شرح الْوَجْه الْحَادِي والاربعين - مفتاح دار السعادة (للشارح أبي فائزة البوجيسي)

  

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 60):

"الْوَجْه الْحَادِي والاربعون:

مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث مُعَاوِيَة _رضى الله عَنهُ_ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: (من يرد الله بِهِ خيرا، يُفَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ)،

وَهَذَا يدل على أنَّ من لم يُفَقِّهْهُ فِي دينه، لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا، كَمَا أنَّ مَنْ أراد بِهِ خيْرا، فَقَّهَهُ فِي دينه. وَمن فقَّهَهُ فِي دينه، فَقَدْ أرادَ بِهِ خَيْرًا، إِذا أُرِيْدَ بالْفِقْهِ الْعلم المستلزم للْعَمَل.

وأما إنْ أُرِيْدَ بِهِ مُجَرّدُ الْعِلْمِ، فَلَا يدُلُّ على أَنَّ مَنْ فَقَّهَ فِي الدّين، فَقَدْ أُرِيْدَ بِهِ خيرا، فَإِن الْفِقْهَ _حِينَئِذٍ_، يكون شرطا لإرادةِ الْخَيْرِ، وعَلى الأولِ يكون مُوْجِبًا، وَالله أعْلَم." اهـ

 

وفي "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (2/ 35):

"وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ: "إنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُولَدْ عَالِمًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ."

وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ."

وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلَا تَكُنْ الرَّابِعَ، فَتَهْلَكَ."

وَقَالَ حَمَّادُ بْن حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:

"كُنَّ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُحِبًّا، أَوْ مُتَّبِعًا، وَلَا تَكُنْ الْخَامِسَ، فَتَهْلَكَ."

قَالَ الْحَسَنُ: "هُوَ الْمُبْتَدِعُ."

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ،

وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: "الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ، لَا خَيْرَ فِيهِمْ."

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْن مَسْعُودِ: "تَعَلَّمُوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: البخاري في "صحيحه" (رقم: 71)، ومسلم في "صحيحه" (رقم: 1037)

 

من فوائد الحديث:

 

قال النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 128):

"فِيهِ: فَضِيلَةُ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ. وَسَبَبُهُ: أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ _تَعَالَى_."

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 52)

فِيهِ فضل الْفِقْه فِي الدّين على سَائِر الْعُلُوم، وَإِنَّمَا ثَبت فَضله لِأَنَّهُ يَقُود إِلَى خشيَة الله تَعَالَى والتزام طَاعَته.

 

المنتقى شرح الموطإ (7/ 208) للباجي:

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ يَقْتَضِي إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَيْرَ لِعَبِيدِهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ فَقَّهَهُ فِي دِينِهِ وَالْخَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] .

 

وقال ابن بطال _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخارى لابن بطال" (1/ 154):

"فيه: فضل العلماء على سائر الناس.

وفيه: فضل الفقه فى الدين على سائر العلوم، وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته، وتجنب معاصيه،

قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]،

وقال ابن عمر للذى قال له: "فقيه": (إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا، الراغب فى الآخرة)،

ولمعرفة العلماء بما وعد الله به الطائعين، وأوعد العاصين، ولعظيم نعم الله على عباده، اشتدت خشيتهم." اهـ

 

وقال السعدي _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" – ط. الرشد (ص: 32)

"هذا الحديث من أعظم فضائل العلم،

"وفيه: أن العلم النافع علامة على سعادة العبد، وأنّ الله أراد به خيراً.

والفقه في الدين يشمل الفقه في أصول الإيمانِ، وشرائعِ الإسلام والأحكامِ، وحقائقِ الإحسان. فإن الدين يشمل الثلاثة كلها، كما في حديث جبريل لما سأل النبي صلّى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأجابه صلّى الله عليه وسلم بحدودها.

ففسر الإيمان بأصوله الستة. وفسر الإسلام بقواعده الخمس. وفسر الإحسان بـ (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)2 فيدخل في ذلك التفقه في العقائد، ومعرفة مذهب السلف فيها، والتحقق به ظاهراً وباطناً، ومعرفة مذاهب المخالفين، وبيان مخالفتها للكتاب والسنة.

ودخل في ذلك: علم الفقه، أصوله وفروعه، أحكام العبادات والمعاملات، والجنايات وغيرها.

ودخل في ذلك: التفقه بحقائق الإيمان، ومعرفة السير والسلوك إلى الله، الموافقة لما دل عليه الكتاب والسنة.

وكذلك يدخل في هذا: تعلُّم جميع الوسائل المعينة على الفقه في الدين كعلوم العربية بأنواعها.

فمن أراد الله به خيراً فقهه في هذه الأمور، ووفقه لها.

ودلّ مفهوم الحديث على أن من أعرض عن هذه العلوم بالكلية فإن الله لم يرد به خيراً، لحرمانه الأسباب التي تنال بها الخيرات، وتكتسب بها السعادة.

 

وقال شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد _حفظه الله_ في كتابه القيم المسمى بـ"عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها" (ص: 42_44):

- قال الحافظ في الفتح: ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به. والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير انتهى.

4- الحديث دال على ما دلت عليه الآيات الكثيرة والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة.

ومعلوم: أن مذهب أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته:

تنزيهُهُ عما نزه عنه نفسه وإثبات جميع ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله _صلى الله عليه وسلم_ من الأسماء والصفاتِ، على الوجه اللائق بجلال الله، بدون تكييف، ولا تمثيل، وبدون تأويل، أو تعطيل،

كما قال سبحانه وتعالى:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،

فأثبت لنفسه السمع والبصر بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}،

ونفى مشابهة غيره له بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ___شَيْءٌ}.

وصفات الله تعالى كلها يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر دون فرق بين صفة وصفة،

فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والقدرة واليدين والوجه والغضب والرضا والاستواء على العرش وغير ذلك يجب إثباته له واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،

وكما أن لله ذاتًا لا تشبه الذوات، فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تُثْبَتُ على الوجه اللائق بالله دون أن يكون فيها مشابها لخلقه،

فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات، سواءٌ بسواء، كما أنه يقال في بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواءٌ بسواءٍ.

وإرادة الله _تعالى_ عند أهل السنة نوعان (دل عليهما كتابُ اللهِ، وسنةُ نبيِّهِ _صلى الله عليه وسلم_):

* إحداهما: بمعنى المشيئة الكونية القدرية.

* والثانية: الإرادة الدينية الشرعية،

والفرق بينهما:

* أن الكونية القدرية: شاملة لكل شيء لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه، ولابد من وقوع ما تقتضيه،

* وأما الدينية الشرعية: فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه، ولا يلزم وقوع ذلك، فالله _تعالى_ أراد من الإنس والجن شَرْعًا وَدِيْنًا أن يعبدوه وحده،

وذلك محبوب إليه، ولذلك أنزل الكُتُبَ، وأرسل الرسُلَ،

وأراد كَوْنًا وَقَدَرًا في بعض عباده الْخَيْرَ، فاجتمع لهم الأمران: الكوني والشرعي.

وأراد في البعض الآخر غَيْرَ ذلك، فوقعت في حقه الكونيةُ دون الدينية الشرعية.

فالذي أراده كونا وقدراً: أن يكون الناس فريقين: فريقا في الجنة وفريقاً في السعير،

ولابد من وقوع ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله _تعالى_:

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149].

وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]،

أما بيان الحق والدعوة إليه، فهو حاصل للكل،

قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} [البلد: 8 - 10]،

وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]،

فحذف مفعول الفعل (يدعو) إشارةً إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعولَ الفعل (يهدى) المفيدَ الخصوص،

فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله.____وما قدره الله وقضاه لابد من وقوعه، كما تقدم بيانه.

ونحن لا نعلم ذلك إلا بواحد من أمرين:

* أحدهما وقوع الشيء.

فكل ما وقع، عَلِمْنَا أن الله قد شاءه، لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فأي حركة تجرى، فهي بمشيئة الله.

والثاني: حصول الأخبار بالشيء الغائب عنا من الذي لا ينطق عن الهوى، سواءٌ كان ماضيا أو مستقبلا.

فإذا أخبر عن شيء ماض، علمنا قطعا بأنه كان ووقع كما أخبر. وإذا أخبر عن شيء مستقبل، علمنا _قطعا_ بأنه لابد وأن يقع، لأن الله قد شاءه.

فالأخبارُ الماضيةُ كأخبار بدء الخلق مَثَلاً، والمستقبلةُ كأخبارِ آخرِ الزمان، ونهايةِ الدنيا، وغير ذلك.

وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية: أن الإنسان مسلوبُ الإرادةِ مجبورُ على أفعاله، لا مشيئة له، ولا اختيار، بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]،

ولهذا ندرك الفرق: بين الحركات الاضطرارية، كحركة المرتعش، والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء، وحصول الإحسان من البعض، والإساءة من البعض الآخر.

فالاضطرارية: لا دخل للعبد فيها، والاختيارية: تجرى بمشيئة العبد، وإرادته التابعةِ لمشيئة الله وإرادته.

ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن:

قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]،

وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27].

ومن أمثلة الكونية القدرية:

قوله _تعالى_: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]،

وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]،

من السنة: قوله _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين)." اهـ

 

وقال شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد _حفظه الله_ في كتابه القيم المسمى بـ"عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها" (ص: 46_47):

"من فقه الحديث، وما يستنبط منه:

1- الترغيب في طلب العلم والحث عليه.

2- بيان فضل العلماء على سائر الناس.___

3- بيان فضل التفقه في الدين على سائر العلوم.

4- إثبات صفة الإرادة لله تعالى.

5- أن الفقه في الدين علامة لإرادة الله الخير بالعبد.

 

وقال البسام في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (7/ 485_485):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - هذا الحديث دليل على عظمة الفقه في الدِّين، الذي يشمل أصول الإيمان وشرائع الإسلام، وحقائق الإحسان، ومعرفة الحلال والحرام؛ فإنَّ الدِّين يشمل هذه الأمور الهامة العظام كلها؛ فإنَّ جبريل لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه القواعد، وأجابه عنها، قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" [رواه البخاري (50) ومسلم (29)].___

2 - أما تسمية الفقه بأنَّه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال، فإنَّ هذا إنَّما هو اصطلاح خاصٌّ حادث لعلماء الأصول الفقهية، فيدخل في مدلوله الشرعي -على المعنى العام-: معرفة حقائق الإيمان، ومعرفة أحكام شرائع الإسلام، ومعرفة السَّير والسلوك إلى الله بمعرفة مراتب الإحسان؛ فمن أراد الله به خيرًا فقَّهه في هذه الأمور، ووفَّقه للعمل بها.

3 - دلَّ مفهوم الحديث على أنَّ من أعرض عن الفقه في الدين، والتحلي بعلومه التي هي أشرف العلوم، أنَّ الله تعالى لم يرد به خيرًا.

وقد جاء هذا المعنى منطوقًا في رواية أبي يعلى (13/ 371): "ومن لم يُفَقِّهْهُ لم يبال الله به".

4 - العلوم الشرعية من الأعمال النافعة المتعدي نفعها من حاملها إلى غيره، تعليمًا، أو تأليفًا، أو قضاء، أو إفتاء؛ فهي من الأعمال الباقية بعد وفاة صاحبها: "أو علم يُنْتفع به بعده" [رواه مسلم (1631)].

قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة].

5 - للتفقه في الدين طرق وأسباب، من أخذ بها، نجح، وحصل له الفقه التام في دين الله، فمنها: تقوى الله تعالى، والإخلاص في الطلب، فلا يريد به إلاَّ وجه الله والدار الآخرة، ومنها سلوك الطرق المستقيمة في التحصيل، فيعنى أول طلبه بالمختصرات لتلك العلوم وأصولها، حفظًا وفهمًا، ثم يتوسع فيها شيئًا فشيئًا، ولا يزج بنفسه بالمراجع الكبار في أول الطلب، فيتشتت ذهنه، ويضيع جهده في أسفار العلم، والكتب الكبيرة؛ فيخرج بلا فائدة." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة