شرح الحديث 175 - 80- بَابُ لِيَجْتَنِبِ الوجه في الضرب - من الأدب المفرد
175 - حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِدَابَّةٍ قَدْ وُسِمَ، يُدَخِّنُ مَنْخِرَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا،
لَا يَسِمَنَّ أَحَدٌ الْوَجْهَ وَلَا يَضْرِبَنَّهُ» [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ (فيه
تصحيف، والصحيح: خلاد بن يحيى، صدوق: ت. 213 هـ):
خلاد بن يحيى بن صفوان السُّلَمِيُّ،
أبو محمد الكوفي (نزيل مكة)، من صغار أتباع التابعين، روى
له: خ د ت
قال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ في
"إتحاف المهرة" (3/ 406) (رقم: 3336):
حَدِيثُ (عه خد حم): أَبْصَرَ رَسُولُ
اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حِمَارًا وُسِمَ فِي وَجْهِهِ.
فَقَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا..." الْحَدِيثَ.
عه فِي اللِّبَاسِ: ثنا أَبُو عُمَرَ
الْحَرَّانِيُّ، ثنا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْهُ، بِهِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "
الأَدَبِ الْمُفْرَدِ ": عَنْ خَلادِ بْن يَحْيَى، عَنْهُ، بِهِ.
قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
(
ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس: 161 هـ):
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو
عبد الله الكوفي (من ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن
معد)، من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ (صدوق إلا أنه
يدلس: 126 هـ):
محمدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تدْرُسَ
القرشي الأسدي، أبو الزبير المكي (مولى حكيم بن حزام)، طبقة تلى الوسطى من
التابعين، روى له: خ م د ت س ق
عَنْ جَابِرٍ (صحابي:
ت. 78 هـ بـ المدينة):
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري الخزرجي السَّلِمِي، أبو عبد الله المدنى، روى
له: خ م د ت س ق
نص الحديث وشرحه:
عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
مَرَّ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِدَابَّةٍ قَدْ وُسِمَ، يُدَخِّنُ مَنْخِرَاهُ،
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا،
لَا يَسِمَنَّ أَحَدٌ الْوَجْهَ وَلَا يَضْرِبَنَّهُ»
قال الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد"
– ط. الرسالة (22/ 351):
"قوله: "يدخن": لعله من
دَخِنَ الطعامُ كفَرِحَ: إذا أصابه دخانٌ. قاله السندي.
وقوله: "لا يَسِمَن" من
الوسم، وهو الكي لجعله علامةً له." اهـ
وقال ابن الأثير _رحمه الله_ في "النهاية
في غريب الحديث والأثر" (2/ 109):
"وَقِيلَ: أَصْلُ الدَّخَنِ: أَنْ
يكونَ فِي لَوْن الدَّابّة كُدُورة إِلَى سَوادٍ." اهـ
وقال عبد الرحمن الساعاتي _رحمه الله_
في "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني" (19/ 333):
"والمعنى: أن ذلك يغير لون منخريه
ويشوه خلقته
وفي "صحيح مسلم" (3/ 1673):
عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ
وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ»[1]
وفي "صحيح ابن حبان" (12/
443):
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
يَقُولُ: مَرَّ حِمَارٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كُوِيَ فِي وَجْهِهِ، تَفُورُ مَنْخِرَاهُ مِنْ
دَمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا»
ثُمَّ نَهَى عَنِ الْكَيِّ فِي الْوَجْهِ، وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"
(ص: 72) (رقم: 175)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1673/ 106_107) (رقم: 2116 و 2117)،
وأبو داود في "سننه" (3/ 26) (رقم: 2564)، والترمذي في "سننه"
– ت. شاكر (4/ 210) (رقم: 1710)، وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (4/
458 و 4/ 459 و 9/ 444) (رقم: 8450 و 8451 و 17949)، وابن أبي شيبة في "المصنف"
(4/ 263 و 4/ 263) (رقم: 19926 و 19930)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم
الكتب (3/ 296 و 3/ 318 و 3/ 323 و 3/ 378) (رقم: 14164 و 14424 و 14459 و 15046)،
وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (4/ 76 و 4/ 111 و 4/ 166) (رقم: 2099 و2148
و 2235)، وأبو عوانة في "مستخرجه" – ط. الجامعة الإسلامية (17/ 80)
(رقم: 9255)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 146) (رقم: 2551)، والطبري في
"تهذيب الآثار" - الجزء المفقود (ص: 342_343) (رقم: 635_637)، والخرائطي
في "اعتلال القلوب" (1/ 178) (رقم: 362)، وفي "مساوئ الأخلاق"
(ص: 324 و 327) (رقم: 685 و 692 و694)، وابن حبان في "صحيحه" (12/ 438 و
12/ 442 و 12/ 443 و 12/ 444) (رقم: 5620 و 5626 و 5627 و 5628)، والطبراني في "مسند
الشاميين" (2/ 112) (رقم: 1014)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"
(7/ 292)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 418 و 7/ 55 و 7/ 56) (رقم: 10334
و 13258 و 13259)، وفي "معرفة السنن والآثار (9/ 343 و 13/ 65) (رقم: 13393 و
17487)، وفي "الآداب" (ص: 261) (رقم: 637).
والحديث صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/ 65) (رقم: 1549)،
و"صحيح الأدب المفرد" (ص: 86) (رقم: 131)، و"إرواء الغليل"
(7/ 241) (رقم: 2185)، و"صحيح أبي داود" - الأم (7/ 317) (رقم: 2310)، و"صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (1/ 282) (رقم: 1326)، و"التعليقات الحسان على
صحيح ابن حبان" (8/ 169 و 8/ 172 و 8/ 172 و 8/ 173) (رقم: 5591 و 5597 و 5598
و 5599)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 567) (رقم: 2293)
من فوائد الحديث:
1/ فيه إشارة إلى احترام
الوجه وتشريفه
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- في
"المفهم" (5/ 437):
"نهيه _صلى الله عليه وسلم_ عن
الضرب في الوجه، وعن الوسم فيه، يدلّ على احترام هذا العضو، وتشريفه على سائر
الأعضاء الظاهرة،
وذلك لأنه الأصل في خلقة الانسان، وغيره
من الأعضاء خادم له؛ لأنَّه الجامع للحواس التي
يحصل بها الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة، ولأنَّه
أول الأعضاء في الشخوص، والمقابلة، والتحدُّث، والقصد، ولأنَّه مدخل الروح ومخرجه، ولأنه
مقرّ الجمال والحسن، ولأن به قوام الحيوان
كله: ناطقه، وغير ناطقه،
ولمّا كان بهذه المثابة، احترمه الشرع،
ونهى عن أن يُتعرَّض له بإهانة، ولا تقبيح، ولا تشويه،
وقد مرَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
برجل يضرب عبده، فقال:
"اتَّقِ الوجه، فإنَّ الله تعالى
خلق آدم علي صورته"؛
أي: علي صورة المضروب، ومعنى ذلك
-والله أعلم-: أن المضروب من ولد آدم، ووجهه كوجهه في أصل الخلقة، ووجه آدم -صلى
الله عليه وسلم- مكرمٌ، ومشرف؛ إذ قد شرفه الله تعالى بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من
روحه، وأقبل عليه بكلامه، وأسجد له ملائكته، وإذا كان هذا الوجه يشبه هذا الوجه،
فينبغي أن يُحترم كاحترامه.
ولمّا سمع ذلك الصحابي النهي عن الوسم،
وفَهِم في لك المعنى قال: (والله لا أسِمُه)، مبالغةً في الامتثال والاحترام."
انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله-
2/ فيه: نهيٌ عن ضرب وجه كل
الحيوان المحترم من الآدميّ وغيره
وقال النوويّ _رحمه الله_ "شرح
النوويّ" (14/ 97):
"وأما الضرب في الوجه فمنهىٌّ عنه
في كل الحيوان المحترم، من الآدميّ، والحمير، والخيل، والإبل، والبغال، والغنم،
وغيرها، لكنه في الآدميّ أشدّ؛ لأنه مَجْمَع
المحاسن، مع أنه لطيف؛ لأنه يظهر فيه أثر الضرب، وربما شَانَهُ، وربما آذى بعض
الحواسّ." اهـ
وقال القاضي عياض _رحمه الله_ في
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 645):
"وأما نهيه عن الضرب فى الوجه،
فإن فيه المحاسن وأقل أثر فيه يشينه، وربما آذى البصر أو أذهبه، مع إهانة الصورة
التى اختص الله بها بنى آدم وكرمهم بها، ونبه فى الحديث الآخر على إكرامها بخلق
نبيه آدم أبى البشر عليها.
قال الإمام [المازري]: قال عبد الوهاب:
تكره السمة فى الوجه ولا أكرهه فى غيره؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نهى عن السمة فى الوجه وأرخص فيها فى الأذن، قال: ويجوز فى غيره؛ لأن
بالناس حاجة إلى علامات يعرفون بها بهائمهم.
قال القاضى: وما ذكره مسلم أن النبى
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسم غنماً.
وذكر فى آذانها: يدل على ما ذكر وعلى
جواز الوسم بالقطع والشق؛ لأنه الذى يمكن فى الأذن." اهـ
وفي "دليل الفالحين لطرق رياض
الصالحين" (8/ 446):
"وشمل النهي، ضرب الخادم، والزوجة،
والولد للتأديب، فليجتنب الوجه، وتأثير الوسم أشد." اهـ
3/ فيه تحريم الوسم في وجه
البهيمة، وبيان جوازه في غير الوجه
وقال ابن بطال القرطبي _رحمه الله_ في
"شرح صحيح البخارى" (3/ 559):
"قال الطبرى:
فغير جائز لأحد عَرَفَ نَهْيَ النبِيِّ
_صلى الله عليه وسلم_ عن الوسم فى الوجه أن يسم بهيمة فى
وجهها،
فإن قال: فأى المواضع يجوز الوسم فيه؟
قيل: حيث شاء ربها إذا عدا به وجْهها، وإنْ كان أحَبُّ الأماكنِ أن يسم من الإبل
والبغال والحميرِ جَاعِرَتَهَا، ومن الغنم آذانها." اهـ
الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/
141)
وَقَالَ النَّوَاوِيُّ الضَّرْبُ فِي
الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ
أَشَدُّ قَالَ وَالْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إجْمَاعًا فَأَمَّا
الْآدَمِيُّ فَوَسْمُهُ حَرَامٌ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ
فَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا،
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: (لَا يَجُوزُ،
وَهُوَ الْأَظْهَرُ)،
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: (وَغَيْرُ
الْآدَمِيِّ، فَوَسْمُهُ فِي وَجْهِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُ
الْوَجْهِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ، وَالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ _عَلَيْهِ
السَّلَامُ_ "(وَسَمَهَا فِي آذَانِهَا)،
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْأُذُنَ لَيْسَتْ مِنْ الْوَجْهِ لِنَهْيِهِ
عَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ،
وَالْوَسْمُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ
عِيَاضٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِمُهْمَلَةٍ وَبِمُعْجَمَةٍ وَبَعْضُهُمْ قَالَ
بِمُهْمَلَةٍ فِي الْوَجْهِ وَبِمُعْجَمَةٍ فِي سَائِر الْجَسَدِ." اهـ
وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح" (6/ 2650) للقاري:
"قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَسْمُ
فِي الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَمَّا وَسْمُ الْآدَمِيِّ
فَحَرَامٌ لِكَرَامَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ
تَعْذِيبُهُ،
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ
مِنْ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إِلَى
تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِذِ اللَّعْنُ يَقْتَضِي
التَّحْرِيمَ،
وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ
فَمُسْتَحَبٌّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَجَائِزٌ فِي غَيْرِهَا،
وَإِذَا وَسَمَ فَمُسْتَحَبٌّ أَنْ يَسِمَ الْغَنَمَ فِي آذَانِهَا وَالْإِبِلَ
وَالْبَقَرَ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا، وَفَائِدَةُ
الْوَسْمِ: التَّمْيِيزُ." اهـ
وقال السفاريني _رحمه الله_ في "غذاء
الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 32_33):
"وَفِي "الْآدَابِ
الْكُبْرَى":
لَا يَسِمُ فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ
بِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ جَابِرٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَعَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ» . وَفِي لَفْظٍ
«مَرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ
مَنْ وَسَمَهُ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:
«رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا مَوْسُومَ
الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسِمُهُ إلَّا فِي أَقْصَى
شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ___فَكَوَى عَلَى جَاعِرَتَيْهِ فَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَاعِرَتَانِ
مَوْضِعُ الرَّقْمَتَيْنِ مِنْ اسْتِ الْحِمَارِ، وَهُوَ مَضْرِبُ الْفَرَسِ
بِذَنَبِهِ عَلَى فَخْذَيْهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُمَا حَرْفَا الْوَرِكَيْنِ
الْمُشْرِفَانِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْجَاعِرَتَانِ
مَوْضِعُ الرَّقْمَتَيْنِ مِنْ اسْتِ الْحِمَارِ وَمَضْرِبُ الْفَرَسِ بِذَنَبِهِ
عَلَى فَخْذَيْهِ أَوْ حَرْفَا الْوَرِكَيْنِ الْمُشْرِفَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ،
وَقَالَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: قَوْلُهُ فَكَانَ يَسِمُ فِي
الْجَاعِرَتَيْنِ رَقْمَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِ ذَنَبَ الْحِمَارِ انْتَهَى."
