شرح الحديث 49 من باب الوضوء - بلوغ المرام لابن حجر - أبو فائزة البوجيسي

 

49 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ:

"ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

 

ترجمة عبد الله بن زيد بن عاصم _رضي الله عنه_

 

وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (14/ 538) (رقم: 3281):

عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى المازنى ، المدني.

و أمه: أم عمارة نسيبة بنت كعب. وهو أخو حبيب بن زيد الذى قطعه مسيلمة

الكذاب ، وعم عباد بن تميم.

له ولأبويه، ولأخيه حبيبٍ صحبةٌ.

وزعم الواقدى أنه هو الذى قتل مسيلمة، وقد روى أن أمه أم عمارة ، قالت : جئت أطلبه ـ تعنى مسيلمة ـ فوجدتُ ابْنِيْ عبدَ الله، يمسحُ سيْفَهُ من دمه.

وقد قال وحشى بن حرب: إنه رماه بحربته، و شد عليه رجل من الأنصار بالسيف

فربك أعلم أينا قتله . إلا أنى سمعت جارية من الحصن تقول: (قتله العبدُ الحبشي).

 

وقد روي من وجه غريب عن معاوية بن أبى سفيان أنه قال : أنا قتلت مسيلمة ، فيحتمل أن يكون شارك فيه .

 

شهد عبدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، وأمُّهُ أمُّ عُمَارَةَ أُحُدًا مع النبى _صلى الله عليه وسلم_،

فروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: " رحمة الله عليكم أهل البيت " .

 

وهو الذى حكى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم .

 

وزعم سفيان بن عيينة أنه الذى أرى النداء، و ذلك معدود فى أوهامه . اهـ .

 

[تعليق]:

واسم صاحب الأذان: عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصارى الخزرجى، أبو محمد المدني (أرى الأذان)، صحابي، توفي سنة 32 هـ، وقيل: استشهد بأحد." اهـ

 

وقال المزى:

قال الواقدى، و خليفة بن خياط، ويحيى بن بكير، وغير واحد: "قتل بالحرة، وكانت فى آخر ذى الحجة سنة ثلاث و ستين .

زاد الواقدى: و هو ابن سبعين سنة .

روى له الجماعة . اهـ .

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 223 :

و قال أبو القاسم البغوى : قيل إنه شهد بدرا، ولا يصح .

و حكاه أبو نعيم الأصبهاني عن البخارى .

و قال ابن سعد: بلغني أنه قتل بالحرة، وقتل معه ابناه خلاد و علي. اهـ .

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ:

"ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

 

وتمام الحديث:

 

ففي "صحيح مسلم" (1/ 210/ 18) (رقم: 235):

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ، - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ –

قَالَ: قِيلَ لَهُ:

"تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ،

ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."

 

تخريج الحديث

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 48) (رقم: 185)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 210/ 18) (رقم: 235)، وأبو داود في "سننه" (1/ 29) (رقم: 119)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 41) (رقم: 28)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 142) (رقم: 405)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 130) (رقم: 412)، والأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (26/ 373) (رقم: 16445)

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 219):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان صفة الوضوء المسنون.

2 - (ومنها): بيان استحباب تقديم غسل الكفين قبل غمسهما في الإناء، وإن لم يكن بعد الاستيقاظ من النوم.

3 - (ومنها): أنه استُدِلّ بقوله في رواية وُهيب الآتية: "فمضمض، واستنشق واستنثر، من ثلاث غرفات" على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غَرْفَةٍ.

4 - (ومنها): أنه استُدِلّ بقوله: "ثم أدخل يده، فاستخرجها، فمضمض"، على تقديم المضمضة على الاستنشاق؛ لكونه عُطِفَ بالفاء التعقيبية، قال في "الفتح": وفيه بحث. انتهى ["الفتح" 1/ 349].

قال الجامع عفا الله عنه: وجوب الترتيب هو الحقّ، كما سبق بيانه بدلائله في المسائل الماضية في شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم.

5 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دلالةٌ ظاهرةٌ للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها، وقد قدمنا إيضاح هذه المسألة، والخلاف فيها في الباب الأول. انتهى ["شرح النوويّ" 3/ 122].

6 - (ومنها): أن قوله: "فغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين" فيه دلالةٌ على جوازِ مخالفةِ الأعضاءِ، وغَسْلِ بعْضِهَا ثلاثًا، وبعْضِهَا مرتين، وبعضِها مرة، وهذا جائز،

والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شكّ، ولكن الأكمل غسل الأعضاء كلّها ثلاثًا ثلاثًا، كما تقدّم في حديث عثمان _رَحِمَهُ اللهُ_.

قال النوويّ _رَحِمَهُ اللهُ_:

وإنما كانت مخالفتها من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات بيانًا للجواز، كما توضأ - صلى الله عليه وسلم - مرّة مرّة في بعض الأوقات؛ بيانًا للجواز، وكان في ذلك الوقت أفضلَ في حقه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن البيان واجبٌ عليه _صلى الله عليه وسلم_.___

[فإن قيل]: إن البيان يحصل بالقول.

[فالجواب]: أنه أوقع بالفعل في النفوس، وأبعد من التأويل. انتهى ["شرح النوويّ" 3/ 123].

7 - (ومنها): أن قوله في الرواية الثانية: "فمضمض، واستنشق، واستنثر" فيه حجة للمذهب المختار الذي عليه الجماهير من أهل اللغة وغيرهم، أن الاستنثار غير الاستنشاق، خلافًا لما قاله ابن الأعرابيّ، وابن قُتيبة: إنهما بمعنى واحد، وقد تقدم في الباب الأول إيضاحه.

8 - (ومنها): جواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة.

9 - (ومنها): أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيّره مستعملًا.

1 - (ومنها): الاقتصار في مسح الرأس على مرّة واحدة؛ لأن في رواية وُهيب الآتية: "مرّةً واحدةً"،

فلا يُستحبّ التثليث فيه، خلافًا للشافعيّ، وقد تقدّم أن رواية التثليث، وإن صحّحها بعضُهم إلا أن الصواب أنها رواية شاذّة، لا تعارض ما في "الصحيحين" من التصريح بمرّة واحدة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

وقال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (1/ 291):

"وَفِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ: غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ. وَالْمُرَادُ بِـ(الْيَدَيْنِ) هُنَا: الْكَفَّانِ، لَا غَيْرُ." اهـ

 

وقال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (1/ 291):

"وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غَرْفَةٍ،

وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ: (مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا)، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ كُلَّ مَرَّةٍ." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 214):

"قال الجامع عفا الله عنه: وجوب الترتيب هو الحقّ، كما أسلفنا بحثه مستوفًى في شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 215_216):

قال: وقد قال الشافعيّ _رضي الله عنه_ في "الأم": لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فعلى هذا فزفر محجوجٌ بالإجماع قبله، وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحًا، وإنما حَكَى عنه أشهب كلامًا محتملًا. انتهى ["الفتح" 1/ 350].

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما قاله الإمامان: إسحاق والشافعيّ _رحمهما الله تعالى_ أن الحقّ وجوب دخول المرفقين في الغسل.

وحاصله: أن الآية مجملة، وقد بيّنت السنة - كما قال إسحاق، والإجماع كما قال الشافعيّ - معناها المراد منها، وهو كون "إلى" بمعنى "مع"، فوجب القول بدخول المرفق في المغسول، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفى في شرح حديث عثمان _رضي الله عنه_، فارجع إليه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 216_217):

"(ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) وفي رواية البخاريّ: "ثم مسح رأسه" بدون الباء.

قال القرطبيّ _رَحِمَهُ اللهُ_:

"الباء للتعدية، يجوز حذفها وإثباتها، كقولك: (مسحتُ برأس اليتيم، ومسحتُ رأسه، وسَمَّيتُ ابني بمحمّد، ومحمدًا)،

ولا يصحّ أن تكون للتبعيض، خلافًا للشافعيّ؛ لأن المحقّقين من أئمة النحويين البصريين، وأكثر الكوفيين أنكروا ذلك، ولأنها لو كانت للتبعيض لكان قولك: (مسحتُ برأسه) كقولك: (مسحت ببعض رأسه)،

ولو كان كذلك لَمَا حَسُنَ أن تقول: (مسحت ببعض رأسه، ولا برأسه بعضه)؛ لأنه يكون تكريرًا، ولا (مسحتُ برأسه كلّه)؛ لأنه يكون مناقضًا له،

ولو كانت للتبعيض لما جاز إسقاطها هنا، فإنه يقال: (مسحت برأسه، ومسحتُ رأسه) بمعنًى واحد،

وأيضًا فلو كانت مبعّضةً في مسح الرأس في الوضوء لكانت مبعّضةً في مسح الوجه في التيمّم؛ لتساوي اللفظين في المحلَّين، ولمّا لم تكن كذلك فيه فلا[1]، ومذهب مالك _رَحِمَهُ اللهُ_ وجوب تعميم مسح الرأس؛ تمسّكًا باسم الرأس، فإنه للعضو بجملته كالوجه، وتمسّكًا بهذه الأحاديث،

ثم نقول: نحن وإن تنزّلنا على أن الباء تكون مبعّضةً، وغير مبعّضة، فذلك يوجب فيها إجمالًا، أزاله النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ بفعله،

فكان فعله بيانًا لمجملٍ واجبٍ، فكان مسحه كلّه واجبًا، وسيأتي القول في حديث المغيرة - رضي الله عنه - الذي ذَكَرَ فيه أنه _صلى الله عليه وسلم_ "مسح مقدَّمَ رأسه، وعلى عمامته". انتهى كلام القرطبيّ _رَحِمَهُ اللهُ_ ["المفهم" 1/ 487 - 488].___

قال الجامع _عفا الله تعالى عنه_:

كلام القرطبيّ رحمه اللهُ هذا الذي حقّق، وبيّن فيه وجوب استيعاب الرأس بالمسح، كما هو مذهب الإمام مالك _رَحِمَهُ اللهُ_، تحقيقٌ نفيسٌ جدّا، وتقدّم تمام البحث فيه في شرح حديث عثمان _رضي الله عنه_، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

 



[1]  أي: لَمّا لم تكن كذلك في مسح الوجه في التيمّم، فلا تكون كذلك في مسح الرأس في الوضوء.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة