة وحديث سهل بن سعد
_رضي الله عنهما_
[3] وقال ابن الأثير الجزري _رحمه الله_ في "للباب في تهذيب
الأنساب" (1/ 207): "التجِيبِي بِضَم التَّاء الْمُعْجَمَة
بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا وَكسر الْجِيم وتسكين الْيَاء تحتهَا نقطتان وَفِي
آخرهَا بَاء مُوَحدَة - هَذِه النِّسْبَة إِلَى تجيب وَهُوَ اسْم أم عدي وَسعد
ابْني أَشْرَس بن شبيب بن السّكُون نسب والدهما إِلَيْهَا وَإِلَى محلّة بِمصْر
فَمن الْقَبِيلَة حَرْمَلَة بن عَمْرو أَبُو حَفْص التجِيبِي صَاحب الشَّافِعِي
ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
روى عَن الشَّافِعِي وَعبد الله بن وهب وَغَيرهمَا روى عَنهُ مُسلم بن الْحجَّاج
فِي صَحِيحه فَأكْثر.
وَأما الْمحلة، فينسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن رمح بن
المُهَاجر التجِيبِي كَانَ يسكن محلّة تجيب بِمصْر سمع اللَّيْث بن سعد وَغَيره
روى عَنهُ مُسلم وَغَيره وَتُوفِّي أول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
[4] وقال ابن الأثير الجزري _رحمه الله_ في "للباب في تهذيب
الأنساب" (1/ 207): "التجِيبِي بِضَم التَّاء الْمُعْجَمَة
بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا وَكسر الْجِيم وتسكين الْيَاء تحتهَا نقطتان وَفِي
آخرهَا بَاء مُوَحدَة - هَذِه النِّسْبَة إِلَى تجيب وَهُوَ اسْم أم عدي وَسعد
ابْني أَشْرَس بن شبيب بن السّكُون نسب والدهما إِلَيْهَا وَإِلَى محلّة بِمصْر
فَمن الْقَبِيلَة حَرْمَلَة بن عَمْرو أَبُو حَفْص التجِيبِي صَاحب الشَّافِعِي
ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
روى عَن الشَّافِعِي وَعبد الله بن وهب وَغَيرهمَا روى عَنهُ مُسلم بن الْحجَّاج
فِي صَحِيحه فَأكْثر.
وَأما الْمحلة، فينسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن رمح بن
المُهَاجر التجِيبِي كَانَ يسكن محلّة تجيب بِمصْر سمع اللَّيْث بن سعد وَغَيره
روى عَنهُ مُسلم وَغَيره وَتُوفِّي أول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
[5] قال ابن الجوزي في "التبصرة" (2 / 314_315):
وفصل
الخطاب في هذا : أن الناس على ضربين : عالم وعابد . فالعالم لا ينبغي له أن ينقطع
عن نفع الناس فإنه خلف الأنبياء ، وليعلم أن هداية الخلق أفضل من كل عبادة. وفي
الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي _عليه السلام_ : "والله، لأن
يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم."
فمتى
ما جاء الشيطان فحسَّن للعالم الانقطاعَ عن الخلق في الجملة فذاك خديعة منه ، ولقد
حسن لكثير من السلف___دفن كتبهم ومحو علمهم وهذا من الخطأ العجيب ، بل ينبغي
للعالم أن يعتزل عن شر من يؤذي ويبرز لمن يستفيد، فظهوره أفضل من إخفائه."
اهـ
[6] وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (12/ 3882) :
"فيه إثبات فضيلة لعلي." اهـ
وفي
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (21/ 366) لابن الملقن : "وفيه: منقبة ظاهرة لعلي
- رضي الله عنه -." اهـ
Komentar
Posting Komentar