اهـ
ثم قال في "غذاء الألباب في شرح
منظومة الآداب" (2/ 33):
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَسْمَ إمَّا
أَنْ يَكُونَ فِي آدَمِيٍّ، أَوْ لَا،
الْأَوَّلُ: حَرَامٌ،
وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
الْوَجْهِ، أَوْ لَا،
الْأَوَّلُ: حَرَامٌ أَيْضًا، وَعَلَى
الثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْسُومُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ أَوْ
الْجِزْيَةِ، وَمِثْلُهَا فَرَسٌ حَبِيسٌ، وَنَحْوُهَا فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا
وَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهَا...
وَقَالَ [الخطابي]: يُحَرَّمُ لِقَصْدِ
الْمُثْلَةِ، وَيَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَسْمُ
مُسْتَحَبًّا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ الْجَوَازُ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ، لَا الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
وفي "نيل الأوطار" (8/ 99)
للشوكاني:
"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ
مَعْنَى النَّهْيِ حَقِيقَةً وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اللَّعْنُ الْوَارِدُ لِمَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ،
فَإِنَّهُ لَا يَلْعَنُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَنْ فَعَلَ
مُحَرَّمًا، وَكَذَلِكَ ضَرْبُ الْوَجْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا
الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ، فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ
الْمُحْتَرَمِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ
وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ،
لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ،
وَرُبَّمَا شَانَهُ، وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ." اهـ
وفي "المجموع شرح المهذب"
(6/ 176) للنووي:
قَالَ أَصْحَابُنَا:
يُسْتَحَبُّ وَسْمُ الْإِبِلِ
وَالْبَقَرِ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمِ
فِي أَذَانِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ وَسَمَ فِي غَيْرِهِ جَازَ
إلَّا الْوَجْهَ فَمَنْهِيٌّ عن الموسم فِيهِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا
وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ،
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ
فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وُسِمَ
فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ) رَوَاهُ مُسْلِم."
اهـ
وفي "مغني المحتاج إلى معرفة
معاني ألفاظ المنهاج" (4/ 194) للشربيني:
"قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ
نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْأُمِّ قَالَ: وَالْخَبَرُ
عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَيَنْبَغِي رَفْعُ الْخِلَافِ وَحَمْلُ
الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَوْ أَنَّ قَائِلَهُ لَمْ يَبْلُغْهُ
الْحَدِيثُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ.
أَمَّا الْآدَمِيُّ. فَوَسْمُهُ
حَرَامٌ إجْمَاعًا، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: يَجُوزُ الْكَيُّ إذَا دَعَتْ
الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ نَفْسُهُ
أَوْ غَيْرُهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ." اهـ
4/ وفيه: أن للإمام أن يتخذ
ميسمًا
وقال ابن بطال القرطبي _رحمه الله_ في
"شرح صحيح البخارى" (3/ 559):
"قال المهلب:
"وفيه: أن للإمام أن يتخذ ميسمًا
لخيله ولخيل السبيل، ليميز بعضها من بعض، وليس للناس أن يتخذوا مثل خاتمه وميسمه،
لينفرد السلطان بعلامة لا يشارك فيها." اهـ
5/ فيه: دليل عَلَى إباحة
ضرب الدواب عَلَى غير الوجه عند الحاجة
وقال ابن المنذر النيسابوري _رحمه
الله_ في "الإقناع" (2/ 446):
"فِي نهيه عن الضرب عَلَى الوجه
مع ضربه البعير الذي كَانَ عليه جابر دليل عَلَى
إباحة ضرب الدواب عَلَى غير الوجه.
6/ وفيه الحث على الرفق
بالمملوك وغيره
وقال باسم فيصل الجوابرة _حفظه الله_ في
تعليقه على "الكبائر" لمحمد بن عبد الوهاب" (ص: 197):
"وفيه الحث على الرفق بالمملوك
والوعظ والتنبيه على استعمال العفو وكظم الغيظ والحكم كما يحكم الله على عباده."
اهـ
[1] في "شرح المصابيح" لابن الملك (4/ 497): "وعن
الوسم في الوجهِ "؛ أي: الكي فيه بالميسم، وهو: آلة من حديد يُكَوى
بها." اهـ
Komentar
Posting Komentar