شرح الأدب المفرد 23-24

 

12_ بَابُ لَا يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ الْمُشْرِكِ

 

23 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]،

فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ فِي بَرَاءَةَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]

[قال الشيخ الألباني : حسن]

 

تمام الآية:

 

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23، 24]

 

رواة الحديث :

 

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ (ثقة حافظ مجتهد: ت 238 هـ بـ نيسابور):

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي، أبو محمد وأبو يعقوب، المعروف بابن راهويه المروزى ، روى له: خ م د ت س

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ (صدوق يهم: ت 211 هـ) :

على بن الحسين بن واقد القرشي، أبو الحسن المروزى، روى له: بخ مق د ت س ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي (ثقة له أوهام):

الحسين بن واقد المروزى ، أبو عبد الله ، مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشى ( قاضى مرو)، من كبار أتباع التابعين، روى له: خت م د ت س ق

 

عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ (ثقة عابد: ت 131 هـ):

يزيد بن أبى سعيد النحوي المروزي، أبو الحسن القرشى مولاهم، من الذين عاصروا صغار التابعين،  روى له: بخ د ت س ق

 

عَنْ عِكْرِمَةَ (ثقة ثبت عالم بالتفسير: ت 104 هـ بـ المدينة):

عكرمة القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عباس، روى له: خ م د ت س ق 

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ت :  68 هـ بـ الطائف):

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو العباس، صحابي جليل _رضي الله عنه_، روى له: خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ _عَزَّ وَجَلَّ_:

"{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ،

فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ فِي بَرَاءَةَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]."

 

شرح الحديث :

 

قال الله تعالى :

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23، 24]

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "نواسخ القرآن" = "ناسخ القرآن ومنسوخه" – ت. آل زهوي (ص: 168):

"قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين...

قلت: وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء، إنما هو عام دخله التخصيص، وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري." اهـ

 

وقال الطبري في "جامع البيان" – ت. شاكر (17/ 421):

"وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني: نَميَّاني." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 22) (رقم : 23)، والطبري في "جامع البيان" – ت. شاكر (17/ 421)، وحسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 40) (رقم: 17)

 

من فوائد الحديث :

 

وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص ٢٨) :

"فقه الحديث :

١ - الآية الأولى : {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء: 23] تدل على الاستغفار والدعاء للوالدين المسلمين .

۲ - الآية الثانية : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] تدل على منع الاستغفار والدعاء للوالدين الكافرين، فلا تعارض بينهما، ولا حاجة إلى القول بنسخ آية البراءة ." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر _حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (2/ 240):

"فأمر _جلَّ وعلاَ_ بالإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان القوليِّ والفعليِّ؛ لأنَّهما سببُ وجود العبد، ولهما من المحبة والحقوق والإحسان والقرب ما يقتضي تأكُّدَ الحق ووجوبَ التقديم في البرِّ، وخصَّ بالذِّكر من ذلك الدعاء لهما بالرحمة أحياء وأمواتاً، جزاء على إحسانهما.

والدعاءُ للوالدين بالرحمة خاصٌّ فيما إذا كانا مسلمين، أما المشركُ فلا يُدعى له بالرحمة والمغفرة." اهـ

 

وقال الشيخ زيد بن محمد المدخلي (المتوفى 1435 هـ) _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد" (1/47):

"إن الاستغفار للمسلمين عموما مطلب شرعي، ونفع متعدٍّ، وللوالدين المسلمين كذلك خصوصا. فمن كان والداه مسلمين، فليكثر من الاستغفار لها والدعاء لهما،

ويبرهما بعد مماتها بالصدقة والدعاء والإحسان إلى أقاربها، وأما إذا كانا مشركين أو الأب مشركا أو الأم مشركة شركا أكبر أو كفرا أكبر أو نفاقا اعتقادیا، أو إلحادا مخرجا من الملة،

فهذه الأعمال تخرج من الملة إن كان قبل ذلك على الإسلام،

فمن مات على ذلك فلا يجوز لأحد أن يستغفر له، لا الابن لأبيه ولا لأمه، ولا الأب لابنه ولا القريب لقريبه؛ لأن الله _عز وجل_ نهی عن ذلك، كما قال _سبحانه_ :

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة: 113]

ومتى يتبين ذلك؟ يتبين إذا تحقق الإنسان بأن فلانا مات على الكفر و الشرك الأكبر أو کان منافقا نفاقا اعتقادیا، يبغض الخير ويحب الشر وينصرُ الشر على الخير والأشرار على الأخيار، کما فعل المنافقون في عهد النبوة، ومات على ذلك، فهو من أهل اللعنة والخلود في النار،

لا يجوز لأحد أن يستغفر له أبدا، ولهذا يروى الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ سأل الله أن يستغفر لأمه، فلم يأذنْ له وسأله أن يزور قبرها، فأذن له؛ لأن زيارة القبور تذكر الآخرة،

وأما الاستغفار فلم يأذنْ له، وكانت قد ماتت في الفترة - كما هو معلوم - على دين أهل الجاهلية، ولله في حكمه ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

13_ بَابُ بِرِّ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ

 

24 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ _تَعَالَى_:

* كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .

* وَالثَّانِيَةُ: أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] .

* وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي، أَفَأُوصِي بِالنِّصْفِ؟ فَقَالَ: «لَا» ، فَقُلْتُ: الثُّلُثُ؟ فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا.

* وَالرَّابِعَةُ: إِنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْفِي بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ

[قال الشيخ الألباني: صحيح]


رواة الحديث :

 

* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ (ثقة فاضل: ت 212 هـ)

محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبى مولاهم، أبو عبد الله الفريابى، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (ثقة: ت 160 هـ):

إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السَّبِيْعِيُّ الْهَمْدَانِي، أبو يوسف الكوفي، من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ (صدوق: ت 123 هـ):

سماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية الذهلى البكرى، أبو المغيرة الكوفى، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له: خت م د ت س ق 

 

* عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ (ثقة: (ت : 103 هـ):

مصعب بن سعد بن أبى وقاص القرشى الزهرى، أبو زرارة المدنى، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (ت : 55 هـ بـ العقيق):

سعد بن أبى وقاص (مالك) بْنِ وُهَيْب بن عبد مناف بْنِ زُهْرَةَ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعْب القرشي، أبو إسحاق الزُّهْرِيُّ، صحابي جليل _رضي الله عنه_، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

قَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ _تَعَالَى_:

* كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_: 

{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .

* وَالثَّانِيَةُ: أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ: 

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] .

* وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْسِمَ مَالِي، أَفَأُوصِي بِالنِّصْفِ؟" فَقَالَ: «لَا»، 

فَقُلْتُ: الثُّلُثُ؟ فَسَكَتَ، فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدَهُ جَائِزًا.

* وَالرَّابِعَةُ: إِنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْفِي بِلَحْيِ جَمَلٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ _عَزَّ وَجَلَّ_ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ." اهـ

 

شرح الحديث :

 

قال الله _تعالى_ :

{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]

 

وقال تعالى :

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]

 

وقال تعالى :

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90]

 

وقال تعالى :

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 22) (رقم : 24)، مسلم في "صحيحه" (4/ 1877) (1748)، وأبو عوانة في "المستخرج" – ط. الجامعة الإسلامية (14/ 230) (رقم : 7052)، وأحمد في "مسنده" (3/ 163) (رقم : 1614)، وعبد بن حميد الكشي في "المنتخب" – ت. صبحي السامرائي (ص: 74) (رقم : 132) والبزار في "البحر الزخار" المشهور بـ"مسند البزار" (3/ 347) (رقم : 1149)، وابن حبان الْبُسْتِيُّ في "صحيحه" (15/ 452) (رقم : 6992)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 46) (رقم : 17833)، وفي "شعب الإيمان" (10/ 316) (رقم : 7556)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 279) (رقم : 5369)، والشاشي في "المسند" (1/ 140) (رقم : 78).

 

فالحديث صحيح : انظر "تخريج مشكاة المصابيح" (3072) للألباني _رحمه الله_

 

من فوائد الحديث:

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/ 360):

"* هذا الحديث يدل على شرف سعد وعلو منزلته، لأن الله تعالى أنزل هذه الآيات في شأنه، فاستمرت أحكامها باقية إلى يوم القيامة تعود عليه بركتها، ويناله من خيرها،

فمن بركة هذه القصة: أن الله تعالى أفتى فيها حيث كانت الوصاة قد تقدمت منه سبحانه ببر الوالدين وتتابعت، وكان حق الله عز وجل أولى في عبادته." اهـ

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/ 361):

"وأما القصة الثالثة في الخمر، فإنها تدل على أن الله _عز وجل_ شرَّف أمةَ محمدٍ _صلى الله عليه وسلم_ وأكْرَمَها بأن حرَّم عليها الخمر، لما في الخمر من جِمَاع الإثم، وإنها داعية إلى سفك دماء، وانتهاك أعراض، وضياع أموال، وتغير عقول، وغير ذلك." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (38/ 627_629):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - حيث نزلت الآيات المذكورة فيه.

2 - (ومنها): وجوب برّ الوالدين، وإن كانا كافرين بما لا يخالف الشرع.

3 - (ومنها): حلّ الغنائم خصوصيّةٌ لهذا الأمة، وجواز تنفيل الإمام بعض الغزاة بما يراه.

4 - (ومنها): جواز الوصيّة، وأنه لا يجوز إلا بالثلث.

5 - (ومنها): تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة، قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- :

"هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُبَاحًا مَعْمُولًا بِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُنْكَرُ وَلَا يُغَيَّرُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ النساء" لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَهَلْ كَانَ يُبَاحُ لَهُمْ شُرْبُ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْكِرُ؟ حَدِيثُ حَمْزَةَ ظَاهِرٌ فِيهِ حِينَ بَقَرَ خَوَاصِرَ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَبَّ أَسْنِمَتَهَمَا،

فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ إِلَى حَمْزَةَ فَصَدَرَ عَنْ حَمْزَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَوْلِ الْجَافِي الْمُخَالِفِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنِ احْتِرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْقِيرِهِ وَتَعْزِيرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَمْزَةَ كَانَ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِمَا يُسْكِرُ،

وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاوِي : فَعَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى حَمْزَةَ وَلَا عَنَّفَهُ، لَا فِي حَالِ سُكْرِهِ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ لَمَّا قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجَ عَنْهُ.

وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَحَكَوْهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لَا مَفَاسِدُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَصَالِحِ الْعَقْلُ، كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْمَفَاسِدِ ذَهَابُهُ، فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا يُذْهِبُهُ أَوْ يُشَوِّشُهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ حَدِيثُ حَمْزَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِشُرْبِهِ السُّكْرَ لَكِنَّهُ أَسْرَعَ فِيهِ فَغَلَبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى [تفسير القرطبي (6/ 287)].

[تنبيه]: قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- أيضاً:

"كان تَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَنَوَازِلَ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شأنها : ((يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)) [البقرة: 219] أَيْ فِي تِجَارَتِهِمْ،

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا : (لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ)، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا : (نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا)،

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى " [النساء: 43]،

فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يَشْغَلُنَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ" الْآيَةَ- فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيُوبَ الْخَمْرِ، وَمَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِهَا، وَدَعَا اللَّهُ فِي تَحْرِيمِهَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ، فَقَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا.___

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى "] النساء: 43]، و" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ"] البقرة: 219] نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ" إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ" اهـ [تفسير القرطبي (6/ 286_287)]." اهـ

 

وقال الشيخ زيد بن محمد المدخلي (المتوفى 1435 هـ) _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد" (1/48_49):

"من المسلم به: أن قضایا نزل القرآن في بيانها، وأشخاصا نزل القرآن بسبب أفعال صدرت منهم، ومن جملة هؤلاء: سعد بن أبي وقاص، نزلت فيه تلك الآيات التي جاء ذكرها في هذا الحديث.

وخلاصة ما دل عليه هذا الحديث:

۱- تحريم الطاعة لأحد في معصية الله مهما كان حقه عليك .

۲- فيه دليل على بر الوالدين بالمعروف عندما يكونان مشرکین أو أحدهما استنادا إلى الآية الكريمة الواردة في الباب.___

3- منقبة عظيمة لسعد بن أبي وقاص _رضي عنه_ حيث نزلت فيه أربع آيات من القرآن الكريم فيها بيانُ أحكامٍ شرعيةٍ .

4- عدم جواز الوصية في مرض الموت إلا إذا توفرت شروطها، ومن شروطها أن تكون بالثلث فأقل." اهـ

 

وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص 29):

"فقه الحديث:

1- الحث على طاعة الوالدين في غير معصية الله

۲- فضل البر والإحسان مع الوالدين المشرکین .

3- فضل الأمة المحمدية على سائر الأمم بأن الغنيمة قد أحلت لها دون غيرها

4- استحباب زيارة المريض

5- تواضع النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأنه كان يهتم بعيادة المرضى اهتماما بالغًا.

6- عدم جواز الزيادة على الثلث في الوصية .

۷- إن الخمر حرام، وفيه مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة ." اهـ

 

 

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة