شرح الحديث 129-131 من 9 - (الترهيب من أنْ يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله) - صحيح الترغيب

 

129 - (7) [صحيح لغيره موقوف] وعن لقمان -يعني ابن عامر- قال:

كان أبو الدرداء _رضي الله عنه_ يقول:

"إنّما أخشى من ربي يومَ القيامة أنْ يدعوَني على رؤوس الخلائِقِ،

فيقولَ لي: (يا عُوَيْمرُ!)، فأقولَ: (لبيكَ ربِّ).

فيقولَ: (ما عملتَ فيما علمتَ). رواه البيهقي (1).

__________

(1) قلت: أخرجه في "شعب الإيمان" (2/ 299/ 1852)، وفيه الفَرَجُ بْنُ فضالةَ، وهو ضعيف، لكن رواه الدارمي (1/ 82)، وابن عبد البر (2/ 2 و3) من طرق عن أبي الدراء، وكذا ابن المبارك في "الزهد" كما في "الكواكب الدراري" (1/ 30/ 1). ثم رأيته في المطبوعة (13 - 14/ 39)، وسند هذا صحيح.

 

وفي "الأعلام" للزركلي (5/ 98):

"أَبُو الدَّرْدَاء (000 - 32 هـ = 000 - 652 م):

عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي، أبو الدرداء: صحابي، من الحكماء الفرسان القضاة. كان قبل البعثة تاجرا في المدينة، ثم انقطع للعبادة. ولما ظهر الإسلام اشتهر بالشجاعة والنسك.

وفي الحديث " عويمر حكيم أمتي " و " نعم الفارس عويمر ".

وولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب، وهو أول قاض بها. قال ابن الجزري: كان من العلماء الحكماء. وهو أحد الذين جمعوا القرآن، حفظا، على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم بلا خلاف.

مات بالشام. وروى عنه أهل الحديث 179 حديثا.

 

نص الحديث:

 

وعن لقمان -يعني ابن عامر- قال:

كان أبو الدرداء _رضي الله عنه_ يقول:

"إنّما أخشى من ربي يومَ القيامة أنْ يدعوَني على رؤوس الخلائِقِ،

فيقولَ لي: (يا عُوَيْمرُ!)، فأقولَ: (لبيكَ ربِّ).

فيقولَ: (ما عملتَ فيما علمتَ). رواه البيهقي

 

وفي "الزهد" لأبي داود (ص: 201_202):

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ:

"إِنِّي لَخَائِفٌ يَوْمَ يُنَادِي مُنَادٍ، فَيَقُولُ: (يَا عُوَيْمِرُ). فَأَقُولُ: (لَبَّيْكَ رَبِّ لَبَّيْكَ).

فَيَقُولُ: (أَمَا عَلِمْتَ؟) فَأَقُولُ: (نَعَمْ).

فَيُقَالُ: (كَيْفَ عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟)، فَتَأْتِي كُلُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ زَاجِرَةً وَآمَرَةً تَسْأَلُنِي فَرِيضَتَهَا،

فَتَشْهَدُ عَلَيَّ الْآمِرَةُ بِأَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَتَشْهَدُ عَلَيَّ الزَّاجِرَةُ بِأَنِّي لَمْ أَنْتَهِ أَوْ أَتْرُكْ.___

فَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ عَمَلٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ صَوْتٍ لَا يُسْمَعُ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُجَابُ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 13) (رقم: 39)، وعبد الرزاق في "المصنف" (11/ 253) (رقم: 20467)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 112 و 7/ 275) (رقم: 34598 و 36038)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" – ط. دار صادر (2/ 358)، الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 112) (رقم: 731)، والدارمي في "سننه" (1/ 321) (رقم: 270)، وأبو داود في "الزهد" (ص: 201 و 221) (رقم: 215 و 249)، الحارث في "مسنده" كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 1004) (رقم: 1124)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/ 841) (رقم: 849)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 213_214)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 277 و 3/ 302) (رقم: 1646 و 1711)، وفي "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 316 و 317) (رقم: 489 و 492)، وأبو علي الشامُوْخي في "الأحاديث" (ص: 41) (رقم: 21)، اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 19 و 41_42) (رقم: 5 و 53_55)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 680 و 1/ 682) (رقم: 1201 و 1204)، وأبو شجاع الديلمي قي "الفردوس بمأثور الخطاب" (3/ 293) (رقم: 4878)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/ 148)

 

والحديث صحيح موقوف: صححه لغيره الألباني في _رحمه الله_ "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 163) (رقم: 129)

 

من فوائد الحديث:

 

وفي "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 679):

"بَابُ مَا جَاءَ فِي مُسَاءَلَةِ اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_ الْعُلَمَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا عَمِلُوا فِيمَا عَلِمُوا." اهـ

 

اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 15)

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعِلْمُ خَادِمُ الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ غَايَةُ الْعِلْمِ، فَلَوْلَا الْعَمَلُ لَمْ يُطْلَبْ عِلْمٌ وَلَوْلَا الْعِلْمُ لَمْ يُطْلَبْ عَمَلٌ، وَلَأَنْ أَدَعَ الْحَقَّ جَهْلًا بِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهُ زُهْدًا فِيهِ

 

وفي "إحياء علوم الدين" (2/ 334):

"وقال الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-:

"إذا كنت آمرًا بالمعروف، فكن من آخَذِ الناسِ بِهِ، وإلا هلكت، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر، فكن من أنكر الناس له، وإلا هلكتَ." اهـ

 

قال ابن النحاس -رحمه الله- في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 127_128):

"والأحاديث والآثار في ذم علماء السوء، وتوبيخ من لم يعمل بعلمه، ومن خالف قوله عمله كثيرة جدًا،

وهي ناطقة بأن من أمر بما لا يفعل أشر الناس منزلة___عند الله يوم القيامة، وأن العلماء الفجرة هم الأخسرون إذ ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

130 - (8) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي بَرزةَ _رضي الله عنه_ قال:

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"مَثلُ الذي يُعلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسَه، مَثَلُ الفَتيلة؛ تُضيءُ على الناسِ، وتَحرقُ نَفْسَها". رواه البزار (2).

__________

(2) كذا الأصل والمخطوطة، ولم ينسبه الهيثمي ثم السيوطي إلا للطبراني في "الكبير"، وضعفه ينجبر بالذي بعده.

 

ترجمة أبي برزة الأسلمي:

 

أبو برزة الأسلمي هو الصحابي نَضْلَة بن عُبَيْد بن الحارث بن حبال بن ربيعة بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلمان بن أسلم بن أفصى الأسلمي.

وقيل: نضلة بن عبد الله بن الحارث،

وقيل: عبد الله بن نضلة.

أسلم قديماً، وشهد فتح خيبر، وفتح مكة، وحنينا، وسكن البصرة، وولده بها، وغزا خراسان، ومات بها أيام يزيد بن معاوية، أو في آخر أيام معاوية، وكان يهتم بإطعام الفقراء والمساكين واشتهر بكنيته.

 

نص الحديث وشرحه:

 

ورُوي عن أبي بَرزةَ _رضي الله عنه_ قال:

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"مَثلُ الذي يُعلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسَه، مَثَلُ الفَتيلة؛ تُضيءُ على الناسِ، وتَحرقُ نَفْسَها". رواه البزار

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (ص: 49) (رقم: 71)

 

وقال الهيثمي _رحمه الله_ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1/ 184):

"رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ السُّحَيْمِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَاخْتِلَاطِهِ." اهـ

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1016) (رقم: 5837)، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 585) (رقم: 2329)

 

من فوائد الحديث:

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 372)

هَذَا مثل ضربه لمن لم يعْمل بِعَمَلِهِ، وَفِيه وَعِيد شَدِيد

 

فيض القدير (5/ 510)

* وهذا مثل ضربه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن لم يعمل بعلمه،

* وفيه وعيد شديد قال أبو الدرداء: وويل لمن لا يعلم مرة وويل لمن علم ولم يعمل ألف مرة،

وقال التستري:

"الناس كلهم سكارة إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه.

وقال:

الدنيا جهل وباطل إلا العلم، والعلم حجة عليه إلا المعمول به والعمل هباء إلا بإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به."

وقال الجنيد:

متى أردت أن تشرفَ بالعلم وتكونَ من أهله وتنتصبَ له قبل إعطائه حقه، احتجب عنك نوره وكان عليك، لا لك.

وأخذ جمْعٌ من هذا الحديث وما علي منواله: أن العاصي ليس له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن سيجيء في حديث التصريح بخلافه، وعليه الأكثر." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 529)

وفيه إشارة إلي أن العالم الذي لا يعمل مثل الجماد في الدنيا، وفي الآخرة يعذب ففي الدنيا ما نفعه علمه ولا في الآخرة.

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 271)

وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» . وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ لَقِيَ اللَّهَ وَفِيهِ ثُلْمَةٌ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: «مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَذَابِ» .

تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْفَسَادِ الْعَائِدِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مَا لَا يُتَدَارَكُ خَرْقُهُ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِعَدِّ ذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ.

 

[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِأَنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَنَحْوِ مَالِهِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوْلِ الْفِعْلَ) . قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَفْهَمَتْ الْآيَةُ أَنَّ مَنْ هَجَرَهُمَا خَرَجَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَرْقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَتَرْكُ الْإِنْكَارِ تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ. وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] فَفِيهَا غَايَةُ التَّهْدِيدِ وَنِهَايَةُ التَّشْدِيدِ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] .

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (2/ 16)

وَإِنَّمَا يُضَاعَفْ عَذَابُ الْعَالِمِ فِي مَعْصِيتِهِ لأَنَّهُ عَصَى عَنْ عِلْمٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَلأَنَّهُ قُدْوَةٌ فَيَزِلُّ بِزَلَتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ زِلْةُ الْعَالِمِ زَلْةُ الْعَالَمِ. وَقِيلَ كَالسَّفِينَة إِذَا غَرَقَتْ غَرَقَ مَعَهَا أُمَمٌ مَا يُحْصِيهُمْ إِلا اللهُ.

وَفِي الْخَبَرِ: «وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيْئِةً فَعَلَيْهِ وِزْرَهَا وَوِزْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» .

وَذَلِكَ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ اقْتَدَوا بِهِمْ فِي السُّوءِ فَيَنَالُهُمْ مِثْلَ عِقَابِ أَتْبَاعِهِمْ،

قَالَ تَعَالَى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [العنكبوت: 13]،

وَقَالَ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]." اهـ

 

الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين (ص: 261)

النوع الثالث والأربعون: من مشابهة اليهود ما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم من الوعظ والتذكير وأمر الناس بالبر والتقوى وهم مع ذلك ينسون أنفسهم ويخالفون أقوالهم بأفعالهم السيئة وهؤلاء جديرون بالمقت والعقوبة،

قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2، 3]

وقال تعالى:

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة: 44]،

وفي هذه الآيات أبلغ تقريع وتوبيخ لمن أمر الناس بالبر والتقوى ونسي نفسه.

فليحذر الخطباء والوعاظ والقصاص مِنْ سُوْءِ عَاقِبَةِ الْمُخَالَفَةِ بيْنَ الأقوالِ والأفعالِ.

وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم من يفعل ذلك والوعيد الشديد له في الآخرة." اهـ

 

حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: 1413 هـ) _رحمه الله_ في "غربة الإسلام" (1/ 30):

"وقد وردت أحاديث كثيرة وآثار بما سيقع في آخر الزمان عند اشتداد غربة الإسلام والسنة؛ من تغيُّر الأحوال وظهور النقص في أمور الدين، وكثرة الشر والفساد.

وقد ظهر مصداق أكثرها من أزمان متطاولة، وما زال الشر يزداد على ممر الأوقات أو كاد أن يتكامل ظهور الجميع في هذه الأزمان كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم للأحاديث ومعرفة بالواقع.

 

وقال ابن النحاس _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 122):

"الباب الرابع: في إثم من أمر بمعروف ولم يفعله أو نهى عن منكر وهو يفعله

قال الله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [سورة البقرة: 44].

وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف: 2 - 3]." اهـ

 

أسرار البلاغة (ص: 119)

وازنْ بين قولك للرجلِ تعِظُه إنك لا تُجْزَى السيئة حسنةً، فلا تَغُرَّ نفسك وتُمسِك، وبين أن تقول في أثره إنكَ لا تجني من الشَّوك العِنَب، وإنما تحصُدُ ما تزرع، وأشباه ذلك.

 

وقال الشاطبي في "الموافقات" (1/ 83):

"وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحصى، وَكُلُّ ذَلِكَ يُحقق أَنَّ الْعِلْمَ وَسِيلَةٌ مِنَ الْوَسَائِلِ، لَيْسَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى الْعَمَلِ، وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ بِهِ." اهـ

 

وقال الألباني في "قيام رمضان" (ص: 7_8):

"العلم إذا لم يقترن معه الإخلاص___والنزاهة في الأخلاق, كان ضرره على صاحبه أكثر من نفعه." اهـ

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 155)

(الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ)

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 271)

(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِأَنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَنَحْوِ مَالِهِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوْلِ الْفِعْلَ)

 

وقال الخطيب البغدادي _رحمه الله_ في "اقتضاء العلم العمل" (ص: 46):

"بَابٌ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْعِلْمِ، وَعَدَلَ إِلَى ضِدِّهِ وَخِلَافِ مُقْتَضَاهُ فِي الْحُكْمِ." اهـ

 

 

 

 

131 - (9) [حسن صحيح] وعن جُندُب بن عبد الله الأزدي _رضي الله عنه _، صاحبِ النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ عن رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال:

"مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ وينسى نفسَهُ، كمثل السِّراجِ؛ يضيء للناسِ وَيَحرقُ نفسه" الحديث.

رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناه حسن إن شاء الله تعالى (3).

__________

(3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريقين أحدهما حسن، ويشهد له ما قبله، وهو مخرج في "الصحيحة" تحت الحديث (3379).

 

ترجمة جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 174_175) (رقم: 30):

"جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ * (ع): الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، العَلَقِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَزَلَ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ...

عَاشَ جُنْدُبٌ البَجَلِيُّ - وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ - وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سنَةِ سَبْعِيْنَ." اهـ

 

وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص: 80) (رقم: 300):

"جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العَلَقِيُّ، وَعَلَق من بجيلة، أبو عبد الله، وهو الذي يقال له (جندب الخير)." اهـ

 

وقال ابن الفرّاء الحنبلي في "تجريد الأسماء والكنى المذكورة في كتاب المتفق والمفترق" (1/ 133)

"قال يحيى بن معين: جندب البجلي، وجندب بن عبد الله، وجندب بن سفيان واحد." اهـ

 

وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1/ 256) (رقم: 340):

"والعَلَقُ: بطن من بجيلة، وهو علقة بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث، أخو الأزد بن الغوث، له صحبة ليست بالقديمة." اهـ

 

معجم الصحابة للبغوي (1/ 534):

"جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي وهو العلقي.

ويقال: جندب الخير، وجندب الفاروق، وجندب بن أم جندب." اهـ

 

وقال مُغَلْطَايْ في "إكمال تهذيب الكمال" (3/ 245) (رقم: 1022):

"ونسبه أبو علي الجياني في كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل»: قسريا." اهـ

 

وفي "إكمال تهذيب الكمال" (3/ 245):

"عن الحسن قال:

قدم جندب بن عبد الله البجلي علينا وكان بدريا، فخرج منها - يعني البصرة - يريد الكوفة فشيعه الحسن وخمسمائة، حتى بلغوا معه مكانا يقال له: (حصن الكاتب)، فأقسم عليهم أن ينصرفوا،

فقال الحسن: يا صاحب رسول الله حدثنا حديثا لا وهم فيه ولا زيادة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى الصبح كان في ذمة الله فلا تخفروا الله في ذمته»." اهـ

 

وفي "إكمال تهذيب الكمال" (3/ 246):

"وقال ابن قانع: مات سنة أربع وستين." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/ 165 و 2/ 167) (رقم: 1681 و 1685)، الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 150) (رقم: 1018)، أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (ص: 324) (رقم: 276)، اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 49) (رقم: 70)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1015) (رقم: 5831)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/ 164 و 2/ 585) (رقم: 131 و 2328)

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة